متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
النساء الأسوة في القرآن (1)
الكتاب : جمال المرأة وجلالها    |    القسم : مكتبة المرأة

النساء الأسوة في القرآن (1)


اهتمام القرآن بشخصية المرأة :
 القسم الآخر للبحث هو ان نوع الكمالات التي يذكرها القرآن الكريم للمرأة هي من أجل انه كلما شعر القرآن بخطر يؤكد ذلك أكثر فأكثر ، فمثلاً حين ظهور القرآن حيث كان التوحيد في خطر وكان الشرك منتشراً ، نزلت آيات كثيرة من أجل تثبيت التوحيد والقضاء على الشرك ، ولهذا لما كانت حرمة المرأة غير محفوظة أيام نزول القرآن ، لذا أكد على مسألة حرمة المرأة أكثر من حد التوقع ، وذكر لها سهماً في جميع الشؤون وصرح بالتساوي وأمثال ذلك .
 وقد ذكر القرآن قصصاً ، وبعد ان يشخص معيار القيمة في الشؤون المتنوعة ، يلاحظ نوع تلك المسائل القيمية ويذكرها ضمن قصص المرأة وضمن قصص الرجل أيضاً .
____________
(1) سورة النساء ، الآية : 56 .


(123)

القوى الثلاث للنفس :
 في الإنسان تكمن ثلاث قوى ، قوة جاذبة ، وقوة دافعة ، وقوة تفكر ، والقرآن الكريم يصور في ثلاثة أقسام جنود العقل والجهل الذين يعودون كلهم إلى الروح وعددهم مائة وخمسون عدداً ( ذكر العدد بعنوان مثال وتمثيل لا تعيين ) خمسة وسبعون عدداً جنود العقل وخمسة وسبعون عدداً جنود الجهل . بعضهم يتعلق بالعلم والفكر وبعض آخر يتعلق بالجاذبة التي يعبر عنها بالشهوة وبعض آخر يتعلق بالدافعة باسم الغضب .
 ان ما نراه في انفسنا ونتذكره عن الآخرين هو ان جميع أعمال الإنسان تتلخص في هذه الاقسام الثلاثة وإذا كانت الكتب الأخلاقية تؤكد على هذه المعايير الثلاثة فهو من أجل أن الأخلاق هي لتربية النفس وقوى النفس وان ما كشف حتى الآن هي هذه القوى الثلاث وكل عمل يتعلق بقوته الخاصة .
 الإنسان له فكر وقوة تفكر ، له جاذبة وقوة تجذب ، له دافعة وقوة تدفع . كل أعمال الإنسان تعود إلى هذه الشؤون الثلاثة و ( العدالة الكبرى ) هي تعديل هذه القوى الثلاثة .
 بعد أن يذكر القرآن الكريم كل هذه الفضائل يأتي لكل واحدة منها بمثال ، سواء في قسم العلم ، أو في قسم الشهوة أو في قسم الغضب .

الأسوات العلمية :
 أما في الأقسام العلمية : فإذا كان الكلام عن تعليم الاسماء فانه يحول ذلك إلى الإنسانية ، حين يطرح قضية آدم عليه السلام ويقول :
 ( فتلقى آدم من ربه كلمات ) (1) .
 ورد في تبيين وتفسير ( كلمات ) أن المقصود هي أنوار العترة
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 37 .


(124)

الطاهرة ، وهي مقامات علمية تلقاها آدم عليه السلام . وحصل سبب نجاته ، وكما ان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يضيء هناك ، كذلك فاطمة الزهراء عليها السلام تضيء هناك ، وأن فاطمة الزهراء عليهم السلام أصبحت معروفة ومشهورة لا من أجل ان المرأة تلخصت في فاطمة الزهراء فقط ، بل بسبب أنها أرقى من الأخريات . كما أن المعصومين الآخرين ليسوا معروفين مثل أمير المؤمنين وفي العرف حين يريدون ذكر مثل يضربون مثلاً بالإمام علي ، فكما ان أمير المؤمنين عليه السلام أصبح معروفاً وقدوة بين المعصومين ، كذلك اشتهرت فاطمة الزهراء عليها السلام بين النساء ، وإلا فهناك نساء كثيرات كن يتمتعن بالعصمة وبالكمال المتعارف وفوق المتعارف ، ولكن علة ان فاطمة الزهراء عرفت بين النساء هي نفس العلة التي أدت إلى معروفية الإمام علي بين الأئمة عليهم السلام خلاصة الكلام ، ان المراد من لفظ كلمات في الآية الشريفة ( فتلقى آدم من ربّه كلمات ) هي الاسماء الإلهية ، وأبرز مصداق الاسماء الإلهية هم العترة الطاهرة حيث تسطع من بينهم فاطمة الزهراء عليها السلام .
 وفي مقام بيان قوة الجذب وتعريف ملكة العفاف يأتي بتمثيل عن الرجل وعن المرأة أيضاً . والآن يجب ان نرى هل أن الرجل قال في هذه الساحة كلاماً أكثر عفة ، أم أن المرأة ذكرت بياناً أكثر عفة في هذا المقام ؟

يوسف ومريم مظهران للعفة :
 قال تعالى في شأن مريم عليهم السلام :
 ( ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) (1) .
 كل منهما كان له مزايا كثيرة من القيم ، ذكرت في القرآن ، ولكن ما هو موضع اهتمام هذا البحث هي ملكة عفتهما . فيوسف أبتلي ونجا بفضل
____________
(1) سورة آل عمران ، الآية : 42 .


(125)

العفاف ، ومريم امتحنت ونجت في ظل العفاف . والمهم هو ماذا كان طريق نجاة هذين المعصومين ؟ وماذا كان رد كل منهما حين الخطر وماذا قالا ؟
 عندما كان يوسف عليه السلام يمتحن كان تعبير القرآن :
 ( ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رءا برهان ربّه ) (1) .
 أي ان الكلام ليس في مقام الفعل ، وليس في مرحلة المقدمات أيضاً بل في نشأة الاهتمام وهذه هي المرحلة الثالثة . المراد من مرحلة الاهتمام هنا هو ذلك الذي همت به تلك المرأة المصرية ووصلت همتها إلى حد ملاحقة يوسف عليه السلام إلى الفعلية ، ولكن يوسف الصديق عليه السلام ليس فقط لم يكن في العمل ولا في مقدمات العمل ، بل لم يكن هناك قصد وهمة وخيال أيضاً ، بدليل ان الآية الشريفة علقت همة وقصد يوسف بشيء لم يحصل وقالت : ( وهمّ بها لولا أن رءا برهان ربّه ) . لم يقصد لأنه رآى برهان الرب .
 وهناك شواهد كثيرة أخرى يذكر الله تعالى يوسف كعبد طاهر ومعصوم . كما في قوله تعالى : ( انه من عبادنا المخلصين ) هذه هي صغرى القياس ، وكبرى القياس هي ما قاله الشيطان من أنه ليس له طريق نفوذ إلى عباد الله المخلصين .
 ( إلاّ عبادك منهم المخلصين ) (2) .
 بناء على هذا ، فباعتراف الشيطان فان يوسف الصديق كان منزهاً عن هذه الآفة ، حيث اعترفت المرأة المفترية أخيراً وقالت :
____________
(1) سورة يوسف ، الآية : 24 .
(2) سورة الحجر ، الآية : 40 .


(126)

 ( الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه ) (1) .
 كما أن الله تعالى شهد أيضاً بنزاهة وقداسة يوسف وقال :
 ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ) (2) لا ( لنصرفه عن السوء ) .
 أما في مسألة مريم عليهم السلام نرى أنها أما بمستوى يوسف الصديق الذي ذكره الله بعنوان عبد مخلص ( من عبادنا المخلصين ) أو هي أعلى منه .
 بيان الموضوع هو انه حين جاء الكلام عن عفاف مريم عليهم السلام لم يكن الكلام عن ( همت به وهم بها لولا ان رءا برهان ربه ) ، بل الكلام عن :
 ( قالت أني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ) (3) .
 لذا قال الله تعالى :
 ( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً ) (4) .
 في الآية الآنفة لم يقل تعالى : انها لو لم تر دليلاً إلهياً لكانت رغبت ولكانت نوت ، بل قال : ( قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ) ، كلمة ( إن كنت تقياً ) هذه هي بعنوان أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، أي اتّق ، وكأن الله تعالى يقول لنا ، لا تقوموا بهذا العمل ( إن كنتم مؤمنين ) (5) وهذا التعبير جاء كثيراً في القرآن ، أي اعملوا وفق الإيمان ، أو قوله في آية أخرى :
____________
(1) سورة يوسف ، الآية : 51 .
(2) سورة يوسف ، الآية : 24 .
(3) سورة مريم ، الآية : 18 .
(4) سورة مريم ، الآية : 17 .
(5) سورة آل عمران ، الآية : 175 .


(127)

 ( فهل أنتم مسلمون ) (1) ( فهل أنتم منتهون ) (2) .
 هذا النوع من التعابير المراد به الإرشاد . أي إذا كنتم مؤمنين اعملوا وفق إيمانكم . هنا قالت مريم لهذا الملك المتمثل ان لا يقدم على ذلك العمل إذا كان تقياً . اليس هذا التعبير ألطف من تعبير يوسف ؟ قال الله تعالى في شأن يوسف : إنه لو لم ير برهان ربّه لهمّ ، ولكن لم يهم لأن رأى برهان الرب ، ولكن بشأن مريم ليس فقط انها لم تهم ، بل نهت الملك المتمثل عن هذا الهم أيضاً .
 لنر الآن من كان مربي مريم عليهم السلام ؟ كانت امرأة ، مريم لم تترب على يد رجل ، لم تترب على يد أبيها ، بل تربت على يد أمها ، كثير من الناس صالحون ، لكنهم لا يستطيعون ان يكونوا آباء لبنات مثل مريم ، أو أمهات لبنات مثل مريم . هناك شروط كثيرة لازمة حتى يستطيع الإنسان الوصول إلى درجة بحيث يهدي ابنه إلى الله ، والله يتقبل ذلك الابن . أم مريم اعاذت مريم بالله ، والله تعالى اعطاها اللجوء وتقبلها في كنفه .

أثر استعاذة أم مريم :
 عندما ولدت مريم ، قالت أمها :
 ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان ) (3) .
 فقال الله تعالى :
 ( فتقبلها ربّها بقبول حسن ) (4) .
____________
(1) سورة هود ، الآية : 14 .
(2) سورة المائدة ، الآية : 91 .
(3) سورة آل عمران ، الآية : 36 .
(4) سورة آل عمران ، الآية : 37 .


(128)

 ثم قال :
 ( وأنبتها نباتاً حسناً ) (1) .
 هناك أفراد كثيرون يتقبل الله سعيهم فقط ولي أنفسهم ، ولذا فان الله تعالى لا يقول في شأن جميع الافراد بأنه تقبلهم وأعاذهم بل يقول :
 ( إنما يتقبل الله من المتقين ) (2) .
 ان قبول العمل هو غير قبول ذات العامل . فأعمال كثير من الناس مقبولة . ولكن هل ان جواهر ذواتهم مقبولة أيضاً أم لا ؟ ان الله تعالى قال بشأن مريم : ( فنقبلها ) ولم يقل ( تقل عملها ) بناء على هذا فان أم مريم أعادتها بالله ، فاعطى الله العوذ ، كانت تلك الاستعاذة بالله في جوار المحراب حيث تستجاب وتقول ابنتها : ( إني أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقياً ) . حين تراجع الكتب الأدبية يلاحظ ان الذين كانت لديهم معرفة بالمعارف القرآنية يفسرون كلام أم مريم كما قالته ، ولكن الذين لم يصلوا إلى تلك المعارف الرفيعة ، يفسرون كلام أم مريم هذا بتلك التقاليد الجاهلية .

التشبية في بيان أم مريم عليها السلام :
 يبين القرآن الكريم قضيّة ولادة مريم عليهم السلام بهذا الشكل :
 ( فلما وضعتها قالت ربّ انّي وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وأنّي سميتها مريم وإنّي أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) (3) .
____________
(1) سورة آل عمران ، الآية : 37 .
(2) سورة المائدة ، الآية : 27 .
(3) سورة آل عمران ، الآية : 36 .


(129)

 محل البحث هناك حيث قال : ( وليس الذكر كالأنثى ) . لو دققتم في الكتب الأدبية ترون ان الادباء في تفسير هذه الجملة قمسين : فهناك من يعتبر هذا التشبيه ، تشبيها معكوساً ويقولون : لأ المذكر أفضل من المؤنث والرجل أرقى من المرأة ، فلو قال شخص : ( ليس الذكر كالأنثى ) ، فهنا التشبيه تشبيه معكوس ، وفي الحقيقة يعني ليست الأنثى كالذكر .
 وهناك بعض يعتقدون بان التشبيه في الآية جارٍ على الأصل لا معكوس ، بهذا البيان وهو أن الولد لا يستطيع أبداً أداء دور هذه البنت ، ولا يستطيع أي رجل ان يصبح والداً لعيسى ، ولا يستطيع الرجل أبداً أداء عمل هذه المرأة ، وبناء على هذا فالتشبيه تشبيه مستقيم لا معكوس .

دور النساء تثبيت الأديان الإلهية :
 أما قسم قوة الدفع ، فهو قسم مبسوط سنبين خلاصته في هذا البحث .
 لقد عرض القرآن الكريم رجالاً بصفتهم في مسألة الغضب ومكافحة الظلم ، أما ما طرح في مسألة مكافحة الظلم الفرعوني فهو كفاح النساء .
 يذكر القرآن الكريم ثلاث نساء كأمثلة وهن اللواتي حفظن موسى من القتل ، وقمن بتربيته . وكانت كل مسألة تربية موسى الكليم بعهدة أولئك النساء الثلاث . أم موسى ، أخت موسى ، وامرأة فرعون ، فقد قامت تلك النساء الثلاث بمكافحة الوضع السياسي في ذلك الوقت ، حتى كبر هذا الرجل ، قال تعالى :
 ( وأوحينا إلى أم موسى ) (1) .
 عندما ألقت أم موسى ابنها في البحر بأمر الله ، قالت لأخت موسى بأن
____________
(1) سورة القصص ، الآية : 7 .


(130)

تتابع هذا الصندوق ( وقالت لأخته قصّيه ) (1) .
 من ناحية أخرى قالت امرأة فرعون :
 ( لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً ) (2) .
 من ناحية أخرى هيأت هذه النساء الثلاث الأرضية لنضج وتربية موسى ، حتى طوى بساط فوعون .
 واضح جيداً ان الذهاب وراء الصندوق حتى فصر فرعون لم يكن عملاً مهلاً ، كما أن أمّا إذا أمرت ابنتها بأن تتابع هذا الصندوق وتكون على اطلاع على نهاية مسيره ، وإذا كانت نهاية مسيره هي قصر فرعون تذهب وتعرض عليهم الرضاعة وتقول :
 ( هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ) (3) .
 لا يعتبر هذا أيضاً أمراً سهلاً في ذلك اليوم الذي كانوا يلاحقون كل امرأة مرضعة حتى يفهموا ان طفلها الرضيع ولد أم بنت ، لأن المرأة التي مع طفلاً هي التي تكون مرضعاً . ان اقتراح التعريف بامرأة مرضعة غير ليس أمرأً عادياً في مثل ذلك الوضع ودخول في ساحة الخطر ومواجهة موت والإعدام ، علاوة على هذا فان أموته أم موسى كانت سرية أيضاً كانوا على أي حال يسألون عن الرضيع وجنسه ، لأنهم كانوا في حال متابعة مستمرة حتى يقضوا على كل رضيع ولد ، كما قال تعالى :
 ( يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ) (4) .
____________
(1) سورة القصص ، الآية : 11 .
(2) سورة القصص ، الآية : 9 .
(3) سورة القصص ، الآية : 12 .
(4) سورة القصص ، الآية : 4 .


(131)

 فلم يكن امراً عادياً ، هذا الذي تولته أخت موسى ولم يكن عملاً صغيراً ذلك الذي أمرت به أم موسى ، كما ان اقتراح امرأة فوعون لم يكن اقتراحاً سهلاً ، والشخص الذي كان يعيش مع أكبر سفاح في ذلك العصر ، يقول في ذلك المقطع الحساس : ( لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً ) ، هذا الاقتراح يبين شهامة وشجاعة هذا المرأة .

خلاصة البحث :
 اتضح مما تقدم ان النساء كانت تتولى أفضل عمل من أجل حفظ الأديان ، وذلك في قسم الغضب والشهوة ( العفاف ) ، وفي قسم العلم أيضاً كانت النساء في حد الرجال جزء من الكلمات الإلهية التي انقذت آدم ( فتلقى آدم من ربه كلمات ) .
 بناء على هذا تصبح النتيجة أنه لا يوجد قسم يكون فيه الرجال مقدمين ، ولا يكون للنساء فيه سهم ، ولكن يجب أن تدرك المرأة موقعها أولاً ، وثانياً أن يعطي الآخرون حرمة لهذا الموقع ، وثالثاً يهيئون إمكانات ، ثم يبدأ التقويم ، حيث يظهر في ميدان الامتحان إلى أي حد يمكن ان تنجح المرأة وإلى أي حد يمكن للرجل التقدم .

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net