متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الباب الثالث والثلاثون: في الخشوع لله سبحانه والتذلل له
الكتاب : إرشاد القلوب ج1    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

الباب الثالث والثلاثون
في الخشوع لله سبحانه والتذلل له


قال الله تعالى: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون}(1)، ثم فسّرهم سبحانه بتمام الآية في سورة المؤمنين.

فنقول: الخشوع الخوف الدائم اللازم للقلب، وهو ايضاً قيام العبد بين يدي الله تعالى بهمّ مجموع، وقلب مروع، وروي انّه من خشع قلبه لم يقربه الشيطان، ومن علاماته غضّ العيون، وقطع علائق الشؤون.

والخاشع من خمدت نيران شهوته، وسكن دخان أمله، وأشرق نور عظمة الله في قلبه، فمات أمله، وواجه أجله، فحينئذ خشعت جوارحه، وسالت عبرته، وعظمت حسرته، والخشوع ايضاً يذلل البدن والقلب لعلاّم الغيوب، قال الله تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}(2)، يعني المتواضعين الخاشعين.

____________

1- المؤمنون: 2-1.

2- الفرقان: 63.


الصفحة 226
وروي انّ رسول الله صلى الله عليه وآله رأى رجلاً يعبث في صلاته بلحيته فقال: لو خشع قلبه لخشعت جوارحه(1).

دلّ هذا الحديث على انّ الخشوع من أفعال القلب، تظهر آثاره على الجوارح، وهو أيضاً ذبول القلوب عند استحضار عظمة الله تعالى، وهو من مقدمات الهيبة، ولا ينبغي للمرء أن يظهر من الخشوع فوق ما في قلبه، ومن الخشوع التذلل لله تعالى بالسجود على التراب، وكان الصادق عليه السلام لا يسجد إلاّ على تراب من تربة الحسين عليه السلام تذللاً لله تعالى واستكانة إليه(2).

وكان النبي صلى الله عليه وآله يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل مع العبيد، ويجلس على الأرض، ويركب الحمار ويردف، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجة من السوق إلى أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتّى ينزعها هو، ويسلّم على من استقبله من كبير وصغير وغني وفقير، ولا يحقر ما دعى إليه ولو إلى حشف التمر.

وكان خفيف المؤنة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بسّاماً(3) من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، متواضعاً من غير ذلّة، جواداً من غير سرف، رقيق القلب، رحيم بكل مسلم، ولم يتجشّأ من شبع قط، ولم يمد يده إلى طمع، وكفاه مدحاً قوله تعالى: {وانّك لعلى خلق عظيم}(4).

وأوحى الله إلى موسى عليه السلام: أتدري لم ناجيتك وبعثتك إلى خلقي؟ قال: لا يا رب، قال: لأنّي قلّبت عبادي واختبرتهم فلم أر أذلّ لي قلباً منك،

____________

1- راجع البحار 84: 266 ح67; عن دعائم الإسلام; كنز العمال 3: 144 ح5891.

2- عنه البحار 85: 158 ح 25.

3- في "ج": بشاشاً.

4- القلم: 4.


الصفحة 227
فأحببت أن أرفعك من بين خلقي، لانّي عند المنكسرة قلوبهم(1).

وينبغي للعاقل أن لا يرى لنفسه على أحد فضلاً، والعز في التواضع والتقوى، ومن طلبه في الكبر لم يجده. وروي انّ ملكي العبد الموكلين به ان تواضع رفعاه، وان تكبر وضعاه(2). والشرف في التواضع والعز في التقوى، والغنا في القناعة، وأحسن ما كان التواضع في الملوك والأغنياء، وأقبح ما كان التكبر في الفقراء.

وقد أمر الله تعالى نبيّه محمداً صلى الله عليه وآله بالعفو عن الناس، والاستغفار لهم والتواضع، بقوله تعالى: {ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم}(3).

وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى ذكّر خلقي نعمائي، وأحسن إليهم وحبّبني إليهم، فانّهم لا يحبون إلاّ من أحسن إليهم.

____________

1- الكافي 2: 123 ح 7; عنه البحار 75: 129 ح 29 باختلاف.

2- الكافي 2: 122 ح 2.

3- آل عمران: 159.


الصفحة 228


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net