متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
13ـ خصم الكمبيالات
الكتاب : فقه الحضارة في ضوء فتاوى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)    |    القسم : مكتبة الفقه

(13)
خصم الكمبيالات

 تمهيدات:
 الأول : يمتاز البيع عن القرض في أنّ البيع تمليك عين بعوض لا مجّاناً ، والقرض تمليك المال بالضمان في الذمّة بالمثل إذا كان مثلياً وبالقيمة إذا كان قيمياً (1) .
____________
(1) قد يقال : إنّ البيع والقرض يفترقان من جهة أُخرى ، وهي اعتبار وجود فارق بين العوض والمعوض في البيع ، وبدونه لا يتحقق البيع وعدم اعتبار ذلك في القرض ، ويترتّب على ذلك أنّه لو باع مائة دينار بمائة وعشرة دنانير في الذمّة فلا بُدّ من وجود مائز بين العوضين كأن يكون أحدهما ديناراً عراقياً والثاني ديناراً أُردنياً ، وأما لو كانا جميعاً من الدينار العراقي مثلاً ، من فئة وطبعة واحدة ، فهو قرض بصورة البيع ، لانطباق العوض على المعوض مع زيادة فيكون محرّماً لتحقّق الربا فيه.
 ولكن هذا غير واضح ، لأنّه يكفي في تحقّق مفهوم البيع وجود التغاير بين العوضين في وعاء الإنشاء من حيث كون المعوض عيناً شخصية والعوض كلياً في الذمّة ، مضافاً إلى أنّ لازم هذا الرأي القول بصحّة بيع عشرين كيلو من الحنطة نقداً بمثلها نسيئة بدعوى أنّه قرض غير ربوي حقيقة وإن كان بصورة البيع ، مع أنّه ـ كما يعترف هذا القائل ـ من بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة حكمية فيكون من الربا المحرّم.


( 86 )

 كما يمتاز عنه في أنّ البيع الربوي باطل من أصله ، دون القرض الربوي ، فإنّه باطل بحسب الزيادة فقط ، وأمّا أصل القرض فهو صحيح.
 ويمتاز عنه أيضاً في أنّ كلّ زيادة في القرض إذا اشترطت تكون رباً ومحرّمة دون البيع ، فإنّه تحرم فيه الزيادة مطلقاً في المكيل والموزون من العوضين المتّحدين جنساً ، وأمّا لو اختلفا في الجنس ، أو لم يكونا من المكيل والموزون ، فإن كانت المعاملة نقدية ، فلا تكون الزيادة رباً ، وأمّا لو كانت المعاملة مؤجّلة كما لو باع مائة بيضة بمائة وعشر إلى شهر ، أو باع عشرين كيلو من الأُرز بأربعين كيلو من الحنطة إلى شهر ، ففي عدم كون ذلك من الربا إشكال ، فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه.
 الثاني : الأوراق النقدية بما أنّها من المعدود يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً مع اختلافهما جنساً نقداً ونسيئة ، وأمّا مع الاتّحاد في الجنس فيجوز التفاضل في البيع بها نقداً ، وأمّا نسيئة فلا يخلو عن إشكال كما تقدّم.
 وعلى ذلك ، فيجوز للدائن عشرة دنانير عراقية مثلاً أن يبيع دينه بالأقلّ منها كتسعة دنانير نقداً ، كما يجوز له بيعه بالأقلّ منها من عملة أُخرى كتسعة دنانير أُردنية نقداً ونسيئة.
 الثالث : الكمبيالات المتداولة بين التجّار في الأسواق لم تعتبر لها مالية كالأوراق النقدية ، بل هي مجرد وثيقة لإثبات أنّ المبلغ الذي تتضمّنه دين في ذمّة موقّعها لمن كتبت باسمه ، فالمعاملات الجارية عليها لا تجري على أنفسها ، بل على النقود



( 87 )

التي تعبّر عنها ، وأيضاً عندما يدفع المشتري كمبيالة للبائع لم يدفع ثمن البضاعة ، ولذا لو ضاعت الكمبيالة أو تلفت عند البائع لم يتلف منه مال ولم تفرغ ذمّة المشتري ، بخلاف ما إذا دفع له ورقة نقدية وتلفت عنده أو ضاعت.
 مسألة 28 : الكمبيالات على نوعين :
 أـ ما يعبّر عن وجود قرض واقعي ، بأن يكون مؤقّع الكمبيالة مديناً لمن كتبت باسمه بالمبلغ الذي تتضمّنه.
 ب ـ ما يعبر عن وجود قرض صوري لا واقع له.
 أمّا في الأول : فيجوز للدائن أن يبيع دينه المؤجّل الثابت في ذمّة المدين بأقلّ منه حالاً ، كما لو كان دينه مائة دينار فباعه بثمانية وتسعين ديناراً نقداً.
 نعم ، لا يجوز بيع مؤجّلاً لأنّه من بيع الدين بالدين ، وبعد ذلك يقوم البنك أو غيره بمطالبة المدين ( موقّع الكمبيالة ) بقيمتها عند الاستحقاق.
 وأمّا في الثاني : فلا يجوز للدائن الصوري بيع ما تتضمّنه الكمبيالة ، لانتفاء الدين واقعاً وعدم اشتغال ذمّة الموقع للموقّع له ( المستفيد ) بل إنّما كتبت لتمكين المستفيد من خصمها فحسب ولذا سمّيت ( كمبيالة مجاملة ).
 ومع ذلك ، يمكن تصحيح خصمها بنحو آخر ، بأن يوكّل موقّع الكمبيالة المستفيد في بيع قيمتها في ذمّته بأقلّ منها ، مراعياً الاختلاف بين العوضين في الجنس ، كأن تكون قيمتها خمسين



( 88 )

ديناراً عراقياً والثمن ألف تومان إيراني مثلاً ، وبعد هذه المعاملة تصبح ذمّة موقّع الكمبيالة مشغولة بخمسين ديناراً عراقياً إزاء ألف تومان إيراني ، ويوكّل الموقّع أيضاً المستفيد في بيع الثمن ـ وهو ألف تومان في ذمّته ـ بما يعادل المثمن وهو خمسون ديناراً عراقياً وبذلك تصبح ذمّة المستفيد مدينة للموقّع بمبلغ يساوي ما كانت ذمّة الموقّع مدينة به للبنك.
 ولكن هذا الطريق قليل الفائدة ، حيث إنّه إنّما يفيد فيما إذا كان الخصم بعملة أجنبية ، وأمّا إذا كان بعملة محلّية فلا أثر له ، إذ لا يمكن تنزيله على البيع عندئذ على ما عرفت من الإشكال في بيع المعدود مع التفاضل نسيئة.
 وأمّا خصم قيمة الكمبيالة الصورية لدى البنك على نحو القرض ، بأن يقترض المستفيد من البنك مبلغاً أقلّ من قيمة الكبيالة الاسمية ، ثم يحول البنك الدائن على موقّعها بتمام قيمتها ، ليكون من الحوالة على البريء ، فهذا رباً محرّم ، لأنّ اشتراط البنك في عملية الاقتراض ( الخصم ) اقتطاع شيء من قيمة الكمبيالة إنّما هو من قبيل اشتراط الزيادة المحرّم شرعاً ولو لم تكن الزيادة بإزاء المدّة الباقية بل بإزاء قيام البنك ببعض الأعمال كتسجيل الدين وتحصيله ونحوهما ، لأنّه لا يحقّ للمقرِض أن يشترط على المقترض أيّ نحو من أنحاء النفع الملحوظ فيه المال.
 هذا إذا كان البنك أهلياً ، وأمّا لو كان حكومياً أو مشتركاً فيمكن التخلّص من ذلك بأن لا يقصد المستفيد في عملية الخصم لديه شيئاً من البيع والاقتراض ، بل يقصد الحصول على المال



( 89 )

المجهول مالكه فيقبضه مع الاستئذان من الحاكم الشرعي على الأحوط ، ثم يتصرّف فيه بعد المراجعة إليه لإصلاحه ، فإذا رجع البنك في نهاية المدّة إلى موقّع الكمبيالة وألزمه بدفع قيمتها ، جاز له الرجوع على المستفيد ببدل ما دفع إذا كان قد وقّع الكمبيالة بأمر وطلب منه.



( 90 )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net