متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الكلام في ألفاظ المعاملات
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

الكلام في ألفاظ المعاملات
 
  • الصحيح والأعم في المعاملات
  • اقسام مطلوبية الشيء في العبادة
  •     واما المعاملات كالبيع والصلح والإجارة ونحوها فيبقى الكلام فيها في أنها كالعبادات داخلة في محل النزاع أو خارجة عن موضوع النزاع ، فنقول :


    (97)

        انه ان قلنا بان تلك العناوين أسام للأسباب كما هو المترائي من ظاهر من عبر عنها في مقام شرحها بعقودها بقولهم البيع مثلا عقد كذا فلا اشكال في دخولها في محل النزاع فكان للنزاع فيها في كونها أسامي للصحيح أو الأعم كمال مجال باعتبار كونها حينئذ من الأمور القابلة للاتصاف بالصحة بمعنى ترتب الأثر عليها تارة وبالفساد بمعنى عدم ترتب الأثر عليها أخرى. نعم لما كان هذا النزاع مخصوصا بالمخترعات الشرعية ولا يجرى في الأمور العرفية أمكن دعوى خروج الأسباب عن مورد النزاع من هذه الجهة ، نظرا إلى أن العقد والايقاع والايجاب والقبول أمور عرفية لا تكون من المخترعات الشرعية ، فبهذه الجهة لا مجال للنزاع فيها في كونها موضوعة للصحيح أو الأعم ، كما هو واضح. هذا كله بناء على القول بكون عناوين المعاملات أسامي للأسباب.
        واما على القول بكونها أسامي للمسببات كما هو التحقيق وعليه المعظم بأنها أمور بسيطة ناشئة من قبل أسبابها الخاصة وانها مما يتوصل إلى وجودها بعقودها وان عقودها بمنزلة الأسباب الموجدة لها لا انها نفسها ، فقد يقال : بأنه لا اشكال في خروجها عن محل النزاع ، تارة من جهة انها بنفسها آثار ، ومحل الكلام انما هو في المؤثرات التي يترتب عليها الآثار تارة ولايترتب عليها الآثار أخرى ، لما مر ان معنى كون الشيء صحيحا عبارة عن كونه بحيث يترتب عليه الأثر المقصود كما أن معنى كونه فاسدا عبارة عن كونه بحيث لايترتب عليه الأثر المقصود ، فعلى هذا يختص النزاع المزبور بالمؤثرات ولا يشمل الآثار نفسها ، وأخرى من جهة انها أمور بسيطة دائرة أمرها بين الوجود والعدم غير متصور فيها التمامية والنقصان ، لما تقدم من اختصاص هذا النزاع بما يكون قابلا للامرين بحيث يتصف بالصحة والتمامية تارة وبالفساد والنقصان أخرى.
        ولكنه يدفع ذلك ، اما الأول فبأنها وان كانت بنفسها آثارا ولكنها بالنسبة إلى الاحكام المترتبة عليها من مثل جواز التصرف وحرمة تصرف الغير بل بالنسبة إلى مثل السلطنة التي هي من الأحكام الوضعية مؤثرات ، وحينئذ فمن هذه الجهة لا مجال للاشكال فيها في دخولها في محل النزاع. واما الاشكال الثاني من كونها أمورا بسيطة دائرة بين الوجود والعدم فله وجه ، بناء على رجوع تخالف الشرع والعرف إلى تخطئة الشارع للعرف في الموارد الخاصة كما في بيع المنابذة والبيع الربوي ما يرونه مصداقا للبيع مع اتحاد البيع مفهوما ومصداقا عند العرف والشرع ، والا فبناء على رجوع ذلك إلى تعدد


    (98)

    حقيقة البيع عند العرف والشرع لا مجال لهذا الاشكال ، فإنه عليه أمكن قابلية البيع مع كونه بسيطا غاية البساطة للاتصاف بالصحة والفساد.
        ولتوضيح المرام نذكر المحتملات المتصورة في موارد تخالف الشرع والعرف ، فنقول : ان المحتملات المتصورة لعدم امضاء الشارع لكثير من المعاملات العرفية كبيع المنابذة والملامسة والبيع الربوي وغيرها ثلاثة :
        الأول : ان يكون من باب تخطئة الشارع نظر العرف في عدهم غير البيع مصداقا حقيقيا للبيع ، ومرجع ذلك إلى اتحاد حقيقة البيع مفهوما ومصداقا عند العرف والشرع ، ولكن العرف لما أخطئوا في نظرهم وتخيلوا بزعمهم غير البيع بيعا حقيقيا خطاهم الشارع بأنه لايكون مصداقا للبيع وانه سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.
        الثاني : ان يكون ذلك من باب التخصيص والاخراج الحكمي والتنبيه على أن جميع البيوع العرفية وان كان بيعا حقيقة حتى في نظر الشارع الا ان الأثر الشرعي مرتب على بعض مصاديق البيع لا على جميع مصاديقه ، ومرجع ذلك أيضا إلى اتحاد حقيقة البيع مفهوما ومصداقا عند العرف والشرع ولكن الشارع لم يرتب الآثار الا على بعض مصاديقه.
        الثالث : ان يكون ذلك من باب ان الأثر الشرعي مرتب على ما هو مصداق للبيع عند الشارع لا على الجامع المنطبق على المصداق الشرعي والعرفي ، ومرجع هذا الوجه إلى أن للبيع حقيقة مصداقين : أحدهما منسوب إلى الشارع ومضاف إليه وهو الموضوع للآثار الشرعية ، والآخر منسوب إلى العرف وهو الموضوع للآثار الخاصة عندهم. والفرق بين الوجهين الآخرين هو انه في الأول يكون جميع المصاديق من البيوع العرفية بيعا حقيقة في نظر الشارع أيضا ولكنه مع ذلك يخص حكمه ببعض افراده ومصاديقه ، بخلافه على الأخير فإنه عليه يكون للبيع مصداقان : مصداق شرعي ومصداق عرفي ، نظير مفهوم الايجاب الذي كان له مصداقان : مصداق شرعي ومصداق عرفي ، فكان الأثر الشرعي مرتبا على ما هو مصداق للبيع عند الشارع. فهذه وجوه ثلاثة متصورة للاختلاف.
        وربما يختلف هذه الوجوه بعضها مع بعض بحسب اللوازم ، فان لازم الوجه الأول هو عدم قابلية البيع للاتصاف بالصحة تارة وبالفساد أخرى نظرا إلى دوران امره دائما بين الوجود والعدم ، بخلافه على الآخرين فإنه عليهما قابل لان يوجد البيع ويكون مؤثرا شرعا


    (99)

    تارة وغير مؤثر أخرى. هذا كله في مقام التصور.
        واما مقام التصديق : فأبعد الوجوه هو الوجه الأوسط لمخالفته لما عليه ارتكاز الأصحاب فان السلطنة على الملك من لوازم ملكية الشيء ، فالتصديق بتحقق مصداق البيع والملكية مع نفى السلطنة على الملك ربما يعد من التناقض ، فمن هذه الجهة لا مجال للمصير إلى الوجه الثاني بل لا مجال لتوهمه. وحينئذ فيدور الامر بين الوجه الأول والأخير وفى مثله نقول : بأنه ان بنينا على أن البيع امر واقعي انتزاعي عن منشأة غير منوط بالجعل يتعين المصير إلى الوجه الأول من ارجاع موارد عدم امضاء الشارع للبيوع العرفية في الموارد الخاصة إلى تخطئة الشارع الأنظار العرفية فيما يرونه مصداقا للبيع وللنقل والانتقال ، ولازمه هو خروج المسببات من عناوين المعاملات عن مورد البحث والنزاع. واما ان بنينا على كون تلك المسببات من الأمور الاعتبارية الجعلية يتعين المصير إلى الوجه الا خير حيث لايتصور حينئذ وجه لتخطئة الشارع للعرف ، لان البيع المضاف إليهم والمصداق المختص بهم متحقق لا محالة في جميع الموارد حسب اعتبارهم إياه. نعم البيع الشرعي والمصداق المضاف إليه يكون تحققه تابع اعتبار الشارع وجعله إياه فمع عدم اعتبار الشارع إياه في مورد لاتحقق للبيع الشرعي وانما المتحقق هو البيع العرفي والمصداق المختص بهم. فعلى ذلك فاطلاق القول بخروج عناوين المعاملات عن حريم النزاع بتقريب انها أمور بسيطة أمرها دائر بين الوجود والعدم مما لا وجه له ، بل اللازم هو التفصيل بين المسلكين والقول بالخروج عن مورد النزاع على أحد المسلكين دون الاخر.
        ثم إن المتعين من هذين الوجهين أيضا هو الوجه الأخير فان دعوى كون تلك المسببات من الأمور الواقعية بعيد جدا ، بل هي من الأمور الاعتبارية الجعلية التي قوام تحققها بالجعل ، نعم بعد الجعل والاعتبار يصير من قبيل الأمور الواقعية نظير الارتباط المتحقق بين اللفظ والمعنى الحاصل بالجعل والوضع أو من كثرة الاستعمال ، فكما ان أصل تلك العلاقة والارتباط تكون تابعة للجعل في أصل تحققها وبعد الجعل تصير من الأمور الواقعية كذلك تلك المسببات ، وعليه فتدخل في حريم النزاع.
        ثم إن الثمرة تظهر من مقام التمسك بالاطلاق من مثل ( أحل الله البيع ) عند الشك في مدخلية شيء في البيع ، فإنه على الأعم لا باس بالتمسك بالاطلاق في نفى ما شك في اعتباره. ولا كذلك الامر على الصحيح ، فإنه عليه مع الشك في مدخلية شيء في صحته عرفا يشك في


    (100)

    تحقق المسمى بدونه ومعه لايبقى مجال للتمسك بالاطلاق. نعم بعد احراز البيع العرفي بما له من الشرائط لو شك في دخل شيء في صحته شرعا يجوز التمسك باطلاق مثل ( أحل الله البيع ) في نفى ما شك في اعتباره شرعا حتى على الصحيح. هذا بناء على المسلك الأخير من جعلية البيع ونحوه ، واما بناء على المسلك الأول ففي التمسك بالاطلاقات اللفظية في نفى ما شك في اعتباره شرعا في صحته البيع اشكال ينشأ من احتمال خطأ العرف فيما يرونه مصداقا للبيع ، حيث إنه مع هذا الاحتمال يشك لا محالة في أصل تحقق البيع بدون المشكوك ، من جهة معلومية عدم اتباع فهم العرف الا في مقام كشف المفاهيم لا في مقام تطبيق المفهوم على المصداق الخارجي فارغا عن معلومية المفهوم. وحينئذ فمع احتمال خطأ العرف في تطبيق مفهوم البيع على المورد لم يجز التمسك بالاطلاق ، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفس العام ، هذا.
        ولكن الذي يسهل الخطب هو وجود الاطلاق المقامي في المقام ، حيث إنه بعد ما يرون العرف الفرد الغير الواجد للمشكوك بحسب ارتكازهم مصداقا حقيقيا للبيع ويرتبون عليه الآثار من النقل والانتقال ومع ذلك لم يردعهم الشارع يكشف ذلك عن أن ما يكون بيعا عندهم بيع شرعي أيضا ، والا لكان عليه التنبيه بذلك ببيان : ان غير الواجد لايكون حقيقة مصداقا للبيع وانه مصداق زعمي تخيلي. وحينئذ فبهذا الاطلاق الموصوف بالمقامي يستكشف ان جميع ما يراه العرف بيعا بيع حقيقة لذي الشارع الا ما خرج قطعا بالردع كبيع المنابذة والبيع الربوي ونحوهما ، فيكون الاطلاق المقامي حينئذ مثمرا لثمرة الاطلاق اللفظي. ومن ذلك أيضا نتمسك به لنفى اعتبار مثل قصد القربة مع عدم جريان في الرسائل من منعه عن التمسك بالاطلاق في مورد قائلا بأنه ليس ذلك تقييدا في دليل العبادة حتى يدفع بالاطلاق ، وتجويزه التمسك به في مورد آخر في ضمن تقريب دليل الانسداد ، حيث نقول بان نظره في المنع عن التمسك بالاطلاق إلى الاطلاق اللفظي وفى التجويز إلى الاطلاق المقامي.

    تنبيه

        قد يكون الشيء مطلوبا في العبادة ومندوبا إليه فيها من جهة جزئيته ودخله


    (101)

    الشطري في المهية المخترعة كالقراءة والركوع والسجود في الصلاة ، وقد يكون من جهة دخله الشرطي على نحو يكون تقيده داخلا في المهية المطلوبة دون نفسه وهذا كالطهور والستر والقبلة ، وقد يكون من جهة كونه من قبيل الواجب في الواجب فيكون مطلوبيته في تلك العبادة من جهة انحصار ظرفه فيها وتوقف وجوبه على وجوبها ووجودها لا من باب دخالته في المطلوب بنحو الشطرية أو الشرطية وهذا القسم لم أجد له مثالا في الصلاة ولكنه متصور في الحج وقد يكون من جهة كونه مستحبا في الواجب بنحو يوجب وجوده صيرورة الفرد من أفضل الافراد نظير القنوت وسائر الأذكار المندوبة في الصلاة ، حيث إنها لا تكون مما لها الدخل في أصل الواجب بنحو الشرطية أو الشرطية ولايكون الاخلال بها ولو مع العمد أيضا منافيا للامتثال ، ولكنها عند وجودها توجب مزية للفرد الواجد لها على الفاقد وتكون جزء للفرد لا للطبيعة ، لأنها من قبيل اللا بشرط بالنسبة إليها فتحقق معها وبدونها ، غاية الأمران الفرد المشتمل عليها يصير من أكمل الافراد وأفضلها. وهذا واضح. خصوصا على ما بيناه من أن الصلاة معنى تشكيكي مختلف المراتب ولها حدود تبادلية كالنور والخط.
        ثم لايخفى ان تصوير الواجب في واجب ربما يستلزم ورود نقض على منكري معقولية الترتب المدعين لاستحالته ، بتقريب ان تعدد الامر يقتضي تعدد القدرة على الامتثال ومع عدم القدرة على الجمع بين الضدين يستحيل توجه التكليف بهما دفعة بالايجاد في زمان واحد ، توضيح الورود انه لو تم هذا المحذور لجرى نظيره في المقام أيضا فيلزمه الالتزام بعدم معقولية الواجب في واجب ، من جهة ان مقتضى القدرة على الشيء هو القدرة على تركه ونقيضه والا فمع فرض عدم القدرة على الترك والنقيض لايكاد تحقق القدرة على الفعل أيضا ، وعليه نقول : بأنه لو اعتبرت القدرة الفعلية على الامتثال في صحة توجه التكليف بالضدين يلزمه اعتبارها في المقام أيضا ، وحيث انه لايكون للمكلف في المقام القدرة على عصيان كلا الامرين في زمان واحد يترتب عليه عدم تصور الواجب في الواجب ، لان ظرف أحد الواجبين حيثما كان هو ظرف إطاعة الواجب الاخر فلا جرم لم يتصور القدرة الفعلية على عصيان كلا الامرين فيتوجه حينئذ النقض المزبور ، ومن ذلك كنا نورد هذا الاشكال على من ادعى استحالة الامر بالضدين ولو بنحو الترتب.


    (102)

        واما حل الاشكال : فهو ان القدرة الفعلية على الامتثال والعصيان انما تعتبر فيما لو كان الامر ان عرضيين ، واما لو كان الامر ان طوليين فلا يعتبر فيهما الا القدرة الطولية ، وحينئذ نقول : بان القدرة الطولية على عصيان الامرين كما كانت متحققة في المقام ومصححة للامر بايجاد شيء في واجب آخر كذلك متحققة في الامر بالضدين بنحو الترتب فتدبر.

     


     شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

    إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net