متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1- التشيع: أسبابه وبدايته
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

(1) التشيع: أسبابه وبدايته

الشيعة لغة: هم الصحب والأتباع، ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على أتباع علي وبنيه، رضي الله عنهم (1).

والشيعة: كلمة مفردة جمعها أشياع وشيع، وفي القاموس المحيط:

وشيعة الرجل (بالكسر): أتباعه وأنصاره، والفرقة على حدة، ويقع على الواحد والاثنين والجمع، والمذكر والمؤنث، وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى علياً وأهل بيته، حتى صار اسماً لهم خاصاً (2).

والشيعة: كلمة قرآنية، قال تعالى: * (وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم) * (3)، وقال تعالى: * (ودخل المدينة على حين غفلة فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه) * (4) وقال تعالى: * (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شئ) * (5).

والتشيع للإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه، ورضي الله عنه -

____________

(1) مقدمة ابن خلدون ص 196 (بيروت 1981).

(2) القاموس المحيط 3 / 49 (القاهرة 1952).

(3) سورة الصافات: آية 83 - 84.

(4) سورة القصص: آية 15.

(5) سورة الأنعام: آية 159.

الصفحة 276
مكانة للفوز تقررت بالسنة، روى السيوطي عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي فأقبل علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة.

وعن ابن عباس قال: لما نزلت * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) *، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلي: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين (1).

وروى الهيثمي بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت وشيعتك تردون على الحوض رواة مرويين، مبيضة وجوهكم، وإن أعداءك يردون على الحوض ظلماء مقمحين (2)، وفي رواية المناوي: يا علي أنت وشيعتك تردون على الحوض وروداً (3).

وروى الحافظ أبو نعيم بسنده عن الشعبي عن علي قال، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إنك وشيعتك في الجنة (4).

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن عمرو بن موسى عن زيد بن علي بن حسين عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسد الناس إياي فقال: أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة، أنا وأنت والحسن والحسين، و أزواجنا عن أيماننا وعن شمائلنا، وذرارينا خلف أزواجنا، وشيعتنا من ورائنا (5).

____________

(1) أنظر: عبد الحليم الجندي: الإمام جعفر الصادق ص 32 (القاهرة 1977).

(2) مجمع الزوائد 9 / 131 (ط مكتبة القدسي - القاهرة 1352 هـ‍).

(3) المناوي: كنوز الحقائق (ط إسلامبول 1285 هـ‍).

(4) أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 4 / 329 (ط دار الفكر - بيروت).

(5) الإمام أحمد بن حنبل: كتاب فضائل الصحابة 2 / 624 (رقم 1068) - (تحقيق وصي الله بن محمد بن عباس - نشر جامعة أم القرى بمكة المكرمة - 1983) -، وانظر: كنز العمال للمتقي الهندي 2 / 218 (حيدر أباد الدكن 1312 هـ‍)، ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة ص 246 (بيروت 1983)، المحب الطبري: الرياض النضرة في مناقب العشرة 2 / 277 - 278 (طنطا 1953)، محمد بيومي مهران: الإمام علي بن أبي طالب 2 / 308 - 309 (بيروت 1990)،

=>


الصفحة 277
هذا ويخصص المسلمون الشيعة بأنهم هم التابعون والمقتدون والمتميزون بأتباعهم واقتدائهم الكامل بالإمام علي والأئمة من بنيه، رضوان الله عليهم أجمعين.

وربما كان تعريف ابن حزم للشيعة جامعاً مانعاً فهو يقول: من وافق الشيعة في أن علياً أفضل الخلق، بعد رسول الله، وأحقهم بالإمامة، وولده من بعده، فهو شيعي، وإن خالفهم فيما عدا ذلك فيما اختلف فيه المسلمون، فإن خالفهم فيما ذكرنا، فليس شيعياً (1).

فالشيعة إذن هم الذين شايعوا علياً، رضي الله عنه، على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية - إما جلياً وإما خفياً - واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده، وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة، وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين، لا يجوز للرسل عليهم السلام، إغفاله وإهماله، ولا تفويضه للعامة وإرساله.

ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبري قولاً وفعلاً وعقداً، إلا في حالة التقية، ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك (2).

ومن ثم فهم يفترقون عن غيرهم في القول: أن الإمام يتعين بالنص من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لنبي إغفال النص على خليفته، وتفويض الأمر إلى اختيار

____________

<=

ابن تيمية: الصارم المسلول على شاتم الرسول - القاهرة 1379 هـ‍.

(1) عبد الحليم الجندي: المرجع السابق ص 32، هذا ويقول ابن حزم: اختلف المسلمون فيمن هو أفضل الناس بعد الأنبياء، عليهم السلام فذهب بعض أهل السنة وبعض المعتزلة وبعض المرجئة وجميع الشيعة إلى أن أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب، وقد روينا هذا القول نصاً عن بعض الصحابة، رضي الله عنهم، وعن جماعة من التابعين و الفقهاء (الفصل في الملل والأهواء والنحل 4 / 128).

(2) الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 146 - 147 (القاهرة 1968).
الأمة، وأن يكون الإمام معصوماً عن الكبائر والصغائر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد نص بالخلافة على علي بن أبي طالب، دون سواه، وأنه أفضل الأصحاب على الإطلاق (1).

ثم إن الشيعة يختلفون في مساق الخلافة بعد الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - فالإمامية تسوفها في ولد فاطمة بالنص عليهم واحداً بعد واحد، والزيدية تسوقها في ولد فاطمة، لكن بالاختيار من الشيوخ، وشرط الإمام عندهم أن يكون عالماً زاهداً، جواداً شجاعاً.

والإمامية تسوق الإمامة من الإمام علي بالوصية إلى ولده الحسن (3 - 50 هـ‍) ثم إلى أخيه الحسين (4 - 61 هـ‍) ثم إلى ولده علي زين العابدين (38 - 95 هـ‍) ثم إلى ولده محمد الباقر (57 - 114 هـ‍) ثم إلى ولده جعفر الصادق (83 - 148 هـ‍) ثم إلى ولده موسى الكاظم (128 - 183 هـ‍) ثم إلى ولده علي الرضا (148 - 203 هـ‍) ثم إلى ولده محمد الجواد (195 - 220 هـ‍)، ثم إلى ولده علي الهادي (212 - 254 هـ‍) ثم إلى ولده الحسن العسكري (232 - 260 هـ‍) ثم إلى ولده الإمام الغائب، وهو المهدي المنتظر (2).

على أن النظام (3) من المعتزلة إنما يقول: لا إمامة إلا بالنص والتعيين ظاهراً مكشوفاً، وقد نص النبي عليه الصلاة والسلام، على علي، رضي الله عنه

____________

(1) محمد جواد مغنية: الشيعة والحاكمون ص 12 - 13. (بيروت 1981).

(2) الباقوري: مع القرآن ص 40 - 41 (القاهرة 1970).

(3) النظام: هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيار، المعروف بالنظام، وهو ابن أخت أبي الهذيل العلاف شيخ المعتزلة (ت 226 أو 235، أو 237 هـ‍) ومنه أخذ النظام الاعتزال، وهو شيخ الجاحظ، وكان من صغره يتوقد ذكاء، وهو الذي قرر مذهب الفلاسفة في القدر، فتبعه خلق، وقد توفي فيما بين عامي 321، 323 هـ‍(أنظر طبقات المعتزلة ص 49 - 52، النجوم الزاهرة 2 / 234، العبر 1 / 315، 456، اعتقادات فرق المسلمين ص 41، أو 220، 230 (835، 845 م)، وله عدة مؤلفات، أشهرها كتاب التوحيد، وكتاب النكت، وكتاب العالم، التنبيه ص 43 - 44، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي - المجلد الأول 4 / 68 - 69.

الصفحة 279
في مواضع، وأظهره إظهاراً لم يشتبه على الجماعة، إلا أن عمر كتم ذلك، وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة (1).

وعلى أية حال، فإن مصطلح شيعة (2)، قد ورد في الأحاديث النبوية الشريفة - كما رأينا من قبل - ولكنه لم يرد في المصادر التاريخية، ربما قبل موقعة الجمل (36 هـ‍/ 656 م)، حيث قيل شيعته من همدان (3)، ثم ترد بعد ذلك في صحيفة التحكيم (37 هـ‍)، وترد كلمة الشيعة هنا بمعنى الأنصار (4).

هذا ويذهب الشيخ أبو زهرة إلى أن الشيعة إنما هي أقدم المذاهب الإسلامية، وقد ظهروا بمذهبهم في آخر عصر عثمان، ونما وترعرع في خلافة علي، إذ كلما اختلط بالناس ازدادوا إعجاباً بمواهبه، وقوة دينه وعلمه (5)، على أن وجهاً ثانياً للنظر إنما يذهب إلى أن مذهب التشيع قد ظهر يوم وقعة الجمل، بينما تأخر به البعض إلى ظهور الخوارج، وأما الدكتور طه حسين، فالرأي عنده أن فرقة الشيعة قد أصبحت حزباً سياسياً منظماً لعلي وبنيه في عهد الحسن بن علي (6).

____________

(1) الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 57.

(2) أنظر عن الشيعة (الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 5 - 75، الاسفراييني، التبصر في الدين ص 16 - 26، الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 146 - 198، علي مصطفى الغرابي: تاريخ الفرق الإسلامية ص 285 - 296 (القاهرة 1959)، مقدمة ابن خلدون ص 196 - 202، البغدادي: الفرق بين الفرق ص 21 - 72 (دار المعرفة - بيروت)، فتاوي ابن تيمية 1 / 55، 756 121، 373، 14 / 361، 15 / 431، ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل 5 / 20 - 29 (القاهرة 1964)، القلهاتي: الكشف والبيان 2 / 437 - 456 (عمان 1980)، الشيخ المفيد:

أوائل المقالات في المذاهب والمختارات (تبريز 1371 هـ‍)، محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان (دار التعاون - بيروت)، الكيني: الأصول من الكافي (طهران 1381 هـ‍).

(3) المسعودي: مروج الذهب 2 / 377.

(4) نصر بن مزاحم المنقري: وقعة صفين ص 504 (القاهرة 1981).

(5) محمد أبو زهرة: المذاهب الإسلامية ص 51.

(6) طه حسين: علي وبنوه ص 189 - 190 (القاهرة 1982).

الصفحة 280
وهكذا لم يتفق الباحثون على نقطة بدء تاريخية بشأن نشأة التشيع، بمثل ما اتفقوا بالنسبة لسائر الفرق كالخوارج والمعتزلة والأشاعرة مثلاً، ويتفاوت اختلاف الباحثين في بدء التأريخ للشيعة حتى يمتد اختلافهم إلى فترة تصل إلى نصف القرن أو تزيد، فيما بين انتقال النبي صلى الله عليه وسلم، إلى الرفيق الأعلى، واستشهاد سبطه العظيم مولانا الإمام الحسن (11 - 61 هـ‍)، فنتلمس سير الأحداث وصلتها بالتشيع إبان تلك الفترة (1)، ومن ثم فقد وجدت عندنا عدة اتجاهات:


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net