متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3ـ القبلة في نيويورك
الكتاب : فقه الحضارة في ضوء فتاوى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)    |    القسم : مكتبة الفقه

(3)
القبلة في نيويورك

 ما زالت القبلة في الولايات المتحدة وفي نيويورك بخاصة مثار جدل واختلاف نظر عند الفقهاء ، فبعضهم يرجح فيها الاتجاه إلى المشرق المتمايل إلى الجنوب بحجة أن مكة المكرمة تقع تحت خط عرض ( 22 ) ونيويورك تقع فوق خط عرض ( 40 ) ولازم هذا التدقيق أن اتجاه الكعبة في نيويورك بالنسبة للمتجه إليها متمايلاً إلى الجنوب دون الشمال ، بينما الذي يختاره سماحة السيد دام ظله الشريف الاتجاه نحو الشمال الشرقي باعتبار أن الخطوط المتوازية بالنسبة لبدن المصلي تكون في خط مقوس نظراً لتقوس ظهر الأرض فتصل إلى الكعبة ولو احتمالاً ، وهو في هذا الضوء يعطي التفصيل الآتي تغطية لأبعاد الموضوع من وجهاته كافة.
 يرى سماحة السيد أعز الله مجده الوريف : أنّ استقبال القبلة في الأماكن البعيدة التي يجول بينها وبين الكعبة المعظمة تقوس الأرض إنما يتحقق بأن تتجه الخطوط المتوازية المبدوءة من مقاديم بدن المصلي والمقوسة بتقوّس سطح الأرض إلى الجهة



( 145 )

التي تقع فيها الكعبة المعظمة بحيث تنتهي إليها ولو احتمالاً ، ويتضح جلياً اتجاه هذه الخطوط إذا ربطنا بين موقف المصلي والكعبة المعظمة على الخارطة الكروية بخيط ، مراعين استقامته وعدم انحرافه يميناً أو شمالاً ، وحسب اختبارنا يكون اتجاه هذا الخيط في مثل نيويورك من مناطق أمريكا الشمالية نحو الشرق المتمايل إلى الشمال بالمقدار الذي يشير إليه الخط المذكور.
 وأمّا ما يقال من أن مكة المكرمة تقع تحت خط عرض ( 22 ) ونيويورك تقع فوق خط العرض ( 40 ) ولازمه أن يكون الواقف في نيويورك إلى جهة الكعبة المشرفة متمايلاً إلى الجنوب دون الشمال.
 فالجواب عنه أن هذا إنما يصح بالنظر إلى الخارطة المسطحة دون الكروية ، بل إن تغيّر اتجاه الخيط المذكور في الخارطة الكروية إنما نشأ من اختلاف أجزائه الواقعة بين النقطتين إذا لوحظت بالقياس إلى قطبي الشمال والجنوب.
 والشاهد عليه أنا لو أغمضنا النظر إلى الجهات الأربع الثابتة للكرة ولم نأخذها بعين الاعتبار ، وأدرنا الخارطة الكروية وجعلنا مكة المكرمة واقعة في قمتها بمنزلة قطب الشمال ، لاحظنا أن اتجاه الخيط المذكور هو نفس الاتجاه السابق الذكر من دون تغيّر ، وأن الواقف في نيويورك إذا أراد التوجه نحو الكعبة المعظمة يلزمه الوقوف باتجاه هذه الخط لا منحرفاً عنه إلى جانب اليمين.
 والحاصل أن الأرجح في النظر بناءً على ما تقدم في كيفية



( 146 )

الاستقبال هو ما ذكرناه بل الظاهر أنه هو الأرجح أيضاً بناءً على لزوم رعاية الخط الوهمي المارّ في عمق الأرض مستقيماً بين موقف المصلي والكعبة المعظمة ، فإن هذا الخط بما أنه لا يمكن التوجه نحوه حال الصلاة فيتعين الاتجاه نحو الخط المقوس الموازي له والمار على سطح الأرض. والخط الموازي المذكور هو نفس الخط الذي مرّ ذكره والذي يكون اتجاهه في نيويورك نحو الشمال الشرقي هذا ، ومع ذلك تكون صلاة من يتجه إلى الشرق المتمايل إلى الجنوب عملاً بالحجة الشرعية القائمة عنده على ذلك. والله أعلم(1).
____________
(1) المستحدثات من المسائل الشرعية | 9 ـ 11.


( 147 )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net