متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الشهيد الشيخ علي عيسى المديفع
الكتاب : قدوة في الهجرة والجهاد    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات

الشهيد الشيخ علي عيسى المديفع

 

«تقديم»

عندما امسكت القلم لأكتب عن شهيدنا (المُدَيفع) انتابتني الحيرة والدهشة وسيطر عليّ جوّ من هيبة الشهيد وقدسيته، تحيرت كيف أكتب ومن أين أبدأ وماذا أقول؟ إذ انا أقف أمام من أفنى نفسه في ذات الله وجاد بكل وجوده في سبيل الله، والجود بالنفس أقصى غاية الجود، انه الشهيد القدّيس (الشيخ علي المُدَيفع) الذي لم يعط للدنيا أي اعتبار ولم يحفل منها بأكثر من سد الرمق وستر البدن، انّى لنا والكتابة عن مثل هكذا انسان؟

لقد تزاحمت أمامي الافكار وكدت أتيه في ذهول وأوشكت الأبواب تؤصد أمامي لكن لم يكن بد من إجابة الطلب وأداء الواجب فجائت هذه الاسطر المحدودة تلتمس العذر بخجل وحياء من روح الشهيد الطاهرة ومن القراء الكرام.

نسأل الله تعالى ان لا يحرمنا شرف الشهادة وشفاعة الشهداء، كما نسأله العزة والنصر للإسلام والمسلمين.

«المولد المبارك»

والد الشهيد ووالدته كانا أفضل مثال للأبوين الصالحين ومن يرى والد الشهيد الحاج عيسى المديفع يلمس فيه لأول وهلة التدين والصلاح، ومع انه انسان بسيط ضعيف الحال الا ان الطيب والصفاء والهدوء والوقار صفات متميزة فيه، وأما أخواه صادق ومحمد فلم يعدوا سمة العائلة في التدين وحسن السيرة بل كان لهما وجود مؤشر وملموس في صفوف الشباب الملتزم، هذه هي عائلة الشهيد وها هم ذوه الأماجد... وفي هذا البيت الطاهر وفي أحضان هذه العائلة الشريفة جاء الموولد المبارك (الشيخ علي المُدَيفِع) وكان ذلك في قرية (الدَّبَّيبيه) بالقطيف سنة 1380هــ، وفي تلك القرية تربى الشهيد المديفع في كنف عائلة فقيرة لكنها غنية بالايمان معروفة بالعفاف وحسن الخلق.

«انفجار النور»

كان عمر الشهيد 19 عاما وكان قد أنهى شطراً من المراحل المدرسية حينها كان يعمل في (البحرية) كوظيفة عادية للتكسب، والناس عرفوه منذ صغره ملتزماً متعبداً هادئ الطبع دمث الاخلاق، في هذه الظروف وبتاريخ 14 ربيع الاول 1399هــ حقق الله النصر المؤزر لروح الله وانفجر النور العظيم في ايران وحدث الزلزال في كل انحاء العالم، انه انتصار الثورة الإسلامية المباركة وقيام الجمهورية الإسلامية الوحيدة في دولة ايران على يد المجدد الأعظم سيد العلماء وإمام العظماء الامام روح الله الموسوي الخميني سلام الله عليه.

والشهيد المديفع كغيره من آلاف الشباب الملتزم سارع الى التأييد المطلق للثورة الإسلامية واندفع متحمساً للدفاع عنها ومساندتها وخلال ست سنوات بعد الانتصار كان له دور كبير في توعية الشباب وربطهم بالإسلام المحمدي الخالص والالتزام بخط الولاية المقدس للامام الخميني العظيم، يشهد له بذلك مسجد المزار في بلدة الدّبيبيه

بالقطيف كما يشهد له اقرانه من الشباب الذين عايشوه واستمد وا منه الروح العالية واستفادوا من مجالسه وندواته.

يقول عنه بعض أصحابه: (وكان طيب الفكاهة كثير الفائدة، لا يستحي ان يقول لا أعلم، لا يتدخل في ما لا يعنيه، خفيف الظل تشتاق الى مجالسته، يدعوك الى الكتاب ويوثق العرى بينك وبينه، لا يبخل بعلمه ويتمنى ان يفوته الناس في المعرفة... أعاد الى المساجد رونقها والهدف منها بالمباحثة النافعة والاستذكار الطويل، حتى اننا اذا أردنا الاجتماع به لم نبحث عنه لانا نعلم انه في «مسجد المزار بقرية الدّبابية» بالقطيف الحبيبة، ينهل من العلم بالمطالعة لا ينقطع عن ذلك ولا يفتر).

«الهجرة الميمونة»

من شدة شوق الشهيد (المُدَيفِع) الى المعرفه وشدة ولعه بالجمهورية الإسلامية لم يستطع البقاء في بلده وصمم على الهجرة الى ايران، وفي أوائل سنة 1405هـ وصل الشهيد الى مدينة قم المقدسة وانشغل فور وصوله بالدروس الحوزوية، وكانت له المكانة المتميزة في قم بين كل من عرفه من الطلبة كما كانت مكانته بين أبناء بلده (القطيف)، وقضى في الحوزة العلمية قرابة سنة كاملة عُرف خلالها بالجد والالتزام وحسن السيرة ودماثة الاخلاق، ولم يشاهد منه احد خلة أو زلة على الاطلاق.

«نحو جبهات الحق»

في منتصف عام 1406هـ تاقت نفس الشهيد الى التطبيق العملي لمقارعة الطاغوت ولم يسعه البقاء في قم وهو يرى أفواج المجاهدين على جبهات القتال فصمم على الالتحاق بركب انصار الحسين (عليه الصلاة والسلام) وعشاق روح الله، وفعلاً تحققت امنية الشهيد وإذا به في سوح القتال يقارع احفاد بني امية وأعوان صدام الكفار، وقضى له في الجبهة سنة كاملة، أو تزيد كان يتردد خلالها على قم بين الفينة والاخرى، وكان له في الجبهة مواقف مشرفة ومشاهد رائعة كانت موضع إكبار واجلال لدى كل من عرفه من رفقائه في الجهاد.... وفي آخر مرة عاد فيها الشهيد الى قم قادماً من الجبهة في إجازة معتادة التقيته في أحد الازقة ـ وكان اللقاء الاخير ـ وتعانقت معه بحرارة وكان مبتسماً مسروراً كأنه قادم من زفاف ولمست فيه نورانية وروحانية لا تكاد توصف، ومما قال لي في حديثه: (اني اشعر بالاستياء والوحشة جداً عندما افارق جبهة القتال واحس كأني فارقت حبيباً وفياً طالما ألفته وأنستُ به).

ولا غرو ان يحمل الشهيد هذه الروح العالية وذلك العشق المتمز "ان الجهاد باب من ابواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه"، ولا شك ان الشهيد (المُدَيفِع) من اولئك الابدال الذين اختصهم الله بألطافه وغمدهم برحمته.

«شرف الشهادة»

جاء في الحديث الشريف: «فوق كل بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فليس فوقه بر» وهكذا تكاملت روح الشهيد (المُدَيفِع) وسمت وارتفعت حتى اقتربت من الملكوت الأعلى وأصبح أهلاً للشهادة ولائقاً بها، كان الشهر شهر الله شهر رمضان المبارك وأولياء الله جميعاً في ضيافة الله والشهيد كان على الجبهة الغربية للجمهورية الإسلامية مشغولاً بالكفاح المسلح كما هو مشغول بالدعاء والعبادة، وفي اليوم الثامن عشر من الشهر الشريف كان على بعض المجاهدين ـ ومنهم الشيخ (المديفع) ـ ان يعودوا الى الخطوط الخلفية للجبهة لبعض الوقت ثم يكروا راجعين الى مواقعهم لمواصلة الجهاد، وفي طريقهم الى مؤخرة الجبة وهم مستقلون حاملة جنود عسكرية جنَّ عليهم الليل فداهمهم أعداء الثورة من منافقي (كردستان) ووقعت الملحمة الكبرى بين الطرفين حيث رفض أنصار الامام الذل والاستسلام وبعد معركة دامية استشهد سائق الناقلة العسكرية وعرجت روحه الى السماء، وكان الشيخ (المدَيفِع) مشغولاً بتلاوة القرآن مستغلاً ليلة القدر وأيام الشهر المبارك ولم يكن يعبأ بكثافة النيران واحتدام المعركة، وفي هذه الحال آن الأوان للقاء الشهيد بربه فأصابته رصاصة في صدره وأُصيب بضربة قاتلة في رأسه فخرّ الى الارض مزملاً بدمائه شاكياً الى الله ظلم أعدائه فرحاً مستبشراً بلقاء ربه «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع اجر المؤمنين»وهكذا عرجت روح الشهيد (الشيخ علي المدَيفِع) الى بارئها راضية مرضية ونال (المديفع) أسمى وسام وفاز بأفضل كرامة ولحق بركب الشهداء والصديقين فهنيئاً له بالشهادة والسلام عليه يوم ولد ويوم هاجر الى أرض الثورة والجهاد ويوم قارع الطاغوت على جبهات الحق ويوم سقط مضرجا بدمه شهيداً في سبيل الله.

«من خصائص الشهيد»

امتازت شخصية الشهيد وسيرته بمميزات كثيرة قلّ ان توجد في سواه وقد سبقت الاشارة الى بعضها في ما مضى، والذي اريد ذكره الآن بعض خصائصه كشهيد فقط، انه قل من الشهداء من يحصل على تلك الالطاف والعناية الالهية التي حصل عليها شهيدنا (المديفع)، لقد اختاره الله اليه ورزقه الشهادة في ظروف ومناسبات توحي بماله من المكانة السامية والمنزلة الرفيعة عند الله تعالى وأُلَخِّص تلك الميّزات في التالي:

1 ـ اصيب الشهيد (الشيخ علي المُدَيفِع) في أول ليالي القدر المباركة ليلة التاسع عشر وهي الليلة التي أصيب فيها إمامة علي (عليه الصلاة والسلام)

2 ـ عمر الشهيد حين استشهاده 27 عاماً حيث ولد سنة 1380هــ واستشهد 1407هــ، وهو مطابق لعمر شبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أول شهداء الهاشميين في كربلاء علي الاكبر بن الامام الحسين (عليه الصلاة والسلام).

3 ـ بعد ان نقل جثمان الشهيد الطاهر الى قم المقدّسة تم له تشييع عظيم حافل شارك فيه جموع من المؤمنين وأهل العلم ثم أولحد في قبره الشريف في مقبرة الشهداء مقبرة علي بن جعفر في قم المقدسه وكان ذلك ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك وهي أفضل ليالي القدر وأشرفها.

ولا أنسى هنا أني حين جئت لالقاء النظرة الاخيرة على جثمان الشهيد مع جملة من أصحابه ومحبيه كشفنا عن وجهه فلم نشعر انه ميت بل رأيناه كالنائم في سبات عميق هادئ البال مطمئن النفس وبشائر السرور والارتياح بادية على محياه بشكلك لمسه الجميع بل ان البعض اهوى عليه يقبله ويعانقه كما يعانق الحي الفرح المستبشر.

فهنيئاً لشهيدنا (المديفع) على ما ناله من درجات عالية وهنيئاً لمن سبقه ولحقه من الشهداء الأبرار، ربنا ارزقنا ما رزقتهم وأعطنا كما أعطيتهم واحشرنا في زمرتهم وارزقنا شفاعتهم .

والسلام عليهم جميعا وعلى أولياء الله الصالحين

«وصية الشهيد»

بسمه تعالى

وصيتي الى المسلمين والمستضعفين في العالم

ايها المسلمون المستضعفون في العالم عليكم ان تنتبهوا لما يدور حولكم دائماً فانكم لو انتبهتم الى ذلك لرأيتم كيف ان الكفر والنفاق والاستكبار كله قد برز للقضاء عليكم ولا يكفي ان نعرف هذا بل ان الاهم من ذلك هو التخطيط والعمل الجدي مع التحلّي بالايمان والصبر والاستمرارية الى نهاية المخطط السليم الذي يرسمه لنا العقل السليم. ولا أعتقد ان إنسانا يملك عقلا سليما وهو يتبع قائداً غير الامام روح الله الموسوي الخميني روحي له الفداء فإن هذا الامام قد جسّد صفات الانبياء والاوصياء وهو القائم مقام صاحب الزمان في زماننا الحاضر فيا مسلمي العالم ويا مستضعفي العالم ان تمسككم بالامام وتنفيدكم لأوامره يعني انكم تسيرون على الخط الصحيح المستقيم فاستغلوا فرصة وجود الامام فإن الحق معه أينما كان

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابنكم الفقير الى الله

علي عيسى المديفع

الشهيد محمد نور الشواف

«المولد السعيد»

ولد الشهيد السعيد ابو جاسم الإسلامي الشيخ محمد نور الشواف في مدينة الاحساء بالمنطقة الشرقية ، وترعرع في احضان الايمان وتغذى بلبن الحنان والولاء لآل بيت النبوة فنشأ على حب آل محمد الذين أمرنا الله بحبهم وجعل اجر الرسالة في مودتهم ، تربى شهيدنا العزيز على يدي والديه وفي عائلته المكونة من والده ووالدته وإخوانه المؤمنين ولقد عاش الشهيد الشيخ محمد (رحمه الله) في اوساط بلدة عرفت بولائها لآل محمد (ص) مما كان له الدور الاكبر في تجلي خصال العزة والاباء والشجاعة والاقدام والتمسك بالاخلاق الإسلامية والسنن المحمدية لدى شهيدنا رحمه الله .

التحق شهيدنا ومن حين إكماله السادسة من عمره بالمدارس الحكومية فأتم الابتدائية ثم المتوسطة والثانوية ومن بعدها التحق بالجامعة ودرس فيها لمدة سنتين فكان مدة دراسته مثالاً طيباً للطالب المجد المجتهد في دراسته الحائز على الدرجة الجيدة في الدراسة والسيرة والسلوك .

«بيت الايمان »

من سعادة المرء ان يعيش في اسرة فضيلة وحنان ومحبة وإيمان هذه الاسرة هي التي تعطي ثمارها سليمة طيبة هكذا كانت اسرة الايمان اسرة شهيدنا البطل فلقد كان والده يعني عناية تامة بأولاده ويربيهم تربية صالحة على تعاليم اهل البيت وخط آل محمد وعلي .. خط الشهادة والدم القاني والاخلاق ، كما كانت والدته هي الاخرى التي غذت ابناءها حب الله ورسوله وحب علي واولاده واشبعتهم حناناً وشفقة وكما قال الشاعر :

لاعذب الله امـي انها شربت         حب الوصـي وغذتــنيه باللبن

وكان لي والد يهوى ابا حسن        فصرت من ذي وذا اهوى اباحسن

فكان شهيدنا والحمد للله خير ثمرة لتلك الشجرة الطيبة والاسرة المسلمة .

«في طريق الجهاد »

لقد سجل الشهيد الشيخ محمد نور (رحمه الله) صفحات من حياته المشرقة بالعطاء فقد كا ن يدرس في الجامعة - قسم التاريخ - حين انتصار الثورة الإسلامية المباركة واخذ يتابع وبدقة وجد ونشاط مسيرة الثورة فكان يحضر المسجد والندوات الدينية ويفهم الشباب ويدعو لخط الامام القائد ويحرض الشباب على مواصلة درب الجهاد وتحمل المسؤولية وفهم واقعهم المعاصر والتحرز من قيود الدنيا وتوافهها الزائلة الفانية شارحاً لهم خطر الاستكبار العالمي والشيطان الاكبر امريكا والعدو الاحمق وبعد ان احس شهيدنا رحمه الله بضرورة تحمل المسؤولية اكثر ومن اجل ان يؤدي دوراً اكبر قرر سنة 1402هـ مغادرة البلاد موجهاً وجهه نحو ايران الإسلام من اجل طلب العلم والتزود بزاد التقوى والثقافة الإسلامية البناءة ، التي يجب ان يتربى المجتمع كله عليها .«في مدرسة أهل البيت (صلوات الله عليهم اجمعين)»

التحق شهيدنا (رحمه الله) ومن حين وصوله عاصمة الإسلام طهران الشهباء التحق بمدرسة (منظمة الثورة الإسلامية) وبقي فيها ما يقارب السنتين وبعد ان عرف خط ولاية الفقيه التي هي الممثل الشرعي الوحيد لمسيرتنا يتمثل في الحوزة العلمية في قم قرر ترك الدراسة في طهران وتوجه تلقاء مدينة قم المقدسة حيث مدرسة أهل البيت (صلوات الله عليهم اجمعين) فالتحق بالحوزة وبدأ دراسته من جديد وواصل الدراسة حتى كتاب اللمعة الدمشقية في الفقه والمعالم في الاصول وكان يحضر دروس التفسير وكذلك وكان معروفاً بيننا بالجد والمثابرة والمباحثة وكان اذا حضر الدرس اخذ يشرحه عن ظهر قلب.

كما كان كثير الحرص علي وقته حتى انه لم يضيع من وقته ولا ساعة واحدة ويذكر لنا أحد إخوانه انه ذهب له في شغل فقال له لك خمس دقائق فقط، وكان (رحمه الله) قليل النوم ساهراً على دروسه حتى قال له احد زملاءه يا أخي ان السهر نوع من التعذيب الذي يمارس في سجون الظالمين ولكنه اخذ يواصل دربه مجداً صابراً.

وقد كتب على باب غرفته بيتاً من الشعر هذا نصه:

أنفاس نفسك أثمان الجنان فلا تشتري بها لهباً في الحشر يشتعل

بل كان كثير السؤال والمناقشة في المسائل العلمية يقول أحد المؤمنين من زملاءه ذهبت معه الى طهران فى إحدى المرات وفي وسط الشارع وزحام السيارات والناس اخذ يطرح عليّ مسألة صرفية ويناقش فيها.

ومن شدة حرصه على الوقت كان يسمع الأخيار في وقت تناول الطعام فكان يؤقت أكله مع وقت الأخبار حتى اذا كان صائماً يؤخر إفطاره حتى وقت نشرة الاخبار فيسمع الاخبار ثم يفطر.

«الوعي الرسالي»

كان شهيدنا (رحمه الله) يعيش ألم الامة الإسلامية بأجمعها متحسساً آلامها فيرى ماحل بها حل به وما أصابها أصابه فرحها فرحه وحزنها حزنه هكذا يجب ان نكون لان المسلمين كالجسد الواحد وكما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من سمع منادياً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم» بل كانت أكثر جلسات شهيدنا (رحمه الله) معمورة بذكر أحوال المسلمين في جميع جوانبها وكان يهتم بأحوال إخوانه طلاب العلوم الدينية كثيراً.

كما كان يسعى دائماً وفي اثناء العطلة الصيفية الى القرى والأرياف من اجل نشر الوعي والدعوة لله وتبليغ تعاليم السماء والدين الحنيف.

اضف الى هذا حرصه الشديد على لمّ الشمل وتوطيد الطاقات ورص الصفوف تحت راية ولاية الفقيه المتمثله في الامام القائد الخميني العظيم بل كان يعامل إخوانه على السواء حتى في الابتسامة الحسنة وكان همه بل كل همه هو السعي الى تأليف القلوب وطرح كل خلاف وغرس أواصر المحبة والأخلاق.

«في المشتاقين»

كان شهيدنا (رحمه الله) على مستوى عالٍ من الورع والزهد والعبادة يقوم ليله ويصوم نهاره. فكان (رحمه الله) لا يترك صلاة الليل منذ ان عرف فضلها بل كان حتى في الليالي التي يكون فيها متعب الجسد لا يتركها فيؤديها قبل نومه واذا أراد ان يؤدي صلاة الليل يذهب في مكان بعيد عن الأنظار.

نقل لنا أحد الاخوة يقول كنت مع الشهيد (رحمه الله) في رحلة من دمشق الى طهران وكانت الرحلة في الليل فلما وصلنا المطار وانتهينا من التفتيش ذهبت لاستيجار سيارة توصلنا إلى قم وكانت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل وفي ذلك الوقت رأيت الشهيد انزوى عنا في جانب من الساحة التي حول المطار وأخذ يؤدي صلاة الليل.

يقول أحد المؤمنين قمت أنا بزيارة الشهيد الشيخ محمد الى قبر السيد عبدالعظيم الحسني مدينة ري وهي ناحية من نواحي طهران وكان معنا شيخ يقال له الشيخ مصطفى الاحمدي ولما وصلنا ذهبنا الى الفندق وبعد مضي فترة من الليل نام الشيخ مصطفى وبقيت انا مع الشهيد وكنا نتحدث حول مسألة التبليغ وأساليبه فخرجت من الغرفة فلما عدت بعد قليل وجدت الشهيد قائما يصلي صلاة الليل فالتفت اليه وقلت له لماذا تصلي فنحن في سفر فقال ان هذا الحكم (ترك صلاة الليل في السفر ليس لنا إنما هو لعوام الناس).

اما نهاره فقد كان يقضي اكثر أيامه صائماً طوال أيام السنة وكان سحوره بما تيسر في المنزل. أما إفطاره فكان يفطر بعد الصلاة عندما يصلي مع الشيخ نوري محمدي فيذهب الى بائع السندويش ويأكل ثم يعود بسرعة الى درس الشيخ نوري محمدي الذي يلقيه بعد الصلاة مباشرة وكان إفطاره على سندويشة واحدة.

أما الأدعية (والدعاء مخ العبادة) فقد كان (رحمه الله) ملازماً لقراءة الأدعية المأثورة كدعاء كميل بن زياد ودعاء الصباح وكان يذهب في كل ليلة جمعة الى مسجد جمكران القريب من مدينة قم من أجل الدعاء والذكر.

كما كان مواظباً على الوضوء بعد الانتباه من النوم وإحياء الليالي بالعبادة والذكر وهكذا دائماً رجال الله الذين امتحن الله قلوبهم بالإيمان فصدقوا ما عاهدوا الله عليه ولم يبدلوا تبديلا .

«الى كربلاء الحسين (عليه الصلاة والسلام)»

في شهر شعبان لعام 1406 توجه الشهيد (رحمه الله) الى مدينة دمشق من أجل التبليغ في قرى مدينة حمص ومن حين وصوله الى احدى القرى هناك وبعد أيام قلائل وبالضبط في اليوم الخامس من شهر رمضان عاد الشيخ من القرية الى مدينة دمشق فالتقيت به فقال لي اني اريد الرجوع الى ايران وبعد ذلك سمعت انه قد توجه الى المعسكر فى الأهواز من أجل التدريب وبعد عودتي من سوريا التقيت بالشهيد في حرم المعصومة (سلام الله عليها) فقال لي: اني سوف ارجع الى المعسكر إن شاء الله وكان ذلك في شهر ذي الحجة من نفس السنة ولما رجع الى المعسكر بالأهواز تم نقلهم الى الشمال الى منطقة حاج عمران وبعد وصوله تلك المنطقة بيومين تقريباً شارك في عمليات كربلاء الثانية وأبلى فيها بلاءاً حسنا وكان شهيدنا ضمن فوج الشهيد أية الله دستغيب واختير أثناء الهجوم للصولة وفي أثناء الهجوم اصيب شهيدنا كما نقل لنا بلغم مما ادى الى انجفار رأسه وعندها وقع شهيداً في حجور الحور العين ومن ثم نقل جثمانه الشريف الى طهران وتم تشييعه هناك تشييعاً مهيباً شارك فيه مئات الآلاف من أمة حزب الله وبعد ذلك نقل الى مدينة قم المقدسة.

وشُيع مع إخوانه كذلك الى حيث مثواه الأخير في مقبرة الشهداء مقبرة علي بن جعفر (سلام الله عليه) وذلك في يوم 5 محرم عام 1407هـ.

 

أسأل الله ان يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جنته إنه سميع مجيب وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net