متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
10 - قوله (ص) لعلي: أنت أخي في الدنيا والآخرة
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج2    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

10 - قوله صلى الله عليه وسلم لعلي: أنت أخي في الدنيا والآخرة:

روى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن عمر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، آخى بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، إنك قد آخيت بين أصحابك، فمن أخي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى يا علي أن أكون أخاك، قال ابن عمر: وكان علي جلدا شجاعا، فقال علي: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أخي في الدنيا والآخرة (1).

وأخرج الترمذي عن ابن عمر قال: آخى رسول الله عليه الصلاة والسلام بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله: آخيت بين أصحابك، ولم تواخ بيني وبين أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أخي في الدنيا والآخرة (2).

وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن عباس قال: كان علي يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الله يقول: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)، والله لا ننقلب على أعقابنا، بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل، لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه ووليه، وابن عمه، ووارث علمه، فمن أحق به مني) (3).

وذكره الهيثمي في مجمعه وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة، وقال أخرجه أحمد في المناقب، والنسائي في الخصائص، والذهبي مختصرا في ميزان الاعتدال (4).

____________

(1) المستدرك للحاكم 3 / 14.

(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 170.

(3) المستدرك للحاكم 3 / 126.

(4) مجمع الزوائد 9 / 134، الرياض النضرة 2 / 226، الخصائص ص 18، ميزات الاعتدال 2 / 285.

الصفحة 134
وروى ابن كثير في التفسير: قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد، حدثنا أسباط بن نصر عن سمك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس: أن عليا كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)، والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه، حتى أموت، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه، فمن أحق به مني) (1).

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، أن عليا كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يقول: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) (2) والله لا ننقلب على أعقابنا، بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل، لأقاتلن على ما قاتل عليه، حتى أموت والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه، ومن أحق به مني) (3).

وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أسماء بنت عميس قالت: كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحنا جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أم أيمن، إدعي لي أخي، فقالت: هو أخوك وتنكحه؟ قال: نعم يا أم أيمن، فجاء علي عليه السلام، فنضح النبي صلى الله عليه وسلم، عليه من الماء، ودعا له، ثم قال: إدعي فاطمة، قالت: فجاءت تعثر من الحياء، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسكتي، فقد أنكحتك أحب أهل بيتي (4).

وفي رواية ابن سعد: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتح، فخرجت إليه أم أيمن،

____________

(1) تفسير ابن كثير 1 / 614 (بيروت 1986).

(2) سورة آل عمران: آية: 144.

(3) فضائل الصحابة للإمام ابن حنبل 2 / 652 - 653، ونسبه السيوطي في (الدر المنثور) (2 / 81) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم عن ابن عباس، وذكره المحب الطبري في (ذخائر العقبى) ص 100، وفي الرياض النضرة 2 / 262.

(4) المستدرك للحاكم 3 / 159.

الصفحة 135
أيمن، فقال: أين أخي؟ قالت: وكيف يكون أخوك، وقد أنكحته ابنتك، قال، فإنه كذلك (1).

وفي رواية أخرى: فجاء رسول الله حتى وقف بالباب وسلم، فاستأذن فأذن له، فقال: أين أخي؟ فقالت أم أيمن: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، من أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب، قالت: وكيف يكون أخاك، وقد زوجته ابنتك؟ قال: هو ذاك يا أم أيمن (2).

وروى النسائي في الخصائص بسنده عن ابن عباس قال: لما زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاطمة رضي الله عنها من علي رضي الله عنه، كان فيما أهدى معها سرير مشروط، ووسادة من أديم، حشوها ليف، وقربة ماء، وجاء ببطحاء من الرمل فبسطوه في البيت، وقال لعلي رضي الله عنه: إذا أتيت بها فلا تقربها حتى آتيك، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدق الباب، فخرجت أم أيمن، فقال: أين أخي، قالت: وكيف يكون أخاك، وقد زوجته ابنتك، قال: إنه أخي (3).

وروى الترمذي في صحيحه عن ابن عمر قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك، ولم تواخ بيني وبين أحد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أخي في الدنيا والآخرة (4).

وروى ابن ماجة في صحيحه بسنده عن عباد بن عبد الله عن علي عليه السلام قال قال علي: أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كذاب، صليت قبل الناس بسبع سنين (5).

ورواه الحاكم في المستدرك والإمام الطبري في تاريخه، والنسائي

____________

(1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 8 / 14 (دار التحرير - القاهرة 1970).

(2) الطبقات الكبرى 8 / 15.

(3) خصائص النسائي ص 71 - 72.

(4) صحيح الترمذي 2 / 299.

(5) صحيح ابن ماجة ص 12.

الصفحة 136
الخصائص، والمتقي في كنز العمال، والمحب الطبري في الرياض النضرة (1).

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن زيد بن أرقم قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فذكر قصة مؤاخاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فقال علي، يعني للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد ذهبت روحي، وانقطع ظهري، حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، إن كان هذا من سخط علي، فلك العتبى والكرامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحق، ما أخرتك إلا لنفسي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي قال: وما أرث منك يا رسول الله؟ قال: ما ورث الأنبياء قبلي، قال: وما ورث الأنبياء قبلك؟

قال: كتاب الله وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة، مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (إخوانا على سرر متقابلين)، المتحابون في الله ينظر بعضهم إلى بعض (2).

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن قتادة عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر وقال لعلي: أنت أخي، وأنا أخوك (3).

وفي رواية للإمام أحمد بسنده عن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم، آخى بين الناس، وترك عليا، حتى بقي آخرهم، لا يرى له أخا، فقال يا رسول الله آخيت بين الناس وتركتني، قال: ولم تراني تركتك، إنما تركتك لنفسي، أنت أخي، وأنا أخوك، فإن ذاكرك أحد، فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يدعيها بعدي إلا كذاب (4).

____________

(1) المستدرك للحاكم 3 / 111، تاريخ الطبري 2 / 56، خصائص النسائي ص 3، 18، كنز العمال 6 / 394، الرياض النضرة 2 / 155.

(2) فضائل الصحابة 2 / 638 - 639، وانظر رواية أخرى 2 / 666 - 667.

(3) فضائل الصحابة 2 / 597 - 598.

(4) فضائل الصحابة 2 / 617.

الصفحة 137
وروى الإمام أحمد في المسند بسنده عن ربيعة بن ناجذ عن علي عليه السلام قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب، فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة، ويشرب الفرق، قال: فصنع لهم مدا من طعام، فأكلوا حتى شبعوا، قال: وبقي الطعام كأنه لم يمس - أو لم يشرب - فقال: يا بني عبد المطلب إني بعثت لكم خاصة، وإلى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟ قال: فلم يقم إليه أحد، قال: فقمت إليه - وكنت أصغر القوم - قال: فقال: إجلس ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: إجلس، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي وقال: أنت أخي (1).

وذكره الهيثمي في مجمعه، وقال: رجاله ثقات، ورواه الإمام الطبري في تاريخه وقال فيه: على أن يكون أخي، وصاحبي ووارثي، وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة، ورواه النسائي في خصائصه، والمتقي في كنز العمال (2).

وروى الإمام أحمد في المسند بسنده عن ابن عباس قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، من مكة، خرج علي بابنة حمزة، فاختصم فيها علي وجعفر وزيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال علي: ابنة عمي، وأنا أخرجتها، وقال جعفر: ابنة عمي، وخالتها عندي، وقال زيد: ابنة أخي - وكان زيد مواخيا لحمزة، آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد: أنت مولاي ومولاها، وقال لعلي:

أنت أخي وصاحبي، وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي، وهي إلى خالتها (3).

____________

(1) المسند 1 / 159.

(2) مجمع الزوائد 8 / 302، تاريخ الطبري 2 / 63، الرياض النضرة 2 / 167، الخصائص ص 18 كنز العمال 6 / 408.

(3) المسند 1 / 230.

الصفحة 138
وذكره المتقي الهندي في كنز العمال مختصرا، وقال: أخرجه ابن النجار (1).

وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن ابن عباس قال: إن عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب - وأمها سلمى بنت عميس - كانت بمكة، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلم علي النبي فقال: علام نترك ابنة عمنا يتيمة بين ظهري المشركين؟ فلم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم، عن إخراجها، فتكلم زيد بن حارثة، وكان وصي حمزة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، آخى بينهما، حين آخى بين المهاجرين، فقال:

أنا أحق بها، ابنة أخي، فلما سمع بذلك جعفر بن أبي طالب قال: الخالة والدة، وأنا أحق بها، لمكان خالتها عندي، أسماء بنت عميس، فقال علي: ألا أراكم تختصمون في ابنة عمي، وأنا أخرجتها من بين أظهر المشركين، ليس لكم إليها نسب دوني، وأنا أحق بها منكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أحكم بينكم، أما أنت يا زيد، فمولى الله ومولى رسوله، وأما أنت يا علي فأخي وصاحبي، وأما أنت يا جعفر فشبيه خلقي وخلقي، وأنت يا جعفر أولى بها، تحتك خالتها، ولا تنكح المرأة على خالتها، ولا عمتها، فقضى بها لجعفر (2).

وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه قال:

لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين بعضهم ببعض، وآخى بين المهاجرين والأنصار، فلم تكن مؤاخاة إلا قبل بدر، آخى بينهم على الحق والمواساة، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينه وبين علي بن أبي طالب (3).

وفي رواية عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، حين آخى بين أصحابه، وضع يده على منكب علي، ثم قال: أنت أخي، ترثني وأرثك، فلما نزلت آية الميراث قطعت ذلك (4).

____________

(1) كنز العمال 6 / 391.

(2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 8 / 114.

(3) الطبقات الكبرى 3 / 13 - 14.

(4) الطبقات الكبرى 3 / 4.

الصفحة 139
وروى السيوطي في (الدر المنثور) في ذيل تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) (1)، قال: وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، فآخى بين حمزة بن عبد المطلب وبين زيد بن حارثة، وبين عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء، وبين الزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود، وبين أبي بكر وطلحة بن عبيد الله، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، وقال لسائر أصحابه: تآخوا، وهذا أخي - يعني علي بن أبي طالب.

وروى السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى: (قال رب اشرح لي صدري)، قال: وأخرج السلفي في الطبوريات عن الإمام أبي جعفر محمد الباقر بن علي عليهما السلام قال: لما نزلت: واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، أشدد به أزري، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، على جبل، ثم دعا ربه: اللهم اشدد أزري بأخي علي، فأجابه إلى ذلك (2).

وروى المتقي في كنز العمال بسنده عن علي عليه السلام قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين عمر وأبي بكر، وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة، وبين عبد الله بن مسعود والزبير بن العوام، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك، وبيني وبين نفسه (3).

وفي رواية أخرى عن أبي رافع عن أبي تمام قال: لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس، آخى بينه وبين علي - قال أخرجه ابن عساكر (4)،

____________

(1) سورة الأنفال: آية 72.

(2) السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي: فضائل الخمسة من الصحاح الستة 1 / 323 - 324 (بيروت 1973).

(3) كنز العمال 6 / 394.

(4) كنز العمال 6 / 400.

الصفحة 140
ورواه الهيثمي في مجمعه، وقال: رواه الطبراني، وذكره المناوي في فيض القدير، والطبراني في الأوسط والديلمي (1).

وفي رواية ثالثة عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت على الباب يوم الشورى، فارتفعت الأصوات بينهم فسمعت عليا يقول: بايع الناس لأبي بكر، وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحق به منه، فسمعت وأطعت، مخافة أن يرجع الناس كفارا، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع الناس عمر، وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحق به منه، فسمعت وأطعت، مخافة أن يرجع الناس كفارا، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان، إذن أسمع وأطيع، إن عمرا جعلني في خمسة أنفار، أنا سادسهم، لا يعرف لي فضلا عليهم في الصلاح، ولا يعرفونه لي، كلنا فيه شرع سواء، وأيم الله، لو أشاء أتكلم، ثم لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم، ولا المعاهد منهم، ولا المشرك، رد خصلة منها، لفعلت، ثم قال: أنشدتكم بالله أيها النفر جميعا، أفيكم أحد أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم، غيري؟ قالوا: اللهم لا (2).

وروى المتقي في كنز العمال بسنده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع، وهو على ناقته، فضرب على منكب علي عليه السلام، وهو يقول: اللهم أشهد، اللهم قد بلغت، هذا أخي وابن عمي وصهري، وأبو ولدي، اللهم كب من عاداه في النار (3).

وروى ابن عبد البر في الإستيعاب بسنده عن أبي الطفيل قال: لما احتضر عمر جعلها شورى بين علي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد، فقال لهم علي: أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبينه، إذ آخى بين المسلمين، غيري، قالوا: اللهم لا.

____________

(1) مجمع الزوائد 9 / 112، فيض القدير 4 / 355.

(2) كنز العمال 3 / 155.

(3) كنز العمال 3 / 61، وانظر 6 / 154.

الصفحة 141
قال: وقد روينا من وجوه عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: أنا عبد الله، وأخو رسول الله، لا يقولها أحد غيري، إلا كذاب.

قال أبو عمر: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين المهاجرين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، وقال في كل واحدة منهما لعلي: أنت أخي في الدنيا والآخرة، وآخى بينه وبين نفسه، فلذلك كان هذا القول، وما أشبهه، من علي رضي الله عنه (1).

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلي: أنت أخي صاحبي (2).

وروى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن عروة عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعد الأنصاري، أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم أيضا، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تواخوا في الله أخوين أخوين، وأخذ بيد علي، وقال: هذا أخي - أخرجه أبو منده وأبو نعيم (3).

وروى ابن الأثير أيضا بسنده عن ابن عمر قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين أصحابه، فجاء علي فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك، ولم تواخ بيني وبين أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أخي في الدنيا والآخرة (4) - ورواه الحافظ أبو يعلى في تحفة الأحوذي (5).

وروى الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده عن الأئمة محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يا علي، أنت أخي وصاحبي، ورفيقي في الجنة (6).

____________

(1) ابن عبد البر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 135.

(2) الإستيعاب 3 / 35.

(3) أسد الغابة 3 / 486.

(4) أسد الغابة 4 / 109.

(5) تحفة الأحوذي - باب مناقب علي رضي الله عنه - 10 / 222 (حديث رقم 3804).

(6) تاريخ بغداد 12 / 268.

الصفحة 142
وفي كنوز الحقائق للمناوي: أما ترضى، أنك أخي وأنا أخوك؟ قاله النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي (1). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2).

وروى الحافظ أبو نعيم في حليته بسنده عن عطية عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مكتوب على باب الجنة، (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أخو رسول الله، قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام) (3) - رواه الخطيب في تاريخه، والمتقي في كنز العمال، والمناوي في فيض القدير، والمحب الطبري في الرياض النضرة (4).

وروى ابن حجر الهيثمي في صواعقه: أخرج الديلمي عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير أخوتي علي، وخير أعمامي حمزة (5).

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد عن علي عليه السلام قال: طلبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدني في جدول نائما، فقال: قم ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب، قال: فرآني كأني وجدت في نفسي من ذلك، فقال لي: والله لأرضينك: أنت أخي، وأبو ولدي، تقاتل عن سنتي، وتبرئ ذمتي، من مات في عهدي، فهو في كنز الله، ومن مات في عهدك، فقد قضى نحبه، ومن مات يحبك بعد موتك، ختم الله له بالأمن والإيمان، ما طلعت شمس أو غربت، ومن مات يبغضك مات ميتة جاهلية، وحوسب بما عمل في الإسلام (6) - وذكره ابن حجر الهيثمي في صواعقه، ونسبه إلى أحمد في المناقب (7)، وذكره المتقي في كنز العمال عن أبي يعلى، ثم قال: قال البوصيري: رواته ثقات (8).

____________

(1) كنوز الحقائق ص 27.

(2) مجمع الزوائد 9 / 131.

(3) حلية الأولياء 7 / 256.

(4) تاريخ بغداد 7 / 387، كنز العمال 6 / 159، فيض القدير 4 / 355، الرياض النضرة 2 / 169.

(5) الصواعق المحرقة ص 192، وانظر فيض القدير 3 / 482، كنز العمال 6 / 152.

(6) مجمع الزوائد 9 / 121.

(7) الصواعق المحرقة ص 195.

(8) كنز العمال 6 / 404.

الصفحة 143
وفي رواية: ألا أرضيك يا علي؟ أنت أخي ووزيري، تقضي ديني، وتنجز موعدي، وتبرئ ذمتي - وقال: أخرجه الطبراني عن ابن عمر (1)، وذكره الشنقيطي في كفاية الطالب، وقال: أخرجه أحمد في المناقب (2).

وأخرج ابن حجر العسقلاني في الإصابة بسنده عن ليلى الغفارية قالت:

كنت أغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى، فلما خرج علي إلى البصرة خرجت معه، فلما رأيت عائشة أتيتها فقلت: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضيلة في علي، قالت: نعم، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معي، وعليه جرد قطيفة، فجلس بيننا، فقلت: أما وجدت مكانا هو أوسع لك من هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، دعي لي أخي، فإنه أول الناس إسلاما، وآخر الناس بي عهدا، وأول الناس لي لقيا يوم القيامة (3).

وروى عثمان بن سعيد عن عبد الله بن بكير عن حكيم ين جبير قال:

خطب علي عليه السلم، فقال في أثناء خطبته: (أنا عبد الله، وأخو رسوله، لا يقولها أحد قبلي ولا بعدي، إلا كذب، ورثت نبي الرحمة، ونكحت سيدة نساء هذه الأمة، وأنا خاتم الوصيين) (4).

ولعل من الأهمية: بمكان الإشارة إلى أن المهاجرين إنما قد خرجوا من مكة، وقد تركوا فيها أموالهم، وحلوا بالمدينة، وليس لهم فيها بيت يأويهم، ولا مال ينهض بحوائجهم، فاستقبلهم الأنصار على الرحب والسعة، حريصين على الحفاوة بهم، متنافسين في ضيافتهم، حتى أنه ما نزل مهاجري على أنصاري، إلا بقرعة، وذلك من كثرة الراغبين في الإيواء، وتحمل الأعباء، بل إن تاريخ الدنيا كلها لم يعرف حادثا جماعيا، كحادث استقبال الأنصار

____________

(1) كنز العمال 6 / 155.

(2) كفاية الطالب ص 34.

(3) ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة 4 / 402 - 403.

(4) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 2 / 287.

الصفحة 144
للمهاجرين، بهذا الحب الكريم، وبهذا البذل السخي، وبهذه المشاركة الرضية، وبهذا التسابق إلى الإيواء، واحتمال الأعباء، والإيثار على النفس مع الحاجة، فلقد بلغ الأنصار في كل هذا قمة علية لم تشهد لها البشرية من قبل نظيرا.

ويصور القرآن الكريم ذلك كله في قول الله تعالى: (والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم * يحبون من هاجر إليهم * ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا * ويؤثرون على أنفسهم * ولو كان بهم خصاصة * ومن يوقن شح نفسه * فأولئك هم المفلحون) (1)، وقد قدر المهاجرون هذا البذل الخالص، فما استغلوه، ما نالوا منه، إلا بقدر ما يتوجهون إلى العمل الحر الشريف.

هذا وقد اختلفت الروايات في ابتداء المؤاخاة، فذهب قوم إلى أنها إنما كانت إبان بناء النبي صلى الله عليه وسلم، لمسجده الشريف، وذهب آخرون إلى أنها بعد الهجرة بخمسة أشهر أو تسعة، على أن هناك وجها ثالثا للنظر يذهب أصحابه إلى أنها كانت قبل بدر بسنة وثلاثة أشهر، وعند ابن سعد (في شرف المصطفى) أنها كانت في المسجد هذا وقد ظلت عقود الإخاء مقدمة على حقوق القرابة من توارث التركات، فكان إذا مات المهاجر ورثه أخوه الأنصاري، وإذا مات الأنصاري ورثه أخوه المهاجر، فلما كانت (غزوة بدر) (في صباح يوم الجمعة 17 رمضان عام 2 هـ = 17 مارس 624 م)، وعز شأن الإسلام، نزلت آية الأنفال (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله * إن الله بكل شئ عليم) (2)، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، وانقطعت المؤاخاة في الميراث، ورجع كل إنسان إلى نسبه، وورثه ذو رحمه.

ويروي البخاري في صحيحه (3) بسنده عن ابن عباس في تفسير آية النساء

____________

(1) سورة الحشر: آية 9.

(2) سورة الأنفال: آية 75.

(3) صحيح البخاري 6 / 55 - 56.

الصفحة 145
(ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون * والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) (1)، قال: كان المهاجرون لما قدموا المدينة، يرث المهاجر الأنصاري، دون ذوي رحمته، للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينهم، فلما نزلت الآية (ولكل جعلنا موالي...) نسخت، ثم قال: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) من النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث، ويوصى له (2).

على أن هناك ما يشير إلى أن منع الإرث، إنما كان بعد أحد، وليس بعد بدر، جاء في تفسير ابن كثير: أخرج ابن سعد: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين الزبير بن العوام وكعب بن مالك، قال الزبير: لقد رأيت كعبا أصابته الجراحة بأحد، فقلت: لو مات ورثته، فنزلت آية الأنفال (75).

ولا ريب في أن الهدف من المؤاخاة إنما كان ليذهب عن المهاجرين وحشة الغربة، ويؤنسهم، من مفارقة الأهل والعشيرة، ويشد أزرهم بعضهم ببعض، ويتوارثون بعد الممات، دون ذوي الأرحام، ويروي ابن إسحاق في السيرة عن تفاصيل هذا الإخاء فيقول: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال: تآخوا في الله أخوين أخوين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال: هذا أخي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه أخوين، ثم يعدد ابن إسحاق أسماء من آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينهم من المهاجرين والأنصار (3).

ولعل من الجدير بالإشارة أن هناك مؤاخاة أخرى، كانت قبل الهجرة، آخى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حمزة وزيد بن حارثة، وبين أبي بكر وعمر بن

____________

(1) سورة النساء: آية 33، وانظر: تفسير ابن كثير 1 / 738 - 740 (بيروت (1986).

(2) تفسير ابن كثير 1 / 740 - 741.

(3) سيرة ابن هشام 2 / 320 - 321، وانظر: السيرة الحلبية 2 / 291.

الصفحة 146
الخطاب، وبين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير وابن مسعود، وبين عبادة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله، وبين علي بن أبي طالب وبين نفسه صلى الله عليه وسلم، وقال: أما ترضى أن أكون أخاك، قال: بلى يا رسول الله، رضيت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأنت أخي في الدنيا والآخرة (1).

هذا وقد أنكر (ابن تيمية) مؤاخاة المهاجرين بعضهم لبعض، وخصوصا بين المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة، وقال: إن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ولا معنى لمؤاخاة مهاجرين لمهاجرين، لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم ببعض (2).

وقد تابع (ابن تيمية) في رأيه هذا، (ابن القيم) و (ابن كثير)، وقال (ابن القيم): إن المؤاخاة كانت بين المهاجرين والأنصار، وأن المهاجرين كانوا مستغنين بأخوة الإسلام، وأخوة الدار، وقرابة النسب، عن عقد مؤاخاة، بخلاف المهاجرين مع الأنصار، ولو آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين، لاختار الصديق، رضي الله عنه (3).

هذا وقد رد (ابن حجر العسقلاني) على ذلك - فيما يروي الزرقاني في شرح المواهب اللدنية - بأن هذا القول رد للنص بالقياس، وأن الحكمة في مؤاخاة المهاجرين أن بعضهم كان أقوى من بعض، في المال والعشيرة، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم، بين الأعلى والأدنى، ليرتفق الأدنى بالأعلى، وبهذا ظهرت الحكمة في مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي رضي الله عنه، لأنه صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يقوم بأمره قبل البعثة وبعدها (4).

____________

(1) فتح الباري 7 / 191، البلاذري: أنساب الأشراف 1 / 270 (القاهرة 1959).

(2) فتاوى ابن تيمية 35 / 92 - 93.

(3) ابن قيم الجوزية: زاد المعاد في هدى خير العباد 3 / 63 - 65 (بيروت 1985).

(4) السيرة الحلبية 2 / 181 - 182.

الصفحة 147
ثم إن (ابن القيم) نفسه، وفي نفس كتابه (زاد المعاد)، الذي أنكر فيه المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض، إنما يثبت - عند الكلام على عمرة القضية - هذه المؤاخاة، فيقول - مشيدا بالمؤاخاة بين المهاجرين في مكة - وقول زيد (ابنة أخي)، يريد الإخاء الذي عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه (أي زيد) وبين حمزة، لما آخى بين المهاجرين، فإنه آخى بين أصحابه مرتين، فآخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض قبل الهجرة على الحق والمساواة، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير وعبد الله بن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله، وبين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة، وفي المرة الثانية آخى بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك بعد مقدمه المدينة (1).

وأما (ابن كثير) فربما كان أقرب إلى الموافقة على مؤاخاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلي، أكثر منه رفضا لها، فيقول: أما مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي، فإن من العلماء من ينكرها، ويمنع صحتها، ومستنده في ذلك أن هذه المؤاخاة إنما شرعت لأجل ارتفاق بعضهم مع بعض، وليتألف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم، لأحد منهم، ولمهاجري آخر، كما ذكر من مؤاخاة حمزة وزيد بن ثابت، اللهم إلا أن يكون صلى الله عليه وسلم، لم يجعل مصلحة علي إلى غيره، فإنه كان ممن ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من صغره، في حياة أبيه أبي طالب، وكذلك يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة، فأخذه بهذا الاعتبار (2).

هذا وقد عرض شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام (577 - 660 هـ / 1181 - 1262 م) لقضية المؤاخاة بما يشعر بأنه لا مانع من وقوع

____________

(1) ابن قيم الجوزية: زاد المعاد في هدى خير العباد 3 / 374، 377، 378.

(2) ابن كثير: البداية والنهاية 3 / 272، السيرة النبوية 2 / 326.

الصفحة 148
المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض في مكة قبل الهجرة ومن وقوعها بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، وفي الصحيح أن زيد بن حارثة قال عن إمامة بنت حمزة بن عبد المطلب، ابنة أخي، وذلك بسبب المؤاخاة بين حمزة وزيد، هذا وقد ذكر ذلك الحاكم في الإكليل، وأبو سعد النيسابوري في شرف المصطفى، هذا فضلا عن أن الحاكم قد أخرج في المستدرك، وابن عبد البر في الإستيعاب أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير وابن مسعود (1).

ويقول العلامة أبو زهرة: وما ينكره (ابن القيم) نحن نثبته، ونرجح أن المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض، والأنصار بعضهم مع بعض نقررها، وذلك لأن الحافظ ابن كثير لم يتكلم في صحة هذه الرواية المثبتة، ولأن قصر الباعث في المؤاخاة على مجرد تمكين المهاجرين من الارتفاق من إخوانهم الأنصار، قصر لا دليل عليه، بل هو أخذ من ظاهر الهجرة والإيواء والنصرة، كما صرح بذلك القرآن الكريم.

ثم يقول: إن المؤاخاة ليس المقصود منها - فيما نحسب - هذا الارتفاق فقط، ولكن آثار غير ذلك:

منها (أولا) عقد الألفة بين الضعيف والقوي، وتمكين الصحبة بين المؤمنين، وألا يتعالى مؤمن على مؤمن، وناهيك بمؤاخاة حمزة - الشريف النسب - مع زيد بن حارثة، المولى، الذي كان عبدا، ومن النبي صلى الله عليه وسلم، عليه بالعتق، وكان قد أعلاه، وجعله ابنا له، حتى حرم الله تعالى الأدعياء، وقال سبحانه وتعالى: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم)، فكان من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله أخا لابن عبد المطلب.

ومنها (ثانيا) أن المهاجرين كانوا من قبائل مختلفة، والقرشيون منهم،

____________

(1) المستدرك للحاكم 1 / 580، الإستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 2 / 397.

الصفحة 149
كانوا من بيوت متنافسة، فكان لا بد من محو العصبية، والدمج بينهم بحكم أخوة الإسلام.

ومنها (ثالثا) أن الأنصار لم يكونوا متآلفين فيما بينهم، فكانت على مقربة من هدايتهم، العداوة المستمرة الأوار بينهم، بين الأوس والخزرج، فكان لا بد من العمل على نسيانها، وذلك بالمؤاخاة المحمدية.

ومنها (رابعا) أن النبي صلى الله عليه وسلم، عندما عقد المؤاخاة، إنما كان يشرع للأمة من بعث هذا النظام الذي يجمع المسلمين، ولم يكن حكما لحادثة واقعة، ولا علاجا مقصورا، على ما بين المهاجرين والأنصار، بل هو تأليف للمؤمنين، ونظام متبع، وربما تكون الحاجة إليه من بعد، أشد وأكبر، ولذلك كان ولاء الموالاة الذي تقرر، أنه لم ينسخ، وأنه بين العرب وغيرهم من الأعاجم الذين يدخلون في الإسلام من بعد (1).

وفي الواقع فإن الأحاديث الشريفة التي رويت عن سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مؤاخاته للإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة، جد كثيرة، وأكبر من أن يقف في سبيلها قول قائل - كما رأينا من قبل - فلقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرتين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، آخى بين المهاجرين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، وقال لعلي، في كل واحدة منها: أنت أخي في الدنيا والآخرة (2).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن أخوة النبي صلى الله عليه وسلم، للإمام علي بن أبي طالب، إنما تمتاز عن غيرها، من أخوة الإيمان العامة، التي كانت بين أفراد المهاجرين قبل الهجرة، بما كان للإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - من منزلة خاصة عند النبي صلى الله عليه وسلم، دون الناس جميعا، اقتضتها

____________

(1) محمد أبو زهرة: خاتم النبيين 2 / 558 - 559 (دار الفكر العربي).

(2) ابن الأثير: أسد الغابة 4 / 91.

الصفحة 150
وشائج الأسرة، التي تدل على أحد أفرادها، ولهذا خلفه بعده في الهجرة ليرد ودائع الناس التي كانت عنده صلى الله عليه وسلم، لأهلها، وأنامه على فراشه، وأمره أن يتسجى ببرده، ليرى أعداؤه المتربصون به، أنه صلى الله عليه وسلم، نائم في فراشه - والأمر كذلك في بلاغ براءة، كما سنبينه في مكانه من هذه الدراسة.

ولعل مما يؤيد ذلك قول ابن عبد البر في الإستيعاب: ولم يتخلف علي عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ قدم المدينة، إلا تبوك، فإنه خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، على المدينة وعلى عياله بعده في غزوة تبوك، وقال له في الحديث الصحيح: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، وفي رواية (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي) (1).

ولا ريب في أن هذا كله، إنما يدل على أخوة خاصة، أرفع درجات من الأخوة الإيمانية العامة، أغنت الإمام عن أن يدخل في المؤاخاة العامة التي كانت بين المهاجرين بعضهم مع بعض، والتي كان النبي صلى الله عليه وسلم، ينميها بكل وسيلة، وكما قال ابن عبد البر وابن الأثير: إن النبي صلى الله عليه وسلم، آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وقال في كل واحدة منهما لعلي، رضي الله عنه، (أنت أخي في الدنيا والآخرة)، وآخى بينه وبين نفسه (2).

وهكذا، ولحكمة أرادها الله، كرر النبي صلى الله عليه وسلم، قوله لعلي، رضي الله عنه:

(أنت أخي في الدنيا والآخرة)، مرة في عقدة أخوة المهاجرين بعضهم مع بعض، ومرة في عقد الأخوة بين المهاجرين والأنصار، وقال ابن عبد البر: وقد روينا من وجوه، عن علي رضي الله عنه، أنه كان يقول: (أنا عبد الله وأخو رسول الله، لا يقولها أحد غيري إلا كذاب) (3).

____________

(1) ابن عبد البر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 34.

(2) ابن الأثير: أسد الغابة 4 / 91 الإستيعاب 3 / 35.

(3) الإستيعاب 3 / 35.

الصفحة 151
وصدق الإمام علي في قوله هذا، تصديقا لقول المعصوم، سيد الأنبياء والمرسلين، سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، فهذه منزلة رفيعة، لا يتطاول إليها أحد من العالمين، ولا يدعيها أحد، غير الإمام علي، إلا كان كاذبا في ادعائه، مفتريا على الله ورسوله، بل حتى الذين أنكروا المؤاخاة بين النبي صلى الله عليه وسلم، والإمام علي، إنما كانت حجتهم ضعيفة، وفي أحسن الأحوال، إنما كان قولهم ردا للنص بالقياس، بل إن الحافظ ابن كثير - بعد أن تردد في ذلك - قال: اللهم إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم، لم يجعل مصلحة علي إلى غيره، فإنه كان مما ينفق عليه من صغره، في حياة أبيه أبي طالب، فآخاه بهذا الاعتبار - كما أشرنا آنفا.

وفي الحق أن الإمام علي إنما كان لسيدنا ومولانا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(كان أخا وابنا وعونا - دائما وأبدا - حتى كان آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بالحياة، بل كان يقوم، بما كان يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم، في أموره الخاصة، ولعل حوادث: ليلة الهجرة، ويوم تبوك، ويوم براءة، مما يؤيد وجهة نظرنا هذه (1).

ولعل سائلا يتساءل: ما مدلول هذا الإخاء بين النبي صلى الله عليه وسلم، والإمام علي؟

وهل يضيف ما لعلي من فضل في خاصة نفسه، وما أعطى لله ولرسوله من جهاد وتضحية وإيثار؟

من البدهي أن الجواب نعم، وقد أمسك علي نفسه - فيما يرى الأستاذ الخطيب - بهذا الفضل العظيم، والشرف الكبير، اللذين كانا من هذا النسب

____________

(1) علي بن برهان الدين الحلبي: إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون - الشهيرة بالسيرة الحلبية 2 / 291 - 296 (القاهرة 1964)، محمد الصادق إبراهيم عرجون: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم 2 / 53 - 74 (بيروت 1985)، محمد أبو زهرة: خاتم النبيين 2 / 556 - 560، أبو الحسن الندوي:

السيرة النبوية ص 172 - 173 (جدة 1983)، محمد رضا: محمد رسول الله ص 149 - 150 (بيروت 1975)، محمد سعيد رمضان البوطي: فقه السيرة ص 155 - 159 (دار الفكر - بيروت 1978)، محمد بيومي مهران: السيرة النبوية الشريفة 2 / 27 - 35 (دار النهضة العربية - بيروت 1990).

الصفحة 152
الكريم، وتلك الأخوة التي تجمع بينه وبين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في رحاب الله، وفي دين الله، وعلى طريق الدعوة إلى الله.

وفي الواقع أن الإمام علي، لو سكت عن التحدث بهذا الفضل، ومباهاة الناس بتلك الأخوة، وإلفاتهم إليها، لما سكت الناس، ذلك لأن دلالتها لا تخفى على أحد، وكان مما تنطوي عليه من نفحات النبوة، أقوى من أن يحول بينها وبين أن تشم في أعطاف الإمام علي، وما يعرض للنفوس الحاقدة من علل، وما يصيب القلوب الكارهة من مرض.

على أن هناك فرقا بين هذه الأخوة، وقرابة الإمام علي من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في النسب فهما أبناء عم، كان مرباهما معا إلى أبي طالب، العم البار الرحيم، الذي قام من النبي صلى الله عليه وسلم مقام الأب، عطفا وحنوا، حتى كان لابنه علي أشبه بالعم، إذ استأثر النبي صلى الله عليه وسلم، بأبوته، كما استأثر النبي صلى الله عليه وسلم، بعلي دونه في رعايته وتنشئته، والنظر في أمره كله، فهذه القرابة التي جمعت بين النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي، كان من شأنها أن تجعل من ابني العم أخوين، نسبا وقرابة، ودون أن يكون لفارق السن بينهما حساب في تقرير هذه الأخوة، فقد كان بين الإمام علي وبين بعض إخوته من أبيه وأمه، أكثر مما بينه وبين ابن عمه النبي صلى الله عليه وسلم، من فارق السن.

وعند أكثر الذين تلقوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلي: (أنت أخي ترثني وأرثك)، قد وقع في نفوسهم أن هذه الأخوة، إنما هي أخوة قرابة ونسب، إن لم تكن على سبيل الحقيقة، فعلى سبيل المجاز.

غير أن المؤاخاة بين النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي، غير قرابة النسب، والقرابة القريبة، فقد ظلت هذه الأخوة قائمة، حتى بعد أن نسخت آيات المواريث ما كان يترتب عليها من ميراث الأخ لأخيه، بدليل حديث المنزلة الصحيح المشهور (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)، وهو في غزوة تبوك، سنة تسع من الهجرة، وهي كذلك باقية، إذا لم يكن من ورائها قرابة ونسب.


الصفحة 153
على أن قرابة المؤاخاة لا يستقيم أمرها، إلا إذا كان بين ابن العم مشاركة ومقاربة في الصفات النفسية والروحية، وفي كل ما تحتاج إليه الدعوة الجديدة من قوى في الرجل الذي يحمل رسالتها، وفي الرجال الذين يشدون من أزره في الحفاظ عليها، وفي إبلاغها للناس، وقد كان ذلك كله، فإذا اجتمع لذلك قرابة مدانية، كان ذلك مما يدعم تلك المنزلة، التي ينزلها الإمام علي من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويوثقها ويزيدها قربا إلى قرب، وقد كانت قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبني هاشم، قوة له في وجه أعدائه الذين أنكروا دعوته فيهم، ومقامه بينهم، كان ذلك كذلك، وكثير من بني هاشم على ما كانت عليه قريش، بل إن بعضا منهم دخل معه في دين الله أول الأمر، استجابة لعاطفة تلك القرابة، من غير نظر إلى هذا الدين، وما يحمل للناس من خير وهدى ورحمة.

وقد ظلت هذه الأخوة، أو المؤاخاة عاملة بين النبي صلى الله عليه وسلم، والإمام علي، تعطي آثارها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، في كل موقف يحتاج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن يلقاه بنفسه، أو بمن يراه في منزلة نفسه، كما في أحداث ليلة الهجرة، وسورة براءة، وغزوة تبوك، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي) (1).

وهل بعد هذا دليل على أن الإمام علي بن أبي طالب إنما كان أحق الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net