متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
فصل: البلاء على قدر الإيمان
الكتاب : مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق
فصل
{ البلاء على قدر الإيمان }

    ليذكر من اُصيب بمصيبة ، أنّ المصائب والبلايا إنّما يخص في الأغلب من لله به مزيد عناية ، وله عليه إقبال وإليه توجه ، وليتحقق ذلك قبل النظر في الكتاب والسنة فيمن يبتلى في دار الدنيا ، فإنّه يجد أشدّ الناس بلاءً أهل الخير والصلاح بعد الأنبياء والرسل ، والآيات الكريمة منبئة على ذلك ، قال الله تعالى :
    ( ولولا ان يكون الناس امّةً واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة ومعارج عليها يظهرون ) (1) الآية ، وقال تعالى : ( ولا يحسبنّ الذين كفروا انّما نملي لهم خيرٌ لانفسهم انّما نملي لهم ليزدادوا اثماً ولهم عذابٌ مهين ) (2) وقال تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آيتنا بيّنات قال الّذين كفروا للّذين آمنوا ايّ الفريقين خير مقاماً واحسن ندياًً * قل من كان في الضّلالة فليمدد له الرّحمن مدَاً ) (3).
    وروى عبدالرحمن بن الحجاج قال : ذكر عند أبي عبدالله عليه السلام البلاء ، وما يختص الله عزّوجلّ به المؤمن ، فقال : « سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله : من أشد الناس بلاءً في الدنيا؟ فقال : النبيون ، ثمّ الأمثل فالأمثل ، ويبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله ، فمن صحّ إيمانه وحسن عمله اشتدّ بلاؤه ، ومن سخف إيمانه ، وضعف علمه قلّ بلاؤه » (4).
    وروى زيد الشحام عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « إنّ عظيم الأجر مع عظيم البلاء ، وما أحبّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قوماً إلاّ ابتلاهم » (5).
    وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : « إنّ لله عزّوجلّ عباداً في الأرض من خالص عباده ، ما ينزل من السماء تحفة إلى الأرض إلاّ صرفها عنهم إلى غيرهم ، ولا بليّة إلاّ صرفها إليهم » (6).
    وعن الحسين بن علوان ، عنه عليه السلام ، أنّه قال : « إنّ الله تعالى إذا أحبّ


1 ـ الزخرف 43 : 33.
2 ـ آل عمران 3 : 178.
3 ـ مريم 19 : 73 و 75.
4 ـ الكافي 2 : 196/ 2.
5 ـ الكافي 2 : 196/ 3.
6 ـ الكافي 2 : 196/ 5 ، تنبيه الخواطر 2 : 204 ، وباختلاف يسيرفي التمحيص 35/ 26.


(114)

عبداً غته (1) بالبلاء غتاً (2) ، وإنّا وإياكم لنصبح به ونمسي » (3).
    وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : « إنّ الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً غتّه بالبلاء غتّاً (وسجّه بالبلاء سجاً) (4) فإذا دعاه قال : لبيك عبدي لئن عجلت لك ماسألت إني على ذلك لقادر ، ولكن ادخرت لك ، فما ادخرت خير لك » (5).
    وعن أبي عبدالله عليه السلام قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء ، فإذا أحبّ الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء ، فمن رضي فله عندالله تعالى الرضا ، ومن سخط البلاء فله عندالله السخط » (6).
    وعن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : « إنّما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه ـ أو قال : ـ على حسب دينه » (7).
    وعن ناجية قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّ المغيرة يقول : إنّ الله لا يبتلي المؤمن بالجذام ولا بالبرص ولا بكذا ولا بكذا ، فقال : « إن كان لغافلأ عن مؤمن آل ياسين ، إنّه كان مكنَعاً (8) ـ ثمّ ردّ أصابعه ، فقال ـ : كأنّي أنظر إلى تكنيعه ، أتاهم فأنذرهم ، ثمّ عاد إليهم من الغد فقتلوه ـ ثمّ قال ـ : إنّ المؤمن يبتلى بكلّ بلية ، ويموت بكل ميته ، إلاّ أنّه لا يقتل نفسه » (9).
    وعن عبدالله بن أبي يعفور قال : شكوت إلى أبي عبدالله عليه السلام ماألقى من الأوجاع ـ وكان مسقاماً ـ فقال لي : « يا عبدالله ، لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب ، لتمنّى أن يقرّض بالمقاريض (10) » (11).


1 ـ الغت : الغمس المتتابع بالماء.« النهاية 3 : 342 ».
2 ـ في « ح » زيادة : وسجه بالبلاء سجا.
3 ـ الكافي 2 : 197/ 6.
4 ـ في « ش » : شجه بالبلاء شجا ، والصحيح ثجه بالبلاء ثجا ، أي : صبه عليه صباً. « مجمع البحرين 2 : 283 ».
5 ـ الكافي 2 : 197/ 7 ، التمحيص : 34/ 25 ، باختلاف يسير.
6 ـ الكافي 2 : 197/ 8 ، وروي باختلاف يسير عن ابي عبدالله في التمحيص : 33/ 20.
7 ـ الكافي 2 : 197/ 9 ، مشكاة الأنوار : 298.
8 ـ المكنع : مقفّع اليد ، وقيل مقفع الاصابع ، يابسها ، متقضبها.« لسان العرب 8 : 314 ».
9 ـ الكافي 2 : 197/ 12 ، تنبيه الخواطر 2 : 204 باختلاف يسير.
10 ـ في « ح » زيادة : طول عمره.
11 ـ الكافي 2 : 198/ 15 ، تنبيه الخواطر 2 : 204 ، وروي باختلاف يسير في المؤمن : 15/ 3 ، التمحيص : 32/ 13.


(115)

    وعن أبي عبدالله عليه السلام : « إنّ أهل الحق (1) لم يزالوا في شدة ، أما إنّ ذلك إلى مدّة قليلة وعافية طويلة » (2).
    وعن حمدان ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « إنّ الله ـ عزّوجلّ ـ ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية ، من الغيبة ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض » (3).
    وعن أبي عبدالله قال : « دعي النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى طعام ، فلمّا دخل إلى منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت ، فتقع البيضة على وتد في حائط فتثبت عليه ، ولم تسقط ولم تنكسر ، فتعجّب النبيّ صلّى الله عليه وآله منها ، فقال له الرجل : أعجبت من هذه البيضة؟ فوالّذي بعثك بالحق ما رزئت شيئاً قط ، فنهض رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ولم يأكل من طعامه شيئاً ، وقال : من لم يرزأ فما لله فيه من حاجة » (4).
    وأشباه هذه الأخبار كثيرة ، فلنقتصر على هذا القدر.


1 ـ ليس في « ش » ، و في « ح » : الله ، وما أثبتناه من الكافي.
2 ـ الكافي 2 : 198/ 16.
3 ـ الكافي : 2 : 198/ 17 ، تنبيه الخواطر 2 : 204 ، وروي باختلاف في ألفاظه في التمحيص : 50/ 91.
4 ـ الكافي 2 : 198/ 20.


(116)

    ونختم الرسالة بكتاب شريف ، كتبه سيدنا ومولانا أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام لجماعة من بني عمّه ، حين أصابتهم شدّة من بعض الأعداء على وجه التعزية ، رويناها بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطوسيّ ـ قدّس الله روحه ـ عن الشيخ المفيد محمد بن النعمان ، والحسين بن عبيدالله الغضائريّ ، عن الصدوق أبي جعفر محمد بن عليّ بن بابويه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الثقة الجليل محمد بن أبي عمير ، عن إسحاق بن عمار ، قال : إنّ أبا عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام كتب إلى عبدالله بن الحسن ، حين حمل هو وأهل بيته ، يعزّيه عمّا صار إليه :

بسم الله الرحمن الرحيم

    إلى الخلف الصالح والذريّة الطيّبة ـ من ولد أخيه وابن عمه ــ .
    أمّا بعد : فلئن كنت قد تفردت ـ أنت وأهل بيتك ممّن حمل معك ـ بما أصابكم ، فما انفردت بالحزن والغيظ والكآبة وأليم وجع القلب دوني ، ولقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحرّ المصيبة مثل مانالك ، ولكن رجعت إلى ما أمرالله عزّ وجلّ به المتقين من الصبر وحسن العزاء ، حين يقول لنبيّه صلّى الله عليه وآله : ( واصبر لحكم ربّك فانّك بأعيننا ) (1).
    وحين يقول : ( فاصبر لحكم ربّك ولا تكن كصاحب الحوت ) (2).
    وحين يقول لنبيّه صلّى الله عليه وآله ، حين مثّل بحمزة : ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين ) (3).
    فصبر رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يعاقب.
    وحين يقول : ( وامر اهلك بالصّلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) (4) ،


1 ـ الطور 52 : 48.
2 ـ القلم 68 : 48.
3 ـ النحل 16 : 126.
4 ـ طه : 20 : 132.


(117)

    وحين يقول : ( الّذين اذا اصابتهم مصيبةٌ قالوا انّا لله وانّا اليه راجعون * اولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمةُ واولئك هم المهتدون ) (1).
    وحين يقول : ( انّما يوفّى الصّابرون اجرهم بغير حساب ) (2).
    وحين يقول عن لقمان لابنه : ( واصبر على مااصابك انّ ذلك من عزم الامور ) (3) ،
    وحين يقول عن موسى عليه السلام : ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا انّ الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين ) (4).
    وحين يقول : ( الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصّبر ) (5).
    وحين يقول : ( ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثّمرات وبشّر الصّابرين ) (6).
    وحين يقول : ( والصّابرين والصّابرات ) (7).
    وحين يقول : ( واصبر حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين ) (8) وأمثال ذلك من القرآن كثير.
    واعلم ـ أيّ عمّ وابن عمّ ـ أنّ الله ـ عزّوجلّ ـ لم يبال بضرّ الدنيا لوليّه ساعة قط ، ولا شيء أحب إليه من الضرّ والجهد واللأواء (9) مع الصبر ، وأنّه ـ تبارك وتعالى ـ لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة واحدة قط.
    ولولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخيفونهم ويمنعونهم ، وأعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون.
    ولولا ذلك لما قتل زكريا ويحيى بن زكريا ظلماً وعدواناً في بغيّ من البغايا.


1 ـ البقرة 2 : 156 ، 157.
2 ـ الزمر 39 : 10.
3 ـ لقمان 31 : 17.
4 ـ الأعراف 7 : 128.
5 ـ العصر 103 : 3.
6 ـ البقرة 2 : 155.
7 ـ الاحزاب 33 : 35.
8 ـ يونس 10 : 109.
9 ـ اللأواء : الشدّة. « الصحاح ـ لأى ـ 6 : 2478 ».


(118)

    ولولا ذلك لما قتل جدّك عليّ بن أبي طالب عليه السلام ـ لمّا قام بأمر الله جل وعزّ ـ ظلماً ، وعمّك الحسين بن فاطمة ـ صلّى الله عليهما ـ اضطهاداً وعدواناً.
    ولولا ذلك لما قال الله عزّوجلّ في كتابه : ( ولولا ان يكون النّاس امّةً واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة ومعارج عليها يظهرون ) (1).
    ولولا ذلك لما قال في كتابه : ( ايحسبون انّما نمدّهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل يشعرون ) (2).
    ولولا ذلك لما جاء في الحديث : « لولا أن يحزن المؤمن لجعلت للكافر عصابة من حديد ، فلا يصدع رأسه أبداً ».
    ولولا ذلك لما جاء في الحديث : « أن الدنيا لا تساوي عندالله عزّوجلّ جناح بعوضة ».
    ولولا ذلك ما سقى كافراً منها شربة ماء.
    ولولا ذلك لما جاء في الحديث : « لو أنّ مؤمناً على قلة جبل لا بتعث الله له كافراً أو منافقاً يؤذيه ».
    ولولا ذلك لما جاء في الحديث أنّه : « إذا أحبّ الله قوماً ـ أو أحب عبداً ـ صبّ عليه البلاء صبّاً ، فلا يخرج من غمّ إلاّ وقع في غمّ ».
    ولولا ذلك لما جاء في الحديث : « ما من جرعتين أحبّ إلى الله تعالى أن يجرعهما عبده المؤمن في الدنيا ، من جرعة غيظ كظم عليها ، وجرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء واحتساب ».
    ولولا ذلك لما كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله يدعون على من ظلمهم بطول العمر ، وصحة البدن ، وكثرة المال والولد.
    ولولا ذلك ما بلغنا : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان إذا خصّ رجلأ بالترحّم عليه والاستغفار استشهد.
    فعليكم ـ يا عمّ وابن عمّ وبني عمومتي واخوتي ـ بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله عزّوجلّ ، والرضا والصبر على قضائه ، والتمسك بطاعته ، والنزول عند أمره.


1 ـ الزخرف 43 : 33.
2 ـ المؤمنون 23 : 55 ، 56.


(119)

    أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وختم لنا ولكم بالسعادة ، وأنقذنا وإيّاكم من كلّ هلكة بحوله وقوته ، إنّه سميع قريب.
    وصلّى الله على صفوته من خلقه ، محمد النبيّ وأهل بيته صلوات الله وسلامه وبركاته ورحماته عليهم أجمعين » (1).
    هذا آخر التعزية بلفظها ، نقلتها من كتاب « التتمات والمهمات » وعليها نختم الرسالة حامدين لله تعالى على نواله ، مصلّين على صاحب الرسالة ، وعلى آله أهل العصمة والعدالة.
    ولقد فرغ منها مؤلفها العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدين علي بن أحمد الشاميّ العامليّ عامله الله بفضله وعفا عنهم بمنه وسط نهار الجمعة ، غرّة شهر رجب المرجب الفرد الحرام ، عام أربعة وخمسين وتسعمائة حامداً مصلياً مسلماً مستغفراً والحمد لله وحده ، وصلاته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.


1 ـ إقبال الأعمال : 578 باختلاف يسير ، ونقله في البحار 82 : 145 عن مسكن الفؤآد.


 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net