متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
نفي الرؤية البصرية للذات
الكتاب : الآلوهية عند الفرق الإسلامية    |    القسم : مكتبة العقائد الإسلامية

نفي الرؤية البصرية للذات

الرؤية البصرية تستحيل عليه تعالى, لان كل مرئي ذو جهة, لانه اما مقابل او في حكم المقابل بالضرورة, فيكون جسما وهومحال. ولقوله تعالى (لن تراني) ولن النافية للتأبيد .
فلا بد ان نحرر محل النزاع في المسألة , تارة ان الانسان يحصل له علم بالشئ قبل ان يرى ذلك الشئ, فيقال ان الشئ الفلاني متحقق موجود في العالم وهو لم يره  بعينه, ولكنه حصل له العلم بالتبادر, أو سمع من شخص موثوق لا يشك في كلامه يقول ان الشئ الفلاني بالمواصفات الفلانية موجود .هذا قد حصل له العلم ولكنه لم يره . وأخرى يرى هذا بعينه . وثالثة بعد ان يرى هذا الشئ يغمض عينه فيتصورهذه الصورة . فهذه حالات ثلاث ومحل النزاع في الحالة الثانية . قلنا ان في الحالة الاولى ان الانسان يعلم بالشئ قبل ان يراه, وفي الثانية يعلم الشئ ويراه وهو في حال الرؤية, أي بالرؤية الحسية البصرية , وحالة ثالثة انه يعلم بالشئ ويراه ولكن لا برؤية بصرية وانما رؤية في خياله وذهنه. كما لو نظر الى منظر جميل ثم أغمض عينه فيتصور ذلك المنظر الجميل.  الان محل النزاع بتلك الخصوصيات بالنفي والاثبات للرؤية البصرية أي الحالة الثانية والتي هي موقع النزاع بين المتكلمين وبين الحكماء , وبين المتكلمين أنفسهم . ذهب الحكماء على الاطلاق الى استحالة الرؤية البصرية . وذهبت المجسمة الى امكان الرؤية البصرية ووقوعها, لانهم يرون ان الحق جسم وليس مجرد . وذهبت الاشاعرة الى ان الله سبحانه وتعالى مع انه ليس بجسم ومجرد عن الجسم والجسمانية والمادية, مع ذلك يمكن رؤيته, وهذه الرؤية لا تقع في الدنيا وانما تقع في الاخرة . اذن الاقوال ثلاثة – قول للحكماء باستحالة الرؤية البصرية كونه تعالى مجرد والمبصر لا يمكن ان يرى الا الامور المادية . وقول با ن الله تعالى جسم فاذا يمكن علية الرؤية البصرية وهم المجسّمة. وقول ثالث للاشاعرة من انه تعالى مع تجرده يمكن رؤيته بالعين الباصرة الحسية والرؤيا العينية.


فذهب الحكماء والمعتزلة الى استحالة رؤيته تعالى بالبصر الحسي, لان الله مجرد والمجرد لايمكن ان يرى بالعين الباصرة والرؤية البصرية, وذهب المجسمة والكرامية الى جواز رؤيته بالبصر مع المواجهة, كما انها ستواجه هذا الشئ وتراه, تستطيع ان تواجه الحق سبحانه وتعالى وتراه, لانه عندهم جسم وتصوره على صورة الانسان. واما الاشاعرة جمعوا بين القولين , فقالوا مجرد كما قالت المعتزلة, وقالوا برؤيته كما قالت المجسمة.ومن الواضح ان هذا القول مخالف لجميع العقلاء لان القائل برؤيته يقول بانه يرى ويدرك, والا لو كان مجردا لا يرى فقال يرى لانه يرى ان الحق جسم, اما لو كان يعتقد بانه ليس بجسم كان يجب ان يقول لا يرى ايضا. فهؤلاء خالفوا العقلاء جميعا.ووجد بعضهم ان الكلام فيه اشكال, حاول ان يوجه الكلام فقال بانه يعلم الشئ بان يرى تلك الرؤية, وقال ليس مرادنا بالرؤيا الانطباع أي انطباع الشئ بالعددية , هنالك اقوال في المسالة بان الرؤية البصرية كيف تحصل, هل هو بانطباع الصورة بالعين, أو بخروج شعاع من العين يقع على الموجود الخارجي ثم يرجع للعين. اى بانطباع صورة الوجود الخارجي . قال وليس مرادنا بالرؤية الانطباع او خروج الشعاع بل الحالة التي تحصل في رؤية الشئ بعد حصول العلم به. انت عندما تعلم بالشئ الا توجد في نفسك صورة في خيالك؟ هذا مرادنا من الصورة البصرية. أنت بالصورة الاولى ان تعلم بوجود الشئ, وتوجد بذهنك وخيالك صورة لذلك المعلوم . يقول مرادنا بالرؤية البصرية هذا المعنى , ولكن محل النزاع بالحالة الثانية اي الرؤية البصرية, لهذا اراد بعضهم التخلص من هذا الاشكال. والا بالواقع هم يدّعون الرؤية البصرية بالحالة الثانية. وقال بعضهم معنى الرؤية هو ان ينكشف الباري لعباده بالاخرة كانكشاف البدرالمرئي .هذا كلها بسبب الاشكالات التي ترد عليهم . فقال كيف ان الانسان له علم بالبدر المرئي, يقطع يقينا بانه راى البدر , فمرادنا بالرؤية ان الانسان يوم القيامة يحصل له علم عام بوجود الحق ,اذا كان في قلبه هنا تشكيك, او احتمال هناك, اي في الاخرة سيكون كشفا تاما , فالمراد من الرؤية ليس الرؤية البصرية, بل ان ينكشف لعباده المؤمنين بالاخرة انكشاف البدر المبين . والحق انهم ان عنوا بذلك الكشف التام, اي مما لا يشوبه اي شك او شبهه فهذا صحيح , لانه مسلم ان المعارف تصير يوم القيامة ضرورية, هذا مقبول لكنه ليس هذا محل النزاع, بل النفي والاثبات في الرؤية البصرية . واما اذا لم يقصدوا هذا المعنى وانما يقصدون معنى اخر فلا بد ان نتبين ما هو المعنى الاخر لنجيب, والا فهم لا يتصورون الا الرؤية البصرية وهي باطلة عقلا وسمعا.ً
ان المراد من الرؤية البصرية, وهو ان يكون النظر بالبصر وبالآلة, وان يكون المبصر بالحواس العادية. وقلنا توجد عندنا حالات ثلاثة: الحالة الاولى وهي العلم بالشئ قبل رؤيته. والحالة الثانية :رؤية الشئ .والثالثة: تصور شئ بعد رؤيته. ومحل النزاع في الحالة الثانية كما بينا , وهي هل يمكن ان يرى الله سبحانه بالرؤية البصرية او لا يمكن؟ وقلنا يوجد خلاف وتعرضنا له . وهنا نشير الى بطلان الرؤية البصرية بدليلين: عقلي ونقلي , الدليل العقلي ندركه من مقدمتين, المقدمة الاولى ان الله تعالى لو كان مرئيا لكان في جهة, والمقدمة الثانية, ولو كان في جهة كان جسما, والنتيجة وحيث ان الجسمية عليه محال اذا الرؤية البصرية عليه محال.
اما المقدمة الاولى انه لو كان مرئيا لكان في جهة, وجه الملازمة, هو ان الرؤية البصرية لا تتحقق الا اذا قابل الانسان , يعني اذا توفرت الشرائط وانتفت الموانع. ومن تلك الشرائط أن يكون المرئي مقابلا للرائي أو في حكم المقابل, من قبيل الصورة الموجودة في المرآة. انت عندما تنظر لصورة زيد في المرآة, زيد ليس مقابل لك ولكن الصورة التي تحكي عن زيد هي مقابلة لك أي بحكم المقابل للرائي. الرؤية البصرية لا يمكن ان تتحقق الا ان يكون المرئي مقابلا او في حكم المقابل بالنسبة الى الرائي, فاذا كان مقابل او في حكم المقابل فهو في جهة, يعني يمكن الاشارة الحسية اليه بمعنى هنا او بأنه هناك فاذن انتفت الملازمة. لو كان الله مرئيا لكان في جهة, واذا كان في جهة كان جسما , والجسمية عليه محال اذن الرؤية عليه محال. طبعا هذه المقدمة الثانية لا نحتاج اليها باعتبار انه ثبت ان الله تعالى كما يسلب عنه الجسمية, يسلب عنه الجهتية اذ انه لا جهة له , لو كان الله مرئيا لكان في جهة, والجهة عليه محال اذن الرؤية البصرية عليه محال . المقصود لو كان الله في جهة لكان مرئيا, وكل ما هو في جهة هو جسم, والجسمية محال اذن الرؤية محال . وجه الملازمة قولنا لو كان مرئيا لكان في جهة, اللازم واضح البطلان لان كل مرئي فهو اما مقابل او بحكم المقابل للرائي, ومن شروط الرؤية ان يكون تقابل بين الرائي والمرئي. وكل مقابل يمكن الاشارة الحسية اليه كما بينا بانه في هذه الجهة او تلك وحيث انه  له جهة, اذن لا يمكن ان يكون مرئيا.
اما سمعا فلوجوه هي ان موسى عليه السلام لما سأل الرؤية (قال ربي ارني انظر اليك)143 الاعراف
أجيب بلن تراني, وقد ذكروا بقواعد اللغة والنحو بأن لن للتابيد, لن تراني لا في الدنيا ولا في الاخرة. واذ لم يره موسى عليه السلام لن يره غيره بطريقة أولى , وانه من أولي العزم فكيف بالناس العاديين. والقول الثاني قوله تعالى (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصاروهو اللطيف الخبير)103 الانعام
تبين الاية الكريمة وجه مدح للحق وامتيازه على المخلوقات. تريد ان تقول بأن ما عداه سبحانه وتعالى تدركه الابصار ولكنه تعالى فوقهم لانه ليس كمثله شئ(ليس كمثله شئ وهو السميع البصير)11 الشورى. (1)
فلا تدركه الابصار, ولو كان مرئيا فلا فرق بين غيره من المخلوقات, ولا تكون جهة امتياز له. واذا لم يكن جهة امتياز له اذن يمكن ان يدرك, كما تدرك باقي الامور. فالايه الكريمه تريد ان تبين الفرق بين الممكن وبين الواجب, اي ان الواجب لا يمكنه ان تدركه الابصار, وهو جهة امتياز على الممكن .لانه ليس كمثله شئ صفة مدح ينفي ادراك الابصار له سبحانه, فيكون اثبات الابصار للواجب دوننا. فاذا لم يكن هذا الوصف موجودا يكون ناقصا ويستحيل عليه النقص سبحانه, والوجه الثالث انه تعالى استعظم طلب رؤيته ورتب الذم عليه والوعيد. فلو كانت رؤيته ممكنة ومعقولة فلماذا يذم الطالب للرؤية, اذن ذم طلب الرؤية لله تعالى كاشف بان الرؤية غير ممكنة والا لو كانت ممكنة لما كان هناك معنى للذم والوعيد  .



(1) هنالك من يميز بالالفاظ القرانية بين اعضاء الجسد , وجوارح الروح بان الاعضاء حينما تخص الجسد المادي يعبر عنها (بالعين والاذن والقلب والفم ) بينما اذا خصت الروح يعبر عنها ( بالبصر والسمع والفؤاد والفاه)والايه الكريمة بما انها تخص الروح قال لا تدركه الابصار اي حتى الروح المجردة بالاخرة .



 
فقال ( فقد سالوا موسى اكبر من ذلك) يعني قوم موسى عليه السلام سالوا أكبر من هذه الامور المذمومة التي يستحقون عليها العذاب, سالوه رؤية الحق سبحانه وهي اعظم ذنبا واستحقاقا للذم والوعيد ( قالوا ربنا ارنا الله جهرة فاخذتهم الصاغقة بظلمهم)153 النساء.
(وقال الذين لا يرجون لقاء نا لولا انزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوّا عتوّا كبيرا ) 21 الفرقان .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net