متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
النكارة الأولى: إيذاء علي لرسول الله ولابنته الزهراء
الكتاب : ظلامة الزهراء عليها السلام في روايات أهل السنة    |    القسم : مكتبة رد الشبهات

المبحث الرابع: دلالة الحديث ونكارته

ولو دققنا النظر في هذا الحديث نرى آثار الوضع واضحة عليه كوضوح الشمس في رابعة النهار, فلو تأمل المنصف بمدلولاته ومعانيه, لقطع بوضعه جزماً؛ فالروايات التي ذكرناها من طريق (الزهري وابن أبي مليكة عن المسور) والتي استشهد بها ابن تيمية وصوّر أن الإيذاء لرسول الله@ هو من فعل علي $ لأنه خطب بنت أبي جهل, فيكون علي هو السبب في إيذاء رسول الله@ ولذا قال@: >يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها<، ولكن لنا على هذا الاستدلال بعض الملاحظات وبعض النكارات, وهي كالتالي:

النكارة الأولى: إيذاء علي لرسول الله ولابنته الزهراء

وهذه نكارة مفضوحة للأسباب التالية:

السبب الأول: علاقة الأبوة والبنوة

فرسول الله@ هو الأب والمربي لعلي$ وكان يتبعه اتباع الفصيل أثر أمه, وينفذ أوامره حرفياً، وكان@  يحرص على تعليمه أشد الحرص؛ بحيث كان إذا سأله أعطاه وإذا سكت ابتدأه, فكان يغذيه بلبان الطاعة لله ولرسوله؛ فلا غرو أن يكون التلميذ وفياً له؛ ولايمكن أن يتجاوز علي عليه السلام ما تربى عليه من تلك المبادئ والقيم والمُثل العليا التي نشأ عليها في أحضان ابن عمه ومربيه وأستاذه, وهذا ابن حجر العسقلاني يعترف بقوله:>أنّ علياً كان عنده كالولد؛ لأنه رباه من حال صغره ثم لم يفارقه بل وازداد اتصاله بتزويج فاطمة< ([1]) فمن كان كذلك كيف يكون سبباً في إيذائه @.

السبب الثاني: الفداء والتضحية

لذا نجد أنّ علياً فداه بنفسه وروحه عندما نام في فراشه في ليلة الغار حفاظاً على رسول الله من أن يغدروا به؛ بل في سائر حروبه @ كان علي هو الواقي والمحامي والذابّ عنه في الهيجاء. ([2])وينقل لنا ابن أبي الحديد عن شيخه أبو جعفر, في رده على الجاحظ حينما نقل فضيلة لأبي بكر في الغار قال معترضاً:

>فما بالك أهملت أمر مبيت علي عليه السلام على الفراش بمكة ليلة الهجرة هل نسيته أم تناسيته فإنها المحنة العظيمة والفضيلة الشريفة التي متى امتحنها الناظر, وأجال فكره فيها, رأى تحتها فضائل متفرقة ومناقب متغايرة.. الى أن قال: أجاب إلى ذلك سامعاً مطيعاً طيبة بها نفسه، ونام على فراشه صابراً محتسباً، واقياً له بمهجته، ينتظر القتل، ولا نعلم فوق بذل النفس درجه يلتمسها صابر, ولا يبلغها طالب, والجود بالنفس أقصى غاية الجود< ([3])  فمن كان يجود بنفسه التي هي أقصى غاية الجود, وهو السامع والمطيع, فهل يعقل أن يكون سبباً في إيذائه@.

السبب الثالث: علم علي وحكمته

 ثم إنّ علياً هو رأس الحكمة والعلم؛ ولذلك كان وزيراً لرسول الله@ كما يدل على ذلك قوله لعلي$ >أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي< ([4]) وقد قال تعالى في موسى$: {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا } ([5]) ومعلوم أن من لوازم الوزارة كمال الحكمة والرأي والفطنة. ومقتضى حكمته وكمال علمه أنه لا يُقدم على إيذائه@.

السبب الرابع: خلق علي وسمو نفسه

ثم أين هذا من أخلاق علي عليه السلام وسمو نفسه الذي يصفه لنا ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة, قال:>أخلاق علي عليه السلام كأخلاق محمد عليه السلام مربيه, وأن يكون الكل شيمة واحدة وسوساً واحداً([6]), وطينة مشتركة, ونفساً غير منقسمة ولا متجزئة, وألا يكون بين بعض هؤلاء وبعض فرق ولا فضل، لولا أن الله تعالى اختص محمداً صلى الله عليه وآله برسالته, واصطفاه لوحيه، وإلى هذا المعنى أشار صلى الله عليه وآله بقوله: ( أخصمك بالنبوة فلا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع ), وقال له أيضا: (أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي), فأبان نفسه منه بالنبوة, وأثبت له ما عداها من جميع الفضائل والخصائص مشتركاً بينهما<([7]) فجميع الفضائل والخصائص مشتركة بينهما عليهما السلام. فمن كان بهذا الخلق الرفيع وهذه الفضائل التي هو رأسها كيف يكون سبباً في إيذائه@.

السبب الخامس: علي نفس رسول الله @

أضف إلى ذلك أنه نفس رسول الله@ لقوله جل وعلا في آية المباهلة: {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ} ([8])  فكيف  يليق بمن هو بهذه المنزلة العظيمة والرفيعة بحيث يرتقي الى أن يصفه رسول الله بنفسه, وهل يؤذي الإنسان نفسه.

السبب السادس: حب الرسول المطلق لعلي $

تروي لنا أم المؤمنين عائشة أنها لا تعلم أن هناك رجلاً على الإطلاق أحب إليه من علي $وذلك لما رواه الحاكم النيسابوري, عنها عندما سئلت عن علي $: قالت:> تسألني عن رجل والله ما أعلم رجلاً كان أحب إلى رسول الله من علي<. وقال هذا حديث صحيح الإسناد<([9]).

وروى أيضاً: بسنده عن أبي الجحاف عن جميع بن عمير قال:>دخلت مع عمتي على عائشة رضي الله عنها فسئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، قالت: فاطمة، قيل: فمن الرجال قالت: زوجها< وعلق الحاكم قائلاً ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)([10]).

وروى الهيثمي في زوائده عن النعمان بن بشير، قال: >استأذن أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة عالياً وهي تقول: والله لقد عرفت أن علياً وفاطمة أحب إليك مني ومن أبي مرتين أو ثلاثاً فاستأذن أبو بكر فأهوى إليها, فقال يا بنت فلانة لا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم<، ثم قال معقباً على هذا الحديث، قلت: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح([11]).

 وأيضا رواه النسائي في الخصائص عن النعمان بن بشير قال: >استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة عالياً, وهي تقول: لقد علمت أن علياً أحب إليك مني فأهوى لها ليلطمها, وقال لها: يا بنت فلانة أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأمسكه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وخرج أبو بكر مغضباً<([12]).

فهنا نجد مدى عمق الحب الذي يضمره رسول الله @ لعلي$ بحيث نجد (غيرة أم المؤمنين عائشة) أخرجتها عن توازنها؛ بحيث هددها أبو بكر بلطمها وخرج غاضباً.

وروى الهيثمي أيضاً عن ابن عباس, قال: >دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على علي وفاطمة وهما يضحكان, فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم سكتا، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ما لكما كنتما تضحكان فلما رأيتماني سكتما, فبادرت فاطمة فقالت: بأبي أنت يا رسول الله، قال: هذا أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فقلت: بل أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك, فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا بنية لك رقة الولد وعلي أعز علي منك<. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح([13]).

وهنا نرى عطف رسول الله@ عليهما, ففاطمة هي الرقيقة وعلي هو العزيز, فهما بنفس الدرجة, فهو @ لم يرجّح أحدهما على الآخر؛ لأنهما نفس رسول وروحه التي بين جنبيه.

فلماذا هذا الحب لعلي$ هل نشأ هذا الحب بلا مسوغ,وبلا مبرر؟ أليس علي منه وهو من علي, كما يروي لنا ابن حبان في صحيحه والنسائي في فضائل الصحابة, وصححه الحاكم في مستدركه([14]).

 فمن كان (منه وهو منه) هل يعقل أن يكون سبباً لإيذائه,  وهل يعقل أيضاً ان هذا الحب المطلق لعلي$ وبلا حدود  يكون جزاؤه أن علياً يخطب بنت أبي جهل على سيدة نساء العالمين.

السبب السابع: علي عليه السلام ممن أذهب الله عنه الرجس

 ثم إنّ علياً ممن طهره الله وأذهب عنهم الرجس, كما ورد في الآية الشريفة (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)([15]) - وقد تسالمت الأمة الإسلامية على نزول آية التطهير في صاحب الرسالة الخاتمة ووصيه الطاهر وابنيهما الإمامين وأمهما الصديقة الكبرى, وأخرج الحفّاظ وأئمة الحديث فيهم أحاديث صحيحة متواترة في الصحاح والمسانيد([16]).

ومعلوم أن إيذاء رسول الله@ لاسيما عند علي$ هو ذنب وأي ذنب, فهل تجتمع صفة التطهير من الذنوب مع الإيذاء لرسول الله,ولابنته الطاهرة.

إذن مما تقدم من ذكرنا لهذه الأسباب نقطع بل نجزم بوضع هذا الحديث، أو إدراجه من قبل الزهري. وقد قلنا أيضاً: أن الزهري كثيراً ما يدرج بعض الأحاديث خارج النص من فهمه أو تفسيره.

 

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) ابن حجر العسقلاني: فتح الباري, ص 8 ص 357. الناشر: دار المعرفة بيروت.

ثم يعلق ابن أبي الحديد على هذه الحادثة قائلاً:>قال علماء المسلمين إن فضيلة علي عليه السلام تلك الليلة لا نعلم أحداً من البشر نال مثلها, إلا ما كان من إسحاق وإبراهيم عند استسلامه للذبح, ولولا أن الأنبياء لا يفضلهم غيرهم لقلنا إن محنة على أعظم, لأنه قد روى أن إسحاق تلكأ لما أمره أن يضطجع, وبكى على نفسه, وقد كان أبوه يعلم أن عنده في ذلك وقفه.., ولذلك قال له: (فانظر ماذا ترى) وحال علي عليه السلام بخلاف ذلك, لأنه ما تلكأ ولا تتعتع, ولا تغير لونه ولا اضطربت أعضاؤه<  شرح نهج البلاغة: ج 13ص 260.

([2]) وخبر الفراش قد ثبت بالتواتر, وهذا ما صرح به شيخ ابن أبي الحديد حيث قال في شرح النهج: >قال شيخنا أبو جعفر ( رحمه الله ): هذا فرق غير مؤثر, لأنه قد ثبت بالتواتر حديث الفراش..., ولا يجحده إلا مجنون أو غير مخالط لأهل الملة, أرأيت كون الصلوات خمساً, وكون زكاة الذهب ربع العشر,, وأمثال ذلك مما هو معلوم بالتواتر حكمه.< شرح نهج البلاغة: ج 13 ص 261- 162.

([3]) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة, ج 13 ص 259.

ثم يعلق ابن أبي الحديد على هذه الحادثة:> قال علماء المسلمين إن فضيلة علي عليه السلام  تلك الليلة لا نعلم أحداً من البشر نال مثلها, إلا ما كان من إسحاق وإبراهيم عند استسلامه للذبح, ولولا أن الأنبياء لا يفضلهم غيرهم لقلنا إن محنة على أعظم, لأنه قد روى أن إسحاق تلكأ لما أمره أن يضطجع, وبكى على نفسه, وقد كان أبوه يعلم أن عنده في ذلك وقفه.., ولذلك قال له (فانظر ماذا ترى) وحال علي عليه السلام بخلاف ذلك, لأنه ما تلكأ ولا تتعتع, ولا تغير لونه ولا اضطربت أعضاؤه<  شرح نهج البلاغة: ج 13ص 260.

([4]) قال الشيخ محمد جعفر الكتّاني بما نصه:

>وحديث: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) متواتر جاء عن نيف وعشرين صحابياً, واستوعبها ابن عساكر, في نحو عشرين ورقة< محمد جعفر الكتاني, نظم المتناثر في الحديث المتواتر: ص195, الناشر: دار الكتب السلفية ـ مصر.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: >هو من أثبت الآثار وأصحها, ورواه عن النبي @ سعد بن أبي وقاص, وطرق حديث سعد فيه كثيرة جداً, قد ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره, ورواه ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأم سلمة وأسماء بنت عميس وجابر بن عبد الله وجماعة يطول ذكرهم< ابن عبد البر, الاستيعاب: ج3 ص1097.

([5]) الفرقان: 35.

([6]) أي أصلاً واحداً.

([7]) المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 154.

([8]) المصدر نفسه: ج 3 ص 157. 

([9]) المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 157.

([10]) المصدر نفسه: ج 3 ص 157.

([11]) مجمع الزوائد: ج 9 ص 202. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. ط 1408 هـ.

([12]) النسائي: الخصائص, ص 108- 109. الناشر: مكتبة نينوى الحديثة – طهران.

([13]) نفس المصدر: ج 9ص 202.

([14]) روى ابن حبان في صحيحه:عن عمران عن حصين: >...فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه، فقال ما تريدون من علي ثلاثاً إن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي< صحيح ابن حبان: ج 15 ص 374.  الناشر: مؤسسة الرسالة, ط 1414 هـ. النسائي: فضائل الصحابة: ص 15.وقد صححه الحاكم, قال > هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه< المستدرك: ج3 ص 111.

([15]) الأحزاب / 33.

([16]) روى مسلم في صحيحه عن عائشة، قالت: >خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فادخله ثم جاء الحسين، فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فادخله، ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا<.

وروى الترمذي عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: > لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويظهركم تطهيراً) في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله, قال أنت على مكانك وأنت على خير<.

وروى الحاكم النيسابوري: عن أم سلمة رضي الله عنها انها قالت: > في بيتي نزلت هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم أجمعين، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي قالت أم سلمة يا رسول الله ما أنا من أهل البيت، قال: إنك أهلي خير وهؤلاء أهل بيتي اللهم أهلي أحق<.  هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net