متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
4 - المهدي
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

4 - المهدي:

كلمة المهدي اسم مفعول من هدى، يقال هداه الله الطريق أي عرفه ودله عليه، وبينه له، فهو مهدي، ولم ترد في القرآن كلمة المهدي، وإنما ورد المهتدي في قول الله تعالى: * (من يهدي الله فهو المهتد) * (3) كما ورد الهادي في قول الله تعالى: * (ولكل قوم هاد) * (4)، وقد جاء في كتب التفسير أن المنذر هو سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الهادي هو علي بن أبي طالب، فلقد روى عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: لما نزلت * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) * وقال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره، وقال: أنا المنذر، ولكل قوم هاد، وأومأ بيده إلى منكب علي، فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي.

وروى ابن أبي حاتم بسنده عن السدي عن عبد خير عن علي، ولكل قوم هاد، قال: الهادي رجل من بني هاشم، قال الجنيد: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عباس في إحدى الروايات، وعن أبي جعفر محمد الباقر بن علي، نحو ذلك (5).

هذا وقد ورد في شعر حسان بن ثابت - شاعر الرسول الله صلى الله عليه وسلم - وصف النبي بالمهتدي:

____________

(1) السيد محسن الأمين: نقض الوشيعة ص 473. (ط 1951 م).

(2) محمد جواد مغنية: المرجع السابق ص 55.

(3) سورة الإسراء: آية 97.

(4) سورة الرعد: آية 7.

(5) تفسير ابن كثير 2 / 776، تفسير الطبري 16 / 357.

الصفحة 251

بأبي وأمي من شهدت وفاته * في يوم الاثنين النبي المهتدي

ووصفه بالهادي:

بالله ما حملت أنثى ولا وضعت * مثل النبي رسول الرحمة الهادي

ووصفه بالمهدي:

ما بال عيني لا تنام كأنما * كحلت مآقيها بكحل الأرمد
جزعاً على المهدي أصبح ثاوياً * يا خير من وطء الحصى لا تبعد (1)

هذا وقد وردت في بعض الأحاديث الشريفة كلمة المهدي وصفاً للإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - روى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن علي قال: قيل: يا رسول الله من يؤمر بعدك، قال.... وإن تؤمروا علياً - ولا أراكم فاعلين - تجدوه هادياً مهدياً، يأخذ بكم الصراع المستقيم (2).

وفي رواية إن تولوا علياً تجدوه هادياً مهدياً، يسلك بكم الطريق المستقيم (3).

وفي رواية عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تستخلفوا علياً - وما أراكم فاعلين، تجدوه هادياً مهدياً، يحملكم على المحجة البيضاء (4) ولما استشهد مولانا الإمام الحسين بن علي، وصفه الصحابي الجليل، قائد التوابين بأنه مهدي ابن مهدي.

والكلمة في كل هذا بمعناها اللغوي الديني: رجل هداه الله فاهتدى، ثم

____________

(1) أحمد أمين: ضحى الإسلام 3 / 235 - 236 (القاهرة 1368 هـ‍/ 1949 م).

(2) ابن الأثير: أسد الغابة 4 / 112 (دار الشعب - القاهرة 1970)، مسند الإمام أحمد 1 / 108 - 109.

(3) الحافظ أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 1 / 64 (دار الفكر - بيروت).

(4) حلية الأولياء 1 / 64.

الصفحة 252
نراها تأخذ معنى جديداً، وهو إمام منتظر، يأتي فيملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً.

وأما عن المهدي المنتظر من آل البيت، فلقد شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى، أنه كما كانت نجاة العالم من ظلمات الجاهلية على يد سيد أهل البيت سيدنا ومولانا وجدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكان وجود أهل البيت في الأمة أماناً لهم من الخسف والنسف، فإن صلاح العالم في آخر الزمان إنما سيكون - بإذن الله تعالى - على يد المهدي الذي يصطفيه الله - سبحانه وتعالى - من أهل بيت النبي الطاهرين المطهرين، والذي تواترت الأحاديث واستفاضت عن خروجه في آخر الزمان، ليملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً، قال صلى الله عليه وسلم، المهدي منا، يختم الدين، كما فتح بنا. ورواه ابن حجر الهيثمي (1) في صواعقه.

وقال صاحب كتاب عون المعبود - شرح سنن أبي داود، عند أول كتاب المهدي: واعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر العصور: أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل، من أهل البيت، يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي.

____________

(1) ابن حجر الهيثمي: هو أحمد بن علي بن حجر الهيثمي السعدي الأنصاري، فقيه صوفي، وباحث مصري، ولد عام 909 هـ‍/ 1504 م في محلة أبي الهيثم - وإليها نسب - بمحافظة الغربية، درس في المسجد الأحمدي بطنطا، ثم انتقل عام 924 هـ‍للدراسة في الأزهر بالقاهرة، حيث درس على كبار علماء عصره، ثم أذن له بالإفتاء والتدريس وعمره دون العشرين، وفي عام 940 هـ‍انتقل إلى مكة، وكان فيها إماماً للحرمين يدرس ويفتي ويؤلف، وتوفي عام 974 هـ‍/ 1567 م، ودفن بالمصلاة بتربة الطبريين بمكة المكرمة، وأهم مصنفاته:

الصواعق المحرقة، ومبلغ الأرب، والجوهر المنظم، وتحفة المحتاج لشرح المنهاج في فقه الشافعية، والخيرات الحسان في مناقب أبي حنيفة النعمان، والفتاوى الهيثمية (في أربع مجلدات)، وشرح مشكاة المصابيح للتبريزي، والإمداد في شرح الإرشاد للمقري، والزواجر عن اقتراف الكبائر، والمنح المكية - شرح لهمزية البوصيري، (أنظر: دائرة المعارف الإسلامية 1 / 133، خلاصة الأثر 2 / 166، آداب اللغة 3 / 334، مقدمة الصواعق المحرقة ص 7 - 8).

الصفحة 253
ويكون خروج الدجال وما بعده - من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح - على أثره، وأن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ينزل من بعده، فيقتل الدجال، أو ينزل معه، فيساعده على قتله، ويأتم بالمهدي في صلاته.

وهذا وقد خرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة - منهم أبو داود (202 هـ‍/ 817 م - 275 هـ‍/ 888 م) وابن ماجة (209 هـ‍/ 824 م - 273 هـ‍/ 886 م) وأبو يعلى الموصلي (210 هـ‍/ 825 م - 307 هـ‍/ 1919 م) والترمذي (210 هـ‍/ 825 م - 279 هـ‍/ 892 م) والطبراني (260 هـ‍/ 873 م - 360 هـ‍/ 971 م) والحاكم (321 هـ‍/ 933 م - 404 هـ‍/ 1014 م).

وقد أسندوها إلى جماعة من الصحابة - من أمثال الإمام علي، وابن عباس، وابن عمر، وطلحة، وعبد الله بن مسعود، وعلي الهلالي، وعبد الله بن الحارث بن جزء، رضي الله عنهم أجمعين.

وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف.

وقد بالغ ابن خلدون في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها، فلم يصب، بل أخطأ.

وقال صاحب تحفة الأحوذي - بشرح جامع الترمذي (باب ما جاء في المهدي) - بعد أن نقل ما ذكرناه آنفاً من عون المعبود - إن الأحاديث الواردة في المهدي كثيرة جداً، ولكنها أكثرها ضعاف.

ولا شك في أن حديث عبد الله بن مسعود، الذي رواه الترمذي في هذا الباب، لا ينحط عن درجة الحسن، وله شواهد كثيرة من بين حسان وضعاف، فحديث ابن مسعود هذا - مع شواهده وتوابعه - صالح للاحتجاج بلا مرية، وقد جاء فيه: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه إسمي - ثم قال الترمذي: وفي

الصفحة 254
الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة - وقال: هذا حديث حسن صحيح -.

وقال القاضي الشوكاني (1) وفي الفتح الرباني: الذي أمكن الوقوف عليه من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر خمسون حديثاً، وثمانية وعشرون أثراً، ثم سردها مع الكلام عليها، ثم قال: وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر، كما لا يخفى على من له فضل إطلاع (2).

وروى أبو داود في سننه عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث فيه رجلاً مني، أو من أهل بيتي يواطئ اسمه إسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.

وقال صلى الله عليه وسلم - في حديث سفيان - لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، ويواطئ اسمه إسمي.

وروى أبو داود بسنده عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة (3).

ورواه الحاكم في المستدرك، وقال: هو حق - يعني المهدي - وهو من بني فاطمة، وبطريق آخر قال: هو من ولد فاطمة (4).

____________

(1) القاضي الشوكاني: هو محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، ولد في 28 ذي القعدة عام 1172 هـ‍في بلدة هجرة شوكان، وتوفي في 27 جمادى الآخرة سنة 1250 هـ‍، درس الفقه على علماء عصره في صنعاء، كما أخذ عنه كثيرون، وكان تفقهه على مذهب الإمام زيد، وبرع فيه وألف وأفتى، حتى صار قدوة فيه، وخلع ربقة التقليد، وتحلى بمنصب الاجتهاد (أنظر:

مقدمة كتابه نيل الأوطار - الجزء الأول - ص - دار الكتب العلمية - بيروت).

(2) أنظر: مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - قسم الحديث - المجلد الثالث ص 234 - 235 (الرياض 1398 هـ‍/ 1978 م).

(3) سنن أبي داود 2 / 422، وانظر: الجامع الصغير للسيوطي 2 / 187.

(4) المستدرك للحاكم 4 / 557.

الصفحة 255
ورواه الذهبي في ميزان الاعتدال، وقال: المهدي من ولد فاطمة (1).

وذكره السيوطي في تفسير سورة محمد من كتابه الدار المنثور في التفسير بالمأثور، وقال: أخرجه أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن أم سلمة (2).

وفي كنز العمال (3) عن علي عليه السلام قال: المهدي رجل منا، من ولد فاطمة، قال: أخرجه نعيم. وفي رواية: إبشري يا فاطمة، فإن المهدي منك، قال: أخرجه ابن عساكر عن الإمام الحسين عليه السلام (4).

وروى أبو داود بسنده عن أبي الطفيل عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لو لم يبق من الدهر، إلا يوم، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يملؤها عدلاً، كما ملئت جوراً (5).

وروى مسلم في صحيحه بسنده عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خلفائكم خليفة يحثو المال حثياً، لا يعده عدداً - وفي رواية ابن حجر: يحثي المال (6).

وفي رواية عن أبي نضرة عن أبي سعيد وجابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر الزمان خليفة، يقسم المال ولا يعده (7).

____________

(1) ميزان الاعتدال 2 / 24.

(2) فضائل الخمسة 3 / 331.

(3) كنز العمال 7 / 261.

(4) كنز العمال 6 / 218، وانظر أيضاً كنز العمال 7 / 259.

(5) سنن أبي داود 2 / 422.

(6) صحيح مسلم 18 / 39.

(7) صحيح مسلم 18 / 39.

الصفحة 256
وروى أبو داود بسنده عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي مني، أجلي الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، ويملك سبع سنين (1).

وفي رواية الحاكم في المستدرك المهدي من أهل البيت، أشم الأنف، أقنى أجلى، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، يعيش هكذا - وبسط يساره، وإصبعين من يمينه، المسبحة والإبهام وعقد ثلاثة - قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه (2).

وفي رواية الإمام أحمد في المسند بسنده عن أبي سعيد الخدري قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي، أجلى أقنى، يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت قبله ظلماً، يكون سبع سنين (3).

وفي تحفة الأحوذي عن أبي سعيد قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن من أمتي المهدي، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً - زيد هو الشاك - قال: قلنا؟ وما ذاك؟ قال: سنين، فيجئ إليه الرجل، فيقول: يا مهدي أعطني، فيحثي له في ثوبه، ما استطاع أن يحمله (4).

وروى الحاكم في المستدرك (5) على الصحيحين بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً أو عدواناً، ثم يخرج من أهل بيتي، من يملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وعدواناً - قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

____________

(1) سنن أبي داود 2 / 422، وانظر: الجامع الصغير للسيوطي 2 / 187.

(2) المستدرك للحاكم 4 / 557.

(3) مسند الإمام أحمد 3 / 17، وانظر: عون المعبود بشرح سنن أبي داود 11 / 375.

(4) تحفة الأحوذي 6 / 487 (باب ما جاء في المهدي).

(5) المستدرك 4 / 557.

الصفحة 257
وروى الحافظ أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي الصديق عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتملأن الأرض ظلماً وعدواناً، ثم ليخرجن من أهل بيتي أو قال من عترتي - من يملؤها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وعدواناً (1).

وروى الترمذي في صحيحه بسنده عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي (2).

ورواه الإمام أحمد في المسند بعدة روايات (3) - كما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (4).

وفي كنز العمال: يخرج رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه إسمي، وخلقه خلقي، فيملأها عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً - قال: أخرجه الطبراني عن ابن مسعود (5).

وفي ذخائر العقبى للمحب الطبري عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث رجلاً من ولدي، اسمه كإسمي، فقال: سلمان: من أي ولدك يا رسول الله؟ قال: من ولدي هذا، وضرب بيده على الحسين عليه السلام (6).

وفي المنتقى: عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يخرج في آخر الزمان

____________

(1) حلية الأولياء 3 / 101 - 102.

(2) صحيح الترمذي 2 / 36.

(3) مسند الإمام أحمد 1 / 376، 377، 430، 448.

(4) تاريخ بغداد 4 / 388.

(5) كنز العمال 7 / 188.

(6) ذخائر العقبى ص 136.

الصفحة 258
رجل من ولدي، اسمه كإسمي، كنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً، فذلك هو المهدي (1).

وفي المنتقى عن علي أنه نظر إلى الحسن فقال: سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق، ولا يشبهه في الخلق، يملأ الأرض قسطاً (2).

غير أن هناك روايات أخرى تجعل المهدي من ولد مولانا الإمام الحسين، فلقد روي عن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر عن أبيه عن جده الإمام علي بن الحسين عليه السلام: أنه سئل عن المهدي، فقال: هو من ولدي (3).

ويقول ابن تيمية (1661 - 728 هـ‍/ 1263 - 1328 م): وقول أمير المؤمنين (الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة) في أنه حسني لا حسيني صريح، ذلك لأن الحسن والحسين مشبهان من بعض بإسماعيل وإسحاق عليهما السلام، وإن لم يكونا نبيين، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذهما بقوله أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، ويقول: إن إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق، وكان إسماعيل هو الأكبر والأحلم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب على المنبر -

____________

(1) الذهبي: المنتقي ص 533، ثم يقول: الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي صحيحة، رواها أحمد وأبو داود والترمذي، منها حديث ابن مسعود مرفوعاً لو لم يبق من الدنيا، إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً.

وأخرجه أبو داود الترمذي من حديث أم سلمة، وفيه المهدي من عترتي، من ولد فاطمة، ورواه أبو داود عن طريق أبي سعيد، وفيه يملك الأرض سبع سنين، وأما حديث لا مهدي إلا عيسى بن مريم فضعيف، فلا يعارض هذه الأحاديث (المنتقى ص 533 - 534).

(2) المنتقى ص 34، وانظر: سنن أبي داود 4 / 423 - 424.

(3) الداعي إدريس بن عماد: تاريخ الخلفاء الفاطميين بالمغرب - تحقيق محمد اليعلاوي - بيروت 1985 ص 42.

الصفحة 259
وإن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (1).

فكما أن غالب الأنبياء كانوا من ذرية إسحاق، فهكذا كان غالب السادة الأئمة من ذرية الحسين، وكما أن خاتم الأنبياء الذي طبق أمره مشارق الأرض ومغاربها، كان من ذرية إسماعيل، فكذلك الخليفة الراشد المهدي - الذي هو آخر الخلفاء - يكون من ذرية الحسن (2).

وهكذا نرى أن المهدي ليس من اختراع الشيعة الإمامية أو الكيسانية - كما يزعم الزاعمون - وإنما هو من أقوال المعصوم - صلى الله عليه وسلم - وأن علماء السلف من أهل السنة، قد تنبأوا به.

روي عن عبد الله بن عباس (ت 68 هـ‍687 م - أو 69 هـ‍688 م - أو 70 هـ‍/ 689) أنه قال: لو لم يبق إلا يوم وليلة من الدنيا، لخرج فيها المهدي (3).

وعن محمد بن سيرين (33 - 110 هـ‍/ 653 - 729 م) (4)، أنه قال:

المهدي يعدل نبياً.

وعن مجاهد (21 - 104 هـ‍/ 642 - 722 م) (5)، بإسناده يرفعه، وذكر

____________

(1) صحيح البخاري 4 / 249، 5 / 32.

(2) ابن تيمية: رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم - تعليق أبي تراب الظاهري - جدة 1984 ص 47.

(3) الداعي إدريس بن عماد: المرجع السابق ص 45.

(4) أنظر عن ابن سيرين (الطبقات الكبرى 7 / 193 - 206، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3 / 280 - 281، حلية الأولياء 2 / 263 - 282، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 69 - 70 تاريخ بغداد 5 / 331 - 338، تذكرة الحفاظ ص 77 - 78، تهذيب التهذيب لابن حجر 9 / 214 - 217، مرآة الجنان لليافعي 1 / 232 - 234، شذرات الذهب 1 / 138، الأعلام للزركلي 7 / 25، الفهرست لابن النديم ص 316).

(5) أنظر عن مجاهد (الطبقات الكبرى 5 / 466 - 467، حلية الأولياء 3 / 279 - 310، الإرشاد لياقوت 6 / 242 - 243، ميزان الاعتدال للذهبي 3 / 9، تذكرة الحافظ ص 92 - 93، التهذيب

=>


الصفحة 260
أخبار بمكان يكون، ثم قال: يبعث قائم آل محمد في عصابة، لهم أدق في أعين الناس من الكحل، يفتح الله عليه مشارق الأرض ومغاربها، ألا وهم المؤمنون حقاً ألا وإن خير الجهاد في آخر الزمان (1).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أنه لم ترو أحاديث عن المهدي في صحيحي البخاري ومسلم، ولكن أخرجها أئمة آخرون في الحديث - كالترمذي وأبي داود والحاكم وابن ماجة - وهي أحاديث مسندة إلى الإمام علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأم سلمة.

ومن ثم فإن عدم إخراج البخاري - أو مسلم - لأحاديث المهدي، جعل أهل السنة يختلفون في الاعتقاد بالمهدية، فلا يشير إليه الإيجي في مواقفه ولا التفتازاني فيما ذكره من علامات الساعة (2). وقد جرح ابن خلدون رواة أحاديث المهدي في مقدمته (3)، ومع ذلك فإنه يقول: إن جماعة من الأئمة خرجوا أحاديث المهدي - ومنهم الترمذي وأبو داود والبزاز وابن ماجة والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي - وأسندوها إلى جماعة من الصحابة - مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وابن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء - بأسانيد قد يعرض لها المنكر.

ثم يحاول ابن خلدون تضعيف الأحاديث التي وردت في المهدي، ثم

____________

<=

لابن حجر، 10 / 42 - 744 الأعلام للزركلي 6 / 161، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 45، المعارف لابن قتيبة ص 227، الفهرست لابن النديم ص 33، الرجال للقيسراني ص 510).

(1) الداعي إدريس بن عماد: المرجع السابق ص 46.

(2) أحمد صبحي: نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية - دار المعارف - القاهرة 1969 ص 403 - 404.

(3) مقدمة ابن خلدون ص 311 - 330 (دار القلم - بيروت 1981).


الصفحة 261
يقول: وما أورده أهل الحديث من أخبار المهدي قد استوفيناه قدر طاقتنا، والحق الذي ينبغي أن يتقرر لديك: أنه لا تتم دعوة في الدين والملك، إلا بوجود شوكة عصبية، تظهره وتدافع عنه من يدفعه، حتى يتم أمر الله فيه. وقد قررنا ذلك بالبراهين القطعية، وعصبية الفاطميين - بل وقريش أجمع - قد تلاشت من جميع الآفاق، ووجد أمم آخرون قد استعلت عصبيتهم على عصبية قريش، إلا ما بقي بالحجاز في مكة وينبع بالمدينة من الطالبين، من بني الحسن وبني الحسين وبني جعفر، وهم منتشرون في تلك البلاد، وغالبون عليها، وهم عصائب بدوية متفرقون في مواطنهم وإماراتهم وآرائهم يبلغون الآفاق من الكثرة، فإن صح ظهور هذا المهدي، فلا وجه لظهور دعوته، إلا بأن يكون منهم، ويؤلف الله بين قلوبهم في إتباعه، حتى تتم له شوكة وعصبية وافية، بإظهار كلمته وحمل الناس عليها.

وأما على غير هذا الوجه، مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبية ولا شوكة، إلا مجرد نسبة في أهل البيت، فلا يتم ذلك، ولا يمكن، لما أسلفناه من البراهين الصحيحة (1).

وفي العصر الحديث نرى الأستاذ أحمد أمين في ضحى الإسلام، والنشاشيبي في الإسلام الصحيح، يعدون أحاديث المهدي من الأساطير، كما عده سعد محمد حسن أثراً من آثار الشيعة، التي تسربت إلى أهل السنة، وعملت العقلية السنية فيها بالصقل والتهذيب.

غير أن موقف هؤلاء الباحثين، إنما هو قائم على الزمن من ناحية، حيث مر أربعة عشر قرناً على ظهور الإسلام، وعلى التفكير الوضعي الحديث، الذي ينكر الحكم الثيوقراطي (الديني) من أساسه، من ناحية أخرى، غير أن هذا لا ينفي أنها كانت، وربما لا تزال، عقيدة في قلوب الكثيرين، وأنه في عهود الظلم

____________

(1) مقدمة ابن خلدون ص 311 - 312، 327 - 328.

الصفحة 262
والاضطراب السياسي والاجتماعي والديني والأخلاقي يتعلق الناس بفكرة مخلص مصلح ينتظرون خروجه وظهوره.

وقد شاع هذا الاعتقاد في انتظار المهدي عند بعض أهل السنة، وإن لم يتقرر كأصل من أصول العقيدة، كما هو الحال لدى الشيعة، بعد أن تحدث فيه بعض علمائهم كالنكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار أصحاب الزمان والسيوطي في كتابه العرف الوردي في أخبار المهدي، وابن حجر العسقلاني في كتاب القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، ويوسف بن يحيى الدمشقي في عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن عقيدة المهدي قد شغلت جزءاً كبيراً وهاماً من تفكير أهل السنة - جمهورهم وعلمائهم - فضلاً عما أسهم به الصوفية في نشر عقيدة المهدي هذه، ومن المعروف أن للصوفية أثراً بالغاً في جمهور المسلمين.

ولقد شارك في الاعتقاد بالمهدية فريق من أهل السنة، كان أحرى بحكم عدائه التقليدي للشيعة أن يستنكر عقيدة المهدي، استنكاره لسائر عقائد الشيعة - وأعني به الإمام ابن تيمية زعيم المذهب السلفي - ولكن ابن تيمية إنما يعتقد بصحة الحديث الذي رواه ابن عمر (1).

يقول ابن تيمية: فأما المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رواه أهل العلم العالمون بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، الحافظون لها، الباحثون عنها، وعن رواتها، مثل أبي داود والترمذي وغيرهما، ورواه الإمام أحمد في مسنده.

فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه إسمي، واسم أبيه اسم أبي، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.

____________

(1) أحمد صبحي: المرجع السابق ص 404 - 405.

الصفحة 263
وروى في هذا المعنى من حديث أم سلمة وغيرها، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: المهدي من ولد ابني هذا، وأشار إلى الحسن (1).

على أن الزيدية من الشيعة إنما ترى أن المهدية لا تنفصل في مفهومها عن الإمامة ذاتها، فكل فاطمي شجاع، عالم زاهد، يخرج بالسيف، يدعو إلى الحق، فهو إمام ومهدي في آن واحد، دون اعتقاد في المهدية بالمفهوم الذي يفيد انتظار محرر أو مخلص مبعوث من الله، وكل أئمة الزيدية، كزيد وولده يحيى ومحمد النفس الزكية مهديون (2).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net