متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الباب الحادي والعشرون: يتضمّن خطبة بليغة على سورة
الكتاب : إرشاد القلوب ج1    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

الباب الحادي والعشرون
يتضمّن خطبة بليغة على سورة


قال: أيّها الناس تدبّروا القرآن المجيد، فقد دلّكم على الأمر الرشيد، وسلّموا لله أمره فانّه فعّال لما يُريد، واحذروا يوم الوعيد، واعملوا بطاعته فهذا شأن العبيد، واحذروا غضبه فكم قصم من جبّار عنيد، {ق والقرآن المجيد}(1).

أين من بنى وشاد وطول، وتأمّر على الناس وساد في الأول، وظنّ جهالة منه وجرأة انّه لا يتحول، عاد الزمان عليه سالباً ما خُوّل، فسقوا إذ فسقوا كأساً على هلاكهم عوّل، {أفعيينا بالخلق الأوّل بل هم في لبس من خلق جديد}.

فيا من أنذره يومه وأمسه، وحادثه بالعبر قمره وشمسه، واستلب منه ولده وأخوه وعرسه وهو يسعى في الخطايا مستتراً(2) وقد دنا حبسه {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}.

أما علمت انّك مسؤول عن الزمان، مشهود عليك يوم تنطق عليك

____________

1- الآيات الواردة في هذا الباب كلّها من سورة "ق".

2- في "ج": مشمّراً.


الصفحة 164
الأركان، محفوظ عليك ما عملت في زمان الامكان، {إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول الاّ لديه رقيب عتيد}.

وكأنّك بالموت وقد اختطفك اختطاف البرق، ولم تقدر على دفعه بملك الغرب والشرق، وندمت على تفريطك بعد اتساع الخرق، وتأسفت على ترك الاُولى والاُخرى أحق، {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}.

ثم ترحلت من القصور إلى القبور، وبقيت وحيداً على ممرّ الدهور كالأسير المحصور، {ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد}، فحينئذ أعاد الأجسام من صنعها، وألّف أشتاتها بقدرته، وجمعها وناداها بنفخة الصور فأسمعها، {وجآءت كل نفس معها سائق وشهيد}.

فهرب منك الأخ وتنسى أخاك، ويعرض عنك الصديق ويرفضك ولاءك(1)، ويتجافاك صاحبك ويجحد الآءك، وتلقى من الأهوال كلّما أعجزك وساءك، وتنسى أولادك وتنسى نساءك، {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}.

وتجري دموع الأسف وابلاً ورذاذاً، وتسقط الأكباد من الحسرات أفلاذاً، ولهب لهيب النار إلى الكفار فجعلهم جذاذاً، ولا يجد العاصي من النار لنفسه ملجأً ولا معاذاً، {وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد}.

يوم تقوم الزبانية إلى الكفار، ويبادر من يسوقهم سوقاً عنيفاً والدموع تتحادر، وتثب النار [إلى الكفار](2) كوثوب الليث إذا استاخر(3)، فيذلّ زفيرها كل من عزّ وفاخر، {الذي جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد}.

____________

1- في "ج": يرفض ولاءك.

2- أثبتناه من "ج".

3- في "ج": شاخر.


الصفحة 165
ويقول الحق: قد أزلت المطل واللّي، وفصل هذا الأمر اليّ، وانتصار(1)المظلوم من ظالمه عليّ، لا تختصموا لديّ وقد قدمت لديكم بالوعيد، أما أنذرتكم فيما مضى من الأيّام؟ أما حذّرتكم بعواقب المعاصي والأثام؟! أما وعدتكم بهذا اليوم من سائر الأيام؟! {ما يبدل القول لديّ وما أنا بظلاّم للعبيد}.

فالعياذ بالله من هذا الأمر المهول الذي يحار فيه الغافل الجهول، وتذهل منه ذوي الألباب والعقول، قد أعد للكافر اللعين ابن ملجم وللكافر يزيد، {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}.

فيا حسرة على العاصين حسرة لا يملك(2) تلافيها، ويا نصرة للمخلصين قد تكامل صافيها، ادخلوا الجنّة {لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد}، انظروا عباد الله فرق ما بين الفريقين بحضور القلب، واغتنموا الصحّة قبل أن ينخلع القلب، فاللذات تفنى ويبقى العار والثلب، {انّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.

وقال النبي صلى الله عليه وآله: ما أصاب أحد همٌّ أو غمٌّ فقال: "اللهم انّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك، نفسي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضائك، أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتبك، أو علّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وشفاء صدري، وذهاب غمّي، وجلاء حزني يا أرحم الراحمين" إلاّ أذهب الله همّه وغمّه، ونفّس كربه وقضى حوائجه.

وكان صلى الله عليه وآله يدعو فيقول: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما يبلغنا به جنّتك، ومن اليقين ما يهوّن علينا

____________

1- في "ب": انتصاف.

2- في "ب": يمكن.


الصفحة 166
مصائب الدنيا، ومتّعنا بأسماعنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا، اللهم لك الحمد وإليك المشتكى، وأنت المستعان وفيما عندك الرغبة ولديك غاية الطلبة.

اللهم آمن روعتي، واستر عورتي، اللهم أصلح ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح آخرتنا التي إليها منقلبنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والوفاة راحة لنا من كل سوء.

اللهم انّا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل برٍّ، والسلامة من كل إثم، يا موضع كل شكوى، وشاهد كل نجوى، وكاشف كل بلوى، [فانّك](1) تَرى ولا تُرى، وأنت بالمنظر الأعلى، أسألك الجنّة وما يقرّب إليها من قول أو فعل، وأعوذ بك من النار وما يقرّب إليها من فعل أو قول.

اللهم انّي أسألك خير الخير رضوانك والجنّة، وأعوذ بك من شر الشر سخطك والنار، اللهم انّي أسألك خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، انّك أنت علاّم الغيوب".

وروي عن ذي النون المصري انّه قال: وجدت على صخرة في بيت المقدس مكتوب: "كل خائف هارب، وكل راج طالب، وكل عاص مستوحش، وكل طائع مستأنس، وكل قانع عزيز، وكل طالب ذليل"، فنظرت فإذا هذا الكلام أصل لكل شيء، وكان يقول: يقدّر المقدّرون والقضاء يضحك منهم.

____________

1- أثبتناه من "ب" و"ج".


الصفحة 167


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net