متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مخاطر الاتصال بالعالم الغيبي
الكتاب : شبابنا ومشاكلهم الروحية    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

 

النقطة الرابعة: مخاطر الاتصال بالعالم الغيبي: قد يتصور الكثير من الناس أن مسألة الارتباط بالعالم الغيبي وقدرة البعض على التعرف على أسراره واكتشافها ولو كان هذا البعض نبياً أو رسولاً، مجرد مسألة تفضيل واختصاص من قبل الله سبحانه وتعالى، من دون أن تكون هناك مبررات أخرى جعلت الله جل وعلا يختص هذا البعض من الناس دون غيرهم بإطلاعهم على الغيب وتعريفهم بحقائق العالم الآخر. ولكن الصحيح إن المسألة خلاف ذلك تماماً، لأن الله سبحانه وتعالى وإن كان له الحق المطلق في اختيار من يشاء من عباده لجعله نبياً أو رسولاً أو ولياً صالحاً يخبر الناس عما غاب وخفى عنهم من أسرار وحقائق عالم الغيب، إلا أن الله إنما يختار من عباده لهذه المهمة من علم منه الأمانة والصدق والإخلاص في تأدية رسالته عنه إلى الناس، وهذا ما نلمحه من اطلاق تأكيده تعالى على أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة يمتنع عليه أن يسير الناس في اتجاه مغاير لإرادة الله ومشيئته، وفي ذلك يقول تعالى: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون). (آل عمران: 79).

ونفس هذا المعنى نلحظه في قوله تعالى لنبيه عيسى (ع): (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب). (المائدة: 116)

ويؤكد عيسى (ع) على أنه لم يقل للناس إلا ما أمره الله به حينما يقول: (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد). (المائدة: 117)

وعلى هذا الأساس نعي أن مسألة الارتباط بالغيب مسألة لها خطورتها الكبيرة التي تجعل منها مهمة ثقيلة لا ينهض بحمل أعبائها وتحمل مسؤوليتها إلا القليل من الناس ممن توفرت فيهم مؤهلات خاصة جعلت منهم أناساً قادرين على القيام بدورهم المطلوب في ربط الإنسان بخالقه وبعالم الغيب من دون أدنى تقصير أو إخلال بالواجب.

ولقد سعى علماء العرفان إلى بيان المخاطر التي يمكن أن تقع للإنسان في اتصاله بعالم الغيب عبر طريق الكشف والمشاهدة، مع تأكيدهم المسبق بإمكانية اتصال الإنسان بعالم الغيب من خلال هذا الطريق الذي يتأتى للإنسان من خلال تزكية النفس ومجاهدتها بآداب الشريعة ورسومها، بخلاف من أنكر إمكانية هذا الأمر ورأى في مكاشفات العرفاء ومشاهداتهم جنوحاً إلى الخيال وضرباً من الوهم، وسيأتينا الحديث مفصلاً عن العرفان وطريقة العرفاء في تحصيل المعرفة في بعض الكلمات القادمة.

وعلى كل حال فقد أدرك العرفاء إمكانية الاشتباه والخطأ في ما يتوصل إليه أصحاب المكاشفات من نتائج معرفية عبر اتصالهم الروحي بعالم الغيب، ومن هنا بدأ العرفاء يؤكدون على قيود معينة لا يمكن لمكاشفة العارف أن تتجاوزها أو أن تحاول اسقاطها، وأهم تلك القيود أن لا تخالف المكاشفة الشريعة في مقرراتها وأحكامها، ومن هنا قال العرفاء: "إن الشريعة مقدمة على الحقيقة". وأكدوا في عدة مقامات على ضرورة اتباع الأنبياء والرسل (ع) فيما جاءوا به عن الله تعالى، وفي ذلك يقول القيصري: "فالاهتداء إليه تعالى اما باخباره تعالى عن ذاته وصفاته وأسمائه، أو بتجليه لعباده واشهاده نفسه لهم "وجل جناب الحق عن أن يكون شريعة لكل وارد، أو يطلع عليه إلا واحد بعد واحد" فهم الأنبياء (ع) الذين هم خلاصة خاصة أهل الوجود والشهود، فواجب لطالب الحق اتباعهم والاهتداء به. قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وبقدر متابعته للأنبياء والأولياء ـ (ع) ـ يظهر له الأنوار الإلهية والأسرار الربانية". (رسالة التوحيد والنبوة والولاية 21).

وبعد أني فرق الآملي في "جامع الأسرار ومنبع الأنوار" بين الإلهام الخاص والإلهام العام، وما يكون منه بسبب وما لا يكون بسبب، يصرح بضرورة الحاجة إلى النبي المرسل والإمام المعصوم (ع) في التمييز بين الإلهام الحقيقي وغير الحقيقي فيقول: "والتمييز بين هذين الإلهامين محتاج إلى ميزان كلمة ومحك رباني، وهو نظر الكامل المحقق والإمام المعصوم والنبي المرسل، المطلع على بواطن الأشياء على ما هي عليه، واستعدادات الموجودات وحقايقها.

ولهذا احتجنا بعد الأنبياء والرسل (ع) إلى الإمام المرشد، لقوله تعالى: (فسئلوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون) لأن كل واحد ليس له قوة التمييز بين الإلهاميين الحقيقي وغير الحقيقي، وبين الخاطر الإلهي والخاطر الشيطاني، وغير ذلك". (جامع الاسراء ومنبع الانوار 455 ـ 456).

أضف إلى ذلك أن العرفاء طال ما نبهوا على ضرورة وأهمية كون الإنسان في بداية سلوكه إلى الله تحت نظر المرشد الخبير الذي يكشف له عما يمكن أن يلتبس عليه في أثناء مجاهدته لنفسه.

وخلاصة ما نريد قوله في ختام هذه النقطة وهده الكلمة أيضاً أن على شبابنا المسلم أن يكون دقيقاً في إرتباطه بعالم الغيب وتعامله مع مسائل الروح، وأن يعي تمام الوعي انه مهما بالغ في العبادة والتقرب من الله فإن هناك الشيطان اللعين الذي يسعى لصده عن سبيل الله بكل وسيلة وألف حيلة وأن عليه أن يستعين كل الاستعانة بالله سبحانه وتعالى في جميع مراحل جهاده مع النفس الأمارة بالسوء، وإن يسأل الله عز شأنه أن يبصره ما يكايد به الشيطان ويلهمه ما يعدو له، كما يقول زين العابدين وسيد الساجدين (ع) في دعائه عند ذكر الشيطان والاستعاذة منه: "اللهم وما سول لنا من باطل فعرفناه، وإاذ عرفتناه فقناه، وبصرنا ما نكايده به، وألهمنا ما نعده له، وأيقظنا عن سنة الغفلة بالركون إليه، وأحسن بتوفيقك عوننا عليه، الله واشرب قلوبنا انكار عمله، والطف لنا في نقض حيله". (الصحيفة الكاملة السجادية، الدعاء السابع عشر).

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net