متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل السابع: تحمّل الآخر
الكتاب : الأسرة وقضايا الزواج    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة

الفصل السابع
تحمّل الآخر

  من أجل تشكيل الأسرة ينبغي البدء بحياء الألفة ، حيث يعتبر الزوجان أنفسهما مسؤولين عن بعضهما ، وعليه ينبغي أن يتحمل أحدهما الآخر ويصبر عليه ، لكننا ـ ومع الأسف الشديد ـ نجد البعض ـ وبسبب التحريضات أو ضغوط العمل والحياة ـ يفتقد هذا الجانب في حياته ، فلا يعود يتحمل صاحبه وشريك حياته ، ويثور من أجل سبب تافه مما يعرّض الحياة المشتركة للزوجين إلى الخطر .
وفي هذا الفصل سوف نتعرض إلى البحث في جذور هذه المسألة والإشارة إلى الأسباب التي تقف وراء عدم تحمل الأزواج من الشباب لأخلاق بعضهم البعض انطلاقاً من أن معرفة الداء يساهم في اكتشاف الدواء إلى حد ما .

صور متعددة :

تزخر الحياة بصور متعددة من السلوك والممارسات والمواقف ، ويمكن القول إن لكل إنسان طريقة عمل وسلوك معين ، وفي عالم الحياة الزوجية يتصرف بعض الأزواج كما لو كانوا سادة يصدّرون الأوامر إلى عبيدهم ، وما على شركاء حياتهم إلا الطاعة والتسليم .
فقد نرى زوجاً يتصرف مع زوجته ويعاملها كما لو كانت خادمة أو جارية لا حظّ لها بشيء سوى الطاعة ، يثور من أجل كل شيء وبسبب أي شيء .. لماذا لم تقومي بالعمل الفلاني .. ولماذا الطعام الفلاني غير

===============

(72)


جاهز .. لماذا ولماذا ؟؟ غافلاً عن أن الزوجة ومن وجهة نظر شرعية وقانونية ليس مكلّفة أبداً بالقيام بهذه المهمات ، وأن تعهدها بذلك هو عمل إنساني نبيل تستحق من أجله التقدير والإجلال والثناء .
وفي مقابل ذلك نرى نساءً يعاملن أزواجهن كما لو كانوا عبيداً أذلاء يتحركون كما تتحرك بيارق الشطرنج وفق حساب معين أو أمر معين أو نهي محدد ، فإن كان الزوج فقيراً ذكّرته بذلك مراراً وتكراراً وأشارت إلى ثرائها وغناها ومنّت بالحياة معه .
إن مثل هكذا ممارسات لا تتفق مع حقيقة الإنسانية وأصول وأسس الحياة المشتركة التي يدلّ اسمها على الاشتراك في كل شيء .

سوء الخلق :
إن سوء الخلق والفظاظة في التعامل وعدم تحمل الآخرين يقف وراء الكثير من المشاكل والنزاعات التي تعصف بالحياة الأسرية ، بل يمكن القول بأنها نار مجنونة تلتهم الأخضر واليابس وتحوله إلى هشيم تذروه الرياح .
لقد أثبتت الدراسات إن سوء الخلق والإساءة في التعامل وعدم التحمل يؤدي إلى الشيخوخة حيث يغزوه الشيب قبل وقته ، كما أثبتت البحوث أيضاً أن أكثر أمراض القلب وأمراض العصبية إنما تنشأ بسبب النزاعات وعدم التحمل ، خاصة لدى الأزواج المغامرين ، إضافة إلى أن الحياة تفقد معناها إذا تحولت إلى جحيم مستعرة بسبب هذه الأخلاق .
إن الأجواء المتشنجة والمتوترة التي يصنعها التعامل الفظ ، والاساليب القمعية في الأسرة تعرض الاطفال إلى خطر كبير ، حيث تتأثر نفوسهم الغضة ويصيبهم الدمار الذي لا يمكن إصلاحه ، كما يفقدهم الشعور بالطمأنينة التي هي أكبر حاجة لتنشئة الطفل نشأة سليمة ؛ هذا إذا لم يحدث الانفصال الذي يعرّض الأطفال إلى أخطار حقيقية مدمّرة ، وقد يسلمهم إلى الضياع والشوارع والليل .

===============

(73)


البواعث :
للبحث في الأسباب التي تكمن وراء ما ذكرنا يمكن الإشارة إلى ما يلي :
1 ـ غياب التفاهم :

إن غياب التفاهم بين الزوجين وعدم إدراكهما الضوابط التي ينبغي مراعاتها في التعامل يؤدي إلى ظهور المشاكل العديدة ونشوء النزاع ، ذلك أن التفاهم هو الذي يهيء الأرضية اللازمة للبحث في الكثير من الأمور ذات الاهتمام المشترك . وتعدد أسباب عدم التفاهم والانسجام ، فمنها ما يعود إلى الاختلاف الفاحش في السن والتجربة والخبرة في الحياة ، ومنها ما يعود إلى اختلاف الأذواق بشكل يؤدي إلى التصادم العنيف . ومما يبعث على الاسف أن الزوجين ـ وبعد مضي شهور عديدة أو سنوات على حياتهما المشتركة ـ قد أخفقا في إدراك بعضهما البعض بشكل يمكن فيه تلافي الكثير من المشكل ببعض التحمل والمداراة .
2 ـ الفوضى في الحياة :
هناك الكثير من الأفراد ممن يهتمون بالنظام إلى حد يتحول فيه ذلك إلى هاجسهم الوحيد ، فأقل إخلال يدفعهم إلى الثورة والعصبية .
وفي مثل هكذا حالة ماذا يمكن أن يحدث لو عاد الرجل ـ مثلاً ـ إلى منزله وهو يتصور أن كل شيء على ما يرام ، وإذا به يرى الفوضى تعمّ كل شيء فلا يجد حتى مكاناً يستبدل فيه ثيابه .
ربما يعتبر البعض أن الأمر ليس بهذه الخطورة ولكن الحقيقة تقول عكس ذلك . إن ذلك يبعث المرارة في قلب الرجل ، بل ويهيء ظروف تفجر نزاع لا تحمد عقباه .
3 ـ الإجهاد في العمل :
ما أكثر الأشخاص الذين نراهم يثورون لأتفه الأسباب . وعندما نحاول البحث عن العلة في ذلك نجد أن العمل المتواصل والإرهاق قد أضعف

===============

(74)


أعصابهم وأفقدهم القدرة على التحمل ، فإذا بهم يهاجمون أزواجهم بشراسة ودون رحمة دون سبب وجيه ولو في الظاهر .
وقد نرى هذه الظاهرة حتى لدى النساء من اللواتي يصل عملهن داخل المنزل حداً وسواسياً رهيباً يجعلهن في النهاية جنائز ـ إذا صح التعبير ـ حيث يفقدن القدرة على التعامل مع أزواجهن بلباقة وأدب .
إننا نوصي الأزواج ـ نساء ورجالاً ـ في اتخاذ جانب الاعتدال في العمل والحفاظ على الحدود التي تكفل التوازن المنشود .
4 ـ الاضطراب الفكري :
قد نجد أفراداً يعانون من اضطرابات فكرية ومن تشوش ذهني تعصف في رؤوسهم عشرات المسائل والمشاكل والهموم .
إن هذه المشاكل وما يتبعها من وسوسة فكرية تجعلهم سريعي الإثارة قليلي التحمل شديدي العناد ، ولذا فإنهم ينفجرون لأقلّ اصطدام مما يدفعهم إلى إفراغ ما في أعماقهم من ثورة وغضب .
5 ـ عوامل خارجية :

قد ينشأ النزاع في الأسرة بسبب عوامل خارجية ، فمثلاً يعمل الزوج في مكان ما ثم يحصل له نزاع مع زملائه في العمل مما يخلّف في نفسه شعوراً بالمرارة يدفعه إلى إفراغ غضبه في محيط أسرته لسبب أو غير سبب .
أو نجد إحدى السيدات تتطلع إلى حياة جارتها المرفهة فلا تملك نفسها ، حيث تتولد في أعماقها الحسرة التي تعبر عن نفسها أحيانا بالتشكي والبكاء .
ولعل الشباب يدركون مدى وضاعة مثل هذه التصرفات عندما يواجه أحدهم مشكلة في الخارج فينطوي على نفسه ، فإذا عاد إلى منزله يحاول إفراغ همّه وصبّ غضبه على أفراد لا ذنب لهم في ذلك .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net