متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ثانيا: أحقية الإمام علي في الخلافة
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج2    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

ثانيا: أحقية الإمام علي في الخلافة:

من المعروف أن أبا بكر الصديق - رضوان الله عليه - إنما بويع بالخلافة في سقيفة بني ساعدة في المدينة المنورة يوم الاثنين، الثاني عشر من ربيع الأول عام 11 هـ (8 يونية 632 م)، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم، قد دفن بعد، ومن ثم فلم يشهد الإمام علي بن أبي طالب - وكذا جميع بني هاشم - اجتماع السقيفة هذا، فقد كان رضوان الله عليه مشغولا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، هو وجماعة من بني هاشم، تولوا غلسه وتكفينه، وإنزاله صلى الله عليه وسلم، في قبره الشريف.

وبدهي أن الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - لو شهد اجتماع السقيفة لكان له فيه مقال، ولربما أخذت الأمور في هذا اليوم اتجاها آخر، غير اتجاهها الذي سارت فيه، فقد كان الإمام علي - كما كانت شيعته - يرون أنه أحق الناس - كل الناس - بخلافة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فقد كان أبدا لا

____________

(1) المحب الطبري: الرياض النضرة في مناقب العشرة 2 / 297 (طنطا 1953).

الصفحة 28
يشك في أن الأمر له، وأن أحدا من الناس لا ينازعه في الخلافة، ومن ثم فقد قال له عمه العباس بن عبد المطلب: (أمدد يدك أبايعك)، فيقال: عم رسول الله، بايع ابن عم رسول الله، فلا يختلف عليك اثنان)، فقال الإمام، يا عم، وهل يطمع فيها طامع غيري؟ قال: ستعلم، فقال الإمام: (إني لا أحب هذا الأمر من وراء رتاج، وأحب أن أصحر به، فسكت عنه) (1).

وفي رواية: يقول العباس للإمام: فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتانا أبو سفيان بن حرب تلك الساعة، فدعوناك إلى أن نبايعك، وقلت لك: أبسط يدك أبايعك، ويبايعك هذا الشيخ، فإنا إن بايعناك، لم يختلف عليك أحد من بني عبد مناف، وإذا بايعك بنو عبد مناف، لم يختلف عليك أحد من قريش، وإذا بايعتك قريش لم يختلف عليك أحد من العرب، فقلت: لنا بجهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم، شغل، وهذا الأمر فليس نخشى عليه، فلم نلبث أن سمعنا التكبير من سقيفة بني ساعدة فقلت: يا عم، ما هذا؟ قلت: ما دعوناك إليه فأبيت، قلت: سبحان الله!

أيكون هذا! قلت: نعم، قلت: أفلا يرد؟ قلت لك: وهل رد مثل ذا قط!) (2).

وروى البلاذري عن جابر بن عبد الله قال: قال العباس لعلي: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرج حتى أبايعك على أعين الناس، فلا يختلف عليك اثنان، فأبى وقال: أو منهم من ينكر حقنا، ويستبد علينا؟ فقال العباس: سترى أن ذلك سيكون، فلما بويع أبو بكر، قال له العباس: ألم أقل لك يا علي (3).

وهكذا نظر الإمام علي - ومعه بنو هاشم جميعا - إلى ميراثهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم أحق الناس بالخلافة، فلقد قال أبو بكر للأنصار في اجتماع

____________

(1) أنظر محمد بيومي مهران: الإمام علي بن أبي طالب 1 / 153 - 154 (بيروت 1990).

(2) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 2 / 48 (بيروت 1965).

(3) البلاذري: أنساب الأشراف - تحقيق محمد حميد الله 1 / 583 (القاهرة 1959)، وانظر: ابن قتيبة: الإمامة والسياسة 1 / 12 (ط الحلبي - القاهرة 1967).

الصفحة 29
السقيفة عن المهاجرين، (هم أولياء النبي وعشيرته، وأحق الناس بالأمر من بعده، لا ينازعهم فيه إلا ظالم).

وقال عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - (وإنه والله لا ترضى العرب أن تؤمركم، ونبيها من غيركم، إن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر، إلا من كانت النبوة فيهم، وأولي الأمر منهم، لنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة، والسلطان المبين، لا ينازعنا سلطان محمد وميراثه، ونحن أولياؤه وعشيرته:، إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في هلكة)، ثم بايع عمر أبا بكر، فبايعه الناس، فقالت الأنصار - في رواية للطبري - أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا عليا.

وهكذا إذا سلم الأنصار بحجة المهاجرين - من أنهم أولياء النبي وعشيرته - كانت القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلما قربت واتصلت، هي الفيصل الذي يرجع إليه في اختيار من يخلف الرسول صلى الله عليه وسلم (1).

وانطلاقا من كل هذا، فعندما بويع الصديق - رضوان الله عليه - استأخرت يمين الإمام - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وقد أعطى الإمام السبب في وضوح، خلال حواره مع كبار الصحابة - وعلى رأسهم أبو بكر وعمر -

فقال: (زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم، لما كان محمد صلى الله عليه وسلم منكم، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم

____________

(1) أنظر عن أخبار يوم السقيفة (سيرة ابن هشام 4 / 488 - 492، شرح نهج البلاغة 2 / 21 - 16 (بيروت 1979) 6 / 5 - 45 (بيروت 1965)، تاريخ الطبري 3 / 201 - 207، 218 - 223، السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 5 - 70 (القاهرة 1952)، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 2 / 325 - 332، ابن كثير: البداية والنهاية 6 / 340 - 341، البلاذري: أنساب الأشراف 1 / 579 - 591، تاريخ ابن خلدون 2 / 853 - 855، سليم بن قيس الهلالي: كتاب سليم بن قيس - أو السقيفة (النجف)، ابن عبد ربه: العقد الفريد 5 / 11 - 14 (بيروت 1983)، نور الأبصار ص 53، محمد حسين هيكل: الصديق أبو بكر ص 47 - 71 (القاهرة 1964)، الفاروق عمر ص 74 - 76، (القاهرة 1963)، حسن إبراهيم: تاريخ الإسلام السياسي 1 / 204 - 206 (القاهرة 1964).

الصفحة 30
به على الأنصار، إن كانت الإمامة في قريش، فأنا أحق قريش بها، وإلا فالأنصار على دعواهم، نحن أولى برسول الله حيا وميتا، فأنصفونا إن كنتم مؤمنين).

وقال الإمام: (إنكم تدفعون آل محمد عن مقامه ومقامهم في الناس، وتنكرون عليهم حقهم، أما والله لنحن أحق منكم بالأمر، ما دام فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعية، القاسم بينهم بالسوية).

فالإمام علي إذن يرى - بل يعتقد - أنه ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يعهد بالخلافة لأحد بذاته، فإن البيت الذي اختارته السماء، ليكون منه النبي المصطفى، إنما هو البيت الذي يختار منه المسلمون خليفتهم، ما دام في رجال هذا البيت من يتمتع بالكفاية الكاملة لشغل منصب الخلافة (1).

وطبقا لرواية (ابن قتيبة) في (الإمامة والسياسة) فقد قال الإمام علي - كرم الله وجهه - عندما أتي به إلى أبي بكر للبيعة: (أنا عبد الله وأخو رسول الله، فقيل له: بايع أبا بكر، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم، وتأخذونه منا أهل البيت غصبا؟ ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم، لما كان محمد منكم، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلا فبوؤوا بالظلم، وأنتم تعلمون).

فقال له عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع.

فقال الإمام علي: أحلب حلبا لك شطره، وأشدد له اليوم أمره، يردده

____________

(1) خالد محمد خالد: في رحاب علي ص 103 - 104 (دار المعارف - القاهرة 1980).

الصفحة 31
عليك غدا، ثم قال: والله يا عمر: لا أقبل قولك، ولا أبايعه، فقال له أبو بكر:

فإن لم تبايع، فلا أكرهك.

فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي - كرم الله وجهه - (يا ابن عم، إنك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم، ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر، إلا أقوى على هذا الأمر منك، وأشد احتمالا واضطلاعا به، فسلم لأبي بكر هذا الأمر، فإن تعش ويطل بك بقاء، فأنت لهذا الأمر خليق، وبه حقيق، في فضلك ودينك، وعملك وفهمك، وسابقتك ونسبك وصهرك).

فقال الإمام علي كرم الله وجهه، (الله الله يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره وقعر بيته، إلى دوركم وقعور بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين، لنحن أحق الناس به، لأنا أهل البيت، ونحن أحق بهذا الأمر منكم، ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله، فتزدادوا عن الحق بعدا).

فقال بشير بن سعد الأنصاري: (لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي، قبل بيعتها لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان) (1).

والواقع أن المنذر بن أرقم، إنما قال - ما قاله بشير بن سعد - يوم السقيفة، في رده على عبد الرحمن بن عوف، عندما قال: يا معشر الأنصار:

(إنكم، وإن كنتم على فضل، فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي، فقام المنذر بن أرقم فقال: (ما ندفع فضل من ذكرت، وإن فيهم لرجلا، لو طلب هذا الأمر، لم ينازعه فيه أحد، يعني علي بن أبي طالب) (2).

____________

(1) ابن قتيبة: الإمامة والسياسة - تحقيق طه محمد الزيني - الجزء الأول ص 18 - 19 (ط الحلبي - القاهرة 1967).

(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 123 (دار بيروت - بيروت 1980).

الصفحة 32
وروى أبو الحسن علي بن محمد المدائني (135 هـ / 752 م - 235 هـ / 850 م) (1) عن عبد الله بن جنادة، خطبة الإمام علي، عليه السلام، في أول إمارته، حيث قال فيها:) أما بعد، فإنه لما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم، قلنا: نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه، دون الناس، لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع، إذا انبرى لنا قومنا، فغصبونا سلطان نبينا، فصارت الإمرة لغيرنا، وصرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف، ويتعزز علينا الذليل، فبكت الأعين، منا لذلك، وخشيت الصدور، وجزعت النفوس، وأيم الله، لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر، ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه، فولي الأمر ولاة لم يألوا الناس خيرا، ثم استخرجتموني، أيها الناس، من بيتي، فبايعتموني على شين مني لأمركم، وفراسة تصدقني ما في قلوب كثير منكم...) (2).

وأما عن الفترة منذ قبض النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى بيعة الإمام بالخلافة، فيلخصها الإمام في قوله الذي رواه ابن الأثير بسنده عن يحيى بن عروة المرادي قال: سمعت عليا، رضي الله عنه، يقول: (قبض النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أرى أني أحق بهذا الأمر، فاجتمع المسلمون على أبي بكر، فسمعت وأطعت، ثم إن أبا بكر أصيب، فظننت أنه لا يعدلها عني، فجعلها في عمر، فسمعت وأطعت، ثم إن عثمان قتل، فجاءوا فبايعوني، طائعين غير مكرهين، ثم خلعوا بيعتي، فوالله ما وجدت إلا السيف، أو الكفر بما أنزل الله، عز وجل، على محمد صلى الله عليه وسلم) (3).

____________

(1) أنظر فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي المجلد الأول - الجزء الثاني ص 139 - 142 (الرياض 1983 - نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية).

(2) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 307 (بيروت 1965).

(3) ابن الأثير: أسد الغابة 4 / 112 (كتاب الشعب - 1970).

الصفحة 33


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net