متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الباب الخامس والأربعون: في سؤال أبي ذر للنبي صلى الله عليه وآله
الكتاب : إرشاد القلوب ج1    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

الباب الخامس والأربعون
في سؤال أبي ذر للنبي صلى الله عليه وآله


قال أبوذر رحمة الله عليه: دخلت يوماً على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في المسجد(1) جالس وحده، فاغتنمت وحدته فقال: يا أباذر انّ للمسجد تحيّة، فقلت: وما تحيّته يا رسول الله؟ فقال: ركعتان، فركعتهما ثم التفتّ إليه فقلت: يا رسول الله أمرتني بالصلاة فما حدّ الصلاة؟ قال: خير موضوع فمن شاء أقلّ ومن شاء أكثر.

فقلت: يا رسول الله أيّ الأعمال أحب إلى الله تعالى، قال: الايمان بالله، ثم الجهاد في سبيله، قلت: يا رسول الله أيّ المؤمنين أكمل ايماناً؟ قال: أحسنهم خلقاً، قلت: فأيّ المؤمنين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده، قلت: فأيّ الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السوء، قلت: فأيّ [وقت من](2) الليل أفضل؟ قال: جوف الليل الغابر.

____________

1- في "الف" و "ج": المجلس.

2- أثبتناه من "ج".


الصفحة 275
قلت: أيّ الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، قلت: أيّ الصدقة أفضل؟ قال: جهد من مقلّ إلى فقير في سرّ، قلت: فما الصوم؟ قال: فرض مجز وعند الله أضعاف ذلك، قلت: فأيّ الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها، قلت: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده واهرق دمه.

قلت: فأيّ آية أنزلها عليك أفضل وأعظم؟ قال: آية الكرسي، قلت: يا رسول الله ما كانت صحف ابراهيم عليه السلام؟ قال: كانت أمثالاً كلّها، أيّها الملك المغرور المسلّط المبتلى انّي لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عنّي دعوة مظلوم فانّي لا أردّها وان كانت من كافر أو فاجر ففجوره على نفسه.

وكان فيها أمثالاً، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يفكّر في صنع الله عزوجل، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدّم وأخّر، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال في المطعم والمشرب.

وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً إلاّ في ثلاث: تزوّد لمعاد، أو مرمّة(1) لمعاش، أو لذّة في غيرِ ذات محرم، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه، مقبلاً على شأنه، حافظاً للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه.

قلت: يا رسول الله فما كانت صحف موسى عليه السلام؟ قال: كانت عبراً كلها، عجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجباً لمن أيقن بالنار كيف يضحك، عجباً لمن أبصر الدنيا وتقلّبها بأهلها حال بعد حال ثم هو يطمئنّ إليها، عجباً لمن أيقن بالحساب غداً ثم لم يعمل، قلت: يا رسول الله فهل في الدنيا(2) شيء مما كان في

____________

1- في "ج": سعي.

2- في "ج": في أيدينا.


الصفحة 276
صحف ابراهيم وموسى مما أنزل الله عليك؟

قال: اقرأ يا أباذر: {قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربه فصلّى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى * انّ هذا ـ يعني ذكر هذه الأربع آيات ـ لفي الصحف الاُولى * صحف ابراهيم وموسى}(1).

قلت: يا رسول الله أوصني، قال: اُوصيك بتقوى الله فانّه رأس أمرك كله، قلت: يا رسول الله زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فانّه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض، قلت: يا رسول الله زدني، قال: عليك بالجهاد فانّه رهبانيّة اُمّتي، قلت: يا رسول الله زدني، قال: عليك بالصمت إلاّ من خير فانّه مطردة للشيطان عنك، وعون لك على أمر دينك.

قلت: يا رسول الله زدني، قال: ايّاك وكثرة الضحك فانّه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه، قلت: يا رسول الله زدني، قال: انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك، فانّه أجدر أن لا تزدري نعمة الله تعالى عليك، قلت: يا رسول الله زدني، قال: صل قرابتك وان قطعوك، وحب المساكين وأكثر مجالستهم.

قلت: يا رسول الله زدني، قال: لا تخف في الله لومة لائم، قلت: يا رسول الله زدني، قال: يا أباذر ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تأتي، وكفى بالرجل عيباً أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه، ويجد عليهم فيما يأتي، قال: ثم ضرب على صدري وقال: يا أباذر لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق(2).

وعن أبي عبد الله عليه السلام انّه قال: في خطبة أبي ذر رضي الله عنه: يا مبتغي العلم لا تشغلك الدنيا ولا أهل ولا مال عن نفسك، أنت يوم تفارقهم كضيف

____________

1- الأعلى: 19-14.

2- مجموعة ورام 2: 67; وكنز العمال 16: 131 ح 44158; وأورده في أعلام الدين: 204.


الصفحة 277
بتّ فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم، الدنيا والآخرة كمنزل تحوّلت منه إلى غيره، وما بين البعث والموت إلاّ كنومة نمتها ثم استيقظت منها، يا جاهل تعلّم العلم فإنّ قلباً ليس فيه علم كالبيت الخراب الذي لا عامر له(1).

وعن أبي ذر رحمة الله عليه قال: يا باغي العلم قدّم لمقامك بين يدي الله عزوجل فانّك مرتهن بعملك كما تدين تدان، يا باغي العلم صلّ قبل أن لا تقدر على ليل ولا نهار تصلّي فيه، انّما مثل الصلاة لصاحبها كمثل رجل دخل على ذي سلطان فأنصت إليه حتّى فرغ من حاجته، فكذلك المرء المسلم باذن الله تعالى ما دام في الصلاة، لم يزل الله عزوجل ينظر إليه حتّى يفرغ من صلاته.

يا باغي العلم تصدّق قبل أن لا تقدر تعطي شيئاً ولا تمنعه، انّما مثل الصدقة لصاحبها مثل رجل طلبه قوم بدم فقال لهم: لا تقتلوني واضربوا لي أجلاً أسعى في رضاكم، كذلك المرء المسلم باذن الله كلّما تصدّق بصدقة حلّ بها عقدة من رقبته حتّى يتوفّى الله أقواماً وهو عنهم راض، ومن رضى الله عزوجل عنه فقد اُعتق من النار.

يا باغي العلم انّ هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شرّ، فاختم على فمك كما تختم على ذهبك وورقك(2)، يا باغي العلم انّ هذه الأمثال ضربها الله عزوجل للناس [وقال:](3) {وما يعقلها الا العالمون}(4).

يا باغي العلم كأنّ شيئاً من الدنيا لم يكن إلاّ عمل ينفع خيره ويضرّ شرّه إلاّ ما رحم الله عزوجل، يا باغي العلم لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك فلن يغنوا عنك شيئاً(5).

____________

1- مجموعة ورام 2: 69.

2- في "الف": رزقك.

3- أثبتناه من "ج".

4- العنكبوت: 43.

5- مجموعة ورام 2: 66 بحذف الأخير; وفي أعلام الدين: 207.


الصفحة 278


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net