متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الباب التاسع والثلاثون: في الصبر وفضله
الكتاب : إرشاد القلوب ج1    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

الباب التاسع والثلاثون
في الصبر وفضله


قال الله تعالى: {واصبر وما صبرك إلاّ بالله}(1).

وقال سبحانه: {واصبر على ما أصابك}(2).

وقال الله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة}(3). فجعل الصبر معونة على الصلاة، بل هو معونة على كل طاعة، وترك كل معصية وبليّة.

وقال سبحانه: {وبشّر الصابرين}(4) يعنى بعظيم الثواب وحسن الجزاء، وأوجب صلاته ورحمته عليهم، فقال: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا انّا لله وانّا إليه راجعون * اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون}(5).

وقال سبحانه: {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}(6).

____________

1- النحل: 127.

2- لقمان: 17.

3- البقرة: 45.

4- البقرة: 155.

5- البقرة: 155.

6- الرعد: 24.


الصفحة 250
فسلّم على الصابرين، وجعل لهم عقبى الدار الآخرة، والصبر على ثلاثة أقسام: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على المصيبة.

وقال علي عليه السلام: الصبر مطية لا تكبوا بصاحبها(1).

والصبر على المصيبة مصيبة للشامت، ولا شك انّ الصابر محرز أجرها، ويكبت عدوّه بصبره، ويسلم من ضرر الجزع بشق ثوب أو ألم في بدنه، والجازع يدخل عليه بجزعه ثلاث آفات: يحبط أجره، ويشمت عدوّه، ويدخل الضرر على نفسه بما يلحقه من الألم، وصبر الصابر مصيبة للشامت.

وينبغي للعاقل أن تحدث له المصيبة موعظة، لأنّ من الجائز أن يكون موضع المفقود، فهو أحق بالحمد لله والثناء عليه، ويحدث في نفسه الاستعداد بمثل ما نزل بغيره من موت أو بلية يستدفعها بالدعاء.

وينبغي للانسان أن يطمئنّ قلبه ونفسه على البلايا والرزايا العظيمة حتّى إذا نزل به قليلها عدّه نعمة في جنب غيره، وأحسن مقامات الإنسان أن ينظر في المصائب و البلايا وضيق المعاش والفاقة والفقر إلى من هو أكبر منه بليّة، فيصير حاله عنده نعمة.

وينظر في عمل الخير إلى من هو فوقه، فيستقلّ عمله ويزري على نفسه، ويحثّها على اللحاق بمن هو فوقه في صالح العمل، وهكذا يكون من يريد صلاح(2)نفسه، وعظيم صبره، وقلّة همّه وغمّه.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا ايمان لمن لا صبر له(3).

____________

1- كنز الكراجكي: 58; عنه البحار 71: 96 ح 61.

2- في "ب": اصلاح.

3- الكافي 2: 89 ح4; عنه البحار 71: 81 ح17; وكنز الكراجكي: 58.


الصفحة 251
وقال: انّا وجدنا الصبر على طاعة الله أيسر من الصبر على عذابه(1).

وقال: اصبروا على عمل لا غنى لكم عن ثوابه، واصبروا عن عمل لا طاقة لكم على عقابه(2).

وحقيقة الصبر تجرّع الغصص عند المصائب، واحتمال البلايا والرزايا، وغاية الصبر أن لا يفرق بين النعمة والمحنة، ويرجح المحنة على النعمة للعلم بحسن عاقبتها، والصبر(3): السكون عند البلاء مع تحمّل أثقال المحنة عند عظمها.

قال المصنف رحمة الله عليه:


صبرت ولم اُطلع هواي على صبري وأخفيت ما بي منك عن موضع الصبر
مخافة أن يشكو ضميري صبابتي إلى دمعتي سرّاً فتجري ولا أدري

قيل: أوحى الله إلى داود عليه السلام: تخلّقوا(4) بأخلاقي، فإنّ من أخلاقي انّي أنا الصبور، والصابر ان مات مع الصبر مات شهيداً، وان عاش عاش عزيزاً، واعلموا انّ الصبر على المطلوب عنوان الظفر، والصبر في المحن عنوان الفرج.

وقد مدح الله سبحانه عبده أيوب: {انّا وجدناه صابراً نعم العبد انّه أوّاب}(5).

وروي انّه لما اشتد به البلاء قالت له امرأته يوماً: انّ دعاء الأنبياء مستجاب فلو سألت الله كَشْف ما بك، فقال لها: يا هذه قد متّعنا الله بالنعم سبعين سنة، فدعينا نصبر على بلائه مثل ذلك.

وروي انّه لما جاءت امرأته إليه وقد باعت أحد ظفائرها لقوته شقّ عليه

____________

1- عنه مستدرك الوسائل 11: 261 ح 12938; وفي البحار 77: 380.

2- عنه مستدرك الوسائل 11: 261 ح 12939; وفي البحار 77: 380.

3- في "ج": التصبر.

4- في "ج": تخلّق.

5- ص: 44.


الصفحة 252
ذلك، فنصب نفسه بين يدي الله تعالى ثم قال: يا رب انّك أبليتني بفقد الأهل والأولاد فصبرت، وبالمرض الفلاني فصبرت، ثم أعدد أمراضه، فإذا النداء من قبل الله: يا أيوب لمن المنّة عليك في صبرك؟

فقال: اللهم لك، اللهم لك، وصار يحثو التراب على رأسه ويبكي ويقول: اللهم لك، اللهم لك، فجاءه النداء: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}(1)، فركض برجله فنبعت عين عظيمة، فاغتسل منها فخرج وجسمه كاللؤلؤة البيضاء، وجاء جراد كلّه ذهب فصاده هو وأهله، وأحيى الله تعالى له من مات من ولده وأهله، ورزقه من النساء اللاتي تزوجهنّ أولاداً كثيرة، كما قال تعالى: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منّا وذكرى لاُولي الألباب}(2).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصبر نصف الايمان، واليقين الايمان كله، ومن صبر على المصيبة حتّى يردّها بحسن العزاء كتب الله له بكل صبرة ثلاثمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى علوّ العرش.

ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش(3)، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش(4).

____________

1- ص: 42.

2- ص: 43.

3- في "ب": إلى السماء.

4- مجموعة ورام 1: 40.


الصفحة 253


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net