متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الإمام الكاظم والمهدي العباسي ، الإمام الكاظم وهارون الرشيد
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج3    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

4 - الإمام الكاظم والمهدي العباسي

روى ابن كثير أن الخليفة العباسي المهدي (158 - 169 هـ / 775 - 785 م) استدعى الإمام موسى الكاظم إلى بغداد، فحبسه، فلما كان في بعض الليالي رأى المهدي الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وهو يقول له: يا محمد: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) (1)، فاستيقظ مذعورا، وأمر به فأخرج من السجن ليلا، فأجلسه وعانقه وأقبل عليه، وأخذ عليه العهد أن لا يخرج عليه، ولا على أحد من أولاده، فقال: والله ما هذا من شأني، ولا حدثت فيه نفسي، فقال:

صدقت، وأمر له بثلاثة آلاف دينار، وأمر به فرد إلى المدينة، فما أصبح الصباح إلا وهو على الطريق، فلم يزل بالمدينة حتى خلافة الرشيد (2).

على أن " ابن عنبة " إنما ينسب هذه الرواية إلى عهد الخليفة موسى الهادي (169 - 170 هـ / 785 - 786 م) فيقول: " وقيض عليه موسى الهادي وحبسه، فرأى علي بن أبي طالب، عليه السلام، في نومه يقول له: (يا موسى، هل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض، وتقطعوا أرحامكم)، فانتبه من نومه، وقد عرف أنه المراد، فأمر بإطلاقه، ثم تنكر له من بعد ذلك، فهلك قبل أن يوصل إلى الكاظم عليه السلام أذى (3).

ويقول الخطيب البغدادي: وكان يسكن المدينة فأقدمه المهدي العباسي بغداد وحبسه، فرأى في نوم علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وهو يقول:

يا محمد، (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض، وتقطعوا أرحامكم)، قال الربيع: فأرسل إلي ليلا، فراعني ذلك، فجئته، فإذا هو يقرأ هذه الآية، وكان أحسن الناس صوتا، وقال: علي بموسى بن جعفر، فجئته به فعانقه

____________

(1) سورة محمد: آية 22.

(2) ابن كثير: البداية والنهاية 10 / 183.

(3) ابن عنبة: عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 226.

الصفحة 78
وأجلسه إلى جنبه، وقال: يا أبا الحسن، إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في النوم، يقرأ علي كذا، فتؤمنني أن لا تخرج علي، أو على أحد من أولادي، فقال: والله لا فعلت ذلك، ولا هو من شأني، قال: صدقت، اعطه ثلاثة آلاف دينار، ورده إلى أهله، إلى المدينة، قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلا وهو في الطريق، خوف العوائق (1).

 

5 - الإمام الكاظم وهارون الرشيد

يقول الشبلنجي في نور الأبصار: يحكى أن هارون الرشيد (170 - 193 هـ / 876 - 809 م) سأل الإمام موسى الكاظم يوما فقال: كيف قلتم نحن ذرية رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب الرجل إلى جده لأبيه، دون جده لأمه؟.

فقال الإمام الكاظم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى) (2)، وليس لعيسى أب، وإنما ألحق بذرية الأنبياء من قبل أمه، وكذلك ألحقنا بذرية النبي (صلى الله عليه وسلم)، من قبل أمنا فاطمة.

ثم قال الإمام الكاظم: وزيادة أخرى يا أمير المؤمنين، قال الله عز وجل:

(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم ونساءنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل) (3)، ولم يدع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين، رضي الله عنهم، وهم الأبناء (4).

____________

(1) تاريخ بغداد 13 / 30 - 31، وفيات الأعيان 5 / 308 - 309.

(2) سورة الأنعام: آية 84 - 85.

(3) سورة آل عمران: آية 61.

(4) الشبلنجي: نور الأبصار ص 148 - 149.

الصفحة 79
ويروي الشعبي (أبو عامر بن شرحيل 19 - 103 هـ / 640 - 721 م) أنه كان بواسط، فحضر صلاة العيد مع الحجاج الثقفي، فدعاه وقال له: هذا يوم أضحى، وقد أردت أن أضحي برجل من العراق، وأحب أن تسمع لقوله، لتعلم أني أصيب الرأي فيما أفعل، فقلت: أيها الأمير، كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يضحي بكبش، فاستن أنت بسنته (صلى الله عليه وسلم)، قال: إذ سمعت ما يقول صوبت رأيي، فلما أحضروه، فإذا هو " يحيى بن يعمر " (1) فاغتممت غما شديدا ثم قال له الحجاج: أنت فقيه أهل العراق، قال: أنا من فقهائهم. قال الحجاج: كيف زعمت أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ قال يحيى: ما أنا بزاعم ذلك، بل قائله بحق، قال الحجاج: وأي حق، قال يحيى: كتاب الله نطق بذلك، قال: لعلك تريد قوله تعالى (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (2)، وأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خرج للمباهلة، ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة (3)، قال يحيى: وإنها والله حجة بليغة (4)، ولكني مع ذلك لا أحتج بها.

____________

(1) هو أبو سعيد يحيى بن يعمر العدواني النحوي، كان تابعيا، لقي ابن عباس وابن عمر وغيرهما، وأخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي، وروى عن قتادة وإسحاق بن سويد، وهو أحد قراء البصرة، وكان عالما بالقرآن والنحو ولغات العرب، وتولى القضاء في " مرو "، وكان ينطق العربية المحضة، واللغة الفصحى طبيعية فيه من غير تكلف، وكان شيعيا من القائلين بتفضل أهل البيت من غير تنقيص لذي فضل من غيرهم، توفي عام 128 هـ أو 129 هـ، وأما أهم مصادر ترجمته (وفيات الأعيان 6 / 137 - 176، شذرات الذهب 1 / 175 - 176، معجم الأدباء 20 / 42، غاية النهاية 2 / 318، مرآة الجنان 1 / 271، تهذيب التهذيب 11 / 305، بغية الوعاة ص 417، النجوم الزاهرة 1 / 217، أخبار النحويين البصريين ص 22 طبقات الزبيدي ص 22).

(2) سورة آل عمران: آية 61.

(3) أنظر: صحيح مسلم 15 / 176، صفوة التفاسير 1 / 206، تفسير القرطبي 1345 - 1347، تفسير ابن كثير 1 / 555، المستدرك للحاكم 2 / 593 - 594.

(4) قال الزمخشري في الكشاف في تفسيره لآية المباهلة هذه (آل عمران: آية 61) أنه ليس هناك من دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين، عليهم السلام، لأن الآية لما نزلت دعاهم النبي (صلى الله عليه وسلم)، فاحتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، ومشت =>


الصفحة 80
قال: إن جئت بغيرها من كتاب الله، فلك عشرة آلاف درهم، وإلا قتلتك، وكنت في حل من دمك، قال يحيى: نعم وتلا الآيتين 84، 85 من سورة الأنعام (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى.... وإلياس كل من الصالحين) فترك كلمة " عيسى ".

فقال الحجاج: (ومن عجب أنه كان يحفظ القرآن، وكان أبوه كذلك حيث كان يحفظ الصبيان القرآن) وأين تركت عيسى؟ قال يحيى: ومن أين كان عيسى

____________

<= فاطمة خلفه، وعلي خلفهما، وهو يقول: أنا إذا دعوت فأمنوا، فقال الأسقف: يا معشر النصارى إني لأرى وجوها، لو شاءت أن يزيل الله جبلا من مكانه، لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، وصالحوه على الجزية.

ثم يقول الزمخشري: وخص الأبناء والنساء بالمباهلة، لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وفيه دليل على أن أولاد فاطمة، عليها السلام، وأبناءهم يسمون أبناء النبي، وينسبون إليه نسبة صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة.

وقال الرازي في التفسير الكبير: إن آية المباهلة دالة على أن الحسن والحسين كانا ابني النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلقد وعد النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يدعو أبناءه، فدعا الحسن والحسين، فوجب أن يكون ابنيه.

وقال جواد مغنية: أن السنة والشيعة اتفقت على أن المراد بأنفسنا في الآية: النبي (صلى الله عليه وسلم)، وعلي بن أبي طالب وبنسائنا فاطمة، وبأبنائنا: الحسن والحسين.

وقال السيد المرتضى: إن آية المباهلة تدل على أن ابن البنت ابن حقيقي، وحتى لو لم يكن كذلك، بالقياس لغير النبي (صلى الله عليه وسلم) فإن الحسن والحسين هما ابنا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حقيقة، وهذا خاص بالنبي (صلى الله عليه وسلم) بنص القرآن والسنة واستعمال الناس جميعا، وفي صحيح البخاري أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال عن الحسن: ابني هذا سيد.

وقال ابن قيم الجوزية: إن المسلمين مجمعون على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي (صلى الله عليه وسلم) المطلوب لهم من الله الصلاة، لأن أحدا من بناته لم يعقب غيرها، فمن انتسب إليه (صلى الله عليه وسلم) من أولاد بنته، فإنما هو من جهة فاطمة، رضي الله عنها، خاصة، ولهذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحسن ابن ابنته " إن ابني هذا سيد " فسماه ابنه، ولما نزلت آية المباهلة (آل عمران: آية 61) دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) فاطمة وحسنا وحسينا وعليا رضي الله عنهم، وخرج للمباهلة.

ثم يقول: وأما دخول فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلشرف هذا الأصل العظيم، والوالد الكريم، الذي لا يدانيه أحد من العالمين، سرى ونفذ إلى أولاد البنات، لقوته وجلالته وعظم قدره. (صحيح البخاري 3 / 243، 5 / 32، تفسير الكشاف 1 / 147 - 148)، ابن قيم الجوزية: جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ص 150 - 153 (القاهرة 1972)، محمد جواد مغنية: فضائل علي ص 15 - 20).

الصفحة 81
من ذرية إبراهيم، ولا أب له؟ قال الحجاج: من قبل أمه. قال يحيى: أيكون عيسى من ذرية إبراهيم بواسطة أمه مريم، وبينه وبينه ما تعلم من الأجداد (ما يقرب من عشرين قرنا فيما نرى) (1)، ولا يكون الحسن والحسين من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بواسطة أمهما فاطمة، وهي ابنته بلا واسطة، وكأنما ألقم الحجاج حجرا، فقال: أعطوه عشرة آلاف درهم، لا بارك الله له فيها (2).

وروى الحافظ ابن كثير في تفسيره بسنده عن الشعبي عن جابر (جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه) قال: قدم على النبي (صلى الله عليه وسلم)، العاقب والطيب، فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة، قال: فغدا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما، فأبيا أن يجيبا وأقرا بالخراج، قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " والذي بعثني بالحق لولا أن قالا: لا، لأمطر عليهم الوادي نارا "، قال جابر: وفيهم نزلت (ندع أبناءنا أبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) قال جابر: " أنفسنا وأنفسكم " رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعلي بن أبي طالب، و " أبناءنا " الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة (رواه الحاكم في المستدرك، وأبو داود الطيالسي، كما روي عن ابن عباس والبراء نحو ذلك) (3).

وفي " عيون أخبار الرضا للصدوق " أن الرشيد قال للإمام الكاظم: كيف جوزتم للناس أن ينسبوكم إلى رسول الله، ويقولوا لكم: يا أبناء رسول الله، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب المرء إلى أبيه، لا إلى أمه؟.

فقال له الإمام: لو أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نشر، وخطب إليك كريمتك، هل كنت

____________

(1) أنظر عن التأريخ لسيدنا إبراهيم عليه السلام في الفترة (1940 - 1765 ق. م) (محمد بيومي مهران: دراسات تاريخية من القرآن الكريم 1 / 123 - 127).

(2) أنظر روايات أخرى عن القصة (تفسير ابن كثير 2 / 248 - 249، ابن عبد ربه: العقد الفريد 5 / 281، وفيات الأعيان: 6 / 174، شذرات الذهب 1 / 175 - 176).

(3) تفسير ابن كثير 1 / 555 (بيروت 1986)، المستدرك للحاكم 2 / 593 - 594.

الصفحة 82
تجيبه؟ قال الرشيد: سبحان الله، وكيف لا أجيبه؟.

قال الإمام: ولكنه لا يخطب إلي، ولا أجيبه، قال الرشيد: ولم؟

قال الإمام: لأنه ولدني، ولم يلدك.

ولو تدبر الرشيد القرآن الكريم لم يسأل الإمام هذا السؤال، وينكر عليه هذا الإنكار، فإن الله سبحانه وتعالى قد سماهم " أبناء الرسول " قبل أن يسميهم بذلك أحد من الناس، حيث قال: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (1).

وقد اتفق المسلمون بكلمة واحدة أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين، فكان " علي " نفس النبي، وكانت " فاطمة " نساءه، وكان " الحسن والحسين " أبناءه، فإن كان الرشيد وغيره ممن اعترض على نسبة آل البيت إلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، فهو اعتراض ورد على الله - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (2).

وروى ابن عمران العبدي في " العفو والاعتذار ": أن الرشيد سأل يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب: أينا أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال يحيى: يا أمير المؤمنين إن الطينة واحدة، والنسب واحد، وأنا أسألك لما أعفيتني من الجواب في هذا، فحلف بالعتق والطلاق والصدقة (3)، لا يعفيه، فقال: يا أمير المؤمنين، ليس من يمين إلا ولها كفارة، وأنا أسأل أمير المؤمنين بحق الله، وحق رسوله، وبقرابته منه لما أعفاني، قال:

قد حلفت، هبني أحتال لكفارة اليمين في المال والرقيق، فكيف الحيلة في

____________

(1) سورة آل عمران: آية 61.

(2) محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 238.

(3) العتق: أن يعتق رقيقه وجواريه، والصدقة: أن يخرج عن ماله كله.

الصفحة 83
الطلاق وبيع أمهات الأولاد؟ قال يحيى: إن في نظر أمير المؤمنين، وتفضله ما يصلح هذا، قال: لا والله، لا أعفيك.

قال يحيى: أما إذا كان ذاك، فنشدتك الله، لو بعث فينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أفكان له أن يتزوج فيكم؟ قال: نعم، قال: أفكان له أن يتزوج فينا؟ قال: لا، قال: فهذه، فوثب الرشيد عنه، وقام إلى غير مجلسه.

قال: وخرجنا - والفضل بن الربيع ساكت ينفخ، ثم قال لي (أي لعبد الله بن محمد بن زبير، وقد حضر المجلس) أسمعت أعجب مما كنا فيه قط، يقول (أي الرشيد) ليحيى: أينا أحسن وجها؟ وأينا أسخى نفسا، وأينا أقرب إلى رسول لله (صلى الله عليه وسلم)، والله لوددت أني فديت هذا المجلس بشطر ما أملك (1).

وفي تفسير القرطبي أن " أبناءنا " في الآية (آل عمران: 61) دليل على أن أبناء البنات يسمون أبناء، وذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) جاء بالحسن والحسين وفاطمة تمشي خلفه، وعلي يمشي خلفهما، وهو يقول لهم: " إن أنا دعوت فأمنوا "، وهو معنى قوله: " ثم نبتهل " أي نتضرع في الدعاء (2).

وفي عيون أخبار الرضا للصدوق: أن المأمون قال: ما زلت أحب أهل البيت، ولكنه أظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه، فلما حج الرشيد كنت معه، ولما كان بالمدينة دخل عليه الإمام موسى بن جعفر الكاظم، فأكرمه، وجثى على ركبتيه، وعانقه يسأله عن حاله وعياله، ولما قام الإمام نهض الرشيد، وودعه بإجلال واحترام، فلما خرج سألت أبي، وقلت له: من هذا الذي فعلت معه

____________

(1) أبو الحسن محمد بن عمران العبدي: العفو والاعتذار 2 / 572 - 575 (تحقيق عبد القدوس أبو صالح - نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض 1981).

(2) تفسير القرطبي ص 1346.

الصفحة 84
شيئا لم تفعله بأحد سواه؟، فقال: هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر، فإن أردت العلم الصحيح فعند هذا (1).

وهكذا عانق الرشيد الإمام الكاظم وأكرمه، وجلس متأدبا بين يديه، وشهد له بأنه وارث علم النبيين ولكن ما جدوى ذلك كله: إن علم النبيين لم يشفع للإمام الكاظم عند هارون الرشيد، حين رأى من حب الناس، وتعلقهم به، ما رأى، فاستعرت في قلبه نيران الحقد، وسيطرت عليه الأنانية، فقتل من أبناء النبيين ما قتل، وما ذنب الإمام الكاظم إذا أحب الناس العلم وأهله، والحق ومن انتصر له.

إن الإمام الكاظم لم يخرج على حاكم، ولا دعا أحدا إلى مبايعته ولم يحرك ساكنا ضد الرشيد ولا غيره، وكل ذنبه - عند أقربائه بني العباس - أنه وارث علم النبيين، وأنه إمام حق وهدى، وغيره إمام باطل وضلال (2). وروى الصبان في " إسعاف الراغبين " لما اجتمع الرشيد والإمام الكاظم في المدينة المنورة أمام الوجه الشريف (في الروضة الشريفة بالمسجد النبوي الشريف)، قال الرشيد: " سلام عليك يا ابن عم "، وقال موسى: " السلام عليك يا أبة "، فلم يحتملها الرشيد، فحمله إلى بغداد مقيدا، فلم يخرج من حبسه إلا مقيدا ميتا مسموما (3).

وفي رواية الحافظ ابن الكثير: لما حج الرشيد ودخل ليسلم على قبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، ومعه موسى بن جعفر الكاظم، فقال الرشيد: السلام عليك يا رسول الله، يا بن العم، فقال موسى الكاظم: السلام عليك يا أبة، فقال الرشيد: هذا هو الفخر يا أبا الحسن، ثم لم يزل ذلك في نفسه، حتى استدعاه

____________

(1) الصدوق: عيون أخبار الرضا ص 193 (ط 1377)، محمد جواد مغنية: الشيعة والحاكمون ص 161.

(2) نفس المرجع السابق ص 162.

(3) الصبان: إسعاف الراغبين ص 227.


الصفحة 85
في سنة تسع وستين وسجنه، فأطال سجنه، فكتب إليه موسى رسالة يقول فيها:

" أما بعد يا أمير المؤمنين، إنه لم ينقض عني يوم من البلاء، إلا انقضى عنك يوم من الرخاء، حتى يفضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون " (1).

ومن المعروف أن الرشيد كان قد أرسل جلاوزته إلى الإمام الكاظم، وكان يتعبد عند قبر جده (صلى الله عليه وسلم) فأخرجوه منه وقيدوه، وأرسله الرشيد إلى البصرة - وكان واليها عيسى بن جعفر بن المنصور العباسي - فحبسه عنده سنة، ثم كتب عيسى إلى الرشيد أن خذه منى، وسلمه إلى من شئت، وإلا أخليت سبيله، فقد اجتهدت أن آخذ عليه حجة، فما قدرت على ذلك، فحبسه ببغداد عند " الفضل بن الربيع "، ثم عند " الفضل بن يحيى "، ثم عند " السندي بن شاهك "، وأخيرا تخلص منه بالسم، وقيل: إن السندي لفه على بساط، وقعد الفراشون على وجهه، فانتقل إلى ربه خنقا (2).

ويروي اليعقوبي أن " السندي بن شاهك " أحضر مسرورا الخادم، وأحضر القواد والكتاب والهاشميين والقضاة ومن حضر ببغداد من الطالبيين، ثم كشف عن وجهه، فقال لهم: أتعرفون هذا؟ قالوا: نعرفه حق معرفته، هذا موسى بن جعفر، فقال هارون: أترون أن به أثرا، وما يدل على اغتياله؟، قالوا: لا، ثم غسل وكفن وأخرج ودفن في مقابر قريش في الجانب الغربي (3).

ويقول " ابن عنبة ": ولما ولي هارون الرشيد الخلافة أكرمه وأعظمه، ثم قبض عليه وحبسه عند الفضل بن يحيى، ثم أخرجه من عنده فسلمه إلى " السندي بن شاهك " ومضى الرشيد إلى الشام، فأمر يحيى بن خالد السندي بقتله، فقيل إنه سم، وقيل بل غمر في بساط ولف حتى مات، ثم أخرج للناس

____________

(1) ابن كثير: البداية والنهاية 10 / 183.

(2) الشيعة والحاكمون ص 162.

(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 414.

الصفحة 86
وعمل محضر أنه مات حتف أنفه، وترك ثلاثة أيام على الطريق، يأتي من يأتي فينظر إليه، ثم يكتب في المحضر، ودفن في مقابر قريش (1).

ويذهب " ابن شهرآشوب " إلى أن الرشيد إنما كان يريد إرجاع " فدك " إلى موسى الكاظم، وكان موسى يأبى ذلك، ولما ألح عليه الرشيد، طلب موسى أن يأخذها بحدودها، ولما سأله الرشيد عن حدودها قال: الحد الأول عدن، والحد الثاني سمرقند، والحد الثالث إفريقية، والحد الرابع سيف البحر، مما يلي الخزر وأرمينيا، فغضب الرشيد وقال: فلم يبق لنا شئ، فتحول عن مجلسي، فعند ذلك عزم الرشيد على قتله (2).

فإذا كانت رواية ابن شهرآشوب صحيحة، فهذا يعني أن الإمام الكاظم يرى أنه صاحب حق في الخلافة، لأنه ذكر أمصار الخلافة العباسية، وعلى أية حال، فإن رواية الصدوق إنما تشير إلى أن العباسيين إنما كانوا يضيقون على آل البيت، ويقلون من أعطياتهم، لئلا يلتف الأنصار من حولهم، ويروى أن الرشيد قد أعطى الإمام الكاظم مائتي دينار، بينما أعطى غيره خمسة آلاف دينار، ولما سأله الفضل بن الربيع عن ذلك، قال الرشيد: لو أعطيت هذا، ما كنت أمنته أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا، ومواليه، أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم " (3).

ويروي أبو الفرج الأصفهاني في " مقاتل الطالبيين " جريمة قتل الإمام موسى الكاظم - بعد إسنادها إلى رواتها - فيقول: " كان السبب في أخذ موسى بن جعفر الكاظم، عليه السلام، أن الرشيد جعل ابنه محمدا في حجر " جعفر بن الأشعث " فحسده " يحيى بن خالد بن برمك " على ذلك، وقال: إن

____________

(1) ابن عنبة: المرجع السابق ص 226.

(2) ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب 4 / 320 - 321، سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص ص 259 - 360.

(3) الصدوق: عيون أخبار الرضا 1 / 175 - 76، نبيلة عبد المنعم داود: المرجع السابق ص 236.


الصفحة 87
أفضت الخلافة له، زالت دولتي ودولة ولدي، فاحتال على " جعفر بن محمد " وكان يقول بالإمامة، حتى داخله وأنس به، وأسر إليه، وكان يكثر غشيانه في منزله، فيقف على أمره ويرفعه إلى الرشيد، ويزيد عليه في ذلك بما يقدم في قلبه ".

ثم قال يوما لبعض ثقاته: أتعرفون لي رجلا من آل أبي طالب، ليس بواسع الحال، يعرفني ما أحتاج إليه من أخبار موسى بن جعفر (الكاظم)، فدل على " علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد " فحمل إليه يحيى بن خالد مالا، وكان موسى الكاظم يأنس إليه ويصله، وربما أفضى إليه بأسراره.

فلما طلب ليشخص به، أحس موسى عليه السلام بذلك، فدعاه فقال:

إلى أين يا ابن أخي، قال: إلى بغداد، قال: وما تصنع في بغداد، قال: علي دين، وأنا مملق، قال: فإني أقضي دينك، وأفعل بك وأصنع، فلم يلتفت إليه، فعمل على الخروج، فاستدعاه أبو الحسن موسى عليه السلام، فقال له: أنت خارج، فقال له: نعم، لا بد لي من ذلك، فقال له: أنظر يا ابن أخي، واتق الله، لا تؤتم أولادي، وأمر له بثلاثمائة دينار، وأربعة آلاف درهم ".

قالوا: فخرج علي بن إسماعيل، حتى أتى يحيى بن خالد، فتعرف منه خبر موسى بن جعفر عليه السلام، فرفعه إلى الرشيد وزاد فيه، ثم أوصله إلى الرشيد فسأله عن عمه، فسعى به إليه، فعرف يحيى جميع خبره وزاد عليه، وقال له: إن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب، وأن له بيوت أموال، وأنه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار، فسماها " اليسيرة "، وقال له صاحبها، وقد أحضر له المال، لا آخذ هذا النقد، ولا آخذ إلا نقدا كذا وكذا، فأمر بذلك المال فرد، وأعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سئل بعينه " " فرفع ذلك إلى الرشيد كله، فأمر له بمائتي ألف درهم، يسبب له على بعض النواحي، فاختار كور المشرق، ومضت رسله لقبض المال، ودخل هو في بعض الأيام إلى الخلاء، فخرت حشوته كلها، فسقطت وجهدوا في ردها، فلم

الصفحة 88
يقدروا، فوقع لما به، وجاءته المال، وهو ينزع، فقال: وما أصنع به وأنا أموت ".

" وحج الرشيد في تلك السنة، فبدأ بقبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال: يا رسول الله، إني أعتذر إليك من شئ أيد أن أفعله، أريد أن أحبس موسى بن جعفر، فإنه يريد التشتت بين أمتك، وسفك دمائها ثم أمر به فأخذ من المسجد، فأدخل عليه، وأخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطتان هو في إحداهما، ووجه مع كل واحد منهما خيلا، فأخذ بواحدة على طريق البصرة، والأخرى على طريق الكوفة ليعمي على الناس أمره ".

" وكان موسى عليه السلام في التي مضت إلى البصرة، فأمر الرسول أن يسلمه إلى " عيسى بن جعفر المنصور " - وكان على البصرة حينئذ - فمضى به فحبسه عنده سنة، ثم كتب إلى الرشيد: أن خذه مني، وسلمه إلى من شئت، وإلا خليت سبيله، فقد اجتهدت أن آخذ عليه حجة، فما أقدر على ذلك، حتى أني لأتسمع عليه إذا دعا، لعله يدعو علي أو عليك، فما أسمعه يدعو إلا لنفسه، يسأل " الله الرحمة والمغفرة ".

" فوجه من تسلمه منه، وحبسه عنه الفضل بن الربيع ببغداد، فبقي عنده مدة طويلة، وأراد الرشيد على شئ من أمره فأتى، وكتب إليه ليسلمه إلى الفضل بن يحيى، فتسلمه منه وأراد ذلك منه، فلم يفعله، وبلغه أنه عنده في رفاهية وسعة، وهم حينئذ بالرقة، فأنفذ مسرورا الخادم إلى بغداد على البريد، وأمره أن يدخل من فوره إلى موسى فيعرف خبره، فإن كان الأمر على ما بلغه، أوصل كتابا منه إلى العباس بن محمد، وأمره بامتثاله، وأوصل كتابا منه إلى السندي بن شاهك، يأمره بطاعة العباس بن محمد، فقدم مسرور فنزل في دار الفضل بن يحيى، لا يدري أحد ما يريد، ثم دخل على موسى، فوجده على ما بلغ الرشيد، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي، وأوصل الكتابين إليهما ".


الصفحة 89
" فلم يلبث أن خرج الرسول يركض إلى الفضل بن يحيى، فركب معه وخرج مدهوشا دهشا، حتى دخل العباس، فدعى العباس السياط وعقلين، فوجه بذلك إليه السندي، فأمر بالفضل فجرد، ثم ضربه مائة سوط، وخرج متغير اللون، بخلاف ما دخل، فذهبت قوته، فجعل يسلم على الناس يمينا وشمالا.

" وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد، فأمر بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك، وجلس مجلسا حافلا وقال: أيها الناس، إن الفضل بن يحيى قد عصاني، وخالف طاعتي، ورأيت ألعنه فالعنوه، فلعنه الناس من كل ناحية، حتى ارتج البيت والدار بلعنه، فبلغ يحيى بن خالد الخبر، فركب إلى الرشيد فدخل من غير الباب الذي يدخل منه الناس، حتى جاءه من خلفه، وهو لا يشعر، ثم قال له: التفت إلي يا أمير المؤمنين، فأصغى إليه فزعا، فقال له: إن الفضل حدث، وأنا أكفيك ما تريد، فانطلق وجهه وسر ".

فقال له يحيى: يا أمير المؤمنين، قد غضضت من الفضل بلعنك إياه، فشرفه بإزالة ذلك، فأقبل على الناس فقال: إنه قد بلغني عن الفضل أمر أنكرته، وكان فيه فساد ملكي، ثم تبينت بعد ذلك وقد رجعت إليه وتوليته، فأقبل على الناس فقال: إن الفضل كان قد عصاني في شئ فلعنته، وقد تاب وأناب إلى طاعتي، فتولوه، فقالوا: نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت، وقد توليناه ".

" ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد، حتى أوفى بغداد، فماج الناس وأرجفوا بكل شئ، وأظهر أنه ورد لتعديل السواد، والنظر في أمر العمال، وتشاغل ببعض ذلك، ودعى بالسندي وأمره فلفه على بساط، وقعد الفراشون النصارى على وجهه، وأمر السندي عند وفاته أن يحضر مولى له، ينزل عند دار العباس بن محمد، في مشرعة القصب ليغسله، ففعل ذلك ".


الصفحة 90
قال: " وسأله أن يكفنه فأبى وقال: إنا أهل بيت مهور نسائنا، وحج صرورتنا، وأكفان موتانا من طاهر أموالنا، وعندي كفني ".

" فلما مات أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد، وفيهم الهيثم بن عدي وغيره، فنظروا إليه، لا أثر به، وشهدوا على ذلك، وأخرج ووضع على الجسر ببغداد فنودي: هذا موسى بن جعفر قد مات، فانظروا إليه، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت.

هذا وقد حدث رجل عن بعض الطالبين أنه نودي عليه: هذا موسى بن جعفر، الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت، فانظروا إليه، فنظروا، قالوا: وحمل فدفن في مقابر قريش، فوقع قبره إلى جانب رجل من النوفليين، يقال له:

عيسى بن عبد الله (1).

وهناك رواية تذهب إلى أن السندي بن شاهك، خادم الرشيد، حين سقى الإمام الكاظم السم، دعا ثمانين رجلا من الفقهاء والوجهاء، وأدخلهم على الإمام، وقال لهم: انظروا هل حدث به حدث، فإن الناس يزعمون أنه فعل به مكروه، وهكذا خاف الرشيد من الرأي العام - وليس من الله - فدعاهم إلى النظر، ليشهدوا على أنه لا جرح ولا ضرب ولا أي أثر للقتل، ثم وضعت جنازة الإمام على الجسر ببغداد، حيث يقيم أكثر الشيعة، ونودي: هذا موسى بن جعفر، قد مات، فانظروا إليه، فهاج الشيعة، وكادت الفتنة تقع، لولا أن تداركها " سليمان بن جعفر " عم الرشيد، فأخذ الجنازة من الشرطة، وشيعها بموكب حافل، ومشى خلفها حافيا حاسرا، لا حبا للإمام، ولا صلة للرحم - كما زعم - ولكن خوفا من الثورة على ابن أخيه الرشيد، وسلطان العباسيين (2).

____________

(1) أبو الفرج الأصفهاني: مقاتل الطالبيين ص 332 - 336 (ط النجف).

(2) محمد جواد مغنية: الشيعة والحاكمون ص 165.

الصفحة 91
وعلى أية حال، فمن الواضح أن الرشيد - بعد أن حبس الإمام موسى الكاظم ثم قتله - إنما يحاول أن يبرئ نفسه من التهمة الشنعاء، والجريمة النكراء، فكان يحاول جاهدا، أن يظهر للناس أنه لا يد له في قتله، ويرى الدكتور الدوري أن مجرد هذه المحاولة، إنما تؤكد الشكوك في قتل الإمام الكاظم (1).

هذا وتجمع المصادر الإمامية على أن الإمام الكاظم إنما مات مسموما في حبس الرشيد على يد السندي بن شاهك، وأن الرشيد إنما كان يحاول أن يبرئ نفسه من مسؤولية قتل الإمام، غير أن الإمام نفسه إنما كان قد أخبر أنه سقي السم (2).

وعلي أية حال، فمن المعروف تاريخيا أن بني العباس إنما كانوا على أبناء عمومتهم من العلويين، أشد عليهم من الأمويين، روى يحيى بن سلام (104 - 200 هـ) يرفعه إلى عبد الله بن مسعود، صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أنه قال قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوما: انطلق معي يا ابن مسعود، فمضيت معه، حتى أتينا بيتا قد غص ببني هاشم، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من كان معكم من غيركم، فليقم، فقام من كان معهم، من غيرهم، حتى لم يبق إلا بنو هاشم خاصة - بنو عبد المطلب وبنو العباس - فقال لهم النبي (صلى الله عليه وسلم): ماذا تلقون من بعدي؟ فقال علي عليه السلام: أخبرنا يا رسول الله، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أخبرني جبريل أنك مقتول بعدي، فأردت أن أراجع فيك ربي، فأبى علي، ثم قال: كأن قد وليتكم ولاة بني أمية يقصدون بكم الضرورة، ويلتمسون بكم المشقة، ثم تكون

____________

(1) عبد العزيز الدوري: العصر العباسي الأول ص 142 (بغداد 1944)، نبيلة عبد المنعم داود:

نشأة الشيعة الإمامية ص 234 - 238 (بغداد 1968).

(2) أنظر: الصدوق: الأمالي ص 149 - 150، المفيد: الإرشاد ص 301 - 302، ابن الشحنة:

روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر 8 / 53، ابن زهرة: غاية الاختصار ص 91، المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر 2 / 337 - 338 (بيروت 1982)

الصفحة 92
دولة لبني العباس يعملون فيها عمل الجبارين، فالويل لعترتي ولبني أمية مما يلقون من بني العباس، ويهرب من بني أمية رجال، فيلحقون بأقصى المغرب، فيستحلون فيها المحارم زمانا، ثم يخرج من عترتي رجل غضبان لما لقي أهل بيتي وعترتي، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، يسقيه الله من صوب الغمام، فقال ناس من بني العباس: أيكون هذا ونحن أحياء؟ فنظر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إليهم كالماقت لهم، ثم قال: والذي نفسي بيده، لمن في أصلاب فارس والروم أرجى عندي لأهل بيتي من بني العباس " (1).

 

>>>>>>


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net