متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
11 - قوله (ص): لا يؤدي عني إلا أنا أو علي
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج2    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

11 - قوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤدي عني إلا أنا أو علي:

روى الترمذي في صحيحه بسنده عن أنس بن مالك قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم، ببراءة مع أبي بكر، ثم دعاه فقال: لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا، إلا رجل من أهلي، فدعا عليا، فأعطاه إياه (2).

____________

(1) عبد الكريم الخطيب: علي بن أبي طالب - بقية النبوة وخاتم الخلافة - بيروت 1975، محمد بيومي مهران: السيرة النبوية الشريفة 2 / 33 - 34 (دار النهضة العربية - بيروت 1990).

(2) صحيح الترمذي 2 / 183.

الصفحة 154
ورواه الإمام أحمد في المسند (1)، والسيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى: (براءة من الله ورسوله)، وقال أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه، وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس (2).

وروى الترمذي أيضا بسنده عن ابن عباس قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم، أبا بكر، وأمره أن ينادي بهذه الكلمات، ثم اتبعه عليا، فبينا أبو بكر في بعض الطريق، إذ سمع رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، القصواء، فخرج أبو بكر فزعا، فظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو علي، فدفع إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر عليا أن ينادي بهذه الكلمات (الحديث).

ثم روى عن زيد بن يثيع قال: سألنا عليا بأي شئ بعثت في الحجة؟

قال: بعثت بأربع: أن لا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، عهد، فإلى مدته، ومن لم يكن له عهد، فأجله أربعة أشهر، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا (3).

وعن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث أبا بكر، رضي الله عنه، فأقبلنا معه، حتى إذا كان بالعرج (4)، ثوب بالصبح، ثم استوى ليكبر، فسمع الرغوة خلف ظهره، فوقف عن التكبير، فقال: هذه رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج، فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنصلي معه، فإذا علي عليها، فقال أبو بكر: أمير أم رسول؟ فقال علي: لا بل رسول أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ببراءة أقرؤها على الناس في مواقف الحج، فقدمنا مكة، فلما كان قبل التروية بيوم، قام أبو بكر فخطب في الناس فحدثهم عن

____________

(1) مسند الإمام أحمد 3 / 283.

(2) فضائل الخمسة 2 / 342 - 343.

(3) صحيح الترمذي 2 / 183.

(4) العرج: موضع بن الحرمين، على مبعدة 105 كيلا من المدينة (مسيرة يومين وبعض الثالث) - المغانم المطابة ص 251.

الصفحة 155
مناسكهم، حتى إذا فرغ قام علي، فقرأ على الناس سورة البراءة حتى ختمها، ثم كان يوم النحر فأفضنا، فلما رجع أبو بكر خطب الناس فحدثهم عن إفاضتهم وعن نحرهم عن مناسكهم، فلما فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، فلما كان يوم النفر الأول، قام أبو بكر فخطب الناس فحدثهم كيف ينفرون، وكيف يرمون، فعلمهم مناسكهم، فلما فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها (1).

وجاء في حديث أنس، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ينبغي أن يبلغ هذا، إلا رجل من أهلي، فدعا عليا، فأعطاه إياه (2).

وروى النسائي في الخصائص بسنده عن زيد بن سبيع عن علي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعث ببراءة إلى أهل مكة مع أبي بكر، ثم أتبعه بعلي فقال له: خذ الكتاب فامض به إلى أهل مكة، قال: فلحقه فأخذ الكتاب منه، فانصرف أبو بكر، وهو كئيب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل في شئ؟، قال: لا إلا أني أمرت أن أبلغه أنا، أو رجل من أهل بيتي (3).

وفي رواية عن عبد الله بن أرقم عن سعد قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبا بكر ببراءة، حتى إذا كان ببعض الطريق، أرسل عليا رضي الله عنه، فأخذها منه، ثم سار بها، فوجد أبو بكر في نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤدي عني إلا أنا، أو رجل مني (4).

وروى النسائي في الخصائص بسنده عن أبي الزبير عن جابر: أن

____________

(1) أخرجه النسائي في السنن 5 / 247، والدارمي 2 / 66، والبيهقي 5 / 111، وأبو زرعة الدمشقي تاريخه (1 / 11 / 589) وابن أبي حاتم في تفسيره 4 / 339، والطبراني في المعجم الكبير 11 / 400، والخوارزمي في المناقب، والحاكم في المستدرك، وانظر: محمد عبده يماني:

علموا أولادكم محبة آل النبي ص 113 - 114.

(2) أخرجه الترمذي في التفسير 5 / 256.

(3) النسائي: تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص 48 - 49 (بيروت 1983).

(4) تهذيب الخصائص ص 49.

الصفحة 156
النبي صلى الله عليه وسلم، حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج، فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح (1)، فلما استولى بالتكبير سمع الرغوة خلف ظهره، فوقف عن التكبير فقال: هذه رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الجدعاء، لقد بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج، فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنصلي معه، فإذا علي، رضي الله عنه، عليها، فقال له أبو بكر: أمير أم رسول، قال: لا بل رسول، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة، أقرؤها على الناس في مواقف الحج، فقدمنا مكة، فلما كان قبل التروية بيوم، قام أبو بكر فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم، حتى إذا فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، ثم خرجنا معه حتى إذا كان يوم عرفة، قام أبو بكر فخطب الناس فحثهم على مناسكهم، حتى إذا فرغ قام علي رضي الله عنه، فقرأ على الناس، براءة حتى ختمها، فلما كان النفر الأول قام أبو بكر فخطب الناس فحثهم كيف ينفرون أو كيف يرمون فعلمهم مناسكهم، فلما فرغ قام علي رضي الله عنه، فقرأ على الناس براءة حتى ختمها (2).

وروى النسائي بسنده عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة السلولي قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي مني وأنا منه، فلا يؤدي عني إلا أنا أو علي (3).

وروى النسائي بسنده عن سماك بن حرب عن أنس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، براءة مع أبي بكر، ثم دعاه فقال: لا ينبغي أن يبلغ هذا، إلا رجل من أهلي، فدعا عليا فأعطاه إياها (4).

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن أبي إسحاق عن حبشي بن

____________

(1) المراد بالتثويب هنا: الإقامة للصلاة (النهاية 1 / 226).

(2) تهذيب الخصائص ص (49 - 50).

(3) تهذيب الخصائص ص 48.

(4) تهذيب الخصائص ص 48.

الصفحة 157
جنادة، قال ابن آدم السلولي - وكان قد شهد حجة الوداع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي مني، وأنا منه، ولا يقضي عني ديني إلا أنا، أو علي، قال ابن آدم: ولا يؤدي عني إلا أنا، أو علي (1).

ورواه أحمد في المسند، وأخرجه النسائي في الكوفي كما في تحفة الأشراف، ورواه ابن ماجة، وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة (2).

وروى السيوطي في الدر المنثور في تفسير قول الله تعالى (براءة من الله ورسوله)، قال: وأخرج ابن حيان وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال:

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبا بكر يؤدي عنه براءة، فلما أرسله بعث إلى علي فقال:

يا علي، إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو أنت، فحمله على ناقته العضباء، فسار حتى لحق بأبي بكر فأخذ منه براءة، فأتى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد دخله من ذلك مخافة أن يكون قد أنزل فيه شئ، فلما أتاه قال: ما لي يا رسول الله (وساق الحديث) إلى ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يبلغ عني غيري، أو رجل مني (3).

وفي السيرة الحلبية: وفي كلام السهيلي (في الروض الآنف): لما أردف أبو بكر بعلي، رضي الله تعالى عنهما، رجع أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله هل نزل في قرآن؟ قال: لا، ولكني أردت أن يبلغ عني من هو من أهل بيتي، فمضى أبو بكر رضي الله عنه، فحج بالناس... وكان نزول صورة براءة بعد سفر أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فقيل له صلى الله عليه وسلم: لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي، ثم دعا صلى الله عليه وسلم، عليا، كرم الله وجهه في الجنة، فقال: أخرج بسورة براءة، وأذن في الناس يوم النحر - أي الذي هو يوم الحج الأكبر - إذا اجتمعوا بمنى، فقرأ علي بن أبي طالب،

____________

(1) فضائل الصحابة 2 / 594، وانظر 2 / 599.

(2) المسند 4 / 164، تحفة الأشراف 3 / 13، الرياض النضرة 2 / 229.

(3) فضائل الخمسة 2 / 347.

الصفحة 158
كرم الله وجهه، براءة يوم النحر، عند الجمرة الأولى، وقال: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أمرني علي كرم الله وجهه، أن أطوف في المنازل من منى ببراءة، فكنت أصيح حتى صحل حلقي، فقيل له: بماذا كنت تنادي؟ فقال: بأربع، أن لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأن لا يحج بعد العام مشرك، وأن لا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد، فله عهد أربعة شهور، ثم لا عهد له، وأول تلك الأربعة يوم النحر من ذلك العام، وأما من لا عهد له، فعهده إلى انقضاء المحرم (1).

وروى الإمام الطبري في تفسيره عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا:

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع، وبعث علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، بثلاثين أو أربعين آية من (براءة)، فقرأها على الناس، يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض، فقرأ عليهم براءة يوم عرفة، أجل المشركين عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول، وعشرا من ربيع الآخر، وقرأها عليهم في منازلهم، وقال: لا يحجن بعد عامنا هذا مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان (2).

وفي رواية أخرى عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه قال: كنت مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة إلى أهل مكة، فكنت أنادي حتى صحل صوتي، فقلت: بأي شئ كنت تنادي؟ قال: أمرنا أن ننادي: أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، عهد، فأجله إلى أربعة أشهر، فإذا حل الأجل، فإن الله برئ من المشركين ورسوله، ولا يطف بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك (3).

____________

(1) السيرة الحلبية 3 / 232.

(2) تفسير الطبري 14 / 100.

(3) تفسير الطبري 14 / 104 - 105، وانظر روايات أخرى 14 / 105 - 107.

الصفحة 159
وفي رواية عن الإمام أبي جعفر محمد الباقر بن علي بن حسين بن علي قال: لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان بعث أبا بكر الصديق، رحمة الله عليه، ليقيم الحج للناس، قيل له: يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي، ثم دعا علي بن أبي طالب، رحمة الله عليه فقال: أخرج بهذه القصة من سورة (براءة)، وأذن في الناس يوم النحر، إذا اجتمعوا بمنى: أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عهد فهو إلى مدته، فخرج علي بن أبي طالب رحمة الله عليه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء، حتى أدرك أبا بكر الصديق بالطريق، فلما رآه أبو بكر قال: أمير أو مأمور، قال: مأمور، ثم مضيا رحمة الله عليهما، فأقام أبو بكر للناس الحج، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم في الحج التي كانوا عليها في الجاهلية، حتى إذا كان يوم النحر، قام علي بن أبي طالب، رحمة الله عليه، فأذن في الناس بالذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أيها الناس، لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان، ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

وروى ابن كثير في تفسيره: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غزوة تبوك، وهم بالحج، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عاداتهم في ذلك، وأنهم يطوفون بالبيت عراة، فكره مخالطتهم، وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه، أميرا على الحج تلك السنة ليقيم للناس مناسكهم، ويعلم المشركين أن لا يحجوا بعد عامهم هذا، وأن ينادي في الناس (براءة من الله ورسوله)، فلما قفل، أتبعه بعلي بن أبي طالب، ليكون مبلغا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكونه عصبة له (2).

____________

(1) تفسير الطبري 14 / 107 - 108، وانظر روايات أخرى 14 / 108 - 112.

(2) تفسير ابن كثير 2 / 519 - 520، وانظر: المستدرك للحاكم (3 / 51) حيث يروي أن النبي أرسل ببراءة أبا بكر وعمر، ثم بعث علي فأخذها منهما.


الصفحة 160
وروى النسفي في تفسيره: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبا بكر على موسم سنة تسع، ثم أتبعه عليا راكبا العضباء، ليقرأها على أهل الموسم، فقيل له: لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: لا يؤدي عني إلا رجل مني، فلما دنا علي، سمع أبو بكر الرغاء فوقف، وقال: هذا رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما لحقه قال: أمير أو مأمور، قال: مأمور، فلما كان قبل التروية خطب أبو بكر وحثهم على مناسكهم، وقام علي يوم النحر، عند حمرة العقبة فقال: يا أيها الناس، إني رسول رسول الله إليكم، فقالوا: بماذا، فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية، ثم قال: أمرت بأربع، أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده (1).

وروى المحب الطبري في الرياض النضرة عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت عشر آيات من براءة، على النبي صلى الله عليه وسلم، دعا النبي صلى الله عليه وسلم، أبا بكر، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال لي: أدرك أبا بكر، فحيثما لقيته فخذ الكتاب، فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، نزل في شئ؟ قال:

لا، جبريل جاءني فقال: لا يؤدي عنك، إلا أنت أو رجل منك (2).

ولعل من الجدير بالإشارة هنا أن الفضل المسوق إلى الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - في حديث براءة، وكذا في غزوة تبوك - إنما سيق إليه عن قصد من سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، امتثل فيه أمرا سماويا تلقاه من ربه، عن طريق جبريل عليه السلام، ليكون الإمام علي هو المختار لهذين الموقفين، لمزية فيه، لا توجد في

____________

(1) تفسير النسفي 2 / 115، وانظر القصة في: تفسير المنار 140 - 141، تفسير القرطبي ص 2906 - 2907.

(2) الرياض النضرة 2 / 226.

الصفحة 161
أحد غيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي بعثه بسورة براءة إلى أهل الموسم، ونبذه ما كان للمشركين من عهد، هذا الأمر كان يمكن أن يقوم به أي صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن أبا بكر، أمير الموسم، كان أحق به وأولى.

غير أن هناك ملحظا خاصا، لا يتم هذا الأمر إلا به، ولا يصلح له من الناس، إلا من كان على وصف خاص، مهيأ له، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي)، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لعلي - عندما اعتذر بأنه ليس لسنا ولا خطيبا - (لا بد لي أن أذهب بها أنا، أو تذهب بها أنت)، إذن فالأمر لا يقوم به، إلا أحد رجلين: النبي أو علي، ذلك لأن العهود والمواثيق التي يعقدها النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هي مما يحسب في ذمة الشخص، يتولاها المرء بنفسه، أو من هو بمنزلة نفسه، ومن ثم فقد كان انتداب رجل من أهل البيت النبوي الشريف أمرا لازما، إذا لم يكن الرسول نفسه هو الذي يقوم به، وذلك لأن هذه العهود إنما كانت مع قبائل لم تدخل الإسلام بعد.

ومن ثم فإن هذه العقود والمواثيق إنما كانت بين النبي والمشركين، وبالتالي فإن من تعاقدوا مع النبي من المشركين لا يرضون أن يحلهم من هذه العقود، إلا من كان طرفا فيها، أو من يقوم مقامه من خاصة أهله، ومن هنا كان اختيار الإمام علي لتبليغ آيات سورة براءة.

بل إن المقريزي إنما يذهب إلى أن الإمام علي، هو الذي عاهد المشركين، ومن ثم فقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى لو كان النبي صلى الله عليه وسلم، هو الذي عاهدهم - وهو الأصح طبقا للنصوص - فإن العرب كانت إذا تحالف سيدهم أو رئيسهم مع آخر، لم ينقض ذلك العهد، إلا الذي تحالف وأقرب الناس قرابة منه.

وخلاصة الأمر، أن الإمام علي بن أبي طالب، كان هو وحده من بين الصحابة جميعا، الذي هو بمنزلة نفس النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فقد تكرر في الأحاديث

الصفحة 162
الشريفة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤدي عني، إلا أنا وعلي)، وحين يعتذر علي بأنه ليس لسنا ولا خطيبا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم، له (لا بد لي أن أذهب بها أنا، أو تذهب بها أنت)، وهكذا يضع النبي صلى الله عليه وسلم الإمام بمنزلة نفسه، أفلا يكون هذا دليلا على أن عليا إنما هو خليفة النبي من بعده؟ (1).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net