متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
القسم الخامس: الولاية المطلقة وصلاحيات القائد
الكتاب : ولاية الفقيه ولاية الفقاهة والعدالة    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

القسم الخامس: الولاية المطلقة وصلاحيات القائد

 

80 ـ ما معنى الولاية المطلقة؟

الجواب:

الولاية تعني الإدارة والتطبيق، وإذا ما قيل بالولاية للفقيه فإنّ ذلك يعني ان الشارع المقدس قد وضع مهمة تبيين القوانين الإلهية وتنفيذ أحكام الدين وإدارة المجتمع الإسلامي في عصر الغيبة على عاتق الفقيه، وهذه الولاية ـ كما تكرر القول ـ تختلف اختلافا جوهريا عن الولاية على المحجورين الواردة في كتاب الحجر ـ من الكتب الفقهية المتعارفة ـ من هنا ينبغي ان لا يتوهم المرء محجورية الأمة فيما يتعلق بولاية الفقيه، فالإدارة لا تستلزم ـ في أية بقعة من العالم ـ محجورية الأمة، وهكذا الأمر بالنسبة لإدارة الفقيه أيضاً.

ان إطلاق الولاية يعني التزام الولي الفقيه بيان كافة الأحكام الإسلامية، وتنفيذها جميعا وذلك لعدم إمكانية تعطيل أي حكم من الأحكام الإلهية في عصر الغيبة، وأخيراً التفكير بطريقة لحل مشكلة التزاحم في الأحكام، أي لو تزاحم حكمان أثناء مرحلة تطبيق الأحكام بحيث ان إنجاز احدها يؤدي إلى ترك الآخر، ويتعذر تطبيق كلا الحكمين في ان  واحد، إذ ذاك يبادر الولي الفقيه وقائد الأمة الإسلامية إلى تنفيذ الأهم وتعطيل المهم من أجل توفير إمكانية تطبيق الأهم [1].

لقد توهم البعض بأن "الولاية المطلقة" تعني "حرية الفقيه المطلقة" ومحوريته في القانون والعمل، من هنا فقد اعتبروها شكلا من الدكتاتورية، ومن خلال البيان المتقدم يتضح بطلان هذا التصور، وسيجري توضيح لذلك لاحقّاً بإذن الله .

81 ـ هل بوسع القائد التدخل في الحياة الشخصية لأبناء المجتمع عن طريق ولايته المطلقة؟

الجواب:

ان للقائد في شخصيته الحقيقية مواصفات خاصة لا تمثل معيارا قانونيا للأمة أبداً، وهو لا يتدخل على الإطلاق في الشؤون الخاصة للجماهير.

82 ـ  هل بوسع القائد عدم الاهتمام ببعض الأحكام الدينية وغض الطرف عنها رعايةً للمصالح؟

الجواب:

لا يجوز لأي مسؤول عدم الاهتمام بأحكام الدين والتغاضي عنها، لأن ولاية الفقيه ـ وكما تقدم القول ـ تسير في دائرة الشريعة والقانون الإلهي، وليس أوسع منها، ومهمة الفقيه بيان وتطبيق القانون ولا قدرة له على التصرف بالقانون الإلهي أو إلغائه أو تغييره، ولكن تقدمت الإشارة إلى انه وطبقا للقاعدة العقلية "تقديم الأهم على المهم" فإنّ الفقيه مكلف في حالة تزاحم الأحكام الإسلامية ووفقا لما يأمر به العقل والنقل، بتطبيق الحكم الأهم على صعيد المجتمع، ولا حيلة إذ ذاك سوى تعطيل أو عدم تطبيق المهم مؤقتا في قبال الأهم، ولكن يتم تطبيق ذلك المهم أيضاً في حالة زوال التزاحم.

83ـ ما معنى المصلحة وما هو فرقها عن الضرورة، وهل تختلف المصلحة في المجتمع الإسلامي عنها في سائر المجتمعات؟

الجواب:

المصلحة تعني الفائدة، ويمكن القول في اختلاف المصلحة عن الضرورة، ان كل أمر ضروري فيه مصلحة، ولكن ليس كل ما فيه مصلحة ضروري إلزاما، إلا ان يكون ضروريا بالقوة، وتارة تكون للمصلحة، "ضرورة تعينية"، وأخرى تكون لها "ضرورة تفضيلية "، وحيثما كانت الأولوية تعينية فإنّ المصلحة هي الضرورة، وإذا كانت أولوية تفضيلية فلا ضرورة، أي أن المصلحة التامة تستلزم وجوب ذلك الشيء وغير التامة تستلزم استحبابه.

على أية حال، فإنّ ما فيه مصلحة المجتمع مفيدا ولا بد من تحصيله ما أمكن.

وهل تختلف المصلحة في المجتمع الإسلامي عنها في سائر المجتمعات؟ فإنّ الجواب بالإيجاب، ففي المجتمعات الأخرى ربما تتصف بعض الأعمال بالمصلحة وتوصف بأنها مصلحة المجتمع لكنها في الحقيقة تمثل  المصلحة الشخصية للحكام، وقد يرسمون مصالح لشعوبهم غير انهم يستفيدون منها فلا تمثل مصالح واقعية لتلك الشعوب، فليس من المصلحة ان يغير المرء على سائر الدول والشعوب لبناء أو تطوير دولته وشعبه، وفي الكثير من دول العالم سواء حث المسؤولون تفكيرهم في مصالح شعوبهم أو نهبوا ثروات الآخرين، فإنّ أقصى ما يفكرون به هو المصلحة الدنيوية لشعوبهم وشعارهم ـ كما يصرح به القرآن ـ {ربنا آتنا في الدنيا}[2]، ومن الواضح ان هذه المصلحة ناقصة.

المصلحة في المجتمع الإسلامي تتعلق بدنيا الناس وآخرتهم "حسنه في الدنيا وحسنة في الآخرة" حيث يبين الباري تعالى في كتابه شعار المؤمنين حيث قال: {ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}[3] فالإنسان لا حقيقة له إذا ما انفصلت دنياه عن آخرته أو أنه ينتهي بموته، بل هو مخلوق ينتقل من عالم إلى آخر: {ولكنكم تنتقلون من دار إلى دار}[4]، وان معتقداته وأخلاقه وسلوكه في هذه الدنيا هي التي تصوغ آخرته: {الدنيا مزرعة الآخرة}[5] وبناء على ذلك فإنّ ما يمثل مصلحته الواقعية هو ما يصب في صالح دنياه وآخرته، فإذا ما كان شيء يصب في مصلحة دنياه لكنه يلحق الضرر باخرته فلا يمثل مصلحة بالنسبة له، وان الوحي الإلهي الذي يحيط بالمصالح الأخروية والدنيوية للإنسان، هو الذي يرشده ويرغبه بما فيه مصلحته الدنيوية و الأخروية وينهاه عمّا يضر ويفسد عليه آخرته، وان كان يستبطن مصالح الدنيوية، فالحلال والحرام والواجبات والنواهي كلها من أجل ضمان مصلحته الدنيوية و الأخروية للإنسان.

ملاحظة: ان تشخيص المصالح الدنيوية تارة يكون يسيراً، وأخرى يكون متعذراً، وهذا ما يتم استجلاؤه عن طريق استشارة أهل الخبرة، أما تشخيص المصالح الأخروية فهو غالباً ما يكون صعباً ولا يتيسر دون الاستعانة بالوحي الإلهي، وان بعض الأفعال من قبيل العبادة والذكر و الإنفاق والتضحية و الإيثار والعدل و الإحسان والإنصاف خارجة عن نطاق البحث، لأن الخطوط العامة لهذه الأفعال تضمن المصالح الدنيوية بالإضافة إلى المصالح الأخروية، والمهم هو تشخيص المنافع الأخروية لبعض الأشياء والأفعال ذات الطبيعة الغامضة.

84 ـ هل الأحكام الحكومية هي نفسها الأحكام الثانوية؟

الجواب:

ان وجوب إقامة الحكومة الإسلامية من الأحكام الأولية ولم تجب نتيجة الاضطرار أو الحرج وما شابه ذلك، أما الأحكام التي تصدرها الحكومة فقد تكون أولية أو تكون ثانوية، فمثلا حكم الحاكم بتحديد الليلة الأولى لشهر ذي الحجة أو يوم التروية حيث يتعيّن على الحجاج التحرك من مكة نحو عرفات، فهذه الأحكام ومثيلاتها تعد أحكاماً أولية ولا صلة لها بالأحكام الثانوية وعللها من قبيل الاضطرار والحرج، فكل ما يدلي به الحاكم الإسلامي بخصوص هذه الأمور يثبت ظاهرياً وتلزم طاعته.

أما ما يصدر عن الحاكم الإسلامي فيما يتعلق بالتزاحم فهو حكم ثانوي من قبيل ما إذا كان بيع المواد الأولية لبلد معين يستتبعه الضرر، غير ان عدم بيعها يؤدي إلى المزيد من الضرر، فهنا يقضي الحاكم بالبيع، فإذا ما كان لفعل ما ـ مع المحافظة على عنوانه الطبيعي والأولي ـ حكم معين وكان طرأ عليه عنوان آخر اثر تشخيص الحاكم الإسلامي بعد البحث والدراسة واقترن بالحكم الجديد، فاستناداً لسريان العنوان الجديد يصدر حكماً جديدا بشأن ذلك العمل أو السلعة، ومثل هذا الحكم يكون ثانويا، وقد يصدر حكماً بشأن شيء معين عملا كان أم سلعة، يبدوا انه تأسيس، فيتضح بعد دراسته ان الحكم المذكور عام بسبب عروض بعض العناوين .

المهم هو في جميع هذه الموارد لا يكون الحكم ابتداعياً والعنوان ابداعياً، بل ان جميع الأحكام تطرح عامة لكافة العنوان، وتتولى الحكومة الإسلامية بيانها وتطبيقها وإصدار الأحكام وتنفيذ الحكم واخيراً الدفاع عن حياض الحكم الإسلامي.

85 ـ هل يجب على الفقهاء اتباع الولي الفقيه؟ وهل لهم معارضته وردَّ حكمه؟

الجواب:

للفقيه الجامع للشرائط ثلاثة أعمال رسمية أولها الإفتاء، ثم يجب عليه وعلى مقلديه العمل بتلك الفتوى، بيد ان ذلك يفتقد اعتباره بالنسبة لسائر الفقهاء فلا يجوز لمجتهد تقليد مجتهد آخر.

والمهمة الثانية له هي "القضاء" حيث يتربع على كرسي القضاء ويفصل بين المتخاصمين سواء كانت شخصيتهما حقيقية أم اعتبارية، فهو يصدر الحكم في ضوء الإيمان والبيّنات. ويحرم نقض هذا الحكم عليه وعلى المتخاصمين وعلى سائر الناس ومنهم الفقهاء، ويجب العمل به أيضاً حتى على المجتهدين والفقهاء ومراجع التقليد.

أما المهمة الثالثة للفقيه الجامع للشرائط هي الولاية على الأمة الإسلامية وإصدار الأحكام الولائية، فإذا ما اصدر الولي الإسلامي حكماً ولائياً ـ كقطع العلاقة مع اسرائيل أو مع أمريكا أو إقامة العلاقة مع دولة ما أو ضرورة الالتزام ببعض الأمور في البلاد ـ حينذاك يجب على الأمة وعلى الولي نفسه وعلى الفقهاء والمجتهدين العمل بهذه الأحكام ولا يحق لأحد نقض هذا الحكم حتى الولي نفسه، لأنّ الحاكم الإسلامي ـ كما تقدم ـ منفِّذ للأحكام فقط، وهو كغيره مشمول بالقانون الإلهي وتابع له، وهكذا بالنسبة لسائر الفقهاء أيضاً فعليهم اتباع هذا الحكم الصادر عن الولي، إلا ان يحصل لديهم يقين وجداني بخطأ حكم الولي الفقيه ـ وهو افتراض نادر ـ وان الشك في صحة الولي الفقيه أو تصور خطأه لا يبرر عدم اتباعه.

يشمل هذا الحكم الفقهاء ممن لا يعتقدون بولاية الفقيه ومقلديهم أيضاً، لأن الفقهاء الذين لديهم وجهات نظر مختلفة في ولاية الفقيه ولا يرون كفاية مقبولة عمر بن حنظلة أو مشهورة أبي خديجة لإثبات ولاية الفقيه، فإنهم يقبلون من باب الحسبة إذا ما اقدم أهل بلد على إقامة الحكومة على أساس الإسلام فيصبح هذا الأمر واجباً كفائياً على الجميع لاسيما الفقهاء فيتعين عليهم التصدي للامساك بزمام الأمور، وإذا ما تصدي فقيه جامع لشروط القيادة وارتضته الأمة، في مثل هذه الحالة لا يجوز مخالفة احكامه أو إضعافه، ولا قدرة لأحد الإدِّعاء بإمكانية التنصل عن كلِّ قانون في البلد الإسلامي لعدم قبوله ولاية الفقيه وعدم الالتزام بالقوانين والمقررات.

ومن الواضح ان الناس أحرار في شؤونهم الشخصية والقضايا الاجتماعية التي لا تستلزم التدخل بالشؤون الرسمية للبلد من قبيل تأسيس المراكز الخيرية والعبادية، فلئلا تنجرف الأمور نحو الفوضى ويختل النظام ولئلا يلحق الضرر بالنظام الإسلامي، فلا وجوب بطاعة أي أمر آخر.

86 ـ على صعيد الأمور الاجتماعية، هل يجب تطبيق آراء القائد ودستور النظام الإسلامي أم رأي مرجع التقليد؟ وهل يتعيّن دفع الوجوهات مثل الخمس والزكاة لمرجع التقليد أم للقائد والحاكم الإسلامي؟

الجواب:

يتعيّن إطاعة ولي الفقيه والقانون الرسمي للبلاد في ما يتعلق بالمسائل الاجتماعية التي لها مساس بالسياسة العامة للنظام الإسلامي، بيد ان بعض المسائل الاجتماعية ـ رغم اجتماعيتها ـ فلا صلة لها بالنظام، من قبيل العطل التي يضعها بعض الناس في المناسبات مثل عطلة يوم ولادة النبي "ص" أو شهادة أحد الأئمة، حيث يقفلون حوانيتهم للمشاركة في المحافل التي تقام، فلا مانع في هذه الموارد حيث لا شأن لها بالنظام وسياساته ولا داعي لأخذ الاذن من الدولة، وذلك لحرمة مضايقة النظام ليس سوى ذلك، من هنا نقول:

1 ـ إذا كان العمل فردياً فلا داعي لاستئذان الدولة.

2ـ إذا كان العمل اجتماعياً غير انه لا ضرر منه على النظام الإسلامي فهو يخضع لتصدي الناس ولا يحتاج لاستئذان.

3ـ إذا كان من الأمور الاجتماعية وله مساس بسياسات النظام وتركه يؤدي إلى زعزعة النظام فلا بد من إطاعة القائد وقانون البلاد، وهنا يُقدّم القانون على الإرادة الشخصية.

أما على صعيد سهم الإمام "ع" فربما هنالك من يقتفي اثر المرحوم الكليني "قده" بالقول ان الخمس كالأنفال ولا بد من تسليمها لولي أمر المسلمين، وان لم يُفتِ الكليني "رض" بذلك بصراحة، بيد ان نسق كتابه يدلل على اعتقاده هذا، فقد أورد الصلاة والصوم والزكاة والحج في فروع الكافي، أما الخمس والأنفال فقد أوردها في أصول الكافي أو في كتاب الحجة، وهذا يدلل على اعتباره هذه الأمور من شؤون الإمامة.

ولتفصيل رأي الكليني "قده" يمكن القول: ان القرآن الكريم يصرح حول الزكاة: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم}[6] فالصدقة هنا واجبة وهي تشمل الزكاة أيضاً، وتدلل الآية {إنما الصدقات للفقراء}[7]، ان الحديث يدور حول الزكاة، ويحتمل ان تشمل الزكاة أيضاً، فعندما حضر عبد العظيم الحسيني "ع" عند الإمام الهادي"ع" واخبره بما يحمل من معتقدات فقد طرح الفروع بعد الأصول، فذكر من بين الفروع الصلاة والصوم والحج والزكاة ولم يذكر الخمس[8].

وهذا لا يعني عدم وجوب الخمس بل لوقوعه ضمن مجموعة الزكاة بالمعنى الأعم، من هنا فقد كان بعض المتقدمين من الفقهاء يتناولون بحث الخمس ضمن كتاب الزكاة، ويعتبرونه فصلا من فصول كتاب الزكاة.

على أية حال، الصورة الأولية للمسألة هي ان الأموال العامة الفائدة لبيت المال لابد ان تكون بيد الحاكم الإسلامي، فإذا ما رأى فقيه عدم صحة ذلك ـ أي عدم كفاية تنظيم كتاب الكافي في استنباط رأي الكليني "قده" إذ ذاك يتعيّن: أولاً: على فرض ظهوره، يبني على عدم صحة ذلك الرأي، وثانيا: يقوم مقلده بتسليم الحقوق الشرعية طبقا لفتوى مرجع التقليد.

ملاحظة: ربما يرى الفقيه الجامع للشرائط صحة دفع الحقوق الشرعية للفقهاء المشرفين على إدارة الحوزة لغرض المحافظة على استقلال كيان الحوزات العلمية والحيلولة دون تبعية الفقهاء للدولة، أو تكون فتوى بهذا المعنى، من قبيل ما كان يمارسه الإمام الراحل "قده" حيث يكفي دفع الحقوق الشرعية لسائر المراجع.

87 ـ " الإمام المعصوم يتميز بالعصمة، والفقيه ليس كذلك، فأنّى يكون للفقيه غير المعصوم ان يتمتع بصلاحيات الإمام المعصوم؟

الجواب:

لقد جرى توضيح ذلك في الفصل الخامس من الكتاب، فإذا ما قيل ان الفقيه يتمتع بكافة ما للنبي والإمام من صلاحيات فإنّ المراد هي الصلاحيات الحكومية والإدارية، فهو لا يمتك مالهم عليهم السلام من صلاحيات ناجمة عن عصمتهم والعصمة شرط فيها، فعدم عصمته يؤدي إلى سلب الصلاحيات المتعلقة بالعصمة، بالإضافة إلى احتفاظ الأمة في إطار ولاية المعصوم، وحكومته، بحقها في الاستيضاح والمساءلة، بيد أنه لا يحق لأحد الاعتراض عليه بعد بيان الحكم الشرعي من قبل المعصوم "ع" وان دلت بعض الوقائع التاريخية على ممارسة النقد ازاء أفعال المعصوم "ع" وذلك لعلم الذات الإلهية المقدسة بمن تمنحه مفتاح الإمامة بالأصالة، فلا بد ان تتوفر لديه العصمة علما وعملا، أما في حكومة غير المعصوم وولايته فهنالك مجلس الخبراء الذي يشرف على الفقيه وعمله، وللحق الذي تمتلكه الأمة في المساءلة سواء بصورة مباشرة أو عن طريق الخبراء الذين انتخبتهم، ويتعين عليهم مراقبة القائد والإشراف عليه بشكل كامل.

88 ـ بعد الشكّ في قدرات فقيه ما، ألا يقضي حكم العقل ـ للمحافظة على النظام الإسلامي ـ بتقييد ولاية مثل هذا الفقيه من حيث الموارد والزمان ومن ثم إطلاق ولايته بعد إثبات قدراته بالكامل؟

الجواب:

 هذا السؤال يتصل بمرحلتي الثبوت والإثبات، فلو كان شخص ما فقيهاً جامعاً للشرائط ويتمتع بجميع الامتيازات الضرورية للقيادة، ولم يُحرَز ذلك منه في مقام العمل بالنسبة له وللآخرين، فإنّ له الولاية في جميع شؤون البلاد وان كان اتضاح هذه الولاية في مقام الإثبات تدريجيا، من هنا فهو يتدرج في عمله حتى تثبت للجميع وله أيضاً أن له ولاية مطلقة، وإذا ما اتضح في مقام العمل انه فقيه ضعيف ويفتقد القدرة اللازمة تبين فقدانه للولاية على البلاد، وعلى افتراض عدم وجود فقيه غيره وتعين الأمر به، فله الولاية من باب الاضطرار وبالقدر المتيقن، وعلى مقدار فقاهته و إرادته وسياسته ليس إلاّ، فالولاية المطلقة تتوقف على الفقاهة المطلقة و الإدارة المطلقة والسياسة المطلقة، كارتباطها بالعدالة والتقوى المطلقتين، ومن كانت رؤاه العلمية والسياسية والاجتماعية مقيدة تكون ولايته مقيدة أيضاً، ومثل هذه الولايات النسبية تمثل الحسبة بعينها.

على هذا الأساس، من كان فقيهاً جامعاً للشرائط ومتوفرا على جميع المزايا الضرورية للقيادة، تكون ولايته مطلقة ولا يجوز تقييد ولاية مثل هذا الفقيه ولا يكون الفقيه ذا ولاية مطلقة حينا ويفتقدها حينا آخر، أو تكون ولايته مطلقة تارةً ومقيدةً تارةً أخرى.

89ـ من الذي يحدد صلاحيات الفقيه الحاكم، هو أم القانون الأساسي؟

الجواب:

الفقه وحقوق الإسلام هي التي تحدد صلاحيات الفقيه، لا الفقيه نفسه، إذ يتم استنباط واستخراج ما ورد في الفقه الإسلامي على يد العلماء فقهياً وحقوقيا حتى تبلور القانون الأساسي الحالي، وهو يختلف عما سبقه، من قبيل لزوم الرجوع إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام في تحديد السياسات العامة للنظام، ونظير الإدارة المباشرة والمستقلة للإذاعة والتلفزيون، إذ ان مثل هذه التمدد والتقلص حصيلة التجربة العلمية والعملية وتلاقح الآراء وتضارب الأفكار مخالفها ومؤالفها، ونظراً لكونها تجربة عملية من ناحية وعلمية من ناحية أخرى فقد كان لها دور جدير بالاهتمام.

سؤال: إذا كان الفقيه هو الذي يعين حدود صلاحيات الولي الفقيه، فيكف يمكن القول بكلامية ولاية الفقيه؟

الجواب:

 ان كانت صلاحيات الولي الفقيه تتعلق بالبنية التحتية للنظام الإسلامي، وهيكليته والأهداف الإسلامية الكبرى، فإنها تثبت بالدليل العقلي، أما ما كان فيه طابع "الأحسن" و "الأولى" وتعذر علينا إثباته بالدليل العقلي، إذ ذاك يتم الاستعانة بالدليل النقلي، فمثلا لو دار الأمر بين تدخل الفقيه وعدم تدخله في مسألة ما فربما لا يتسنى إثبات ذلك بالدليل العقلي، في مثل هذه الحالة نكشف بالدليل النقلي كيفية ذلك.

ملاحظة: أولاً: لا بد من التفريق بين كلامية مسألة ولاية الفقيه وبين فقهيتها.

ثانياً: التفريق بين دلالة العقل على حدود الصلاحيات ودلالة النقل عليها وبين اصل المسألة ما إذا كانت كلامية أو فقهية، وهنالك الكثير من الأمور المتعلقة بهذه القضية، وان مرَّت في ثنايا البحوث السابقة إلا ان الإشارة إليها لا تخلو من فائدة وهي:

أولاً: ان المسألة الكلامية هي التي كون موضوعها فعل الله وفيها مداليل الدليل العقلي، فالبحث يدور في علم الكلام حول ما يقول الله سبحانه، هل قام بهذا الفعل أم لا؟ أو هل يفعله أم لا؟ فالدليل في هذه المسألة كلامي سواء كان عقلياً أم نقلياً قطعياً.

تنبيه: بما ان شأنية إقامة الدليل العقلي أُخذت من كلامية المسألة فلا يمكن القول: ان إيجاب ركعتي صلاة الصبح مسألة كلامية لأن الإيجاب ـ وهو موضوع المسألة ـ فعل الله، والسر في خطأ ذلك الكلام هو عدم إمكانية إقامة أي دليل على إثبات أو نفي الحكم المذكور، كما في نظام التكوين فلا يمكن اعتبار مسألة خلق الله لكائن معين إنساناً كان أو حيوانا، من المسائل الفلسفية، لعدم إمكانية إقامة أي دليل على إثباتها أو سلبها، وبالطبع إذا اعتبرنا كفاية الدليل النقلي المشكوك به ولوحظ لزومه وهو إيجاب إلهي، إذ ذاك تتخذ جميع المسائل الفقهية الصيغة الكلامية.

ثانياً: المسألة الفقهية التي يكون موضوعها فعل المكلف لأن البحث في الفقه يدور حول وجوب قيام المكلف بهذا الفعل أم لا؟ أو إمكانية قيامه به أولاً؟ وفي مثل هذه الحالة لا اثر من كونها عقلية ونقلية على كون المسألة فقهية أو لا. وبذلك لا توفر الدليل العقلي في المسألة يستلزم كلاميتها ولا تضمها للدليل النقلي يعارض كلامييها.

ثالثاً: ان كلامية مسألة ولاية الفقيه يتمثل في ان الله سبحانه ما إذا عين في عصر الغيبة تعينا عاماً من يتصدى لأمور دينه ويتولى تطبيق أحكام الدين وحدود الفقه وقوانينه؟

رابعاً: فقهية ولاية الفقيه تتمثل في: هل يتعيّن على الفقيه الجامع للشرائط قبول منصب القيادة في عصر الغيبة أم لا؟ وهل على الأمة الإسلامية قبول ولاية الحاكم الإسلامي والفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة أم لا؟

خامسا: قد يطرح اصل مسألة ولاية الفقيه بنحو كلامي والاستدلال عليه بالأحاديث المنقولة، وقد يطرح أصل مسألة ولاية الفقيه بصيغة فقهية ويستدل عليها بدليل عقلي.

سادسا: ان تحدد أو تقليص صلاحيات ومسؤوليات الفقيه الجامع للشرائط يتوقف على سعة وضيق أدلتها الاثباتية سواء كان الدليل عقلياً أو نقلياً.

90ـ  هل جاءت ولاية الفقيه في القانون الأساسي مطلقة أم محدودة؟

الجواب:

أولاً: أنها جاءت "مطلقة" لارتباط السلطات الثلاثة أي التشريعية والتنفيذية والقضائية بقائد النظام، فرئيس السلطة القضائية يعين من قبل القائد، وحكم رئاسة الجمهورية منوط بتنفيذ القائد، بالإضافة إلى إشراف فقهاء مجلس صيانة الدستور على قرارات السلطة التشريعية فإنهم يضفون طابع الرسمية على هذه السلطة، لعدم حيازة مجلس الشورى الإسلامي على الرسمية لولا مجلس صيانة الدستور.

ثانياً: لقد ذُكِرَت إمامة الأمة وولاية الأمر في القانون الأساسي مطلقة دون قيود، فقد ورد في الأصل الخامس من القانون الأساسي ما يلي:

"تقع ولاية الأمر وإمامة الأمة في الجمهورية الإسلامية في إيران أثناء غيبة إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف على عاتق الفقيه العادل التقي، العالم بزمانه الشجاع، المدبر والمدير طبقا لما ورد في الأصل 107".

وقد وردت كلمة "ولاية الأمر وإمامة الأمة" في نهاية الأصل 177 مطلقة مع التأكيد على إمكانية تغييرها:

"ان مضمون الأصل المتعلق بإسلامية النظام وارتكاز كافة القوانين والمقررات على أساس الموازين الإسلامية والقواعد الإيمانية، وعلى أساس أهداف الجمهورية الإسلامية في إيران، وجمهورية الحكومة وولاية الأمر وإمامة الأمة، وكذلك إدارة شؤون البلاد استناداً إلى آراء الشعب والدين الرسمي لإيران مما لا يقبل التغيير".

تنبيه: جمهورية النظام ناظرة إلى مقام الإثبات ولا تعد سبباً في تقييد ولاية الأمر وإمامة الأمة أبداً، ناهيك عن كفاية الشواهد الأخرى.

ثالثاً: ورد إطلاق الولاية في الأصل السابع والخمسين:

"السلطات الحاكمة في الجمهورية الإسلامية في إيران عبارة عن السلطة التشريعية،السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وهي تعمل تحت إشراف الولاية وإمامة الأمة على أساس الأصول اللاحقة في هذا القانون، وهذه السلطات مستقلة عن بعضها".

وهنا يتكرر التركيز على بعض الأمور:

الأول: ان الولاية المطلقة تعني ان للفقيه الجامع للشرائط صلاحية تنفيذ كافة الحدود الإلهية في عصر الغيبة ولا تقتصر أدارته وولايته على تطبيق بعض الأحكام الإسلامية.

والثاني: ان الفقيه الجامع للشرائط وقائد الأمة يعمل وفقاً للآيات الكريمة {وشاورهم في الأمر}[9]، {وأمرهم شورى بينهم}[10] لتنفيذ الأحكام، فيقوم بتعيين المتخصصين والخبراء في كل فرع في إطار مجلس تشخيص مصلحة النظام، ويتخذ قراره بعد استشارتهم.

ويشترك في هذا المجلس الفقهاء وأساتذة الجامعات وقادة القوى الأمنية والعسكرية وخبراء الاقتصاد وعلماء الاجتماع والمتخصصون في الشؤون الحقوقية والاجتماعية وذوي الخبرة في الشؤون التنفيذية والعارفون بمشاكل النظام بالإضافة إلى الاستعانة في كل سلطة من السلطات الثلاث بالمتخصصين والخبراء في كل منها. إذن في ظل نظام ولاية الفقيه تتم الاستفادة من آراء وأفكار جميع المفكرين وطلائع المجتمع.

والثالث: ان الشخصية الحقيقية للفقيه الجامع للشرائط شأنها كسائر المواطنين فهو تابع للأحكام والقوانين الحقوقية ولا تمايز بينه وبين سائر الأفراد.

أما الرابع: فإنّ جميع القواعد الخاصة بالسلطات الثلاث والمؤسسات والدوائر قد حددت من قبل مجلس الشورى الإسلامي وجرى بيان حدودها في القانون الأساسي على صعيد العمل، وقد اتخذت الإجراءات القانونية لمواجهة التجاوز على الحدود القانونية.

ومن ناحية أخرى فقد أنيطت مهمة تفسير جميع الأصول الآنفة الذكر إلى مجلس صيانة الدستور، أما الشؤون القيادية التي جرى بيانها فلا يتناولها مجلس الشورى الإسلامي، ولم تقيد بقيود ولا شأن لمجلس صيانة الدستور أيضاً في تفسيرها، وبهذا فإنّ لجهاز ولاية الفقيه الولاية المطلقة في قبال سائر المؤسسات الدستورية الأخرى ولا يطالها التقييد القانوني وهذه المسألة حساسة ومهمة للغاية ولا بد من تناولها في مقال مستقل وليس من خلال عدة اسطر.

91ـ هل يمكن للفقيه الجامع لشرائط القيادة ويعيش في بلد معين وهو تابع له من حيث الجنسية ان يتمتع بالولاية على كافة مسلمي العالم؟ وهل بإمكان مسلمي العالم اتباع فقيه جامع للشرائط في بلد آخر؟

الجواب:

هنالك أمران لا بد من التفريق بينهما: أحدهما يتعلق بالجانب الشرعي والآخر بالقانون الدولي.

الاولى: لا مانع من الناحية الشرعية ان يصبح الفقيه وليا على الجميع، أو ان تقبل الأمة الإسلامية المتوزعة على بقاع متعددة في العالم بولايته، بل لوجود مقتضى مثل هذه الولاية وذلك التولي كما في مرجعية التقليد والقضاء، فالطريق مفتوح لامتداد دائرة الولاية والتولي، فلو عاش مرجع التقليد في بلد معين وكان من أهل ذلك البلد فإنّ فتواه تعتبر سارية المفعول بالنسبة لمقلديه في جميع أنحاء العالم، كما لو اصدر هذا الفقيه الجامع للشرائط حكماً قضائياً، فإنّ وجوب العمل به وحرمة نقضه يجريان بحق جميع المسلمين.

أما الثاني: من ناحية القانون الدولي، فإذا لم يقف تعهد رسمي أو موثق قانوني بوجه مثل هذا النفوذ الولائي ولم يكن هنالك من محذور بالنسبة لولاية الفقيه وكذا بالنسبة لتولي المسلمين في سائر بقاع العالم، فإنّ العمل بهذا الحكم الشرعي يتم كما في التقليد والقضاء، أما إذا كان هنالك التزام قانوني ودولي يحول دون ذلك النفوذ الولائي ويقف المعارضون عملياً بوجهه، فإنّ كلا طرفي الولاية والتولي أي الفقيه والأمة يكونان معذورين، بيد ان مثل هذه السلطة ليس شرطا حصولياً بل تحصيلياً، والواجب الشرعي بهذا الشرط مطلق وليس مشروط بحيث ان الشرط المذكور يمثل وجوب الواجب الشرعي بهذا الشرط مطلق وليس مشروط بحيث ان الشرط المذكور يمثل وجوب الواجب لا شرط وجوبه، ومثاله نفوذ الحكم الولائي الذي أصدره الفقيه الشهير والمجاهد أية الله الشيرازي في تحريم التبغ، ونفوذ الحكم الولائي أو القضائي الذي أصدره الإمام الخميني "قده" بحق سلمان رشدي.

92ـ  لقد قيد الأصل 110 صلاحيات القائد، وحيث ان هذا الأصل مقيد فهو يقيد الأصل السابع والخمسين الذي يفسر اصل ولاية الفقيه.

الجواب:

 لو ألقينا نظرة فاحصة على الأصل العاشر بعد المئة لوجدناه يتضمن الإطلاق أيضاً ولا تقييد فيه أبداً كي يمهد لتقييد الأصل السابع والخمسين، لأن المادة السابعة المعيّنة للقائد في هذا الأصل هي: "معالجة الاختلاف وتنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث" وجاء في البند الثامن " يتولى مجلس تشخيص مصلحة النظام حل مشكلات النظام التي يتعذر حلّها بالسبل العادية، وفضلا عن الصلاحيات الأخرى التي منحها هذا الأصل للقائد، فلأن هاتين الصلاحيتين توسعان حدود صلاحيات القائد، فكيفية حل القائد للاختلاف بين السلطات الثلاث والضابطة التي يتوسل بها لذلك، كل ذلك تتكفله فقاهته ودرايته وعدالته، ان حل الخلافات لا يتيسر بدون وجود قانون، فلا بد إذن من وجود قانون، وهذا القانون غير المدون هو قوانين الفقاهة والسياسة والدراية، وعلى أساس هذا القانون يجري حل المعضلات المستعصية للنظام، وبالطبع فإنه يتم عن طريق التشاور مع مجلس تشخيص مصلحة النظام.

على هذا الأساس وفي الموارد التي يقف عندها القانون الأساسي تتم الاستعانة بالفقه الإسلامي الذي يتميز بالحيوية والقدرة على تلبية حاجات البشرية حتى قيام الساعة.

تنبيه: ان تنصيب أمير الحاج، أئمة الجمعة، الإعلان عن غرة الشهر أو انسلاخه، إقامة صلاة العيدين أو تنصيب إمامها...الخ، من شؤون الفقيه الجامع لشروط القيادة، ولم يتطرق إليها القانون الأساسي.

ملاحظة: ورد في الأصل الرابع من القانون الأساسي:

"يجب ان تقوم جميع القوانين والمقررات المدنية، الجزائية، المالية، الاقتصادية، الإدارية، الثقافية، العسكرية، والسياسية وغيرها على أساس الموازين الإسلامية، وهذا الأصل يكون حاكما على عموم أو إطلاق كافة أصول القانون الأساسي وسائر القوانين والمقررات، وتقع مهمة تشخيص هذا الأمر على فقهاء مجلس صيانة الدستور، ويشمل هذا الأصل القائد أيضاً، فهو ليس فعال لما يشاء، لما يتمتع به من صلاحيات قانونية وفقهية واسعة فبإمكانه العمل كيفما يشاء وإصدار أي قانون، فإذا ما حاول القائد ـ لا سمح الله ـ الخروج عن حدود القوانين الإسلامية، فهو يفقد شروط القيادة، وتسقط ولايته أيضاً، وفي ضوء هذا الأصل يفقد قانونه الاعتبار أيضاً.

93ـ  ان إطلاق ولاية الفقيه يستلزم احتكار السلطة بيد شخص واحد، وهذا قد يؤول إلى الاستبداد؟

الجواب:

ان خطر الاستبداد إنما يحصل لدى غير المعصوم أولاً أو غير العادل ثانياً، من هنا فلا  ولاية ولا حكومة لغير المعصوم إذا ما وجد المعصوم. أما في عصر الغيبة فإنّ أقرب الناس من المعصوم يتولى مسؤولية الولاية والحكومة، لئلا يطال الأمة أدنى ضرر، ومن النادر وقوع الاستبداد لدى الفقيه الجامع للشرائط الذي يتولى الولاية على المجتمع الإسلامي وإدارته نيابة عن إمام العصر (ع) وذلك لتمتعه بعدة مزايا ذاتية، أولها الفقاهة، وثانيها العدالة، ففقاهة الفقيه تقتضي علميته في الإسلام وقدرته على إدارة البلد استناداً إلى أحكام الإسلام وقوانينه المتعالية، لا على أساس الآراء المخالفة للحق تعالى سواء كانت آراءه أم آراء غيره، وعدالة الفقيه تؤدي إلى عدم إقحام الفقيه رغباته النفسية في إدارة النظام الإسلامي وان لا يلهث وراء طلب الجاه وحب الدنيا.

فالفقيه ليس حالة خارجة عن النسيج العام كي يعلو الدين والقانون، فهو عالم بالدين ويزود المجتمع الإسلامي بما يفهمه من أمور الدين وهو يعمل به أيضاً، وحيثما ينقض الحاكم الإسلامي أحد هذين الشرطين إذ ذاك تسقط ولايته.

والميزة الثالثة هي سياسته ودرايته وتدبيره وإدارته التي بموجبها يدير النظام الإسلامي على أساس التشاور مع ذوي الخبرة والعلماء والمتخصصين ملاحظا إرادة الأمة. فإذا ما عمل الفقيه دون مشورة ولم يكن مديرا ومدبرا ومحيطا بأمور زمانه فلا يليق للقيادة والولاية.

ان توفر هذه الميزات الذاتية الثلاث في الفقيه الجامع لشرائط القيادة يقلل من احتمال حصول حالة الاستبداد لديه، وقد لوحظ هذا الافتراض النادر في القانون الأساسي للجمهورية الإسلامية، من هنا فبالإضافة إلى هذه المزايا الذاتية، فقد حددت مجموعة من الواجبات والصلاحية للقائد أولاً، وشكل مجلس الخبراء ثانياً، وهذا المجلس يتألف من فقهاء عدول يتميزون بالتدبير والسياسة،  ليبادروا بعد تعريفهم وتعيينهم للفقيه الجامع للشرائط إلى تقييم أعمال القائد في ضوء الصلاحيات التي منحها إياه القانون الأساسي، فإذا ما وجدوا مطابقة أعماله لها، أو مخالفتها لها ظاهريا وبعد الاستيضاح ثبت عدم مخالفتها، في كلتا الحالتين يحتفظ لنفسه بالقيادة، أما إذا وجدوا قيام القائد بأعمال تخالف القوانين أو انه يعجز عن تنفيذها، حينذاك يعلنون على الملأ خبر عزله، والإعلان عن القائد الجديد بعد تشخيصه.

وخلاصة القول: ان الاستبداد، الاستعمار، الاستحمار، الاستعباد، وكل ما يتناقض مع القيم ويدينه العقل والنقل هو حصيلة الجهل العلمي والجهالة العملية، وإذا ما توفرت ملكة الفقاهة الجامعة والدراية الكاملة في شخص لم تستعر نيران الجهل العلمي في كيانه، وهذا ما يقترن به اتقاد النيران التي تهدم الحضارة وهي الاستبداد وما شابه ذلك، ولا تتولد لديه الجهالة العملية التي تقضي على الحرية وتحمل عنوان الاستعمار وما شابه ذلك، فالمعصوم كامل بقاء وحدوثا ومصوناً من طوارق التبدل، ولا وجود عنده لاحتمال الانتقال من العصمة إلى الحيف والعسف والجور والظلم، أما مثل هذا التغيير بالنسبة للعادل غير المعصوم وان كان ضعيفاًً فإنه معقول، ولغرض المحافظة على الأمة الإسلامية من أضرار هذا التغيير المحتمل، فإنّ وجود مجلس الخبراء وإشرافه المستمر من ناحية أخرى ـ وهذا الحق ليس محرزاً بالنسبة للشعب فحسب بل انه واجب محتوم أيضاً ـ يضمن الحفاظ على النظام الإسلامي من أي خطر محتمل، مثلما يتعيّن عليهم المحافظة على ثغور لبلد الإسلامي وحدوده الخارجية وعقائده من تجاوز المستعمر وتطاول المستغلين والقراصنة.

____________________________

[1] ورد تعريف الولاية المطلقة بالتفصيل في ص248ـ الفصل السادس.

[2] البقرة: 200.

[3] البقرة: 201.

[4] البحار 37/146 ح36.

[5] البحار: 67/225، الباب 54.

[6] التوبة 103.

[7] التوبة: 60.

[8] البحار: 3693/3.

[9] آل عمران: 159.

[10] الشورى: 38. 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net