متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
شبهة العجز عن إقامة دولة
الكتاب : المرجعية والقيادة    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

شبهة العجز عن إقامة دولة

 

وعلى كل حال، فهل يمكن افتراض سكوت الإسلام واستغنائه عن وجود دولة وقيام حكم في زمن غيبة المعصوم (عليه السلام)، بحجة العجز عن تحصيل المعصوم (عليه السلام) مع كل هذا الربط بين أداء الفرائض والواجبات في مختلف أبواب الفقه وبين وجود وضع اجتماعي قائم وولي للأمر مبسوط اليد؟!

قد يقال ــ مع التسليم بالحاجة إلى وجود دولة في كل مجتمع كافر أو مؤمن ــ: أنّنا، عاجزون عن تحقيق حكومة إسلاميّة عادلة! ولو أنّ الشريعة الإسلاميّة لم تكن تعلم هذا فينا، لما اشترطت العصمة في تحقيق ذلك. فالمعصوم (عليه السلام) وحده قادر على ذلك دون غيره. وفي أية لحظة تكون فيها  الظروف مناسبة لقيام دولة عادلة، كان على الله حقاً أن يظهر المعصوم (عليه السلام)ليقودها وهو وحده يستطيع تحقيق الهدف المنشود. ومادامت الفرصة غير مواتية، فإنّ المعصوم (عليه السلام) يبقى خلف الستار ولا يؤذن له بالخروج ولا نكلّف بتشكيل حكومة إسلاميّة؟! إنّ جواب هذه الشبهة ــ وبغض النظر عن التجربة الخارجية المعاشة الآن في الجمهورية الإسلاميّة في إيران والدالّة عملاً على أنّ المسلمين ليسوا عاجزين عن إقامة حكم إسلاميّ عادل ــ: أنّ طبيعة معرفتنا بالأمور وبوضع البشرية وبالأسباب المتواجدة خارجاً تدلّ على خلاف هذا، وتجعلنا نقول: لا فرق بين المؤمنين الملتزمين والفسقة في موضوع القدرة على تشكيل الحكومة، وليست هذه القدرة مخصوصة بالفسقة أو الكفرة، وفكرة اختصاص القدرة على الحكم بهم دون المؤمنين أمر غير معقول؛ لأنّ الأسباب والقدرات موزّعة على البشرية وبشكل متناسب {ربَّنا وَسِعتَ كُلَّ شيء رحمةً...}[11]. وإن كانت هذه الرحمة ستكتب للمؤمنين فقط يوم القيامة.

وبالتأمّل في قوله تعالى {وَلولا أن يكونَ الناسُ أمةً واحدةً لَّجعلنا لِمنَ يَكفُرُ بِالرحمنِ لِبُيُوتِهم سُقفاً مِن فضة...}[12].

يظهر جلياً أنّ الله سبحانه وتعالى لم يرد للكافرين أن ينفردوا بإمكانات الدنيا الاقتصادية. ومع أنّ الآية المباركة ناظرة إلى الجانب الاقتصادي ــ ولكنّني ــ أفهم منها أمراً أوسع من ذلك.

فكأنّ الله تعالى يقول: كانت هناك نكتة في جمع المواهب والقدرات الدنيويّة وإعطاءها للكفّار وحرمانها المؤمنين؛ وذلك لأنّ المؤمن حين يعمل العمل الحسن يدّخر جزاءه ليوم آخرته.

وأمّا الكافر فليس له في الآخرة من شيء {وَما لَهُ في الآخرةِ مِن خَلاق}[13]، فإنّ عمل عملاً حسناً فإنّه يأخذ جزاءه في الدنيا.

فكأنّ مقتضى القاعدة هو أن تعطى كل الفرص لهم في الدنيا ولا يرون مشقة وعذاباً ولا يقعون تحت سيطرة مؤمن يحاسبهم ويعاقبهم في الدنيا، أمّا في الآخرة فلهم جزاء عملهم بما كسبت أيديهم. ولكنّ الله تعالى يقول {وَلولا أن يكونَ الناسُ أمةً واحدةً لَّجعلنا لِمنَ يكفُر بِالرحمنِ لِبُيُوتِهم سُقفاً مِن فِضة وَمعارِجَ عليها يَظهروُن وَلبُيُوتِهم أبواباً وسُرُراً عليها يتكئونَ وزُخرُفاً وإن كلَّ ذلِكَ لَمّا متاعُ الحياةِ الدُّنيا والآخرةُ عِندَ ربِّك للمتّقين}[14]، أي أنّ الحكمة الربانية شاءت أن توزع المواهب والنعم على الناس وبشكل سواء، كفئات وجماعات لا كل فرد فرد كما هو واضح. ولو أصبحت كل القدرات والإمكانات إلى جانب واحد وهم (الكفّار) لكان ذلك مدعاة لتزعزع إيمان المؤمنين إلاّ الأوحدين منهم. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ الإيمان ليس عنصراً يخلق العجز لدى الإنسان، بل على العكس من ذلك، فهو يخلق في الإنسان روح الصمود والثبات والصبر والتحمّل ويدعوه إلى العمل الجاد ويجنبه من كل لهو وعبث، كما أنّه يدعو الإنسان المؤمن إلى التيقّظ والحذر واكتساب الخبرات وإلى أن يكون فطناً كيّساً في كل الأحوال. أترى أمراً كهذا يخلق لدى صاحبه عجزاً ونقصاً في القدرات والإمكانات أم على العكس من ذلك؟!

أمّا غيبة الإمام (عج)، فليس تفسيرها الوحيد هو هذا التفسير المطروح في هذه الشبهة. أي أنّه (عليه السلام) غاب لأنّ الظروف غير مواتية لتشكيل حكومة المعصوم(عليه السلام).

وهذا يعني حرمة العمل لتشكيل حكومة إسلامية حتّى تكون الظروف مواتية. وحينما تكون كذلك، فإنّ على الله حقاً أن يظهر الإمام (عليه السلام) ليتسلّم الحكومة. وبالحقيقة هناك تفسيران آخران لغيبة الإمام (عج) وهما:

أولا: امتحان الأمة، فإنّ الله تبارك وتعالى أراد امتحان المؤمنين، هل يتقاعسون ويتكاسلون عن نصرة الحقّ إذا غاب وليّهم (عج)، أم يثبتون ويصبرون وينتظرون الفرج ويعدّون العدّة له (عج)؟

والامتحان ــ كما هو معروف ــ ظاهرة ربانيّة ثابتة في العالم {أَحسِبَ الناسُ أن يُتركوا أن يقولوُا آمنّا وهم لا يُفتنون * وَلقد فتنّا الذينَ مِن قَبلِهم فليعلمنَّ اللهُ الذينَ صدقُوا وَليعلمنَّ الكاذبين}[15].

ومن أصعب الامتحانات على الأمة، أن تفقد إمامها ووليها وقائد مسيرتها.

والثاني: هو أن يكون الإمام (عج) مدّخراً لفترة تكون الفرص فيها مواتية لتشكيل (حكومة إسلاميّة عالمية) لا حكومة محدودة في هذا القطر أو ذاك.

فيقال إنّه (عليه السلام) غاب؛ لأنّه لو عاش بين الناس لهلك وقتل قبل تحقيق حلم الإنسانية المعذّبة.

وهذا التفسير لا يمانع افتراض قيام حكومة إسلاميّة في بقعة من بقاع الأرض هنا أو هناك.

ويجب حينئذ على المؤمنين العمل على تشكيل الحكومة الإسلاميّة والقيام بها على الكفاية حين تحقّق ظروفها في أية بقعة من بقاع الأرض.

 


[12]  سورة الزخرف،الآية:32.

[13]  سورة البقرة، الآية:200.

[14]  سورة الزخرف، الآيات:32 ــ  35.

[15]  سورة العنكبوت، الآيتان:2 و 3.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net