متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
قاعدة الحلية
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول


    واما قاعدة الحلية المستفادة من قوله عليه السلام : كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام ) فيتصور فيها وجوه : فإنه تارة يكون المراد من تلك الحلية خصوص الحلية الاقتضائية الناشئة من مثل مصلحة التسهيل أو غيرها ، وأخرى يكون المراد ما يعمها والحلية اللا اقتضائية الناشئة من جهة عدم اقتضاء الحرمة فيه. فان كان الأول فلازمه عدم صحة تطبيقها على شرط المأمور به في كبرى الأثر من


(251)

نحو قوله : يجوز الصلاة فيما يحل اكله ، لان موضوع الأثر في هذا الدليل عبارة عن خصوص الحلية اللااقتضائية فمع الشك في كون الوبر من حلال الاكل بالحلية اللااقتضائية لا يفيد تلك القاعدة في تطبيق كبرى الأثر على المورد حتى يترتب عليه جواز الدخول في الصلاة كما هو واضح.
    وان كان الثاني فتارة نقول بان القاعدة من الأصول التنزيلية المحرزة للواقع كما هو الشأن في قاعدة الطهارة أيضا وان مفادها عبارة عن اثبات الحلية الواقعية في المورد تعبدا وتنزيلا لا اثبات الحلية الحقيقية الظاهرية للشيء بعنوان كونه مجهول الحكم ، وأخرى نقول بأنها من القواعد المتكلفة لا ثبات الحلية الظاهرية للشيء حقيقة بعنوان كونه مجهول الحكم في طول الحلية الواقعية ، وعلى الأول فمفاد القاعدة تارة يكون هو التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر وهو الشرطية نظير الاستصحاب بناء على القول باقتضاء دليل حرمة النقض لجعل المماثل للأثر حقيقة ، وأخرى يكون مفادها مجرد التعبد بوجود الشرط والبناء على كون المشكوك حلالا واقعيا بلا اقتضائها للتوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر وهي الشرطية فضلا عن اقتضائها للتوسعة الحقيقية في دائرة نفس الشرط وهي الحلية. فهذه وجوه متصورة في تلك القاعدة.
    وربما يختلف هذه الوجوه بعضها مع بعض بحسب اللوازم ، فإنه بناء على اقتضائها لجعل الحلية الظاهرية الحقيقية في المورد لا اشكال في أنه لايكاد يثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد ، لان الأثر في كبرى الدليل في نحو قوله : يجوز الصلاة في ما يحل اكله ، انما هو مترتب على محلل الاكل الواقعي لا على ما يعمه والحلية الظاهرية ، وحينئذ فمع الشك في كون الوبر من محلل الاكل الواقعي لا يثمر في التطبيق مجرد كون المورد محللا ظاهريا ومعه لايكاد يترتب عليه جواز الدخول في الصلاة حتى ينتهى الامر بعد ذلك إلى البحث عن الاجزاء وعدمه ، كما هو واضح. نعم إنما يثمر ذلك في مقام التطبيق فيما إذا استفيد من دليل كبرى الأثر تعميم الحلية بما يعم الواقع والظاهر ، إذ حينئذ بجريان القاعدة المزبورة يصير المورد من المصاديق الحقيقية لما هو شرط المأمور به ولازمه قهرا حينئذ هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة باعتبار وقوع العمل حينئذ واجدا حقيقة لما هو شرطه وعدم تصور انكشاف الخلاف معه.
    ومن ذلك البيان يظهر انه كذلك الامر أيضا في فرض اقتضائها للتوسعة الحقيقية في


(252)

دائرة كبرى الأثر وهو الشرطية ، إذ لازم هذا المعنى أيضا قهرا يكون هو الاجزاء. واما توهم امتناع الحكومة بهذا المعنى من التوسعة الحقيقية باعتبار عدم كون الدليل الحاكم حينئذ في رتبة المحكوم وامتناع ان يكون للحلية الواقعية سعة اطلاق يشمل المرتبة المتأخرة عن نفسها ، فمدفوع بان ذلك كذلك بالنسبة إلى نفس الشرط وهو الحلية الواقعية ، فإنه بعد امتناع سعة الدائرة فيها بنحو تشمل المرتبة المتأخرة عن الشك بها يستحيل اقتضاء القاعدة المزبورة للتوسعة الحقيقية فيها حتى بالنسبة إلى مرتبة الشك المتأخر عنها ، واما بالنسبة إلى اثرها الذي هو الإناطة والشرطية فلا وجه لدعوى استحالته بل هو امر ممكن في نفسه فإنه من الممكن جدا التوسعة الحقيقية في دائرة الشرطية على معنى قيامها بما يعم الحلية الواقعية الحقيقية والحلية التعبدية التنزيلية ، لأنها مما أمرها بيد الشارع والجاعل فكما ان للشارع جعل الإناطة لخصوص الحلية الواقعية كذلك له جعلها لما يعمها والحلية التعبدية التنزيلية. وحينئذ فإذا عبدنا الشارع في مورد بأنه حلال الاكل واقعا وكان لسان دليل التعبد بلسان التوسعة الحقيقية لدائرة كبرى الأثر ، فلا جرم يلزمه جواز الدخول معه في الصلاة ، كما أن لازمه القهري هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة عند انكشاف الخلاف وتبين كونه من محرم الاكل. هذا بناء على اقتضاء القاعدة للتوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر.
    واما بناء على عدم اقتضائها الا مجرد التعبد بالبناء على الحلية الواقعية فعليه وان كان يثمر أيضا في تطبيق كبرى الأثر على المورد فيجوز الدخول معه في الصلاة ولكن لايلزمه حينئذ نفى وجوب الإعادة والاجزاء عند انكشاف الخلاف بل مقتضي دليل شرطية الحلية الواقعية انما هو عدم الاجزاء وجوب الإعادة والقضاء عند تبين الخلاف وانكشاف كونه غير حلال الاكل ، من جهة انه من حين انكشاف الخلاف يرتفع التعبد المزبور فيقتضي قضية الشرطية الواقعية من ذاك الحين وجوب الإعادة ، كما هو واضح. هذا كله حسب مقام التصور.
    وأما بحسب مقامين التصديق فلاينبغي الارتياب في أن المتعين من الوجوه المزبورة هو الوجه الأخير ، فان دعوى كون القاعدة مسوقة لا ثبات الحقيقية الظاهرية للشيء المشكوك الحكم بعيدة غايته لاستلزامه عدم جواز تطبيق كبرى الأثر على الموارد المشكوكة الا بالالتزام بترتب كبرى الأثر في الخطاب الواقعي في نحو قوله : يجوز الصلاة فيما


(253)

يحل اكله ، على الأعم من الحلال الواقعي والظاهري ، وهو كما ترى خلاف ظاهر الخطاب ، من جهة وضوح ظهورها في خصوص الحلال الواقعي دون الأعم ، كما هو واضح. كما أن مثلها في البعد أيضا دعوى كونها مسوقة للتوسعة الحقيقية في دليل كبرى الأثر ، إذ نقول حينئذ : بأنه على ذلك وإن لم يلزم رفع اليد عن ظهور الأدلة المتكلفة لكبري الأثر ، ولكنه أيضا خلاف الظاهر جدا ، فان القدر الذي يقتضيه هذا اللسان في القاعدة من التنزيل المزبور انما هو مجرد التعبد بالبناء على وجود الشرط وتحققه وكون المشكوك حلالا واقعيا ، واما اقتضائه للتوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر فلا ، وعليه كما عرفت كان مقتضي القاعدة هو وجوب الإعادة وعدم الاجزاء ، من جهة اقتضاء دليل الشرطية الواقعية حينئذ بعد تبين الخلاف وارتفاع التعبد المزبور وجوب الإعادة. هذا كله في تطبيق دليل الحلية على شرط المأمور به.
    واما تطبيقها على نفس ترك الجزء أو الشرط المشكوك الجزئية أو الشرطية فتقريبه انما هو باعتبار تأدية ترك المشكوك على تقدير اعتباره إلى ترك المركب ، حيث إنه حينئذ يشك في حرمة ترك المركب من جهة ترك المشكوك الجزئية والشرطية ، فيقال بمقتضي القاعدة بحليته ويستفاد منها بنحو الان أيضا كون المأمور به عبارة عن ما عدا الجزء المشكوك الجزئية فيترتب عليها جواز الاقتصار على ما عدا الجزء أو الشرط المشكوك الجزئية والشرطية ، هذا. ولكن فيه أيضا ان مجرد تكفل القاعدة لحلية ترك الكل والمركب من جهة ترك مشكوك الجزئية والشرطية ظاهرا لايقتضي نفى الجزئية الواقعية حتى يترتب عليه تحديد المأمور به بالبقية ، وعلى فرض اقتضائها لذلك لايكاد يترتب عليه تحديد دائرة الوجوب بما عدا المشكوك الجزئية ، إذ تعلق الوجوب حينئذ بالبقية ليس من الآثار الشرعية لعدم جزئية المشكوك فيه بل هو من اللوازم العقلية لعدم مدخلية الجزء المشكوك في المركب ، فان من لازمه العقلي حينئذ محدودية دائرة الوجوب بحد أقل ، فحينئذ اثبات الوجوب للبقية بمقتضي القاعدة المزبورة لا يخلو عن مثبت واضح. هذا كله في قاعدة الحلية.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net