متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
قصّة اليهودي وافتقاده حميره
الكتاب : إرشاد القلوب ج2    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

قصّة اليهودي وافتقاده حميره

وبالاسناد إلى أبي حمزة الثمالي، عن أبي اسحاق السبيعي قال: دخلت المسجد الأعظم بالكوفة فإذا أنا بشيخ أبيض الرأس واللحية لا أعرفه، مستنداً إلى اُسطوانة وهو يبكي ودموعه تسيل على خدّيه، فقلت له: يا شيخ ما يبكيك؟ فقال: انّه أتت عليّ نيف ومائة سنة لم أر فيها عدلا ولا حقّاً ولا علماً ظاهراً إلاّ ساعتين من نهار، وأنا أبكي لذلك.

فقلت: وما تلك الساعة والليلة واليوم الذي رأيت فيه العدل؟ فقال: إنّي رجل من اليهود، وكان لي ضيعة بناحية سوراء(1)، وكان لنا جار في الضيعة من أهل الكوفة يقال له: الحارث الأعور الهمداني، وكان رجلا مصاب العين، وكان لي صديقاً وخليطاً، وإنّي دخلت الكوفة يوماً من الأيّام ومعي طعام على احمرة لي اُريد بيعه بالكوفة.

فبينما أنا أسوق الأحمرة وقد صرت في سبخة الكوفة، وذلك بعد عشاء الآخرة، فافتقدت حميري، فكأنّ الأرض ابتلعتها أو السماء تناولتها، أو كأنّ الجنّ اختطفتها، وطلبتها يميناً وشمالا فلم أجدها، فأتيت منزل الحارث الهمداني من ساعتي أشكو إليه ما أصابني وأخبرته الخبر، فقال: انطلق بنا إلى أمير المؤمنين عليه السلام حتّى نخبره.

فانطلقنا إليه فأخبرته(2) الخبر، فقال أمير المؤمنين عليه السلام للحارث: انصرف إلى منزلك وخلّني واليهودي، فأنا ضامن لحميره وطعامه حتّى أردّها له، فمضى الحارث إلى منزله وأخذ أمير المؤمنين عليه السلام بيدي حتّى أتينا الموضع الذي افتقدت فيه حميري وطعامي، فحوّل وجهه عنّي وحرّك شفتيه ولسانه بكلام

____________

1- سوراء ـ بضمّ أوّله وسكون ثانيه ثمّ راء وألف ممدودة ـ: موضع يقال هو إلى جانب بغداد، وقيل: هو بغداد نفسها، ويُروى بالقصر. (معجم البلدان 3: 278)

2- في "ج": فأخبرناه.


الصفحة 112
لم أفهمه، ثمّ رفع رأسه فسمعته يقول: والله ما على هذا بايعتموني وعاهدتموني يا معشر الجنّ، وأيم الله لئن لم تردّوا على اليهودي حميره وطعامه لأنقضنّ عهدكم ولاُجاهدنّكم في الله حقّ جهاده.

قال: فوالله ما فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من كلامه حتّى رأيت حميري وطعامي بين يديّ، ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام: اختر يا يهودي احدى خصلتين، امّا أن تسوق حميرك وأحثّها عليك، أو أسوقها(1) أنا وتحثّها عليّ.

قال: قلت: بل أسوقها(2) وأنا أقوى على حثّها، وتقدّم أنت يا أمير المؤمنين أمامها، واتّبعته بالحمير حتّى انتهى بنا إلى الرحبة، فقال: يا يهودي إنّ عليك بقية الليل فأحْفِظُ حميرك حتّى تصبح وحط أنت عنها، أو أحط عنها وتحفظ أنت حتّى تصبح، فقلت: يا أمير المؤمنين أنا أقوى على حطّها وأنت على حفظها حتّى يطلع الفجر، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: خلّني وإيّاها ونم أنت حتّى يطلع الفجر.

فلمّا طلع الفجر انتبهت وقال: قم قد طلع الفجر فاحفظ حميرك وليس عليك بأس، ولا تغفل عنها حتّى أعود إليك إن شاء الله تعالى، ثمّ انطلق أمير المؤمنين عليه السلام فصلّى بالناس الصبح، فلمّا طلعت الشمس أتاني وقال: افتح برّك على بركة الله وسعّر طعامك، ففعلت.

ثمّ قال: اختر منّي خصلة من خصلتين، امّا أن أبيع أنا وتستوفي أنت الثمن، أو تبيع أنت وأستوفي أنا لك الثمن؟ فقلت: بل أبيع أنا وتستوفي أنت الثمن، فقال: أفعل، فلمّا فرغت من بيعي سلّم إليّ الثمن وقال: ألك حاجة؟ فقلت: نعم، اُريد أدخل في شراء حوائج لي، قال: فانطلق حتّى اُعينك فإنّك ذمّي.

فلم يزل معي حتّى فرغت من حوائجي، ثمّ ودّعني، فقلت له عند الفراق:

____________

1- في "ب": أسبقها أنا.

2- في "ب": بل أسبقها وأنا أقوى.


الصفحة 113
أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً رسول الله صلّى الله عليه وآله عبده ورسوله، وأشهد أنّك عالم هذه الاُمّة، وخليفة رسول الله صلّى الله عليه وآله على الجنّ والانس، فجزاك الله عن الإسلام خيراً.

ثمّ انطلقت إلى ضيعتي، فأقمت بها شهوراً ونحو ذلك، فاشتقت إلى رؤية أمير المؤمنين عليه السلام، فقدمت وسألت عنه، فقيل لي: قد قُتل أمير المؤمنين عليه السلام، فاسترجعت وصلّيت صلاة كثيرة وقلت عند فراغي: ذهب العلم، وكان أوّل عدل رأيت منه تلك الليلة، وآخر عدل رأيته منه في ذلك اليوم، فما لي لاأبكي؟ وكان هذا من دلائله عليه السلام(1).

 

>>>>>>


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net