متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
5 - قوله (ص): إني مخلف فيكم، ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج2    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

5 - قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث الثقلين: إني مخلف فيكم، ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي:

روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله

____________

(1) محمد السماوي: طرافة الأحلام ص 31، مهدي السماوي: المرجع السابق ص 169 - 170.

(2) نفس المرجع السابق ص 170.

الصفحة 77
وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) (1).

وفي رواية: فقلنا من أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا وأيم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته، الذين حرموا لصدقة بعده) (2). ورواه الإمام أحمد في المسند (3)، والبيهقي في السنن (4)، والدارمي في سننه (5)، والمتقي في كنز العمال (6)، والطحاوي في مشكل الآثار (7).

وروى الترمذي في صحيحه بسنده عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم، ما إن تمسكتم به، لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) (8).

وفي رواية عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصوى يخطب فسمعته يقول: يا أيها الناس، إني قد

____________

(1) صحيح مسلم 15 / 179 - 180 (بيروت 1981).

(2) صحيح مسلم 15 / 181.

(3) مسند الإمام أحمد 4 / 366.

(4) سنن البيهقي 2 / 148، 7 / 30.

(5) سنن الدارمي 2 / 431.

(6) كنز العمال 1 / 45، 7 / 103.

(7) مشكل الآثار 4 / 368.

(8) صحيح الترمذي 2 / 308.

الصفحة 78
تركت فيكم، ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي) (1).

ورواه المتقي في كنز العمال، وقال: أخرجه ابن أبي شيبة والخطيب في المتفق والمفترق عن جابر (2). وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض (3).

وعن أبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

تركت فيكم ما إن تمسكتم به، فلن تضلوا، كتاب الله وأهل بيتي (4).

وروى الإمام أحمد (أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني 164 هـ / 789 م - 241 هـ / 855 م) في الفضائل بسنده عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني قد تركت فيكم خليفتين، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنهما يردان على الحوض (5).

وعن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض (6).

وعن الأعمش عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم

____________

(1) صحيح الترمذي 2 / 308.

(2) كنز العمال 1 / 48، فضائل الخمسة 2 / 45.

(3) فضائل الصحابة 2 / 603، وانظر منتخب مسند عبد بن حميد (938) من طريق شريك.

(4) فضائل الصحابة 1 / 171 - 172، وانظر مسند الإمام أحمد 3 / 14 - 17، 26، 59، الترمذي 5 / 663، المعجم الكبير للطبراني 3 / 200، مجمع الزوائد 9 / 163، 165.

(5) فضائل الصحابة 2 / 786 (وأخرجه أحمد في المسند 5 / 181، 182، وابن أبي عاصم في السنة (ل 67 ب).

(6) فضائل الصحابة 2 / 779 (وأخرجه أحمد في المسند 3 / 17، والطبراني في الكبير 3 / 62).

الصفحة 79
قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا بما تخلفوني فيهما (1).

وروى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (2).

وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال:

لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات فأقمن فقال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى، وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، ثم قال: إن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي عليه السلام، فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه....) (3).

وروى النسائي في الخصائص بسنده عن زيد بن أرقم قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فأقمن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، ثم قال: إن الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن، ثم إنه أخذ بيد

____________

(1) فضائل الصحابة 2 / 779 (وانظر المسند 3 / 17، الطبراني في الكبير 3 / 62.

(2) أسد الغابة 2 / 13 (كتاب الشعب 1971).

(3) المستدرك على الصحيحين للحاكم 3 / 109.

الصفحة 80
علي رضي الله عنه، فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقلت لزيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ما كان في الدرجات أحد، إلا رآه بعينه، وسمعه بأذنيه (1)، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (2).

وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن ابن واثلة، أنه سمع زيد بن أرقم يقول: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية فصلى، ثم قام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ووعظ، فقال: ما شاء الله أن يقول، ثم قال: أيها الناس، إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي، ثم قال: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات؟ قالوا نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه (3).

وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن مسلم بن صبيح عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله، وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض (4).

وروى الإمام أحمد في المسند وفي الفضائل بسنده عن علي بن ربيعة قال: لقيت زيد بن أرقم - وهو داخل على المختار، أو خارج من عنده - فقلت له: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني تارك فيكم الثقلين؟ قال: نعم (5)، ورواه الطحاوي في مشكل الآثار (6).

____________

(1) النسائي: تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه - بيروت 1983 صپ 50 - 51.

(2) كنز العمال 1 / 48، 6 / 390.

(3) المستدرك للحاكم 3 / 109.

(4) المستدرك للحاكم 3 / 148.

(5) مسند الإمام أحمد 4 / 371، فضائل الصحابة 2 / 572 وانظر الفضائل 1 / 171، 2 / 585، 603.

(6) مشكل الآثار 4 / 368.

الصفحة 81
وروى الحافظ أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، إني فرطكم، وإنكم واردون على الحوض، فإني سائلكم حين تردون عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله، سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا، لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير، أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض (1).

وروى الحافظ أبو نعيم في الحلية بسنده عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه عن جده عن علي قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة فقال: أيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم، قالوا: بلى، قال: فإني كأني لكم على الحوض فرطا، وسائلكم عن اثنتين، عن القرآن وعن عترتي...) (2).

وروى المتقي الهندي في كنز العمال بسنده عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله، سبب بيد الله، وسبب بأيديكم، وأهل بيتي (3).

وروى الهيثمي في مجمعه بسنده عن حذيفة بن أسيد قال: لما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، نهى أصحابه عن شجرات متفرقات بالبطحاء أن ينزلوا تحتهن، ثم بعث إليهم فقم ما تحتهن من الشوك وعمد إليهن فصلى عندهن، ثم قال فقال: يا أيها الناس إنه قد نبأني اللطيف الخبير، أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت

____________

(1) أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 1 / 355 (دار الفكر - بيروت).

(2) حلية الأولياء 9 / 64، (وانظر: أسد الغابة 3 / 147، مجمع الزوائد 5 / 195، وانظر: ابن تيمية:

رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم ص 75، 86، 90، 117).

(3) كنز العمال 1 / 96، (وانظر: مجمع الزوائد 9 / 163).

الصفحة 82
وجدت ونصحت، فجزاك الله خيرا، قال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق، وناره حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى، نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد، ثم قال: يا أيها الناس، إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه، فهذا مولاه - يعني عليا عليه السلام - اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ثم قال: يا أيها الناس إني فرط، وأنتم واردون على الحوض، حوض ما بين بصرة وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله، عز وجل، سبب طرفه بيد الله عز وجل، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به، لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير، أنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض (1).

ويقول المحدث الفقيه ابن حجر الهيثمي: أن للحديث (حديث الثقلين) طرقا كثيرة، وردت عن نيف وعشرين صحابيا، وله طرق كثيرة، وفي بعض تلك الطرق أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك في حجة الوداع في عرفة، وفي أخرى أنه قاله في المدينة في مرضه، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنه قاله في غدير خم، وفي أخرى أنه بعد انصرافه من الطائف، ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في كل تلك المواطن وغيرها، اهتماما بشأن الكتاب العزيز، والعترة الطيبة الطاهرة.

وفي رواية عن ابن عمر: آخر ما تكلم بن النبي صلى الله عليه وسلم: اخلفوني في أهل بيتي.

وفي رواية أخرى عند الطبراني وأبي الشيخ: إن لله عز وجل ثلاث حرمات، فمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله دنياه

____________

(1) الهيثمي: مجمع الزوائد 9 / 164، (وانظر العمال (1 / 48، 3 / 61).

الصفحة 83
ولا آخرته، قلت: ما هن؟ قال: حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي.

هذا وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، القرآن وعترته ثقلين، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون، وهذان كذلك، إذ أن كلا منهما معدن للعلوم اللدنية، والأسرار والحكم العلية، والأحكام الشرعية، ولذا حث صلى الله عليه وسلم، على الاقتداء والتمسك بهم، والتعلم منهم، وقال: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت، وقيل سميا (ثقلين) لثقل وجوب رعاية حقوقهما.

هذا إلى أن الذين وقع الحث عليهم من أهل البيت، إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض، وهم الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، وقد تميزوا بذلك عن بقية العلماء، لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة.

وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت، إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة - كما أن الكتاب العزيز كذلك - ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي.

ولا ريب في أن أحق من يتمسك به، إمام أهل البيت وعالمهم، سيدنا ومولانا وجدنا الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - لعلمه الغزير، ودقائق مستنبطاته، ومن ثم قال أبو بكر: علي عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الذين حث على التمسك بهم، فخصه لما قلنا، وكذلك خصه صلى الله عليه وسلم، بما مر يوم غدير خم، والمراد بالعيبة والكرش، فيما سبق، إن أهل البيت موضع سر النبي صلى الله عليه وسلم، وأمانته، ومعادن نفائس معارفه وحضرته، إذ كل من العيبة والكرش مستودع لما يخفى فيه مما به القوام والصلاح، لأن الأول لما يحرز فيه نفائس الأمتعة، والثاني: مستقر الغذاء لما به النمو، وقوام البنية،

الصفحة 84
وقيل هما مثلان، لاختصاصهم بأمور الظاهرة والباطنة، إذ مظروف الكرش باطن، والعيبة ظاهر (1).

والخلاصة أن حديث الثقلين - كما يقول العلامة الفيروزآبادي (2) - من الأدلة القوية، والحجج الجلية، على خلافة علي عليه السلام، وإمامته من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، بلا فصل، بل لو لم يكن للشيعة دليل على خلافة الإمام علي، سوى حديث الثقلين، لكفاهم ذلك حجة على المخالف، والاستدلال به يتوقف على بيان سنده ودلالته.

فأما السند: فهو قوي جدا، فهو حديث صحيح مستفيض، - بل متواتر، قد رواه أجلاء الصحابة ومشاهيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أمثال: الإمام علي، وأبي ذر، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وزيد بن أرقم وأبي سعيد الخدري، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وعبد الله بن حنطب، وأبي هريرة وغيرهم كثير، قال المناوي (3): قال السمهوري: وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة، وقال ابن حجر الهيثمي (4) - كما رأينا آنفا - وللحديث طرق كثيرة، وردت عن نيف وعشرين صحابيا (5).

وأما الدلالة: - فهي قوية جدا، بل في أعلى مراتب القوة - بعد رعاية القرائن القطعية، والشواهد الجلية المحفوفة به، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إني مقبوض - أو إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، أو إني لا أجد لنبي إلا نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب).

____________

(1) ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة ص 230 - 232 (بيروت 1983).

(2) السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي: فضائل الخمسة من الصحاح الستة 2 / 53 - 54 (بيروت 1973).

(3) فيض القدير 3 / 14.

(4) الصواعق المحرقة ص 230 - 231.

(5) ذكر مهدي السماوي في كتابه (الإمامة في ضوء الكتاب والسنة) (ص 187 - 229) 35 مصدرا لحديث الثقلين برواية زيد بن أرقم، كما ذكر 184 إسما من العلماء الذين رووا الحديث الشريف.

الصفحة 85
أو قوله صلى الله عليه وسلم: وأنا تارك فيكم الثقلين، أو إني تارك فيكم الثقلين أو خليفتين، أو فانظروا كيف تخلفوني فيهما، أو كيف تخلفوني في الثقلين.

أو قوله صلى الله عليه وسلم: ولا تقدموهما فتهلكوا، ولا تعلموهما، فإنهما أعلم منكم، أو فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهما فهما أعلم منكم.

فكل تلك إنما هي شواهد جلية، وقرائن قطعية على أن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما قد دنا أجله وقربت وفاته، فصار في مقام الاستخلاف، وتعيين الخليفة من بعده، فعين الكتاب وأهل بيته، وبين للناس أنهما أعلم منهم، وقد نهاهم عن تقدمهما، وعن التقصير عنهما.

وإذا ثبت في مجموع تلك القرائن والشواهد، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد استخلف الكتاب وأهل بيته، وترك في الأمة هذين الثقلين، ثبتت خلافة سيدنا علي عليه السلام، من بين أهل البيت الطاهرين بالخصوص، فإنه أعلمهم وأفضلهم، ولم يدع منهم أحد منصب الخلافة والإمامة، ما دام الإمام علي كان ما يزال حيا، موجودا في دار الدنيا.

هذا فضلا عن الأحاديث الشريفة التي كان فيها تصريح باسم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم - بعد ما قال: إني قد تركت فيكم الثقلين، أو إني تارك فيكم أمرين، كتاب الله، وأهل بيتي - قد أخذ بيد الإمام علي، وقال: من كنت مولاه - أو أولى به من نفسه - فعلي مولاه أو وليه (1).

ويقول صاحب كتاب (الإمامة): وقد استدلت الإمامية بحديث الثقلين، على تعيين النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته - الثقل الأصغر، أعدال القرآن المجيد - أئمة

____________

(1) الفيروزآبادي: فضائل الخمسة من الصحاح السنة 2 / 54 - 55.

الصفحة 86
للمسلمين، تجب مودتهم، ويلزم أتباعه، وهو من المتواتر عند الفريقين - الشيعة والسنة - وبأشكال مختلفة، كلها تثبت كون النبي صلى الله عليه وسلم، خلف في الأمة الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، والأئمة الذين لا يفترقون عن الكتاب، حتى يردا على الحوض، وهو دليل إمامتهم وعصمتهم.

وهذا الحديث الشريف يظهر من أساليبه، وأقول الناقلين له، أنه كان في مناسبات مختلفة - كما قال ابن محمد الهيثمي - استغلالا للفرص، وتوكيدا في الحجة، وإظهارا للحق، وتكريما لأهله.

ولا ريب في أن الحكم الإلهية إنما تقتضي تواتر هذا الحديث، وكثرة النقلة له، ليتم بذلك وضوح المضمون في الغرض الأسمى، وقطعية السند، ليكون قاطعا للغدر، بإقامته الحجة - سندا ومتنا - وقد ألفت الكتب في حديث الثقلين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بوجوب التمسك بالثقلين - الكتاب وأهل البيت - (1).

وأقل ما يقال في حديث الثقلين هذا، أن أهل البيت - وعلى رأسهم الإمام علي - إنما هم قدوة المسلمين، في علمهم واستقامتهم، وأنهم في نظر المسلمين، أمثلة حية للتمسك بالإسلام، الذي جاء به جدهم محمد صلى الله عليه وسلم (2)، ومن ثم فهم أهل الإمامة والخلافة، دون غيرهم.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net