متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
تقلد الإمام الرضا للزعامة الكبرى، سفره إلى البصرة، سفره إلى الكوفة
الكتاب : حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

 

   تقلد الإمام الرضا للزعامة الكبرى : وتقلد الإمام الرضا ( عليه السلام ) بعد وفاة أبيه الزعامة الدينية الكبرى ، والمرجعية العامة للمسلمين ، وقد احتف به العلماء والفقهاء وهم يسجلون آراءه في ميادين الآداب والحكمة ، وما يفتي به من المسائل الشرعية وغير ذلك من صنوف المعارف والعلم.


(93)

    سفره إلى البصرة : وبعد وفاة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) سافر الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى البصرة للتدليل على إمامته ، وابطال شبه المنحرفين عن الحق ، وقد نزل ضيفا في دار الحسن بن محمد العلوي ، وقد عقد في داره مؤتمرا عاما ضم جمعا من المسلمين كان من بينهم عمرو بن هداب ، وهو من المنحرفين عن آل البيت ( عليهم السلام ) والمعادين لهم ، كما دعا فيه جاثليق النصارى ، ورأس الجالوت ، والتفت إليهم الامام فقال لهم :
    إني انما جمعتكم لتسألوني عما شئتم من آثار النبوة وعلامات الإمامة التي لا تجدونها إلا عندنا أهل البيت ، فهلموا أسألكم ....
    وبادر عمرو بن هداب فقال له : إن محمد بن الفضل الهاشمي أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله ، وانك تعرف كل لسان ولغة ....
    وانبرى الإمام ( عليه السلام ) فصدق مقالة محمد بن الفضل في حقه قائلا : صدق محمد بن الفضل أنا أخبرته بذلك ...
    سارع عمرو قائلا : إنا نختبرك قبل كل شئ بالألسن ، واللغات ، هذا رومي ، وهذا هندي ، وهذا فارسي ، وهذا تركي ، قد أحضرناهم ...
    فقال ( عليه السلام ) : فليتكلموا بما أحبوا ، أجب كل واحد منهم بلسانه إن شاء الله.
    ... وتقدم كل واحد منهم أمام الامام فسأله عن مسألة فأجاب ( عليه السلام ) عنها بلغته ، وبهر القوم وعجبوا.
    والتفت الامام إلى عمرو فقال له : إن أنا أخبرتك أنك ستبتلي في هذه الأيام بدم ذي رحم لك هل كنت مصدقا لي ؟ ....
    لا. فان الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى .....
    ورد الامام عليه مقالته : أو ليس الله تعالى يقول : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد الا من ارتضى من رسول ) فرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند الله مرتضى ، ونحن ورثة ذلك


--------------------------------------------------------------------------------

(94)
الرسول الذي اطلعه الله على ما يشاء من غيبه فعلمنا ما كان ، وما يكون إلى يوم القيامة.
    وان الذي أخبرتك به يا بن هداب لكائن إلى خمسة أيام وان لم يصح في هذه المدة فاني .. وان صح فتعلم أنك راد على الله ورسوله.
    وأضاف الامام قائلا : اما انك ستصاب ببصرك ، وتصير مكفوفا ، فلا تبصر سهلا ، ولا جبلا وهذا كائن بعد أيام ، ولك عندي دلالة أخرى ، انك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص ...
    وأقسم محمد بن الفضل بالله بأن ما أخبر به الامام قد تحقق ، وقيل لابن هداب :
    هل صدق الرضا بما أخبر به ؟ ...
    فقال : والله لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنه كائن ، ولكني كنت أتجلد.
    والتفت الامام إلى الجاثليق فقال له : هل دل الإنجيل عل نبوة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟.
    وسارع الجاثليق قائلا : لو دل الإنجيل على ذلك ما جحدناه ....
    ووجه الامام له السؤال التالي : اخبرني عن السكنة التي لكم في السفر الثالث ؟ ... وأجاب الجاثليق : انها اسم من أسماء الله تعالى لا يجوز لنا ان نظهره ...
    ورد عليه الامام قائلا : فان قربه ربك أنه اسم محمد ، وأقر عيسى به ، وأنه بشر بني إسرائيل بمحمد لتقربه ، ولا تنكره ؟ ...
    ولم يجد الجاثليق بدا من الموافقة على ذلك قائلا : إن فعلت أقررت ، فاني لا أرد الإنجيل ولا أجحده ....
    وأخذ الامام يقيم عليه الحجة قائلا : خذ على السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد ( صلى الله عليه وآله ) وبشارة عيسى



(95)

بمحمد ؟ ...
    وسارع الجاثليق قائلا : هات ما قلته ....
    فأخذ الإمام ( عليه السلام ) يتلو عليه السفر من الإنجيل الذي فيه ذكر الرسول محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال للجاثليق : من هذا الموصوف ؟ ...
    قال الجاثليق : صفه.
    وأخذ الإمام ( عليه السلام ) في وصفه قائلا :
    لا أصفه إلا بما وصفه الله ، وهو صاحب الناقة ، والعصا ، والكساء ، النبي الأمي ، الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم ؟؟ عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم ، والاغلال التي كانت عليهم ، يهدي إلى الطريق الأقصد ، والمنهاج الأعدل ، والصراط الأقوم.
    سألتك يا جاثليق بحق عيسى روح الله ، وكلمته ، هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟؟.
    وأطرق الجاثليق مليا برأسه إلى الأرض ، وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، فقد سد عليه الامام كل نافذة يسلك منها ، ولم يسعه أن يجحد الإنجيل.
    فأجاب الامام قائلا : نعم هذه الصفة من الإنجيل ، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ولم يصح عند النصارى أنه صاحبكم.
    وانبرى الامام يقيم عليه الحجة ، ويبطل أوهامه قائلا :
    أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل ، وأقررت بما فيه من صفة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فخذ على السفر الثاني ، فإنه قد ذكره وذكر وصيه ، وذكر ابنته فاطمة وذكر الحسن والحسين ..
    وقد استبان للجاثليق ورأس الجالوت أن الإمام ( عليه السلام ) عالم بالتوراة والإنجيل ، وانه واقف على جميع ما جاء فيهما ، وفكرا في التخلص من حجج الامام فأبديا الشك في أن الذي بشر به موسى والسيد المسيح هو النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وطفقا قائلين :



(96)

لقد بشر به موسى وعيسى جميعا ، ولكن لم يتقرر عندنا أنه محمد هذا ، فأما كون اسمه محمد ، فلا يجوز أن نقر لكم بنبوته ، ونحن شاكون انه محمدكم أو غيره ..
    وانبرى الامام ففند شبهتهم قائلا : احتججتم بالشك ، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد أو تجدونه في شئ من الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمد ؟ ..
    وأحجموا عن الجواب ، ولم يجدا شبهة يتمسكان بها ، وأصرا على العناد والجحود قائلين : لا يجوز لنا أن نقر لك بأن محمدا هو محمدكم ، فإنا إن أقررنا لك بمحمد ووصيه وابنته وابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الاسلام كرها ..
    وانبرى الامام قائلا : أنت يا جاثليق آمن في ذمة الله ، وذمة رسوله أنه لا يبدؤك مناشئ تكرهه ...
    وسارع الجاثليق قائلا : إذ قد آمنتني ، فان هذا النبي الذي اسمه محمد ، وهذا الوصي الذي اسمه علي ، وهذه البنت التي اسمها فاطمة ، وهذان السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين في التوراة والإنجيل والزبور.
    وطفق الامام قائلا : هل هذا صدق وعدل ؟ ...
    بل صدق وعدل ..
    وسكت الجاثليق ، واعترف بالحق.
    والتفت الامام إلى رأس الجالوت فقال له : اسمع يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود ...
    قال رأس الجالوت : بارك الله فيك وفيمن ولدك : ، هات ما عندك ...
    وأخذ الامام يتلو عليه السفر الأول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد وعلي وفاطمة والحسن الحسين.
    ووجه الامام له السؤال التالي : سألتك يا رأس الجالوت بحق الله هذا في زبور داود ؟ ...
    نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم ....



(97)

وانبرى الامام قائلا : بحق عشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران في التوراة هل تجد صفة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل ؟
    ولم يسع رأس الجالوت إلا الاقرار والاعتراف بذلك ، واخذ الامام يتلو في سفر آخر من التوراة ، وقد بهر رأس الجالوت من اطلاع الامام ومن فصاحته وبلاغته ، وتفسيره ما جاء في النبي وعلي وفاطمة والحسنين ، فقال رأس الجالوت :
    والله يا بن محمد لولا الرياسة التي حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد ، واتبعت أمرك ، فوالله الذي أنزل التوراة على موسى ، والزبور على داود ، ما رأيت اقرأ للتوراة والإنجيل والزبور منك ، ولا رأيت أحسن تفسيرا وفصاحة لهذه الكتب منك.
    وقد استغرقت مناظرة الامام معهم وقتا كثيرا حتى صار وقت صلاة الظهر فقام ( عليه السلام ) فصلى بالناس صلاة الظهر ، وانصرف إلى شؤونه الخاصة ، وفي الغد عاد إلى مجلسه ، وقد جاءوا بجارية رومية لامتحان الإمام ( عليه السلام ) ، فكلمها الامام بلغتها ، والجاثليق حاضر ، وكان عارفا بلغتها.
    فقال الامام للجارية : أيما أحب إليك محمد أم عيسى ؟ ...
    فقالت الجارية : كان فيما مضى عيسى أحب إلي : لأني لم أكن اعرف محمدا : وبعد أن عرفت محمدا فهو أحب إلي من عيسى ...
    والتفت لها الجاثليق فقال لها : إذا كنت دخلت في دين محمد فهل تبغضين عيسى ؟ ...
    وأنكرت الجارية كلامه فقالت : معاذ الله بل أحب عيسى ، وأومن به ، ولكن محمدا أحب إلي ....
    والتفت الامام إلى الجاثليق فطلب منه ان يترجم للجماعة كلام الجارية ، فترجمه لهم ، وطلب الجاثليق من الامام ان يحاجج مسيحيا من السند له معرفة بالمسيحية ، وصاحب جدل ، فحاججه الامام بلغته.
    فآمن السندي بالاسلام ، وأقر للإمام ( عليه السلام ) بالإمامة ، وطلب ( عليه السلام ) من محمد بن الفضل أن يأخذه إلى الحمام ليغتسل ، ويطهر بدنه من درن الشرك ، فأخذه محمد إلى الحمام ، وكساه بثياب نظيفة ، وأمر الامام بحمله إلى يثرب ليتلقى من علومه ، ثم ودع الامام أصحابه



(98)

ومضى إلى المدينة المنورة (1).

    سفره إلى الكوفة :  وغادر الإمام ( عليه السلام ) يثرب متوجها إلى الكوفة ، فلما انتهى إليها استقبل فيها استقبالا حاشدا ، وقد نزل ضيفا في دار حفص بن عمير اليشكري ، وقد احتف به العلماء والمتكلمون وهم يسألونه عن مختلف المسائل ، وهو يجيبهم عنها ، وقد عقد مؤتمرا عاما ضم بعض علماء النصارى واليهود وجرت بينه وبينهم مناظرات أدت إلى انتصاره وعجزهم عن مجاراته ، والتفت الإمام ( عليه السلام ) إلى الحاضرين ، فقال لهم :
    يا معاشر الناس ، أليس انصف الناس من حاج خصمه بملته وبكتابه ، وشريعته ؟ ....
    فقالوا جميعا : نعم
    فقال ( عليه السلام ) : اعلموا أنه ليس بامام بعد محمد ( صلى الله عليه وآله ) الا من قام بما قام به محمد ( صلى الله عليه وآله ) حين يفضي له الامر ، ولا يصلح للإمامة الا من حاج الأمم بالبراهين للإمامة ....
    وانبرى عالم يهودي فقال له : ما الدليل على الامام ؟ ...
    فقال ( عليه السلام ) : أن يكون عالما بالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الحكيم فيحاج أهل التوراة بتوراتهم ، وأهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل القرآن بقرآنهم ، وأن يكون عالما بجميع اللغات حتى لا يخفي عليه لسان واحد ، فيحاج كل قوم بلغتهم ، ثم يكون مع هذه الخصال تقيا ، نقيا من كل دنس ، طاهرا من كل عيب ، عادلا ، منصفا ، حكيما ، رؤوفا ، رحيما ، غفورا ، عطوفا ، صادقا ، مشفقا ، بارا أمينا ، مأمونا ... (2).
    وجرت بينه وبين بعض الحاضرين مناظرات أدت إلى تمسك الشيعة بالامام



1 ـ البحار 12 / 21 ـ 23 ، بتصرف نقلنا الخير.
2 ـ البحار 12 / 23 ، نقلنا الحديث بتصرف.


(99)

( عليه السلام ) ، وزيادة ايمانهم بقدراته العلمية الهائلة كما أدت إلى افحام القوى المعارضة للامام ، وعجزهم عن مجاراته وبهذا نطوي الحديث عن دور الامام في ظلال أبيه ، وبعد وفاته.



(100)


(101)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net