متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
في إجابته عليه السلام عن مسائل قيصر
الكتاب : إرشاد القلوب ج2    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

[في إجابته عليه السلام عن مسائل قيصر]

بحذف الاسناد قال: لمّا جلس عمر في الخلافة جرى بين رجل من أصحابهيقال له الحارث بن سنان الأزدي وبين رجل من الأنصار كلام ومنازعة، فلم ينتصف له عمر فلحق الحارث بن سنان بقيصر وارتدّ عن الإسلام، ونسى القرآن كلّه إلاّ قوله عزوجل: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}(1).

فسمع قيصر هذا الكلام قال: سأكتب إلى ملك العرب بمسائل فإن أخبرني بتفسيرها(2) أطلقت مَنْ عندي مِن الاُسارى، وإن لم يخبرني بتفسير مسائلي عهدت إلى الاسارى فعرضت عليهم النصرانية، فمن قبل منهم استعبدته ومن لم يقبل قتلته.

وكتب إلى عمر بن الخطاب بمسائل أحدها سؤاله عن تفسير الفاتحة، وعن الماء الذي ليس من الأرض ولا من السماء، وعمّا يتنفّس ولا روح فيه، وعن عصى موسى ممّ كانت وما اسمها وما طولها، وعن جارية بكر لأخوين في الدنيا وفي الآخرة لواحد، فلمّا وردت هذه المسائل على عمر لم يعرف تفسيرها ففزع في ذلك إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فكتب إلى قيصر:

"من عليّ بن أبي طالب صهر محمد، ووارث علمه، وأقرب الخلق إليه، ووزيره، ومن حقّت له الولاية، وأمر الخلق بالبراءة من أعدائه، قرّة عين رسول الله، وزوج ابنته وأبو ولده(3) إلى قيصر ملك الروم، أمّا بعد فإنّي أحمد الله الذي لاإله إلاّ هو، عالم الخفيّات، ومنزل البركات، من يهدي الله فلا مضلّ له، ومن يضلل الله

____________

1- آل عمران: 85.

2- في "ج": عنها.

3- في "ب": ولديه.


الصفحة 247
فلا هادي له.

ورد كتابك وأقرأنيه عمر بن الخطاب، فأمّا سؤالك عن اسم الله فإنّه اسم فيه شفاء من كلّ داء وعون على كلّ دواء، وأمّا الرحمن فهو عون لكلّ من آمن به وهو اسم لم يتسمّ به غير الرحمن تبارك وتعالى(1)، وأمّا الرحيم فرحيم(2) من عصى وتاب وآمن وعمل صالحاً، وأمّا قوله: الحمد لله ربّ العالمين، فذلك ثناء منّا على ربّنا تبارك وتعالى بما أنعم علينا.

وأمّا قوله: {مالك يوم الدين}، فإنّه يملك نواصي الخلق يوم القيامة، وكلّ من كان في الدنيا شاكّاً أو جبّاراً أدخله النار، ولا يمتنع من عذاب الله عزوجل شاك ولا جبّار، وكلّ من كان في الدنيا طائعاً مديماً محا خطاياه وأدخله الجنّة برحمته.

وأمّا قوله: {إيّاك نعبد}، فإنّا نعبد الله ولا نشرك به شيئاً. وأمّا قوله: {وإيّاك نستعين}، فإنّا نستعين بالله عزوجل على الشيطان لا يضلّنا كما أضلّكم، وأمّا قوله: {اهدنا الصراط المستقيم}، فذلك الطريق الواضح من عمل في الدنيا عملا صالحاً فإنّه يسلك على الصراط إلى الجنّة، وأمّا قوله: {صراط الذين أنعمت عليهم}، فتلك النعمة التي أنعمها الله عزوجل على من كان قبلنا من النبيّين والصدّيقين، فنسأل الله ربّنا أن ينعم علينا كما أنعم عليهم.

وأمّا قوله عزوجل: {غير المغضوب عليهم}، فاُولئك اليهود بدّلوا نعمة الله كفراً فغضب عليهم، فجعل منهم القردة والخنازير، فنسأل الله ربّنا أن لا يغضب علينا كما غضب عليهم، وأمّا قوله: {ولا الضالين}، فأنت وأمثالك يا عابد الصليب الخبيث ضللتم من بعد عيسى بن مريم، نسأل الله ربّنا أن لا يضلّنا كما ضللتم.

____________

1- في "ب": غيره هو الله تبارك وتعالى.

2- في "ب": فرحم.


الصفحة 248
وأمّا سؤالك عن الماء الذي ليس من الأرض ولا من السماء، فذلك الذي بعثه بلقيس إلى سليمان بن داود عليه السلام، وهو عرق الخيل إذا جرت في الحروب، وأمّا سؤالك عمّا يتنفّس ولا روح له فذلك الصبح إذا تنفّس، وأمّا سؤالك عن عصى موسى ممّا كانت وما طولها وما اسمها وما هي، فإنّها كان يقال لها البرنية، وتفسير البرنية الزائدة(1)، وكان إذا كانت فيها الروح زادت وإذا خرجت منها الروح نقصت، وكانت من عوسج، وكانت عشرة أذرع، وكانت من الجنّة أنزلها جبرئيل عليه السلام على شعيب عليه السلام.

وأمّا سؤالك عن جارية تكون في الدنيا لأخوين وفي الآخرة لواحد، فتلك النخلة هي في الدنيا لمؤمن مثلي ولكافر مثلك ونحن من ولد آدم، وفي الآخرة للمسلم دون المشرك وهي في الجنّة ليست في النار، وذلك قوله عزوجل: {فيهما فاكهة ونخل ورمان}(2).

ثمّ طوى الكتاب وأنفذه، فلمّا قرأه قيصر عمد إلى الاُسارى واختارهم ودعا أهل مملكته إلى الإسلام والايمان بمحمّد صلى الله عليه وآله، فاجتمعت عليه النصارى وهمّوا بقتله، فجاء بهم(3) فقال: يا قوم إنّي أردت أن اُجرّبكم، وإنّما أظهرت منه ما أظهرت لأنظر كيف تكونون، فقد حمدت الآن أمركم عند الاختبار، فسكنوا(4) واطمأنّوا فقالوا: كذلك الظنّ بك.

وكتم قيصر اسلامه حتّى مات وهو يقول لخواص أصحابه ومن يثق به: إنّ عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ومحمد صلى الله عليه وآله نبيّ بعد عيسى، وانّ عيسى بشّر أصحابه بمحمد صلى الله عليه

____________

1- في "ج": الزابدة.

2- الرحمن: 68.

3- في "ج": فأجابهم.

4- في "ج": فسكتوا.


الصفحة 249
وآله ويقول: من أدركه منكم فليقرأه منّي السلام، فإنّه أخي وعبد الله ورسوله.

ومات قيصر على القول مسلماً، فلمّا مات وتولّى بعده هرقل أخبروه بذلك، قال: اكتموا هذا وأنكروه ولا تقرّوا فإنّه إن ظهر طمع ملك العرب، وفي ذلك فسادنا وهلاكنا، فمن كان من خواص قيصر وخدمه وأهله على هذا الرأي كتموه، وهرقل أظهر النصرانية وقوى أمره، والحمد لله وحده وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وسلّم(1).

 

>>>>>>


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net