متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الباب التاسع والعشرون: في الخوف من الله تعالى
الكتاب : إرشاد القلوب ج1    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

الباب التاسع والعشرون
في الخوف من الله تعالى


روي انّ ابراهيم عليه السلام [كان](1) يسمع منه في صلاته أزير كأزير المرجل من خوف الله تعالى في صدره، وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك(2). وكان أمير المومنين عليه السلام إذا قال: "وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض" يتغيّر وجهه، ويصفرّ لونه، فيعرف ذلك في وجهه من خيفة الله تعالى.

وأعتق ألف عبد من كدّ يمينه، وكان يغرس النخل ويبيعها ويشتري بثمنها العبيد ويعتقهم، ويعطيهم مع ذلك ما يغنيهم عن الناس، وأخبره بعض عبيده انّه قد نبع في بستانه عين، ينبع الماء منها مثل عنق البعير، فقال: بشر الوارث، بشر الوارث، ثم أحضر شهوداً فأشهدهم انّه أوقفها في سبيل الله حتّى يرث الله الأرض ومن عليها، وقال: انّما فعلت ذلك ليصرف الله عن وجهي النار.

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- عنه مستدرك الوسائل 11: 232 ح 12834.


الصفحة 208
وأعطى معاوية للحسن عليه السلام فيها مائتي ألف دينار، فقال: ما كنت أبيع شيئاً أوقفه أبي في سبيل الله، وما عرض له أمران إلاّ عمل بأشدّهما طاعة، وكان إذا سجد سجدة الشكر غشي عليه من خيفة(1) الله تعالى.

وكانت فاطمة عليها السلام تنهج في صلاتها من خوف الله تعالى، وكان علي بن الحسين عليه السلام يتغيّر وجهه في صلاته من خوف الله تعالى.

وقال لقمان لابنه: يا بني خف الله خوفاً لو أتيته بعمل الثقلين خفت أن يعذّبك، وارجه رجاء لو أتيته بذنوب الثقلين رجوت أن يغفر لك(2).

وقال علي بن الحسين عليهما السلام: يا ابن آدم انّك لا تزال بخير ما دام(3)لك واعظاً من نفسك، وما كان الخوف شعارك، والحزن دثارك، يا ابن آدم انّك ميّت ومحاسب فاعد الجواب.

وأوحى الله إلى موسى بن عمران عليه السلام: خفني في سر أمرك(4)احفظك في عوراتك، واذكرني في سرائرك وخلواتك وعند سرور لذّاتك أذكرك عند غفلاتك، واملك غضبك عمّن ملّكتك أمره أكفّ غضبي عنك، واكتم مكنون سرّي، وأظهر في علانيتك المداراة عنّي لعدوّك وعدوّي(5).

وقال الصادق عليه السلام: ما الدنيا عندي إلاّ بمنزلة الميتة، إذا اضطررت إليها أكلت منها، يا حفص انّ الله تعالى علم ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون، فحلم عنهم عند أعمالهم السيّئة بعلمه السابق فيهم، وانّما يعجّل من يخاف الفوت، فلا يغرّنّك من الله تأخير العقوبة، ثم تلا قوله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها

____________

1- في "ج": خشية.

2- البحار 70: 384 ح 40; عن أمالي الصدوق.

3- في "ج": كان.

4- في "ب" و"ج": سرائرك.

5- أمالي الصدوق: 210 ح 6 مجلس:44; عنه البحار 13: 328 ح6.


الصفحة 209
للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين}(1). وجعل يبكي ويقول: ذهبت الأماني عند هذه الآية.

ثم قال: فاز والله الأبرار وخسر الأشرار، أتدري من الأبرار؟! هم الذين خافوه واتقوه وتقرّبوا إليه بالأعمال الصالحة، وخشوه في سرائرهم وعلانيتهم، كفى بخشية الله علماً وكفى بالإغترار به جهلاً.

يا حفص انّ الله يغفر للجاهلين سبعين ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنباً واحداً، يا حفص من تعلّم وعمل كتب في الملكوت عظيماً، انّ أعلم الناس بالله أخوفهم منه، وأخشاهم له، وأزهدهم في الدنيا، فقال له رجل: يا ابن رسول الله أوصني، فقال: اتق الله حيث كنت فانّك لا تستوحش(2).

وقال الصادق عليه السلام: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم قاعداً إذ نزل عليه جبرئيل عليه السلام كئيباً حزيناً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أخي جبرئيل ما لي أراك كئيباً حزيناً؟

فقال: كيف لا أكون كذلك وقد وضعت منافيخ جهنّم اليوم، قال: وما منافيخ جهنّم؟ فقال: انّ الله أمر بالنار فأوقد عليها ألف عام حتّى احمرّت، ثم أوقد عليها ألف عام حتّى ابيضّت، ثم أوقد عليها ألف عام حتّى اسودّت، فهي سوداء مظلمة، ظلمات بعضها فوق بعض. فلو انّ حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعاً وضعت على الجبال لذابت من حرّها، ولو انّ قطرة من الزقوم والضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات أهلها من نتنها، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وبكى جبرئيل، فأوحى الله إليهما: قد أمنتكما من أن تذنبا ذنباً تستحقان به النار، ولكن هكذا كونا(3).

____________

1- القصص: 83.

2- تفسير القمي 2: 146; عنه البحار 78: 193 ح7.

3- عنه معالم الزلفى: 337; وانظر روضة الواعظين: 506 و508; وفي البحار 8: 280 ح 1; عن تفسير القمي.


الصفحة 210
وما جاء من الخوف والخشية في القرآن فكثير، مثل قوله تعالى: {وخافون ان كنتم مؤمنين}(1).

وقال: {وايّاي فارهبون}(2).

وقال في مدح قوم: {يخافون ربهم من فوقهم}(3).

وقال: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}(4).

وقال: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإنّ الجنّة هي المأوى}(5).

وقال: {انّما يخشى الله من عباده العلماء}(6).

فالخشية ثمرة العلم ولا علم لمن لا خشية له، والخوف(7) سراج النفس به يُهدى من ظلمتها، وليس الخوف من يبكي ويمسح الدموع انّما ذلك خوف كاذب، وانّما الخائف الذي يترك الذنب(8) الذي يُعذّب عليه.

ولو خاف الرجل النار كما يخاف الفقر لأمن منها، وانّ المؤمن لا يطمئنّ قلبه، ولا تسكن روعته حتّى يترك جسر جهنم وراءه ويستقبل باب الجنة، ولا يسكن الخوف اليوم إلاّ قلب من يأمن غداً، وكذلك قال الله تعالى: "وعزّتي وجلالي لاأجمع لعبدي بين خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته في الآخرة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة(9).

____________

1- آل عمران: 175.

2- البقرة: 40.

3- النحل: 50.

4- الرحمن: 46.

5- النازعات: 40-41.

6- فاطر: 28.

7- في "ج": الخشية.

8- في "ج": الأمر.

9- الخصال: 79 ح 127 باب 2; عنه البحار 70: 379 ح 28.


الصفحة 211
والخوف توقّع العقوبة في كل ساعة، وما فارق الخوف إلاّ قلباً خراباً، ودوام المراقبة لله تعالى في السر والعلانية يهيّج الخوف في القلب، ومن علاماته قصر الأمل وشدّة العمل والورع.

وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله: قول الله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة انّهم إلى ربهم راجعون}(1)، يعني بذلك الرجل الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر وهو خائف؟ قال: لا ولكن الرجل الذي يصلّي ويصوم ويتصدّق وهو مع ذلك يخاف ألاّ يقبل منه.

ومتى سكن الخوف في القلب أحرق منه موضع الشهوات، وطرد عنه رغبة الدنيا، وأظهر آثار الحزن على الوجه.

____________

1- المؤمنون: 60.


الصفحة 212


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net