متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2- أصل التشيع
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

(2) أصل التشيع

اختلف المستشرقون - من أمثال دوزي، وميور، وجولد تسيهر، وفلهاوزن - في أصل التشيع في جذوره الأولى إلى الفرس، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، ما دام لم ينجب ولداً، فولده علي، شرعاً وقانوناً إلهياً، وهذا من المذاهب الفارسية التي تعتقد في الحق الإلهي للملك (3).

ويقول الدكتور عبد القادر محمود (4): إنه حقاً قد دخلت أفكار فارسية على التفكير الإسلامي - فضلاً عن أفكار يونانية ويهودية ونصرانية كذلك - غير أن ذلك لم يفقد التفكير الإسلامي شخصيته في عقيدته، فكل شئ دخل على الإسلام، صادف في الإسلام شيئاً قائماً في ذاته وموضوعه، لم يخلقه من

____________

(1) عبد القادر محمود: الإمام جعفر الصادق - رائد السنة والشيعة - القاهرة ص 6 - 7.

(2) عبد الرحمن بدوي: دراسات إسلامية ص 35.

(3)

r dozy, essai sur l'histoire de l'islamisme, paris, 1879, p.220

(4) عبد القادر محمود: الإمام جعفر الصادق - رائد السنة والشيعة - القاهرة ص 7.

الصفحة 413
عدم، وقد هضم الإسلام كل شئ، وأخذ ما يناسبه، وطبعه بطابعه، وخلق فيه الآيات (1).

هذا وقد دخل التشيع بخاصة لون من هذه الأفكار، كما دخلت مبادئ تقلدها بعض الشيعة، ولا سيما بعد عصر الإمام جعفر الصادق (80 أو 83 - 148 هـ‍) (669 أو 703 - 765 م) عن طريق القداح غير أن هذا لا يعني أبداً أن نحكم على مبدأ التشيع في ذاته بأنه فارسي من جذوره - كما ذهب دوزي، ومن شايعه -.

هذا ويذهب آدم متز إلى أن التشيع إنما يرجع إلى أصل عربي صميم، وليس رد فعل من جانب العقل الفارسي.

وأما فلهاوزن فالرأي عنده أن عقائد الشيعة مأخوذة من اليهودية الأصلية، أكثر مما هي مقتبسة من المنابع الفارسية - كما قال دوزي - وقد اعتمد فلهاوزن في رأيه هذا على قول ابن سبأ: علي بالنسبة لمحمد كهارون لموسى، وعلى قول ابن سبأ في رجعة محمد في شخص علي (2).

وأما عن الأولى: وهي أن الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - إنما كان بالنسبة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كهارون لموسى، عليهما السلام.

____________

(1) مصطفى عبد الرازق: تمهيد لتاريخ الفلسفة في الإسلام - القاهرة 1944 ص 139 - 141، 294 - 295.

(2) فلهاوزن: أحزاب المعارضة الدينية في صدر الإسلام، وانظر الأصل:

wellhausen, die- religioes- opposition sparteien in alten islam, p.89

غير أن فلهاوزن يقول في كتابه الخوارج والشيعة ص 25 - 26 إن الخوارج لم يكونوا بذرة فاسدة بذرها اليهودي ابن سبأ سراً، وإنما كانوا نبتة إسلامية حقيقية، ولم يكونوا فرقة تعيش في الظلام، بل كانوا ظاهرين علناً.

الصفحة 414
فلست أدري من الذي قال: إن ابن سبأ - المزعوم هذا - هو الذي قال ذلك، وكيف لم ينتبه الباحثون إلى من قال ذلك، إنما هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح المشهور، روى البخاري في صحيحه بسنده عن سعد قال:

سمعت إبراهيم بن سعد عن أبيه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى (1)، وروى البخاري بسنده عن مصعب بن سعد عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج إلى تبوك واستخلف علياً، فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس نبي بعدي (2).

وروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له: خلفه في بعض مغازيه، فقال علي: يا رسول الله، خلفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر، لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً، فأتي به أرمد فبصق في عينه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية: * (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) *، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال:

اللهم هؤلاء أهلي (3).

وروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال، قال الله صلى الله عليه وسلم لعلي: أنت مني بمنزلة هارون

____________

(1) صحيح البخاري 5 / 24.

(2) صحيح البخاري 6 / 3 (دار الحديث - القاهرة).

(3) صحيح مسلم 15 / 175 - 176.

الصفحة 415
من موسى، إلا إنه لا نبي بعدي، قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعداً، فلقيت سعداً فحدثته بما حدثني به عامر فقال: أنا سمعته، فقلت أنت سمعته، فوضع أصبعيه على أذنيه فقال: نعم، وإلا فاستكتا.

وفي رواية ثالثة عن سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول الله، علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان، فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي (1).

هذا وقد روى هذا الحديث الشريف الإمام أحمد بن حنبل في المسند والفضائل (2)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (3)، وأبو نعيم في الحلية (4)، والنسائي في الخصائص (5)، والطحاوي في مشكل الآثار (6)، والخطيب البغدادي (7) في تاريخه، وابن الأثير في أسد الغابة (8)، والترمذي في صحيحه (9) وابن ماجة في صحيحه (10)، والحاكم في المستدرك (11)، وابن عبد

____________

(1) صحيح مسلم 15 / 174 - 176 (بيروت 1981).

(2) مسند أحمد 1 / 170، 173، 174، 175، 177، 179، 182، 184، 330، 3 / 338، 6 / 369، 438، فضائل الصحابة 2 / 566 - 568، 592 (أرقام 954، 956، 957، 1005، 1006).

(3) مسند أبي داود الطيالسي 1 / 28، 29.

(4) حلية الأولياء 7 / 194، 195، 196، 452، 8 / 308.

(5) النسائي تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ص 38 - 44 (أرقام 40، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49، 50، 751 52، 53).

(6) مشكل الآثار 2 / 309.

(7) تاريخ بغداد 1 / 324، 3 / 288، 4 / 204، 8 / 52، 9 / 394، 10 / 43، 11 / 432، 12 / 323.

(8) أسد الغابة 4 / 26، 5 / 8.

(9) صحيح الترمذي 2 / 300، 301، 5 / 641.

(10) صحيح ابن ماجة 1 / 42.

(11) المستدرك للحاكم 2 / 337، 3 / 116.

الصفحة 416
البر في الإستيعاب (1)، والهيتمي في مجمع الزوائد (2)، والمتقي الهندي في كنز العمال (3)، والمحب الطبري في الرياض النضرة، وفي ذخائر العقبى، (4)، وعبد الرازق في مصنفه (5)، وابن سعد في طبقاته (6)، وابن عساكر في تاريخه (7)، وابن حجر العسقلاني في الإصابة في تمييز الصحابة (8)، والمقدسي في البدء والتأريخ (9)، والطبري في تاريخه (10)، وابن حجر الهيثمي في صواعقه (11)، والألباني في إرواء الغليل (12) وغيرهم (13).

وأما الثانية: وهي نسبة فكرة الرجعة إلى اليهود والنصارى، اعتماداً على أن إيليا رفع للسماء، وأنه لا بد أن يعود في آخر الزمان لإقامة العدل، وهي نفس فكرة الغلاة من الشيعة (14).

____________

(1) الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 34.

(2) مجمع الزوائد 9 / 109، 110، 111.

(3) كنز العمال 3 / 154، 5 / 40، 6 / 154، 188، 395، 405، 8 / 215.

(4) الرياض النضرة 2 / 162، 163، 164، 195، ذخائر العقبى ص 120.

(5) مصنف عبد الرازق 11 / 226.

(6) الطبقات الكبرى 3 / 24.

(7) تاريخ ابن عساكر 1 / 107.

(8) الإصابة 2 / 59.

(9) البدء والتأريخ 4 / 239.

(10) تاريخ الطبري 3 / 103 - 104.

(11) الصواعق المحرقة ص 73، 74، 187.

(12) إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 5 / 11 - 12. 8 / 123 - 124.

(13) المطالب العالية 4 / 264، ابن كثير: البداية والنهاية 7 / 366، 371، 372، 373، 374، ويقول ابن كثير: قال الحافظ ابن عساكر: وقد روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جماعة من الصحابة، منهم: عمر وعلي وابن عباس وعبد الله بن جعفر ومعاوية وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وأبو سعيد والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وزيد بن أبي أوفى ونبيط بن شريط وحبشي بن جنادة ومالك بن الحويرث وأنس بن مالك وأبو الفضل وأم سلمة وأسماء بنت عميس وفاطمة بنت حمزة.

يقول ابن كثير: وقد تقصى الجاحظ ابن عساكر هذه الأحاديث في ترجمة الإمام علي في تاريخه، فأجاد وأفاد، وبرز على النظراء والأشباه (البداية والنهاية 7 / 373).

(14) أنظر: فلهاوزن: الخوارج والشيعة - ترجمة عبد الحميد بدوي ص 95 - 102، مجلة الآشوريات 3 / 296.

الصفحة 417
ولعل من الأهمية بمكان أن نتعرف - بادئ ذي بدء - على إيليا حيث جاءت قصته في سفر الملوك الأول، الذي يروي أن أخاب بن عمري ملك إسرائيل (869 - 850 ق. م) قد اقترف كل أنواع الشرور، ربما بسبب زواجه من إيزابيل بنت إيثبعل ملك صور، التي نجحت في السيطرة على زوجها تماماً، حتى تمكنت من نقل أفكار الحكم المطلق إلى إسرائيل، والتي كانت بعيدة عن التصور العبري للملكية، فضلاً عن إحلال آلهة الفينيقيين الوثنية، محل عبادة يهوه رب إسرائيل، ثم جهدت في إلغاء عبادة الله، وإحلال عبادة البعل مكانها، ومن ثم فقد اندفع إيليا في طول البلاد وعرضها كالإعصار، مهدداً متوعداً، بأنه لا ظل ولا مطر في هذه السنين، وتشتد المجاعة، وخاصة في العاصمة السامرة، وعقدت مباراة بين سدنة البعل - وعددهم 450 سادناً - وبين إيليا، أيهم يستجيب له الرب وينزل المطر، ونجح إيليا فاستجاب الله له وأنزل المطر - بعد جفاف استمر سنوات ثلاث - وأمسك إيليا بأنبياء البعل، وذبحهم جميعاً، وتسمع إيزابيل بما حدث، وفي غضب مرير، تنذر بقتل إيليا، الذي يتمكن من الهرب إلى جبل حوريب، بعد أن يعهد إلى حواريه اليسع الذي يتولى أمر الدعوة من بعده، وتنتهي الأمور، بأن تأتي مركبة وفرسان نارية وتحمل إيليا إلى السماء، تاركاً رداءه لإليسع (1).

وهناك إشارة في العهد القديم في ملاخي (4 / 5 - 6) فحواها أن الرب سيرسل إيليا قبل يوم الرب العظيم، ويترك بعض اليهود مقعداً خالياً على مائدة عيد الفصح (2) لإيليا، وأما إشارة ملاخي فتقول ها أنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجئ يوم الرب العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم، لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن.

____________

(1) أنظر: محمد بيومي مهران: إسرائيل 2 / 910 - 916 (الإسكندرية 1978)، دراسات تاريخية من القرآن الكريم 3 / 231 - 241 (بيروت 1988)، قاموس الكتاب المقدس 1 / 144 - 145 (بيروت 1964)، ملوك أول 17 / 1 - 19 / 21، إنجيل لوقا 4 / 25 - 26، رسالة يعقوب 5 / 17.

(2) أنظر عن عيد الفصح (محمد بيومي مهران: إسرائيل 4 / 156 - 163 - الإسكندرية 1979).

الصفحة 418
وفي الواقع أنني لست أدري: لم يتجاهل هؤلاء وأولئك أن ما جاء عن إيليا (1) في العهد القديم، إنما جاء عند المسيح عيسى بن مريم في القرآن الكريم، يقول الله تعالى: * (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً) * (2)، وقال تعالى: * (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا) * (3).

ويقول الأستاذ الإمام محمد عبده في تفسير المنار: فإن للعلماء هنا طريقتين، إحداهما - وهي المشهورة - أنه رفع بجسمه حياً، وأنه سينزل في آخر الزمان، فيحكم بين الناس بشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يتوفاه الله تعالى (4)، ويقول الإمام الفخر الرازي: معنى قوله إني متوفيك، أي متمم عمرك، فحينئذ أتوفاك، فلا أتركهم حتى يقتلوك، بل أنا رافعك إلى سمائي، ومقربك بملائكتي، وأصونك عن أن يتمكنوا من قتلك، وهذا تأويل حسن، وهناك وجه آخر في تأويل الآية هو أن الواو في قوله تعالى: متوفيك ورافعك تفيد الترتيب، فالآية تدل على أن الله تعالى يفعل به هذه الأفعال، فأما كيف يفعل؟

ومتى يفعل؟ فالأمر موقوف فيه على الدليل، وقد ثبت الدليل أنه حي، وورد

____________

(1) أنظر عن توحيد إيليا بنبي القرآن - إلياس عليه السلام (محمد بيومي مهران: إسرائيل 2 / 913 - 915، دراسات تاريخية من القرآن الكريم - الجزء الثالث - في بلاد الشام ص 232 - 235).

(2) سورة النساء: آية 157 - 158، وانظر: تفسير الطبري 6 / 12 - 18، تفسير روح المعاني 6 / 10 - 13، تفسير النسفي 1 / 261 - 263، في ظلال القرآن 2 / 801 - 803، تفسير البيضاوي 1 / 141 - 142، صفوة التفاسير 1 / 316، تفسير ابن كثير 1 / 872 - 889، التسهيل لعلوم التنزيل 1 / 163.

(3) سورة آل عمران: آية 55، وانظر: تفسير النسفي 1 / 160، تفسير الفخر الرازي 8 / 67 - 70، في ظلال القرآن 1 / 403 - 404، تفسير ابن كثير 1 / 548، تفسير الطبري 3 / 289 - 293، تفسير روح المعاني 3 / 179 - 184.

(4) تفسير المنار 3 / 260.

الصفحة 419
الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سينزل ويقتل الدجال ثم إن الله تعالى يتوفاه بعد ذلك (1).

وأما الطريقة الثانية - فيما يرى الأستاذ الإمام - فهي أن الآية على ظاهرها، وأن التوفي على معناه الظاهر، المتبادر منه، وهو رفع الروح (2)، يقول الفخر الرازي: إني متوفيك أي مميتك، وهو مروي عن ابن عباس، وابن إسحاق قالوا: والمقصود أن لا يصل أعداؤه من اليهود إلى قتله، ثم أنه بعد ذلك أكرمه بأن رفعه إلى السماء، ثم اختلفوا على ثلاثة أوجه: أحدها: قال وهب: توفي ثلاث ساعات، ثم رفع، وأخرج الحاكم عنه أن الله تعالى توفى عيسى سبع ساعات ثم أحياه، وأن مريم حملت به، ولها ثلاث عشرة سنة، وأنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين، وأن أمه بقيت بعد رفعه ست سنين.

وثانيها: قال ابن إسحاق: توفي سبع ساعات، ثم أحياه الله ورفعه، وثالثها: قال الربيع بن أنس: أنه تعالى توفاه حين رفعه إلى السماء، قال تعالى:

* (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) * (3)، وروى عن الربيع أيضاً، وعن الحسن: أن الله تعالى رفع عيسى عليه السلام إلى السماء - وهو نائم - رفقاً به (4).

وهكذا وجد عندنا رأيان، الأول - وهو رأي الجمهور - ويذهب إلى أن المسيح عليه السلام، رفع إلى السماء حياً - بجسده وروحه - وأنه ما يزال حياً يرزق، وأن الله سوف يهبطه عند ظهور الدجال، على صخرة بيت المقدس، روى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم

____________

(1) تفسير الفخر الرازي 8 / 67.

(2) تفسير المنار 3 / 260.

(3) تفسير الفخر الرازي 8 / 67، تفسير روح المعاني 3 / 179.

(4) تفسير روح المعاني 3 / 179.

الصفحة 420
ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة خير له من الدنيا وما فيها ثم يقول أبو هريرة: إقرأوا إن شئتم * (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً) * (1).

وروى البخاري أيضاً عن ابن شهاب عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري، أن أبا هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بكم، إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم، وإمامكم منكم (2)، وعن جابر بن عبد الله قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: لا: إن بعضهم أمير بعض، تكرمة الله لهذه الأمة (3).

وأما الرأي الثاني، ويقول به البعض، وهو أن المسيح عليه السلام، قد توفي فعلاً - بعد أن نجاه الله تعالى من مؤامرة اليهود، ولم يمكنهم من قتله أو صلبه، وأن معنى بل رفعه الله إليه ورافعك إلي، إنما يراد به التعظيم والتكريم (4).

ومن ثم فلم يأخذ الشيعة فكرة الرجعة عن اليهود والنصارى، وإنما هي موجودة في القرآن والحديث الشريف، هذا إذا كانت الشيعة نادت بذلك، وهو أمر تحيط به هواتف الريبة من كل جانب، على الأقل بالنسبة إلى المعتدلين منهم.

____________

(1) سورة النساء: آية 159، صحيح البخاري 4 / 205، تفسير القرطبي ص 2007 - 2008، تفسير الطبري 6 / 18 - 23، تفسير ابن كثير 1 / 876 - 889، وانظر (صحيح البخاري 3 / 107، 178، صحيح مسلم 1 / 93، 4 / 60، مسند الإمام أحمد 2 / 513).

(2) صحيح البخاري 4 / 250 (ورواه أيضاً مسلم وأحمد).

(3) حمود بن عبد العزيز التويجري: إقامة البرهان في الرد على من أنكر خروج المهدي والدجال ونزول المسيح في آخر الزمان - مجلة البحوث الإسلامية - العدد 13 شوال 1405 هـ‍ص 109 - 113 (أنظر: محمد بيومي مهران: دراسات تاريخية من القرآن الكريم 3 / 343 - 350 - حيث الأدلة من الكتاب والسنة على نزول عيسى في آخر الزمان).

(4) أنظر (محمد بيومي مهران: دراسات تاريخية من القرآن الكريم 3 / 350 - 355).

الصفحة 421
وأما عن نسبة التشيع إلى الفرس، فهناك نص هام لأحد الشيعة الإيرانيين (1) ينفي فيه نسبة التشيع إلى الفرس كأصل، كما أن التشيع لم يكن مذهباً جديداً - كما يقول أعداؤه - و إنما شملته رعاية علماء أجلاء في جميع عصور الإسلام - منذ ظهوره، وحتى قيام الدولة الصفوية في عام 905 هـ‍(1500 م) (2).

ومن ثم يمكن القول أن خصوم الشيعة قد أخطأوا كثيراً، حين زعموا أن التشيع دين مستقل، ابتدعه الفرس، كيداً للإسلام الذي أزال ملكهم، وأباد سلطانهم، فأرادوا الانتقام منه، فلم يستطيعوا، فأدخلوا عليه البدع والضلال، مستترين باسم التشيع (3).

وقد فند هذا الزعم كثير من العلماء، وقدموا كثيراً من الأدلة على صحة رأيهم، منها (أولاً) أن النبي صلى الله عليه وسلم - كما أشرنا من قبل - وهو الباعث الأول على فكرة التشيع، وإن ما تدين به الشيعة الإمامية إنما يعتمد على نصوص من الكتاب والسنة.

ومنها (ثانياً) أن الفرس الذين دخلوا الإسلام لم يكونوا شيعة في أول

____________

(1) ظهر هذا الرأي في كتاب تراث فارس (legacy of persia) ص 208 - 210 في الأصل الإنجليزي، وفي ص 204 من الترجمة العربية التي أشرف عليها الدكتور يحيى الخشاب، وظهرت في القاهرة عام 1959 م، ويشير الكتاب بوضوح إلى التشيع المعتدل قد أسئ فهمه بسبب ما جاء بالمصادر المعادية للشيعة، كما قال الأستاذ (wickens) الأستاذ بجامعة كمبردج، وأما الكتاب المقصود فهو كتاب الشوشتري الفارسي ويسمى مجالس المؤمنين، وقد طبع عام 1268 م، بالفارسية، بعد وفاة صاحبه (نور الدين بن شريف المرعش الحسيني الشوشتري - نسبة إلى مدينة شوشتر بإيران، والتي يسميها العرب تستر - وكان أكبر قضاة لاهور، وهو حنفي المذهب، وقد أقام في أكرا ونشر كتاباً آخر له إحقاق الحق وإزهاق الباطل ومنه عرف تشيعه، فأمر السلطان جهانجيز بن أكبر بجلده حتى الموت في عام 1019 هـ‍/ 1610 م).

(2) عبد القادر محمود: المرجع السابق ص 9 - 10.

(3) محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 64.

الصفحة 422
الأمر، إلا القليل منهم، وجل علماء السنة وأجلاؤهم من الفرس - كالبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة، والرازي وفخر الدين الرازي وسيبويه والخوارزمي والفارابي والقزويني والسمرقندي والسجستاني والنسفي والهمذاني، هذا فضلاً عن الإمام الأكبر أبي حنيفة النعمان صاحب المذهب، والإمام مسلم والدارقطني، والبيضاوي، وصاحب القاموس والزمخشري والتفتازاني، وأبي القاسم البلخي والقفال والمروزي والشاشي والنيسابوري والبيهقي، والجرجاني والراغب الأصفهاني والخطيب التبريزي - وغيرهم ممن لا يبلغهم الإحصاء بل يمكن القول أن دين العربية (الإسلام) وعلم العربية لم يخدما بأكثر مما سطره علماء وفقهاء ومحدثون من الفرس، من أمثال هؤلاء الأعلام، الذين ذكرنا بعضاً منهم آنفاً.

وأما من دخل الإسلام من الفرس وتشيع، فحاله حال من تشيع من سائر الأمم - كالعرب والترك والروم وغيرهم - لا باعث له، إلا حب الإسلام، وحب آل الرسول، فأسلم وتشيع عن رغبة واعتقاد، وإذا جاز أن يقال: إن الفرس تشيعوا كيداً للإسلام، لأنه قهرهم، جاز أيضاً أن يقال: إن غير الفرس تسننوا كيداً للإسلام، لأن الإسلام غلب وقهر الجميع، وليس الفرس وحدهم.

والحقيقة أن بعض الفرس دان بالتشيع للسبب الذي دان به غيرهم بالتشيع، وبعضهم دان بالتسنن للسبب الذي دان به غيرهم بالتسنن، سنة الله في خلقه، هذا إلى أن الأشعريين، هم الذين نشروا التشيع في قم (1) وأطرافها، وهم عرب صميمون هاجروا إليها من الكوفة على أيام الحجاج الثقفي (2)،

____________

(1) قم: وتقع على مبعدة 150 كيلاً. إلى الجنوب الشرقي من طهران، وترجع شهرتها - كواحدة من مدن الشيعة الهامة - إلى أنها تحوي بين ثراها قبر السيدة فاطمة أخت الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق.

(2) في عام 83 هـ‍، خرج ابن الأشعث على الحجاج الثقفي، ثم هزم جيشه وتفرق في البلاد، وكان من بينهم خمسة أخوة: عبد الله والأحوص وعبد الرحمن وإسحاق ونعيم، أبناء سعد بن مالك بن عامر الأشعري، فاجتمع الخمسة وتغلبوا على بعض القرى القريبة من قم، واجتمع إليهم بنو

=>


الصفحة 423
وغلبوا عليها، واستوطنوها، وانتشر التشيع في خراسان، بعد خروجهم إليها، وزاد الانتشار واتسع في عهد الدولة الصفوية، التي نصرت التشيع، وهم عرب، بل سادة أشراف من نسل الإمام موسى بن جعفر، لا يمكن بأي حال أن يتعصبوا للأكاسرة، والذي يجوز في حقهم ذلك هم قدماء الفرس، وهؤلاء جلهم كان على مذهب التسنن.

هذا وقد أثبت السيد الأمين أن الذين نشروا التشيع وناصروه في إيران إنما هم بين عربي أصيل - كالإمام علي الرضا والأشعريين - أو من أصل عربي كالصفوية - وأن الذي دعموا التسنن وناصروه إنما هم فرس أقحاح - كالبخاري والنسائي والرازي وغيرهم - فإن كان للفرس مقاصد وأهداف ضد الإسلام - كما زعم خصوم الشيعة - فأولى ثم أولى أن يحققوا غايتهم عن طريق التسنن - لا التشيع - إذ المفروض أن سبب التشيع في إيران إنما يرجع إلى عنصر عربي، والتسنن إلى عنصر فارسي صرف، ولكن خصوم الشيعة موهوا وضللوا، وعكسوا الآية، لا لشئ إلا للكيد والتنكيل - كما يقول الدكتور طه حسين - وهكذا فعلوا في مسألة الجفر وعلم الغيب (1).

ويقول الشيخ المظفر: كان للإمام علي - رضي الله عنه وكرم الله وجهه في الجنة - ثلاثة حروب - الجمل وصفين والنهروان - وكان جيشه كله عرباً أقحاحاً، بين عدنانية وقحطانية، أكانت قريش من الفرس؟ أم الأنصار - من أوس وخزرج - أم مذحج، أم همدان، أم طئ، أم كندة، أم تميم، أم مضر، أم أشباهها من القبائل؟.

وهل كان زعماء جيشه، غير رؤساء هذه القبائل؟ أكان عمار فارسياً، أم

____________

<=

عمهم، وكان المتقدم فيه عبد الله، وكان له ولد تشيع، فانتقل من تلك القرى إلى قم، ونقل التشيع إلى أهلها (الشيعة في الميزان ص 65).

(1) محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 65 - 66، السيد محسن الأمين: أعيان الشيعة 1 / 49 (ط 1960).

الصفحة 424
هاشم المرقال، أم مالك الأشتر، أم صعصعة بن صوحان، أم أخوه زيد، أم قيس بن سعد الأنصاري، أم ابن عباس، أم محمد بن أبي بكر الصديق، أم حجر بن عدي، أم عدي بن حاتم الطائي، وأمثال هؤلاء من القواد؟ أما أصحاب الإمامين - الحسن والحسين - فكلهم عرب، وجلهما من أصحاب أبيهما أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، عليه السلام (1)؟.

ويقول فلهاوزن - في رده على دوزي - الذي زعم أن التشيع كمذهب ديني، إنما هو إيراني الأصل - أما أن آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين، فهذا أمر لا سبيل إلى الشك، أما كون هذه الآراء قد انبعثت من الإيرانيين فليست تلك الملائمة دليلاً عليه، بل إن الروايات التاريخية إنما تقول بعكس ذلك، إذ تقول: إن التشيع الواضح الصريح إنما كان قائماً أولاً في الدوائر العربية، ثم انتقل منها إلى الموالي (2).

ويقول: كان جميع سكان العراق في عهد معاوية بن أبي سفيان - خصوصاً أهل الكوفة - شيعة، ولم يقتصر هذا على الأفراد، وإنما شمل أيضاً القبائل، فضلاً عن رؤسائها (3)، وبدهي أن هذا إنما يعزز وجهة النظر التي قال بها السيد الأمين في كتابه أعيان الشيعة، من أن التشيع في إيران إنما جاء من أصل عربي، وليس من أصل فارسي (4).

ويقول آدم متز: إن مذهب الشيعة، ليس - كما يعتقد البعض - رد فعل من جانب الروح الإيرانية يخالف الإسلام، فقد كانت جزيرة العرب شيعية كلها، عدا المدن الكبرى - مثل مكة وصنعاء - وكان للشيعة غلبة في بعض المدن أيضاً - مثل عمان وهجر وصعدة - أما إيران فكانت كلها سنة، ما عدا قم، وكان

____________

(1) محمد حسين المظفر: تاريخ الشيعة ص 8 (ط النجف).

(2) فلهاوزن: الخوارج والشيعة ص 241 (القاهرة 1958).

(3) نفس المرجع السابق ص 148.

(4) محمد جواد مغنية: المرجع السابق ص 66.

الصفحة 425
أهل أصفهان يغالون في معاوية بن أبي سفيان، حتى اعتقد بعض أهلها - كما نقل المقدسي - أنه نبي مرسل (1).

ولنا أن نتساءل: إذا كان الفرس هم سبب التشيع في إيران وغيره إيران، فهل جاء غلو بعض أهل أصفهان في معاوية، ورفعه إلى مرتبة النبوة والرسالة نتيجة لتشيع الفرس؟.

إنه لغريب حقاً منطق خصوم الشيعة - كما يقول الدكتور طه حسين - قالوا: إن الغلو في الإمام علي إنما جاء من الفرس، ثم ينقل عالم من علمائهم - كالمقدسي - أن بعض الفرس غالى في معاوية بن أبي سفيان، حتى جعلوه نبياً مرسلاً.

ثم كيف ومن أين وصل التشيع إلى جزيرة العرب؟ هل جاء إليها من الفرس، والتاريخ يقول: إن الفرس كانوا سنة، عندما كان سكان الجزيرة العربية شيعة، وهكذا يقع في التناقضات من يضفي على التاريخ صفته الذاتية العدائية، ثم يبني عليها آراءه وأحكامه (2).

ويقول جولد تسيهر: إنه من الخطأ القول بأن التشيع في منشئه ومراحل نموه، يمثل الأثر التعديلي الذي أحدثته أفكار الأمم الإيرانية في الإسلام - بعد أن اعتنقته، أو خضعت لسلطانه عن طريق الفتح والدعوة وهذا الوهم الشائع مبني على سوء فهم للحوادث التاريخية، فالحركة العلوية نشأت في أرض عربية بحتة (3).

ويقول العلامة أبو زهرة: وأما فارس وخراسان وما وراءها من بلدان

____________

(1) آدم متز: الحضارة الإسلامية - القاهرة 1957 ص 102 وما بعدها.

(2) محمد جواد مغنية: المرجع السابق ص 67.

(3) جولد تسهير: العقيدة والشريعة ص 204 (القاهرة 1946).


الصفحة 426
الإسلام، فقد هاجر إليها كثيرون من علماء الإسلام الذين كانوا يتشيعون، فراراً بعقيدتهم من الأمويين أولاً، ثم العباسيين ثانياً، وأن التشيع كان منتشراً في هذه البلاد انتشاراً عظيماً قبل سقوط الدولة الأموية (عام 132 هـ‍/ 750 م) بفرار أتباع الإمام زيد بن علي زين العابدين، ومن قبله إليها، ولذلك وجدت الدعوة الشيعية التي انتحلها دعاة العباسيين رواجاً عظيماً فيها، ومنهم نبتت قوة الدولة، وقادة الحرب، التي أدال الله تعالى بهم من حكم الأمويين، ومسلم الخراساني، هو القائد المظفر الذي أسلم صولجان الحكم إلى العباسيين، قد كان فيه تشيع لآل علي، كرم الله وجهه، ولعله من أجل ذلك وغيره قتله المنصور الذي كان يتغدى بمن يخافه قبل أن يتعشاه، وقد كثر التشيع في إيران في مصر ملوك الدولة الصفوية وفي الجملة، فلقد كثر التشيع في بلاد خراسان وما وراءها، وخصوصاً عندما جاء إليها الإمام علي الرضا مع الخليفة المأمون (198 - 218 هـ‍/ 813 - 833 م)، والإمام الرضا هو أحد الأئمة الاثني عشر، الذين يدين بإمامته الإثنا عشرية، فقد مات في هذه الرحلة، ودفن وقبره بطوس (مشهد الحالية)، ولذا كانت هذه المدينة شيعية، تقصدها طوائف الاثني عشرية لزيارة قبر الإمام الرضا (1).

وهكذا فإن الذي اجتذب الفرس وغير الفرس إلى التشيع إنما هو الإسلام الصحيح، وحب الرسول وآله، واستشهاد الأخيار في سبيله، وملاءمته للحياة، ومناصرته للضعفاء والمضطهدين، لقد كان الفرس - منذ عهد الصفوين وإلى اليوم - من أقوى الدعائم الشيعية، ومذهب التشيع، وهذا هو السر الذي بعث خصوم الشيعة، على أن يصوروا الفرس، وكأنهم أعدى أعداء الإسلام، مع أنه لولا الفرس لم يكن للمسلمين هذا العدد الضخم من العلماء الذين تفاخر بهم

____________

(1) محمد أبو زهرة: الإمام الصادق - حياته وعصره - آراؤه وفقهه ص 545 (ط - دار الفكر العربي - القاهرة).

الصفحة 427
أمم الشرق والغرب، ولا كان للإسلام هذه المكتبة المتخمة بألوف المجلدات في شتى العلوم، ولسنا نعرف أمة خدمت الإسلام، ولغة القرآن كالفرس، ولو أحصيت المكتبة الإسلامية والعربية، لكان سهم الفرس منها أوفى من أسهم بقية المسلمين مجتمعين، إن الفرس لم يتستروا باسم التشيع، ليكيدوا للإسلام، بل إن أعداء الإسلام تستروا باسمه، ليكيدوا للتشيع بعامة، والفرس بخاصة، لأنهم كانوا من أقوى أركان الإسلام وأنصاره (1).

وعلى أية حال، فإن أساس التشيع، إنما هو الاعتقاد بأن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - إنما هو أحق الناس بالخلافة، وإذا كان الخليفة يجمع بين شؤون الدين والسياسة، فالخلاف بين الشيعة وغيرهم، إنما هو خلاف ديني وسياسي، وقد شغلت المشكلات السياسية المجال الأول من عناية المسلمين، ثم لابستها وامتزجت بها الاعتبارات الدينية، كعامل من عوامل الاختمار، حتى تحولت الاعتبارات الدينية إلى مؤثرات فعالة وعناصر قوية، أعانت على الصراع والخلافة (2).

هذا وقد بدأ التشيع يحدد خطوطه ومناهجه على أيدي جماعة من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - من أمثال عبد الله بن عباس، وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وجابر بن عبد الله، وأبي بن كعب، وبريدة، وأبو أيوب الأنصاري، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف، وأبو الهيثم بن التيهان، وأبو الطفيل، والبراء بن عازب، وعبادة بن الصامت، وجميع بني هاشم (3).

وحذيفة بن اليمان وغيرهم - ثم سرعان ما أدت كراهية الموالي للأمويين وسياستهم، إلى أن ينادي موالي الفرس - وهم الذين يؤمنون بنظرية الدم الملكي

____________

(1) محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 68.

(2) عبد القادر محمود: الإمام جعفر الصادق، رائد السنة والشيعة.

(3) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 219 - 220 (دار الفكر - بيروت 1979).

الصفحة 428
في البيت المالك - بأحقية الإمام علي، وأبنائه من بعده، في الخلافة، دون الأمويين (1).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net