متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل الثاني: الجمال الباطني
الكتاب : الأسرة وقضايا الزواج    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة

الفصل الثاني
الجمال الباطني

  كان البعض قديماً ـ وربما إلى اليوم ـ يتصور أن الزواج من امرأة جاهلة لا تعرف شيئاً ، ضعيفة نفسياً ، غضة الجسم ، أمر يجلب السعادة الزوجية ، ذلك أنها ستكون طوع اختيار الرجل .
وفي مقابل هذا التصور من قبل بعض الرجال يوجد من بين النساء من تفكر بهذا النحو ، فتطمح للزواج من رجل ضعيف الشخصية يفتقد الإرادة ليكون مستسلماً لها ولإرادتها وذوقها ، مما يوفّر لها حرية مطلقة في التصرف .
إن الدين الإسلامي الحنيف يرفض تماماً مثل هذا المنطق ، ذلك أن الهدف من تشكيل الأسرة لا ينحصر في هذه الأطر الحيوانية من توفير الطعام وإشباع الحاجة الجنسية . ومن يتزوج من أجل هكذا أهداف فقط فلن يحظى من الدنيا إلا بالقليل ؛ وحتى أولئك الذين يتزوجون من أجل المال أو الجمال عليهم أن يدركوا أن هذه المسائل مؤقتة ، إذ سرعان ما يزول تأثيرها وينتهي مفعولها ، وعندها لا يبقى سوى الشعور بالحرمان .
إن ما يمنح الحياة جمالها ويجعلها حلوة هو ذلك الجمال الباطني والمعنوي الذي يتجسد بالخلق الكريم الذي يرافق الإنسان دائماً ويكسبه أبعاده الشخصية كإنسان له كرامته وأصالته .

قيم الكمال :

إن ما يمنح الحياة شكلها ورونقها هو كمال الإنسان لا جماله الظاهري أو ثراؤه المادّي ؛ ذلك أن عقل الإنسان ومظنته وتقواه وعفّته هي التي تبعث

===============

(162)


الحياة في الشخصية الإنسانية وبالتالي تعكسها في شكل الحياة البشرية وروحها .
إن التاثير الأخلاقي والأدبي الذي يتمتع به أحد الزوجين كجمال باطني يفوق أضعاف الجمال الظاهري الذي يمكن أن يتمتع به الآخر ؛ ذلك أن الحب والمودّة الزوجية إنما تنشأ بين روحين وبين قلبين يلتقيان في صعيد واحد ، ولا يمكن في حال من الأحوال أن يولد حب حقيقي على أساس من المظاهر الماديّة الزائفة .
ولذا ، فإن على الإنسان أن يبني شخصيته على أسس متينة من الأخلاق والقيم ، فهي وحدها التي تتمتع بالبقاء والدوام ، أما المظاهر الماديّة فهي إلى الزوال والفناء .
إننا قد لا نطيق البعض في رحلة قصيرة إذا كانوا لا يتفقون مع آرائنا وتوجهاتنا وأفكارنا ، فكيف إذا كانت الرحلة هي رحلة العمر ، وكان رفيق السفر شريك حياة .

دور القيم الأخلاقية في الحياة :
إن الحياة المشتركة تنطوي على إيجابيات لا حصر لها على صعيد التكامل الإنساني وإثراء الشخصية ، ناهيك عن تلك الإلفة وذلك الإنس الذي يتحقق في ظلالها .
أو لم يقولوا بأنّ وراء كل رجل عظيم امرأة ! إن المرأة الفاظلة يمكنها ، ومن خلال نفوذها إلى روح زوجها ، أن تؤثر تأثيراً بالغاً في حياته وتكامله ، كما أن الرجل الفاضل هو الآخر يمكنه النفوذ إلى روح زوجته بما يخلق عندها من قيم الكمال والأخلاق .
إن السعادة الإنسانية إنما تقوم على الأخلاق والطمأنينة والشعور بالسلام والمحبة ، وهذه أمور يمكن خلقها بالرغم من الفقر وضيق ذات اليد ، ذلك أن السعادة لا تنشأ عن الذهب والثراء وكل زخرف في هذه الحياة الدنيا .

===============

(163)


تجليات الكمال :
ما هي الأصعدة التي يتجلى فيها كمال الرجل والمرأة ؟ يمكن الإجابة على هذا السؤال بالإشارة إلى ما يلي :
1 ـ العلم :
إن جميع الأديان والمذاهب تؤكد على إغناء هذا الجانب في حياة الإنسان ، وأن على المرء أن يملأ رأسه بالعلم قبل أن يملأ معدته بالطعام ، فالحياة إنما تقوم بالعلم وتنهض بالفكر .
وإن ما يعلي شأن المرأة ويرفع من منزلتها هو العلم ، ولذا فإن على المرأة والرجل أيضاً أن يخصصا ولو ساعة في اليوم للمطالعة واكتساب المعرفة ؛ ذلك أن ضمور هذا الجانب في حياة الإنسان يعني في الحقيقة زواله وفناءه .
2 ـ حسن المعاشرة :

إن من كمال المرأة والرجل هو حسن المعاشرة وطهارة الثوب ، بل أن أعظم ما في حياة الإنسان هو هذا الجانب ؛ فما أكثر أولئك الذين حلّوا المشاكل المستعصية عن طريق الكلام الذي هو جانب من جوانب السلوك والمعاشرة .
وقد أوصانا نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)
بحسن المعاشرة وإبراز عاطفتنا لمن نحب ، لما في ذلك من الأثر الكبير في تعزيز وتمتين العلاقات .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
: « إن قول الرجل لزوجته إني أحبك لا يذهب عن بالها أبداً » .
إن الجانب الأخلاقي وإضافة إلى ضرورة توفره من أجل ديمومة الحياة المشتركة فإنه يهب الحياة ذلك الجمال ويجعلها حلوة المذاق .
3 ـ التوازن في السلوك :
من بين الصفات والملكات الإنسانية المختلفة يبرز التوازن في السلوك كجانب مهم في حياة الإنسان الذي يعتبر انعكاساً عن ضبط النفس واستقرار الروح .

===============

(164)


إن الارتباط مع إنسان يفتقد هذا الجانب يعتبر في الواقع مغامرة مجهولة النتائج ؛ فقد تتوفر صفات إيجابية عديدة لدى أحدهم ولكنه يفتقد إلى جانب التوازن والتعادل في المزاج ، فإذا هو هوائي السلوك يميل مع الريح وتأسره الرغبة وتملكه الاشياء في أول نظرة . إن الارتباط مع هكذا إنسان سوف يعقّد الحياة ويجعلها في غاية المرارة ، فالحياة الهادية المستقرة تحتاج إلى نفس هادئة وسلوك مستقر ومزاج ثابت .
4 ـ تقدير الجهود :

يكدح الرجل طوال اليوم من أجل توفير لقمة عيش كريم لعائلته ، ويعاني في سبيل ذلك ما يعاني من تعب وإرهاق . كل هذا صحيح ولكن عليه أن لا يتصور أبداً أن زوجته وهي ربة البيت تقضي وقتها دون عمل . فالرجل الذي يتصور ذلك هو في الحقيقة مخطىء تماماً ، ذلك أننا لو استعرضنا الأعمال المنزلية التي تقوم بها المرأة لأدركنا أهميتها وصعوبتها .
ولذا فإن علينا أن لا نطلب المزيد من زوجاتنا ، فلنا أعمالنا ولهن عملهن الذي لا يقل صعوبة وأهمية عن أعمالنا ؛ وعليه فإن عودتنا من العمل متعبين لا يبرر أبداً الإساءة في معاملتهن .
5 ـ التحمل والصبر :

من الخصال العظيمة التي يمكن أن يتحلّى بها الإنسان هي التحمل والصبر . وهناك مثل أجنبي يقول : ليست المصيبة في ذاتها بل في عدم تحمّلها .
عندما لا تقدّر زوجتك جهودك ولا تعرف حقك فتسيىء ، فهو أمر يحزّ في النفس ، غير أن المشكلة سوف تتعقد إذا فقدت صبرك إزائها ، فلم تعد تتحملها ، إذ ستصبح المصيبة مصيبتين .
إن النجاح في الحياة يعود إلى التحمل والصبر والمقاومة والقدرة على احتمال الشدائد .

===============

(165)


6 ـ التقوى :
التقوى من أكبر كمالات الإنسان ـ رجلاً كان أو امرأة وهي التي تجسد قيمة الإنسان ـ وإذا كان ثوب المرء وحيداً فلا ينبغي أن يكون قذراً . إن نظافة الثوب الوحيد من أنبل جهاد الفقراء ، فإذا كتب عليه أن يكون فقيراً فليحاول أن يكون شريفاً .
إن التقوى والعفة هي التي تمنح الإنسان جماله الحقيقي . . الجمال الذي يفوق ـ أضعافاً مضاعفة الجمال الظاهري . ولقد أثبتت البحوث والتجارب العلمية أن الإنسان يمل أجمل المناظر وأحلى المشاهد إذا ما تكررت رؤيتها كل يوم ، فما بالك بجمال الإنسان رجلاً كان أو امرأة .
إن سر استمرار الحياة الزوجية هو في ذلك الجمال الباطني الذي يشعّ من أعماق النفس الطاهرة والروح النقية .
7 ـ العواطف :
إن ما يمنح الإسرة صفاءها ويشيع في أجوائها الدفء هو تلك العاطفة المتأججة في القلب ؛ وإن من كمال المرأة أن تحتوي زوجها بالعطف وتمنحه ذلك الشعور بالمودّة والحنان . ومن كمال الرجل أيضاً أن يشعر زوجته بالحق وأن يمنحها ذلك الشعور بالطمأنينة والسلام . ولذا فكلاهما يحتاج الآخر وكلاهما يكمل الآخر . ومن خلال تلك العاطفة النبيلة ينبعث الأمل في قلب الزوجين فيضيء طريقهما نحو المستقبل .

أخذ وعطاء :

وأخيراً ، فإن العلاقة بين الزوجين لا يمكن أن تكون من جانب واحد : هو يعطي وهي تأخذ . . أو بالعكس . . ينبغي أن يكون العطاء من الجانبين . . كل حسب إمكاناته وقابلياته . وقد تكون المرأة مطالبة أكثر في البحث عن الأشياء التي تجدّد حياتهما المشتركة ، وربما يكون الرجل مطالباً أكثر في العثور على الأشياء التي تبدد ضباب الملل من الحياة الزوجية وتعيد إليها الأمل .

===============

(166)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net