متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
امتحان النبي ابراهيم المجيد بذبح طفله الوحيد
الكتاب : فلسفة الحج في الإسلام    |    القسم : مكتبة الفقه

امتحان إبراهيم المجيد بذبح طفله الوحيد

وقد تمثل الامتحان الجديد الشديد بل الأشد من كل امتحان تعرض له في مسيرته الحياتية ـ بأمره من قبل الله في عالم الطيف ـ بذبح ولده إسماعيل وحيث أن رؤيا الأنبياء حق فقد اعتقد بسببها أنه مأمور بذبح ولده هذا واقعاً وأمره بذلك يتضمن أمر إسماعيل أيضاً بتقديم نفسه قربة وقرباناً لله تعالى .
وقد شارك هذا الولد المؤمن حقاً والموحد واقعاً ـ أباه في الاعتقاد بأنّه مأمور بذلك أي بتقديم نفسه المطمئنة في سبيل مرضاة الله سبحانه . ولذلك أبدى الاستعداد لقبول تنفيذ أمره تعالى عندما أخبره والده الجليل بالتكليفين المذكورين المتوجه أحدهما إلى الأب مباشرة وبصراحة والآخر موجه إلى الابن ضمناً وبالتبع والإشارة ( والحر تكفيه الإشارة ) .
وقد ورد التكليفان المذكوران في قوله تعالى :
( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانُظر مَاذَا تَرَى قَالَ يَأَبَتِ أفْعَلْ ما تُؤمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ )(1) .
فالمفهوم من هذه الآية المباركة أن النبي إبراهيم اعتقد بسبب هذه
____________
(1) سورة الصافات ، الآية : 102 .
( 164 )

الرؤيا بأنه مأمور بذبح ولده وتقديمه قربناً لله تعالى .
كما اعتقد اسماعيل تبعاً لاعتقاد والده بأنه مأمور بتقديم نفسه قرباناً في سبيل مرضاة الله تعالى وأن والده مستعد لتنفيذ أمر ربه وتنفيذ إرادته وإن كان ذلك من أصعب التكاليف وأشدها وقعاً على شعوره وعاطفته الأبوية وأراد الاستفهام ومعرفة حال ولده هذا وهل هو مستعد لتقديم نفسه وتنفيذ أمر ربه بطواعية وانقياد لإرادة رب العباد فخاطبه قائلاً : ( فانظر ماذا ترى ؟ ) .
فأجابه على الفور وبدون تردد : يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين .
وحكى الله سبحانه قصة إقدام هذاين النبيين العظيمين على أمتثال أمر ربهما الأعظم بقوله تعالى:
( فَلَمَّآ أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلّجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلاؤا المُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الأَخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيم * كَذِلَكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤمِنِينَ )(1) .
فقد بيّن الله سبحانه بهذه الآيات البينات عدة نقاط حيوية جديرة بالتنبه لها والالتفات إليها من أجل استيحاء العبر الموجهة والدروس المربية .
النقطة الاُولى: هي أن إقدام كل واحد من الوالد والولد على تنفيذ أمر الله‏ سبحانه لم يكن عن ضغط خارجي مثل خوف العقوبة الصارمة المترتبة
____________
(1) سورة الصافات ، الآيات : 103 ـ 111.
( 165 )

على المخالفة العملية للوظيفة الشرعية وإنما كان عن تسليم لأمر الله سبحانه ورضا بقضائه وهذا هو روح العبودية الكاملة والعبادة المخلصة لله تعالى وهي القسم الثالث من أقسام العبادة الذي اختاره الإمام علي عليه السلام لأنه يمثل غاية الخضوع وقمة الخشوع أمام عظمة الخالق المعبود بحق وجدارة حيث قال عليه السلام : إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك .
وقد عبر ا‏لله سبحانه عن تسليمهما الخاشع أمام قضائه الواقع بقوله سبحانه : فلما أسلما . . .
النقطة الثانية : أن إقدام النبي إبراهيم على ذبح ولده إسماعيل الطفل الوحيد لم يكن مشوباً بشيء من الرقة والعطف الأبوي الذي يقتضي بطبعه التريث والبطء في مقام الامتثال كما هو واضح بمقياس العاطفة البشرية وخصوصاً العاطفة الأبوية وعلى الأخص مع الطفل الوحيد الوديع الذي بلغ من العمر مرحلة تساعده على العمل في سبيل خدمة أبويه ومساعدتهما على تحقيق بعض الخدمات ولا سيما إذا كان الوالد شيخاً كبيراً كما كان بالنسبة إلى موضوع الحديث وموضع الإعجاب والتقدير .
ويستفاد من ما ذكرناه في هذه النقطة من قوله تعالى : ( وتله للجبين ) حيث يفهم من هذه الكلمة ـ معنى القوة على ضوء ما ورد في تفسيرها لغة وشرحاً في كتب التفسير . قال المرحوم العلامة الشيخ محمد جواد مغنية في كاشفه مفسراً مفردات الآية المذكورة بقوله : أسلما ـ استسلما لأمر الله تعالى وتله ـ صرعه وألقى به على الأرض(1) .
وهذا يدل على أن حرارة الإيمان المتوهجة في قلبه غلبت على
____________
(1) تفسير الكاشف ج6، ص 349 الطبعة الأولى .
( 166 )

حرارة العاطفة الأبوية لتصبح بحكم العدم ، وهذا هو المتوقع من المؤمن الرسالي المثالي الذي باع نفسه وماله وأولاده وكل ما يتعلق به في هذه الحياة ‏لله تعالى ، بأنّ له في مقابل ذلك جنةً عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .
والسر في ذلك هو أن المؤمن الواعي الواقعي يرى بعين فطرته الصافية وبصيرته النافذة أن نفسه وماله وأولاده وكل ما هو تحت يده وتصرفه في هذه الحياة هو ملك لله تعالى المالك الحقيقي للكون كله بما فيه الإنسان ولذلك يجب عليه أن يصرفَه ويتصرف به وفق مرضاته وإذا طُلب منه تسليمه له وإعادته إليه وجبت عليه المبادرة إلى التسليم عملاً بقوله تعالى :
( إِنَّ اللَّهَ يأمُرُكُم أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ )(1) .
وقد أدرك بعض المؤمنين هذه الحقيقة الإيمانية وتعامل مع حادثة وفاة ولده البالغ من العمر عشرين عاماً ـ على هذا الأساس وحاصل قصته أن هذا الوالد المؤمن الواعي كان مشغولاً بإلقاء محاضرة على طلابه في مدرستهم وفي الأثناء بلغه نبأ وفاة ولده هذا فقابل هذا النبأ بالصبر والتسليم وقوة الإرادة الإيمانية واستمر على إلقاء المحاضرة وبعد فراغه منها سأله أحد طلابه عن مضمون النبأ الذي بلغه أثناء المحاضرة فأخبره بكل هدوء واطمئنان وكأنه لم يحدث شيء يذكر .
وهذه ظاهرةٌ غريبة وعجيبة تلفت النظر وتثير الاستغراب والإعجاب في الوقت نفسه ، وعندما سألوه عن سبب ضبط أعصابه ومقابلته هذا النبأ
____________
(1) سورة النساء ، الآية : 58 .
( 167 )

العظيم بصبر وتسليم أجابهم بلسان المؤمن الواثق بعدالة السماء الراضي بالقدر والقضاء :
أنا لم أُفاجأ بما حصل لأني كنت مؤمناً منذ البداية بأن ولدي كان أمانة عندي لله تعالى وأنا أحمد الله سبحانه وأشكره على أن أبقى أمانته عندي طيلة عشرين سنة ولم يأخذها قبل ذلك . وقد أشار بعض الشعراء إلى هذا المعنى بقوله :
وما الناس والأهلون إلا ودائع * ولا بد يوماً أن ترد الـــودائع

والنتيجة الإيجابية المترتبة على الاعتراف بهذه الحقيقة الإيمانية والعمل بمقتضى هذا الاعتراف .
هي أولاً : حصول الرضا بقضاء الله وقدره والتسليم لإرادته والصبر على حكمه ومشيئته القاضية بفراق المحبوب كالولد أو أي عزيز من الأقرباء أو الأصدقاء ومثله فراق الصحة أو المال ونحو ذلك من متاع الدنيا أو وقوع المكروه من مصائب الزمن ونوائب الدهر ـ ولا شك أن الرضا بقدر الله والتسليم لأمره يخفف من وقع المصيبة ويسهل على المؤمن تحملها .
وثانياً : ترتب الأجر العظيم والثواب الجسيم على الصبر والرضا بقضاء الله الرحيم الحكيم مضافاً إلى سقوط الحساب عنه ليدخل الجنة بغير حساب ولا عتاب وتلك فائدة جسيمة ومنفعة عظيمة يستفيدها المؤمن بتسليمه لقضاء ربه العادل وصبره على ما يقدره له من فراق محبوب أو وقوع مكروه ، قال سبحانه : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُون أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب )(1) .
____________
(1) سورة الزمر ، الآية : 10 .
( 168 )

وقال سبحانه :
( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرينَ * الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ )(1) .
وقد تحدثتُ حول فوائد الصبر المعجلة في الدنيا والحاصلة في الآخرة بصورة تفصيلية في الجزء الأول من (وحي الإسلام) صفحة 126 ، والذي يهون المصيبة على المؤمن ويجعله في حالة تصبر وجلد هو إيمانه بالعوض الأكبر والجزاء الأوفر يوم القيامة .
فإذا فقد صحته وصبر على المرض نال بذلك الصحة التامة والسلامة الدائمة في دار الخلود.
وإذا فقد أحد أولاده عوضه الله عنه بالولدان المخلدين مع جمع شمله بمن فقده من ولد أو أي عزيز آخر إذا قدر للفقيد أن يكون من أهل النعيم بسبب من الأسباب .
وإذا فارق زوجته عوضه الله عنها بالحور العين وجمع شمله بها ـ أي بزوجته إذا قدر لها أن تكون من أهل الجنة .
ولو فقد مالاً أو نعمة من نعم ا‏لله في هذه الحياة نال عوضها الثراء الحقيقي الدائم والنعيم الواقعي الخالد عندما يقابل مصيبة ابتلائه بفقد ما يحب أو من يحب ـ بالصبر والتسليم لقضاء الله الرحمن الرحيم وذلك هو السر في الصبر العظيم الذي تجمل به الأنبياء والأوصياء والسائرون على
____________
(1) سورة البقرة ، الآيات : 155 و156 و157 .
( 169 )

نهجهم من الأولياء والصلحاء .
لأن إيمانهم الجازم بأن الله يجازيهم على صبرهم ورضاهم بتقديره لهم فقد ما يحبون أو حصول ما يكرهون ـ بتعويضه عليهم وتقديمه لهم ما هو المحبوب لهم من أنواع النعيم على وجه الدوام والخلود وكذلك يجازيهم على صبرهم ورضاهم بما قدره الله لهم من المكروه وذلك بتسليمهم من المكروه الأكبر والعذاب الأخطر يوم القيامة .
أجل : إن إيمانهم بذلك يُهون عليهم مصيبة فقد المحبوب وحصول المكروه فيقابلونها بالصبر الجميل والرضا بحكم الله الجليل .
ويستفاد ذلك من قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عندما قابله المشركون بكل أنواع الأذى والمكروه: « إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي » . وقول سبطه الحسين عليه السلام حينما ذبح طفله الرضيع على يده يوم عاشوراء : ( هون ما نزل بي أنه بعينك يارب ) .
وبذلك يعرف السر في اتصاف المؤمنين الواعين المخلصين بجميع الصفات الكمالية المحبوبة لله تعالى والمقربة منه والمسببة لنيل رضاه ومجازاتهم على الاتصاف بها والعمل بمقتضاها ـ بالنعيم الخالد والسعادة الأبدية وتأتي صفتا الشجاعة والكرم في الطليعة بين الصفات المثالية التي يتجمل بها المؤمنون المخلصون وبذلك كانوا السباقين إلى ميادين التضحية والفداء في ساحة النضال والدفاع عن المبدأ الحق ولو اقتضى ذلك بذل النفس النفيسة وبالطريق الأولى أن يكونوا السباقين في ميدان البذل والجود بالمال في سبيل تحقيق الهدف المذكور والسبب في ذلك هو ما تقدم ذكره من أن المؤمن الواعي يؤمن بالخلف والثمن الثمين الذي يأخذه من الله سبحانه عوضاً عمّا يقدمه في سبيله من النفس العزيزة والأولاد الأحباء والأنصار الأوفياء فضلاً عما يقدمه مما هو أقل قيمة من ذلك وهو الأموال


( 170 )

ونحوها مما يترتب على تقديمه في ساحة الجهاد المقدس أثر إيجابي ونصر معنوي أو مادي للمبدأ الحق ونظامه العادل الكامل .
وقد أشار إلى ذلك سيد البلغاء والموحدين علي أمير المؤمنين بعد سيد المرسلين بقوله : من أيقن بالخلف جاد بالعطية . والمقصود بالخلف اليقين والثمن الثمين الذي يأخذه المؤمن من الله سبحانه بدلاً عما يقدمه في سبيله ـ هو الجنة الخالدة ونعيمها الدائم مع رضوانه الأكبر .
ويستفاد ذلك من قوله تعالى :
( وَعَدَ اللَّهُ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجري مِن تَحْتِها الأَنْهَارُ خَالِدينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّن اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ الَعظِيمُ )(1) .
كما يستفاد ذلك من آية اُخرى مع التصريح بالعوضية التي وعد الله بها عباده المؤمنين العاملين وهي من نفس السورة التي وردت فيها الآية السابقة وهي قوله تعالى :
( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبيل اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلون وَعْداً عَلَيهِ حَقّاً فِي التَّوْراةِ وَالإنجِيلِ وَالقُرْءانِ وَمَنْ أَوفَىُ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ )(2) .
وروي عن أهل البيت ( عليهم السلام ) أن المؤمن لا يكون بخيلاً ولا جباناً وحيث أنهم بلغوا القمة في الإيمان الصادق الراسخ فقد بلغوا الذروة في الكرم والسخاء والتضحية والفداء .
____________
(1) سورة التوبة ، الآية : 72 .
(2) سورة التوبة ، الآية : 111 .

( 171 )

ويأتي كرم الحسين النادر وتضحيته بنفسه النفيسة وأبنائه الأحباء واخوانه الأعزاء وأنصاره الأوفياء الأصفياء ـ في سبيل نصرة الحق مردداً بلسان الحال :

إن كان دين محمد لم يستقم * إلا بقتلي يا سيـوف خذيني

أجل: قد جاءت تضحية سيد الشهداء بذلك كله لتكون المثل الأعلى والنموذج الأكمل للمؤمن المسلم الذي سلم أمره لخالقه وسلمه كل ما طلب منه تسليمه له من أمانة النفس والأولاد والاخوان والأنصار والأعوان ونال بذلك عز الدنيا وسعادة الآخرة ورضواناً من الله أكبر .
وهذا وذاك هو الذي دفع بالكثيرين من أبناء الجيل المعاصر للاقتداء به والسير على نهجه في كربلاء جديدة وعاشوراء مجيدة وصدق الشاعر عندما قال في حقه :

ما كـــان للأحرار إلا قُـدوةً * بطلٌ تـوسد في الطفوف قتيلا
بعـــثته أسفار الحقـائق آيةً * لا تقبل الـــتفسير والتأويلا
لازال يقرؤها الزمان معــظماً * في شأنها ويزيدها تـــرتيلاً
يدوي صداها في المسامع زاجراً * مـن علَّ ضيماً واستكان خمولا

النقطة الثالثة : التي تضمنتها الآيات المذكورة في سورة الصافات هي أن الله سبحانه أراد بإجراء الامتحان للنبي إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام ـ بالنحو الذي طلبه منهما في الطيف وشاءت إرادته الحكيمة أن يحصل لهما العلم بأن التكليف الذي وُجه إليهما في المنام تكليف واقعي حقيقي يُراد امتثاله كالصلاة والصوم والحج والزكاة ونحوهما من الواجبات الشرعية الإلهية .
أجل : أراد الله سبحانه بهذا الامتحان الصعب أن يُظهر مقام هذين


( 172 )

النبيين العظيمين وأنهما مستعدان لأن يقدم أحدهما نفسه والآخر ولده قرباناً لله تعالى وطلباً لمرضاته هذا من جهة . ومن جهة اُخرى أراد الله سبحانه أن يقدم منهما قدوةً مُثلى وأسوة فضلى للأجيال المؤمنة عبر التاريخ لتقتدي بهما في مجال الجهاد والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل نصرة الحق والدفاع عنه عندما يتعرض للخطر .
وقد شاء الله تعالى أن يخلد ذكرهما العاطر وذكراها الحافلة بكل أنواع التضحية والفداء ـ وذلك بجعل تقديم الهدي من الشعارات الواجبة في حج التمتع على من استطاع إليه سبيلاً . وفي اليوم العاشر من ذي الحجة وفي نفس المكان الذي أقدم النبي إبراهيم على تقديم ولده فيه قرباناً لله وامتثالاً لأمره باعتقاد أن ذلك كان هو الذي أوجبه الله عليه في المنام وحيث أن الواجب الذي كان مطلوباً منه في الواقع هو نفس الإقدام على ذبح ولده، هذا لأن ذلك كافٍ لنجاحه في الامتحان وظهور أنه مستعدٌ للإقدام على تقديم ولده في سبيل الله فيُعرف مكانه الرفيع عند الله وتُرسم بذلك القدوة المثلى والأسوة الحسنة للآخرين كما أراد رب العالمين ـ وقد تحقّق منه ذلك الإقدامُ وترتب عليه الغرض المنشود ولذلك أخبره الله بالحقيقة بقوله تعالى :
( وَنَاديْناهُ أَن يَاإبراهيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجِزِي المُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلاؤا المُبينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم )(1) .
____________
(1) سورة الصافات ، الآيات : 104 و105 و106 و107 .
( 173 )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net