متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
5 ـ السيد قوام الدين الحسني السيفي القزويني
الكتاب : تذييل سلافة العصر    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

5 ـ السيد قوام الدين الحسني السيفي القزويني:
قوام المجد العصاميّ وعصامهُ، وذروة الشَّرف السامي وسنامهُ، ومالك ناصية الفضل وعزَّتها، وانسان عينه وقُرَّتِها، وشمس قلادته ودُرَّتها، ومُصرِّفُ أزمَّة النثر والنظم، ومُعيد رُواء الأدب بعدما وهن منه العظم، وأوحده الذي يقطع البلغاء بفريد كلامه، ويلاعب في حلباته بأسنّة أقلامه، إلى علم وسع المعقول والمشروع، وأحاط بالاُصول والفروع، وحلم وكرم وجود، وأخلاق يحقُّ لها السُّجود، وحظّ عظيم من قوّة الارتجال، والتهجّم على أبكار المعاني في الحجال، وهتك الأستار منها والخدور، وافتراش الصُّدور وافتراع البدور، واستخراج اللَّئالي من البحور، وتقليدها في أعناق الحور، وتحلية السواعد منها والنحور، بألفاظٍ أعذب من السيح، وأسجاع أطيب من أنفاس المسيح، وأمّا المُلَحُ والنوادر فهو أبو عذرها، ومبتدىءُ حُلوها ومرِّها.
وكان بينه وبين الوالد أطال الله بقاه من المخالَّة والمصافاة ما بين الخليصَيْن المُتصادقَيْن، والخليلَين المتوافقَين، لا يَرى أحدُهُما فضلاً إلاّ للآخر، ومن شعره إلى الوالد في جواب كتاب:

نور الهداية قـد بـدا من تُستَرا
تأبى فضائُل سيّدي أن تُستَرا
قد جاوز التحريرَ شوقُ لقاءِ مَنْ
فاقت مآثر مجـده أنْ تُسْتَرا
ومن شعره ما كتبه إلى الوالد أيضاً في تعزية:


( 39 )

وفـوق مقام الصبـر للمتصبّرِ
مقامُ الرِّضا والشُّكرِ للمُتَبصِّرِ

وقد كنت كثير الشوق إلى لقائه لما أسمعه من الوالد من الإطراء في ثنائه، إلى أن سهّل الله الاجتماع به بقزوين، وقد أنهكه الهرم، وأقعده الهمم، وذلك في عشر الخمسين بعد المائة والألف، فرأيته فوقَ الوصف، وعرضت عليه بأمره كتاب (الذخر الرائع في شرح مفاتيح الشرائع)، فلمّا أجال فيه النظر أخذ القلم وسطر:

بحسبِكَ ذُخْرُ السيِّد المُوسويّ في
بيان مفاتيــح الشَّرائعِ كافيَا
ففيه تمـامُ الكشفِ عن مُشْكلاته
بطـرزٍ أنيـق جاء للعيِّ شافيا
وأشرقَ نـورُ الدِّين منه بنعمةٍ
من اللهِ أبـدى كلَّ ما كانَ خافيا

ثم أمرني بإنشاد شيءٍ من الشعر، فأنشدته قطعات من القصيدة البهائية التي تصرّفت فيها بالتعجيز والتصدير، فاستحسن ذلك غاية الاستحسان وبسط في وصفه اللّسان، وأخذ يحمده لمَن حضر، كأنّه لم يسمع بهذه الصنعة في ما غبر، ثمّ استدنى المحبرة وجعل يكتب ما أنشدته وقد حفظ أكثره، ويعاودني في مواقع الاشتباه، إلى أنّ أكمله وهي:

سرى البرق من نجد فهيّج تذكاري
سوالفُ أنْسَتْها تصاريفُ أَعصارِ


( 40 )

تألَّق مــن بعـد انثناءٍ مُجدّداً
عهوداً بحزوى والعقيق وذي قار
وهيّج مـن أشواقنا كـلّ كامنٍ
واجّج فـي أحشائنـا لاهبَ النَّار
ألا يا لُيَيْلات الغـوير وحـاجر
نعمتِ كأيّام الشبـاب بأنْضــار
ويا روضــة بالناضرات نديّةً
سُقيت بها من مُدمن المُزن مدرار
ويا ساكنــي دارَ الـسَّلام تحيةً
عليكم سلامُ الله مــن نازح الدَّار
خليليّ ما لــي والـزَّمان كأنّما
عليَّ له ما لـي عليــه من الثَّار
يماطلُنــي حتّـَى يُجاحدَ حجَّتي
يطالبنــي فـي كـلّ آنٍ بأوْتار
فأبْعَدَ أحبــابي وأخلى مرابعي
وزحزح عـُوَّادي وبدّد أنصاري
وأوحش اُنسـي بالـعذيب وأهله
وبدّلني مــن كلِّ صفوٍ بأكدار
وعادَل بي مَن كان أقصى مرامه
توسُّـد أعتابــي ويقفو آثاري



( 41 )

ويُبْخَـسُ في سوق الفَخارِ نصيبُه
من المجد أن يسمو إلى عُشْر مِعشار
ومنها:
وأظـهر أنّــي مثلُهـم يستفزّني
تقلّبُ أحــوالِ الزَّمــان بأطوار
فيُحــزنني طوراً وطوراً يُسرُّني
صـروفُ اللَّيالـي باحتلاءٍ وإمرار
ويُصمي فـؤادي ناهد الثّدي كاعِبٌ
برشـــق نبالٍ لا تُنــاط بأوتار
ويلهو بقلبـي المُستهــام مُلاعبٌ
بأسمــر خطّارٍ وأحــورَ سحّار
ويُضجرني الأمـرُ المـهولُ لقاؤُه
ويجرح صدري عنـه صولةُ كرَّار
ويُنعشني الحادي إذا العيس أدْلجتْ
ويطربُني الشَّــادي بعُودٍ ومزْمار
ومنها:
أأضرع للبلوى واُغضي على القذى
واُسلم نفســاً للهضيمـة والعار
ويخفُـقُ قلبــي إنْ دهتنـي مُلمَّةٌ
فأرضى بما يرضى به كلّ خوّار



( 42 )

إذاً لا ورى زنـدي ولا عَزّ جانبي
ولا وفد المُستمنـحون إلـى داري
ولا أشرقت شمسي على اُفق العُلى
ولا بزغت في قمَّة المجـد أقماري
ولا بُلّ كفّي بالسَّماح ولا ســرت
ركابُ الكرام المُقترين إلـى ناري
ولا عبقت كالعود في كــلِّ مَربَعٍ
بطيب أحاديثي الرِّكابُ وأخبـاري
ولا انتشرت في الخافقين فضائلي
انتشارَ ضواع المسك أوقات تكرار
ولا أمَّني وفدٌ برائق شعــرهم،
ولا كان في المهديّ رائقُ أشعاري

وهو كثير الشعر جيّده بالعربية والفارسية والتركية، وقد نظم كثيراً من الفنون باُرجوزات حسنة منها: التحفة القواميّة ـ نظم اللمعة الدمشقية ـ ومنظومة صحيفة الاطرلاب للشيخ البهائي، ومنظومة الكافية، ومنظومة خلاصة الحساب، واُرجوزة في التجويد، والشجرة الحسينيّة، ومن شعره مرثية الشيخ جعفر القاضي لمّا توفّي بالعراق عند قدومه من الحج سنة خمسة عشر بعد المائة والألف وهي:

الدهرُ ينعى إلينا المجدَ والكرما
والعلمَ والحلمَ والأخلاقَ والشِّيَما



( 43 )

ينعى العفافَ وينعى الفضلَ يندبُه
ينعى الحياءَ وينعى العهدَ والذّممـا
فليت بــالدَّهر ممّا قد حكى بَكَماً
أوْ ليت عن ذاك في أسماعنا صَمما
ولا تطيــق الجبـالُ الصمُّ داهيةً
دهياءَ دُكَّ لهــا الإسـلامُ وانثلما
وُزْلزِلَت أرضُ علمٍ بعدما انفطرتْ
سماءُ علمٍ وماجَ البحــر والتطما
يا صبرُ هـذا فــراقٌ بيننا ومتى
تطاق والدَّهـرُ أوهى الركنَ فانهدما
بشيخنــا جعفرٍ بحــرٌ بساحتـه
سفائنُ العلم مبــذولاً ومُقْتَسَمــا
يا عينُ جُودي فعــينُ الجود غائرةٌ
تبكي عليها العيـونُ الساهراتُ دما
مَنْ للحزيــن يُنـادي وهو مُنْقطعٌ
فيستغيثُ ويبــكي المفـردُ العَلَما
أين الذي بسط الإحســانَ مُنْبسطاً
قد عمّ فيــضُ نَداه العُربَ والعجَما
أيـن الذي فسـّر الآيـاتِ محكمةً
أين الـذي هذّب الأحكــامَ والحِكَما



( 44 )

وباطلٍ كــان بـالتحقيق يدمغُــه
كأنــّه بقَدومٍ يكســرُ الصَّنما
تُعَدُّ أيامُنـــا اللاّتــي مَضيْنَ لنا
إذ نحن من نوره نستكشفُ البُهَما
كانت هي العمرُ مرَّت وهي مُسرعةٌ
وهل سمعتَ بحـيٍّ عمرُه انصرَما
وإخــوة بــصفاء الـودّ رافقهُم
فجَمْعُهم بعــدَه عِقْدٌ قـد انفصما
ومســند زاده عـــزّاً تمـَكُّنُهُ
كخاتَمٍ فصُّه جورَ الزَّمان رمــى
ظـلَّ الإشاراتُ بعـد الشيخ مُبْهمةٌ
كما الشِّفاءُ عليلٌ يشتــكي السَّقما
بات الصحاحُ سقيمــاً منـذ فارقهُ
عينُ الخليلِ اُصيبتْ بعــدَهُ بعمى
تبكي عليه عيـونُ العلــمِ تُسعدها
شروحُهــا وحـواشيها وما رقما
تمضـي الليالــي ولا تَفنى مآثره
يبقـى على صفحة الأيَّام ما رسما
نظمــي مدامعُ تجري في مصيبته
فالقلــبُ مـا نثر العينان قد نظما



( 45 )

طوبى لــه من وفيّ في مُهاجَرِه
من بيته وهـو يرجو اللهَ مُعْتصما
والنفس فـي عرفات الشوق والهةٌ
والقلب منـه بنار اللَّوعة اضطرما
وإذ أنافَ على وادي السلام رأى
من جانب القُدس نوراً يكشفُ الظُّلَما
واستقبلتــْهُ بـه الأرواحُ طيِّبةً
والربُّ نــاداه قـف بالواد مُحْتشما
فقال لبَّيــْك يـا ربيّ ومُعتمدي
لبيك يا محيـي الأمــوات والرِّمما
لبّيك يــا سيدي لبيك يا صمدي
حجيّ إليــك علمـتَ السرّ والهِمما
فحلّ في مجمـع الأرواح يصحبهم
بالجسم والـرُّوح لا يلقـى بهم سأما
مُقرِّباً فـي منــى التسبيح مُهجته
أبدى مـن الحُبّ ما في صدره انكتما
فالناظــرون إلـى إشراق جبهته
يرون ثغر الرِّضا فـي وجهه ابتسما
والعاكفون على أطــراف مضجعه
يستنشقون نسيمَ الخلــد قـد هجما



( 46 )

قف بالسلام على أرض الغريّ وقلْ
بعد السلام على مَن شرَّف الحَرما
منّي السلام على قبـرٍ بحضــرته
أهمى عليه سحابُ الرَّحمـة الدِّيما
واقرأ عليه بترتيــلٍ ومــرْحمةٍ
طـه ويـس والفــرقان مُختتما
وابسط هناك وقل: يا ربّ صلِّ على
محمّد خير مَــنْ لبَّى ومَنْ عزما
وآلــه الطـيبين الطــاهرين بما
أسْدَوا إلينـا صنوف الخير والنِّعما
وحُفَّ بــالرّوح والــرّيحان تربتهُ
واقبَلْ شفاعتهُـمْ فــي حقّه كرما
تاريخ ما قد دهانا، (غاب نجمُ هدىً)(1)
فالله يهــدي بباقـي نوره الاُمما
يغلـي الفــؤادُ ولا تمتــدُّ زفرته
ضعفُ القوامِ أكلَّ النُّطقَ والقلمــا

وكان بينه وبين المصنّف(2)بعد ارتحاله من البلاد الهندية إلى ديار العجم مؤانسة ومداخلة عظيمة، واختصاص ومودّة قويمة لما
____________
(1) غاب نجمُ هدى = 1115هـ، وهو تاريخ وفاة المرثي حسب حروف الأبجد.
(2) يقصد بالمصنّف صاحب سلافة العصر السيد ابن معصوم.

( 47 )

جمعهما من لحمة النسب، ونظمهما من نسبة الأدب وأهدى إليه نسخة من التحفة القوامية، فوقّع المصنّف على ظهرها بخطّه ما هذا لفظه:
بسم الله الرحمن الرحيم، لراقمه مخاطباً، مُهدي هذه التحفة السنيّة ومبدي هذه الطرفة الحسنيّة، لا برح للدين قواماً، ولا فتىء مُلقّىً تحيّةً وسلاما:

يا أيُّهـا المــولى الــذي
هو فـي معارفــه عــَلَمْ
لله تحفتـــك التــــي
مَنْ ليــس يقبلــها ظلـم
هيهـات يُنكــرُ فضلــها
وهو السّراج علــى علــم
أبياتُهـــا بمـدادهـــا
تحكي الكــواكبَ فـي الظُّلم
لم يحــو طــرسٌ مثلها
كـلاّ ولا رَقـــَمَ القلـــم
منّي الســلام عليك مــا
غنَّــى الحمــامُ بـذي سَلَمْ

قالها بفمه ورقَمَها بقلمه، راجي فضل ربّه السَّني علي بن أحمد الحسيني الحسني، كان الله لهما وبلّغهما من فضله أملهما، وذلك رأد الضحى من يوم الإثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع


( 48 )

الثاني سنة 1117هـ بدار الإيمان اصبهان حُفَّت بالعزّ والنصر والأمان.
فذيّله السيّد قوام الدّين بما هذا لفظه:
لناظم «هذه التحفة» مجيباً، لمُرسِل هذه التحية البهية، ومثنياً على مجزل هذه العطية العَليَّة، وهو يدُ السَّماحة، ولسانُ الفصاحة، وترجمانُ البلاغة وعنوانُ البراعة، لا زال صدراً للسيادة والعُلى ولا انفكّ بدراً للسعادة والسنا.

يا أيُّهــا البــدرُ الـذي
ببهائـه كشــف الظــُّلَمْ
اتحفتنـــي بكرامـــةٍ
دأْبَ الكــريـم المحتشَــم
طوّقتنـــي بنوالهـــا
والعبــدُ رقٌّ وابــنُ عـم
آبـاؤك الغــرُّ الكــرامُ
صـدورُ أربــاب الهِمــم
وَلَــدُوا السِّيـادة والعُلـى
وبكَ الكمـالُ قــد انتظــم
ونشأتَ في حجـر التُّقــى
ورضعتَ مــن أيـدي الكرم
ونبعت مـن عيــنِ الهُدى
ونبغــتَ فــي أرض الحَرم



( 49 )

ثوبُ البــلاغة عــن طـرا
زك قـد تطــرّز بالعــَلم
و( سلافــةُ العصــر ) التي
أنشأتَهــا تُحيــي الـرِّمم
وبديــعُ نظمـــك فيــه
( أنوارُ الرَّبيـع ) إذا ابتسـم
توصيــفُ قــدرك سيـدي
أعيـا لسانـــيَ والقلـــم
منّـي عليـــك تحيـــّةٌ
تُثني عليـك بهــا الاُمــم

نقلت ذلك كلّه من خطّ السيد قوام الدين في كراسٍ أهداه إلى الوالد باصبهان سنة 1123هـ وذلك بعد وفاة المصنّف بثلاث سنين(1).

* * *


____________
(1) يقصد بالمصنّف صاحب سلافة العصر ومن هنا يعلم انّ وفاته كانت 1120هـ ، أمّا السيد قوام الدين صاحب الترجمة فقد كانت وفاته حدود سنة 1150هـ، كما نقله الطهراني في الطبقات والذريعة.
( 50 )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net