متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
تعريف علم الأصول وبيان موضوعه
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

 

في تعريف علم الأصول وبيان موضوعه

    ثم انه بعد ما اتضح ما ذكرناه نقول : بأن فن الأصول بعد أن كان عبارة عن جملة من القواعد خاصة الوافية بغرض مخصوص كان من جملة العلوم ، وان موضوعه أيضا عبارة عن نفس موضوعات مسائله على اختلافها وشتاتها ، من دون احتياج إلى اتعاب النفس في تخريج الموضوع الوحداني له ، خصوصا بعد ما يرى من عدم الطريق إلى كشف الجامع الوحداني المعنوي بينها بعد فرض كون الغرض ذا جهات عديدة ، بل وعدم امكانه أيضا مع رجوع مسائل الأصول إلى صنفين : صنف لو حظ فيها الحكاية والكشف عن الواقع وهو الامارات ، وصنف لو حظ فيه عدم الإرائة وحيث السترة للواقع وهو الأصول ، من جهة ما عرفت من عدم تصور جامع ذاتي بين هذين الصنفين باعتبار رجوعه إلى الجامع بين النقيضين.


(19)

    كعدم الاحتياج أيضا إلى اتعاب النفس بجعل الموضوع فيه عبارة عن عناوين متعددة : تارة الأدلة الأربعة فارغا عن دليليتها كما عن القوانين ، وأخرى ذوات الأدلة الأربعة كما عن الفصول ( قدس سره ) كي يورد على الأول بلزوم خروج كثير من مهمات المسائل الأصولية كمبحث حجية الكتاب وحجية الخبر الواحد ، وعلى الثاني بلزوم خروج مباحث الألفاظ طرا كالبحث عن أن الامر للوجوب والبحث عن العموم والخصوص والمطلق والمقيد والمفهوم والمنطوق أيضا ، بل وخروج مبحث حجية خبر الواحد أيضا ، نظرا إلى عدم كون البحث المزبور عن كون الامر حقيقة في الوجوب والنهى في الحرمة وعن العموم والخصوص عن الأوامر والعمومات الواردة في الكتاب والسنة ، وعدم كون البحث عن حجية خبر الواحد بحثا عن حال السنة الواقعية التي هو قول المعصوم وفعله وتقريره. وارجاعه إلى البحث عن ثبوت السنة بخبر الواحد كثبوتها بالمتواتر غير مفيد ، من جهة ان البحث عن ثبوتها حقيقة ليس من عوارضها واما تعبدا فمن عوارض مشكوكها لا من عوارض السنة الواقعية.
    كما أنه لا وجه أيضا لاتعاب النفس في تخريج الجامع الوحداني بين مسائله ببعض التكلفات. ولئن أبيت الا من لزوم جامع في البين بين المسائل ولو بنحو المشيرية لكان الأولى هو ان يقال : بأنه القواعد الخاصة الواقعة في طريق استكشاف الوظائف الكلية العلمية شرعية كانت أم عقلية ، لان ذلك هو المناسب أيضا لما هو الغرض الباعث على تدوينها ، وهو استنباط الاحكام والوظائف الفعلية.
    ومن ذلك البيان ظهر الحال في تعريفه أيضا وانه لا وجه لما هو المعروف من تعريفه : بأنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية ، وذلك لما فيه من الخلل من جهات : تارة من جهة اخذ العلم في تعريفه مع أن العلم والفن كما عرفت عبارة عن نفس القواعد الواقعية الوافية بغرض مخصوص دون العلم والتصديق بها ، بشهادة صحة إضافة العلم إليها تارة والجهل أخرى في قولك فلان عالم بالأصول وفلان جاهل به. وأخرى من جهة لفظ الاستنباط الظاهر في إرادة وقوع القواعد واسطة لا ثبات الواقع وسببا للعلم به ، فإنه حينئذ يلزمه خروج الأصول العلمية كالاستصحاب وأصالة البراءة ونحوها عن مسائل الأصول مع أنها من أهم مسائله ، من جهة ان مضمون هذه الأمور لايكون الا أحكاما ظاهرية منطبقة على مواردها ، وقضية الاستنباط فيها انما كان عبارة عن مقام تطبيقها


(20)

على مواردها بعد الفحص عن الدليل الاجتهادي واليأس عنه ، وأين ذلك ومقام وقوعها طريقا وواسطة لا ثبات الحكم الشرعي. نعم ونفس تلك القواعد تكون مضامينها أحكاما كلية ظاهرية مستنبطة من الامارات الحاكية عن الواقع كالأحكام الفرعية ، ولكن ذلك غير مرتبط بمقام تطبيقها على الموارد في مقام العمل ، بل ويلزمه أيضا خروج الامارات كخبر الواحد ونحوه بناء على القول بكون مفاد دليل الحجية فيها هو تنزيل المؤذي وجعل المماثل في الظاهر ، فإنه على هذا القول أيضا يلزم خروج الامارات عن مسائل الأصول بلحاظ عدم وقوعها في مقام تشكيل القياس وسطا لا ثبات الحكم الشرعي ، نعم بناء على القول بتتميم الكشف كما هو المختار يدخل مبحث الأمارات في التعريف المزبور لوقوعها حينئذ وسطا لا ثبات الحكم الشرعي ، حيث تقع وسطا في القياس ، فيقال : ان هذا مما قام على وجوبه خبر الواحد وكل ما هو كذلك فهو منكشف ـ بحكم الشارع بكونه كاشفا فهذا منكشف ، فتكون حينئذ من القواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية.
    وثالثة من حيث التقييد بالشرعية ، إذ يخرج حينئذ كثير من المسائل الأصولية أيضا كالبرائة والاشتغال العقليين ومسألة الظن في حال الانسداد على تقرير الحكومة ، كما هو ظاهر.
    ومن ذلك البيان ظهر الحال في غيره من التعاريف الاخر التي أفادوها في المقام في ميزان كون المسألة أصولية ، ككونها مما يتعلق بالعمل مع الواسطة في قبال المسائل الفقهية التي تعلقها بالعمل كان بلا واسطة. وذلك لخروج المسائل العملية الأصولية أيضا على هذا الميزان بلحاظ تعلقها بالعمل بلا واسطة بانطباقها على مواردها.
    وبالجملة نقول : بان القواعد المبحوث عنها في الأصول حيثما كانت على صنفين : صنف منها لو حظ فيها جهة الكشف والحكاية عن الواقع كشفا تاما أو ناقصا وكان شأنها الوقوع في طريق استنباط الاحكام كالأمارات ، وصنف آخر منها لو حظ فيها حيث السترة وعدم الكشف والحكاية عن الواقع وكان مما ينتهي إليها الفقيه في مقام العمل عند تحيره وجهله بالواقع كالقواعد العملية من نحو الاستصحاب وغيره ، وكان الصنفان كل واحد منهما دخيلا في الغرض الخاص الداعي على تدوين العلم وجمع قواعده ، فلا جرم كان الحري الحقيق هو تعريفه بما ذكرنا : بأنه القواعد الخاصة التي تعمل في استخراج الاحكام الكلية الإلهية أو الوظائف العملية الفعلية عقلية كانت أم شرعية ،


(21)

ولو بجعل نتيجتها كبرى القياس في استنتاج الحكم الشرعي الواقعي ( كما في قولك : هذا ما أخبر العادل بوجوبه واقعا وكلما كان كذلك فهو واجب كذلك ) أو الحكم الشرعي الظاهري ( كقولك بعد اثبات حجية الاستصحاب : هذا مما علم بوجوبه أو حرمته سابقا وشك لاحقا في وجوبه أو حرمته وكلما كان كذلك فهو واجب في الظاهر ولا ينقض اليقين به بالشك فيه ) أو حكما عقليا ( كقولك : هذا مما لم يرد عليه نص ولا بيان وكلما كان كذلك فهو مما لا حرج في فعله وتركه أو يجب فيه الاحتياط أو يتخير بين الامرين ) نعم على هذا التعريف ينبغي التقييد بعدم اختصاصها بباب دون باب من أبواب الفقه ليخرج مثل قاعدة الطهارة عن التعريف المزبور وتدخل في مسائل الفقه بلحاظ عدم سريانها في جميع أبواب الفقه.
    ولعله إليه أيضا يرجع سائر التعاريف كتعريف الشيخ ( قدس سره ) المسألة الأصولية بما يكون امر تطبيقه مخصوصا بالمجتهد ولا يشترك فيه المقلد ، قبال المسألة الفقهية التي يكون تطبيقها على الموارد مشتركا بين المجتهد والمقلد. فلا يرد عليه حينئذ بمثل قاعدة الطهارة التي هي من المسائل الفقهية في الشبهات الحكمية ومسألة الشرط المخالف للكتاب والسنة التي هي أيضا من المسائل الفقهية ، بتقريب انهما مع كونهما من المسائل الفقهية لا شبهة في أن تطبيقها على مواردها لايكون الا من وظائف المجتهد خاصة ، بملاحظة اشتراط الأول بالفحص والثاني بمعرفة الكتاب والسنة لكي يتميز بها كون الشرط مخالفا للكتاب والسنة أو غير مخالف لهما ، ولا سبيل في ذلك للعامي الذي لا يعرف ظواهر الكتاب والسنة. وهكذا غيره من التعاريف الاخر كتعريفه : بأنه صناعة يقتدر بها على استنباط الاحكام الفرعية ونحوه ، فان هذه التعاريف جميعها راجعة إلى امر واحد ولكل منها جهة مناسبة مع تلك القواعد فكل إلى ذاك الجمال يشير وحينئذ فلاينبغي النقص والابرام من جهة الطرد والعكس في مثل هذه التعاريف.
    نعم بقى في المقام اشكال يرد على ما ذكرنا من التعريف بل وعلى غيره من التعاريف الاخر أيضا فينبغي التعرض له ولدفعه ، ومحصل الاشكال : هوان ميزان كون المسألة أصولية ـ على ما عرف من وقوع نتيجتها كبرى القياس ـ ان كان على وقوعها في طريق الاستنباط المزبور بلا واسطة فيلزمه خروج مباحث الألفاظ طرا ـ كمبحث الامر والنهى والعام والخاص والمطلق والمقيد والمفهوم والمنطوق ونحوها مما شأنها اثبات


(22)

الوضع والظهور ـ من مسائل الأصول ، من جهة وضوح ان نتيجة هذه المباحث لا تكون الا تعيين الظهور واثبات كون الشيء ظاهرا في كذا ، كظهور هيأة الامر في الوجوب وظهور النهى في الحرمة مثلا والعام والخاص والمطلق والمقيد في كذا وكذا ، ومن المعلوم حينئذ ان مثل هذه لايكاد يقع في طريق استنباط الحكم الشرعي بتشكيل قياس واحد بل يحتاج في مقام انتاج الحكم الشرعي إلى تشكيل قياسين يكون نتيجة أحدهما صغرى لكبري القياس الآخر ، بان نقول في القياس الأول : هذا امر وكل امر ظاهر في الوجوب فهذا ظاهر في الوجوب ، ثم نجعل هذه النتيجة صغرى لكبري في قياس آخر ، ونقول في القياس الثاني : هذا ظاهر وكل ظاهر يجب التعبد به والعمل على طبقه بمقتضى ما دل على وجوب الاخذ بكل ظاهر. وهذا بخلافه في مسألة حجية خبر الواحد ونحوها فإنه فيها لايحتاج الا إلى تشكيل قياس واحد بقولك : هذا مما أخبر العادل بوجوبه أو حرمته وكلما كان كذلك يجب الاخذ به والتعبد بمضمونه فهذا يجب الاخذ به والتعبد بمضمونه. وان كان ميزان كون المسألة أصولية على وقوعها في طريق الاستنباط ولو مع الواسطة ، فعليه وان اندفع الاشكال المتقدم الا انه عليه بلزوم دخول مسائل كثيرة من العلوم الأدبية ـ كالصرف والنحو واللغة ومسائل علم الرجال ـ في المسائل الأصولية ، بملاحظة وقوع نتيجتها بالآخرة في طريق الاستنباط ، وهذا كما ترى ، مع أن ديدنهم على اخراج مسائل المشتق ونحوها عن المسائل من حيث جعلهم أول المباحث مباحث الأمر والنهي ، فيبقى حينئذ سؤال الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة الأمر والنهي والعام والخاص الخ.
    وحاصل الدفع هو انا نختار الشق الثاني ومع ذلك نلتزم بخروج الأمور المزبورة عن مسائل الأصول ، وذلك اما أولا فلوضوح ان المهم والمقصود في العلوم الأدبية كالنحو والصرف ليس هو اثبات الظهور للكلمة والكلام بل وانما المهم فيها انما هو اثبات كون الفاعل مرفوعا والمفعول منصوبا في ظرف الفراغ عن فاعلية الفاعل ومفعولية المفعول ، وأين ذلك ومثل مباحث الأمر والنهي والعام والخاص المتكلفة لاحراز الظهور في الكلمة والكلام ؟ وثانيا على فرض ان المقصود في العلوم الأدبية أيضا احراز الظهور في شيء كظهور المرفوع في الفاعلية والمنصوب في المفعولية ، نقول بان غاية ما يقتضيه ذلك حينئذ انما هو وقوع نتيجتها في طريق استنباط موضوعات الاحكام لأنفسها ، والمسائل الأصولية انما كانت عبارة عن القواعد الواقعة في طريق استنباط نفس الأحكام الشرعية العملية


(23)

فيخرج حينئذ أيضا مسائل العلوم الأدبية كالنحو والصرف بل اللغة أيضا. وتوهم استلزامه لخروج مثل مباحث العام والخاص أيضا مدفوع بأنها وان لم تكن واقعة في طريق استنباط ذات الحكم الشرعي الا انها باعتبار تكفلها لا ثبات كيفية تعلق الحكم بموضوعه كانت داخلة في مسائل الأصول ، كما هو الشأن أيضا في مبحث المفهوم والمنطوق حيث إن دخوله باعتبار تكفله لبيان إناطة سنخ الحكم بشيء الذي هو في الحقيقة من أنحاء وجود الحكم وثبوته ، وهذا بخلاف المسائل الأدبية فإنها ممحضة لا ثبات موضوع الحكم بلا نظر فيها إلى كيفية تعلق الحكم أصلا. ومن ذلك البيان ظهر وجه خروج المشتقات أيضا عن مسائل الأصول ، حيث إن خروجها أيضا انما هو بلحاظ عدم تكلفها الا لاحراز موضوع الحكم وانه خصوص المتلبس الفعلي أو الأعم ، لأنفسه لا بذاته ولا بكيفية تعلقه بموضوعه.
    نعم يبقى الاشكال حينئذ في خروج مسائل علم الرجال عن مسائل الأصول مع أنها كمبحث دلالة الألفاظ واقعة في طريق استنباط الحكم الشرعي ولو بالواسطة من كون السند موثوقا به في شمول دليل التعبد له ، ويمكن الاعتذار عنه بان عدم تدوينهم إياها في الأصول حينئذ انما هو من جهة كثرة مسائلها الموجبة لافرادها بالتدوين وجعلها علما مخصوصا موسوما باسم مخصوص مستقلا عن الأصول ، فتدبر.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net