متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الإمام الباقر والصديق والفاروق
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج3    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

7 - الإمام الباقر والصديق والفاروق

كان الإمام الباقر يحب الصديق والفاروق، رضي الله عنهما، ويعرف لهما

____________

(1) ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة ص 304 (دار الكتب العلمية - بيروت 1983).

(2) حلية الأولياء 3 / 181.

(3) محمد بن يعقوب الكليني: أصول الكافي ص 185 (طهران 1278 هـ).

(4) الشيبي: المرجع السابق ص 176 - 177، تذكرة الأولياء 2 / 266.

الصفحة 35
فضلهما، وجهادهما في الإسلام، والمعروف أن زوج الإمام الباقر، وأم ولده - الإمام جعفر الصادق، رائد السنة والشيعة، وشيخ علماء الأمة - إنما هي السيدة " أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق).

وأخرج ابن عساكر والدارقطني عن أبي جعفر الباقر قال: من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر، فقد جهل السنة (1).

وروى ابن سعد في طبقاته عن جابر قال: قلت: أكان منكم أهل البيت أحد يسب أبا بكر وعمر؟ قال: لا، فأحبهما وتولاهما، واستغفر لهما (2)، وعن أبي عبد الله الجعفي عن عروة عن عبد الله قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن حلية السيوف؟ قال: لا بأس به، قد حلى أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، سيفه، قال: قلت: وتقول الصديق؟ قال: فوثب وثبة، واستقبل القبلة، ثم قال: نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق، فلا صدق الله له قولا في الدنيا والآخرة (3).

وعن عمرو بن شمر عن جابر قال: قال لي محمد بن علي الباقر: يا جابر، بلغني أن قوما بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر وعمر، رضي الله عنهما، ويزعمون أني أمرتهم بذلك، فأبلغهم أني إلى الله منهم برئ، والذي نفس محمد بيده، لو وليت لتقربت إلى الله تعالى بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد (صلى الله عليه وسلم)، إن لم أكن أستغفر لهما، وأترحم عليهما، إن أعداء الله لغافلون عنهما (4).

وعن شعبة الخياط مولى جابر الجعفي قال: قال لي أبو جعفر محمد بن

____________

(1) حلية الأولياء 3 / 158، الصواعق المحرقة ص 84.

(2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 5 / 236.

(3) ابن كثير: البداية والنهاية 9 / 349، حلية الأولياء 3 / 185.

(4) حلية الأولياء 3 / 185.

الصفحة 36
علي، لما ودعته: أبلغ أهل الكوفة أني برئ ممن تبرأ من أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما وأرضاهما (1).

والواقع أن قصة سب آل البيت للصديق والفاروق، رضي الله عنهما، إنما هي أكذوبة دنيئة، انتحلها أعداء آل النبي (صلى الله عليه وسلم)، فما كان أهل البيت يكرهون، بل ويسبون، من كان جدهم المصطفى (صلى الله عليه وسلم) يحبهم، وعلى وجه اليقين أن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إنما كان يحب أبا بكر وعمر.

وشواهد التاريخ تدل - دونما لبس أو غموض - أن أهل بيت النبوة إنما كانوا يحبون الصديق والفاروق، رضي الله عنهما، روى الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي بسنده عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه الإمام محمد الباقر قال: قال رجل من قريش لعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين نسمعك تقول في الخطبة آنفا، اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين المهتدين، فمن هم؟ فاغرورقت عيناه، ثم أهملهما فقال:

" هم حبيباي وعماك أبو بكر وعمر، إماما الهدى، وشيخا الإسلام، ورجلا قريش، والمقتدى بهما، بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فمن اقتدى بهما عصم، ومن اتبع آثارهما هدي إلى صراط مستقيم، ومن تمسك بهما فهو من حزب الله، وحزب الله هم المفلحون " (2).

وروى الفقيه ابن عبد ربه في عقده الفريد: لما قبض أبو بكر سجي بثوب، فارتجت المدينة من البكاء، ودهش القوم، كيوم قبض رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وجاء علي بن أبي طالب باكيا مسرعا، مسترجعا حتى وقف بالباب، وهو يقول:

____________

(1) ابن كثير: البداية والنهاية 9 / 349، حلية الأولياء 3 / 185.

(2) أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي: تاريخ عمر بن الخطاب ص 49 (مكتبة السلام العالمية - القاهرة)، ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة ص 84 - 85.

الصفحة 37
" رحمك الله أبا بكر، كنت والله أول القوم إسلاما وأصدقهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأعظمهم غنى، وأحفظهم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأحد بهم على الإسلام، وأحماهم عن أهله، وأنسبهم برسول الله خلقا وفضلا، وهديا وسمتا، فجزاك الله عن الإسلام، وعن رسول الله، وعن المسلمين خيرا، صدقت رسول الله حين كذبه الناس، وواسيته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، وسماك الله في كتابه صديقا فقال: " والذي جاء بالصدق وصدق به "، يريد محمدا ويريدك، كنت والله للإسلام حسنا، وللكافرين ناكبا، لم تفلل حجتك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ضعيفا في بدنك، قويا في دينك، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، جليلا في الأرض، كبيرا عند المؤمنين، لم يكن لأحد عندك مطمع ولا هوى، فالضعيف عندك قوي، والقوي عندك ضعيف، حتى تأخذ الحق من القوي، وترده للضعيف، فلا حرمك الله أجرك، ولا أضلنا بعدك " (1).

وروى ابن الأثير: أنه لما ولي الخلافة، وارتدت العرب، خرج شاهرا سيفه إلى ذي القصة، فجاء علي بن أبي طالب وأخذ بزمام راحلته وقال له: أين يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أقول لك ما قال لك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يوم أحد: " شم سيفك، لا تفجعنا بنفسك، فوالله لئن أصبنا بك، لا يكون للإسلام نظام، فرجع وأمضى الجيش " (2).

وفي نهج البلاغة قال الإمام علي: " أما بعد، فإن الله سبحانه بعث محمدا (صلى الله عليه وسلم)، فأنقذ به من الضلالة ونعش به من الهلكة، وجمع به بعد الفرقة، ثم قبضه الله إليه، وقد أدى ما عليه، فاستخلف الناس أبا بكر، ثم استخلف أبو بكر

____________

(1) ابن عبد ربه: العقد الفريد 5 / 18 - 19.

(2) ابن الأثير: الكامل في التاريخ 2 / 422.

الصفحة 38
عمر، فأحسنا السيرة، وعدلا في الأمة، ووجدنا عليهما أن توليا الأمر دوننا، ونحن آل الرسول، وأحق بالأمر، فغفرنا ذلك لهما " (1).

وفي الصواعق المحرقة بسنده عن الحسين بن محمد الحنفية أنه قال: يا أهل الكوفة، اتقوا الله عز وجل، ولا تقولوا لأبي بكر وعمر ما ليسا له بأهل:

إن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، كان مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، في الغار ثاني اثنين، وإن عمر أعز الله به الدين (2).

وكان الإمام علي زين العابدين يثني - الثناء كل الثناء - على الخلفاء الراشدين (أبي بكر وعمر وعثمان) ويترحم عليهم، روي عنه أنه قال:

كان أبو بكر وعمر من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، في حياته، بمنزلتهما منه بعد وفاته، وعن يحيى بن سعيد قال قال علي بن الحسين: والله ما قتل عثمان على وجه الحق (3).

وروى الحافظ ابن كثير عن الزبير بن بكار بسنده عن الإمام محمد الباقر عن أبيه الإمام علي زين العابدين قال: جلس قوم من أهل العراق، فذكروا أبا بكر وعمر، فنالوا منهما، ثم ابتدأوا في عثمان، فقال لهم: أخبروني أأنتم من المهاجرين الأولين (الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله) (4)، قالوا: لا، قال: فأنتم من (الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، يحبون من هاجر إليهم) (5)، قالوا: لا، فقال لهم:

أما أنتم فقد أقررتم وشهدتم على أنفسكم أنكم لستم من هؤلاء ولا هؤلاء، وأنا

____________

(1) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 4 / 23 - 24.

(2) ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة ص 83.

(3) عبد الحليم محمود: سيدنا زين العابدين ص 65 - 66.

(4) سورة الحشر: آية 8.

(5) سورة الحشر: آية 9.


الصفحة 39
أشهد أنكم لستم من الفرق الثالثة، الذين قال الله عز وجل فيهم: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) (1) فقوموا عني لا بارك الله فيكم، ولا قرب دوركم، أنتم مستهزئون بالإسلام ولستم من أهله (2).

وروى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن أبي مليكة أنه سمع ابن عباس يقول: وضع عمر على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويصلون، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل أخذ منكبي، فإذا علي، فترحم على عمر، وقال: " ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيرا أسمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر " (3).

وروى مسلم في صحيحه بسنده عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن أبي مليكة قال: سمعت ابن عباس يقول: وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، قال: فلم يرعني إلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت إليه، فإذا هو علي، فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله، إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبك وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يقول: " جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر،

____________

(1) سورة الحشر: آية 10.

(2) ابن كثير: البداية والنهاية 9 / 120، حلية الأولياء 3 / 136 - 137، نور الأبصار ص 140، طبقات ابن سعد 5 / 158، عبد الحليم محمود: المرجع السابق ص 66 - 67، السيد محمود أبو الفيض: جمهرة الأولياء وأعلام أهل التصوف - القاهرة 1967 - الجزء الثاني ص 72، محمد بيومي مهران: الإمام علي زين العابدين ص 174 - 175 (بيروت 1991).

(3) صحيح البخاري 5 / 14.

الصفحة 40
وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو، وأظن، أن يجعلك الله معهما " (1)

وأما الإمام زيد بن علي زين العابدين فلقد اجتمع إليه كثير من رجال الشيعة - عندما بايعه الناس في الكوفة - فقالوا له: ما قولك، يرحمك الله، في أبي بكر وعمر؟ قال: غفر الله لهما، ما سمعت أحدا من أهل بيتي تبرأ منهما، وأنا لا أقول فيهما إلا خيرا، قالوا: فلم تطلب إذن بدم أهل البيت؟ فقال: إنا كنا أحق الناس بهذا الأمر، ولكن القوم استأثروا علينا به، ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا، قد ولوا فعدلوا، وعملوا بالكتاب والسنة، قالوا: فلم تقاتل هؤلاء إذن؟ قال: إن هؤلاء القوم (أي الأمويين) ليسوا كأولئك، إن هؤلاء ظلموا الناس، وظلموا أنفسهم، وإني أدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، وإحياء السنن، وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيرا لكم ولي، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل، فرفضوه وانصرفوا عنه، ونقضوا ببيعته وتركوه، فلهذا سموا الرافضة من يومئذ، ومن تابعه من الناس على قوله سموا الزيدية (2).

وأخرج الدارقطني بسنده عن عبد الله بن المحض (والد محمد النفس الزكية) إنه سئل: أتمسح على الخفين؟ فقال، أمسح فقد مسح عمر، فقال له السائل: إنما أسألك أنت تمسح، قال: ذلك أعجز لك، أخبرك عن عمر، وتسألني عن رأيي، فعمر خير مني ومل ء الأرض مثلي، فقيل له: هذا تقية،

____________

(1) صحيح مسلم 15 / 158.

(2) ابن كثير: البداية والنهاية 9 / 371، وانظر: البغدادي: الفرق بين الفرق ص 34 - 36، تاريخ الطبري 7 / 180 - 181، تاريخ ابن خلدون 3 / 99، 4 / 364، الكامل لابن الأثير 5 / 242 - 243، الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 137، ابن تيمية: منهاج السنة 1 / 171، 2 / 105، المقريزي: الخطط 2 / 439، شذرات الذهب 1 / 158، سير أعلام النبلاء 5 / 390، تاريخ دمشق لابن عساكر 6 / 21، 26، المقدسي والتأريخ 6 / 50، الصفدي: الوافي بالوفيات 15 / 33.

الصفحة 41
فقال: نحن بين القبر والمنبر، اللهم هذا قولي في السر والعلانية، فلا تسمع قول أحد بعدي (1).

وأخرج الدارقطني بسنده عن الإمام محمد الباقر أنه قال: أجمع بنو فاطمة، رضي الله عنهم، أن يقولوا في الشيخين (أبي بكر وعمر) أحسن ما يكون من القول (2).

وأخرج الدارقطني عن سالم بن أبي حفصة قال قال لي جعفر: يا سالم، أيسب الرجل جده، أبو بكر جدي، وروي أيضا أنه قال: دخلت على جعفر بن محمد، وهو مريض، فقال: " اللهم إني أحب أبا بكر وعمر، وأتولاهما " (3).

ويقول الأستاذ أحمد مغنية: حورب المذهب الجعفري في عهد العثمانيين والأتراك مئات السنين، محاربة عنيفة لئيمة متواصلة، وتفنن المفرقون بالافتراءات عليهم في ذلك العهد الظالم اللئيم، فلم يتركوا وسيلة من وسائل الإيذاء إلا اقترفوها، كما أن المفرقين وجدوا في اتفاق الإسمين: عمر بن الخطاب - الخليفة العظيم - وعمر بن سعد بن أبي وقاص - قاتل الإمام الشهيد مولانا وسيدنا الإمام الحسين - ميدانا واسعا، يتسابقون فيه في تشويه الحقيقة والدس على الشيعة بأحط أنواع الدس.

وكان طبيعيا أن يكون لعنة اللعنات، عمر بن سعد، لأنه بطل الجريمة، وقائد جيش اللئام الجبناء، ومن من المسلمين، لا يلعن عمر بن سعد - قاتل ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إن أولئك المفرقين الآثمين قد استغلوا كلمة " عمر "، وقالوا: إن الشيعة تنال من خليفة النبي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإني

____________

(1) الصواعق المحرقة ص 78.

(2) الصواعق المحرقة ص 78.

(3) الصواعق المحرقة ص 80.

الصفحة 42
في الوقت الذي أثور فيه على الدساسين التجار، أصحاب الغابات والمصالح الرخيصة، لا أنكر وجود أفراد الأمس من سواد الشيعة وبسطائهم، لا يفرقون بين هذين الإسمين، بل لا يعرفون أن في دنيا التاريخ الإسلامي عمر بن سعد - تقيا أو شقيا - وكل الذين يعرفون أن عمر بن سعد، هو الذي قتل مولانا الإمام الحسين، وداس صدره الشريف تحت سنابك خيله، ومثل به وبأهل بيته وأصحابه، تمثيلا لم تعرفه الجريمة البشرية من قبل، إذن ليكن الغضب على " عمر " قاتل الحسين، ولتكن اللعنات من المآثم السيئية وغيرها عليه إلى يوم يحشرون (1).

>>>>>>


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net