متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
تقسيم المقدمة إلى المقتضى والشرط والمانع
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

ومن التقسيمات : تقسيمها
إلى المقتضى والشرط والمانع

    وقد عرفوا المقتضى وهو السبب والعلة في لسان الحكم بما يلزم من وجوده الوجود دائما ذاتا ، والشرط بما يلزم من عدمه العدم ، والمانع بما يلزم من وجوده العدم. وهذا التعبير يقتضى اختلاف المقتضى مع الشرط والمانع في كيفية الدخل في وجود المعلول وتحققه وعدم كون الجميع على وزان واحد في ذلك وان مناط دخل كل غير ما هو المناط في الاخر ، والا لما كان وجه للعدول في الشرط والمانع عن التعريف المزبور للمقتضي وهو كك ، فان ملاك المقدمية في المقتضي عبارة عن حيثية المؤثرية ، إذ هو في الحقيقة عبارة عن معطى الوجود لأنه هو الذي يخرج المعلول من كمونه ويستند إليه وجوده ، كما في مثل النار والاحراق ، حيث يرى أن ما ينشأ ويتولد منه الاحراق انما هو النار خاصة. وهذا بخلافه في مثل الشرط والمانع ، فان دخلهما فيه لايكون على نحو دخل المقتضي في كونه بنحو المؤثرية والمتأثرية بل وانما كان بمناط آخر غير المؤثرية كما ستعرف ، كيف ولا اشكال بينهم في أن عدم المانع من المقدمات ومن اجزاء العلة التامة حسب تفسيرهم إياها بالأمور الثلاثة : المقتضي والشرط وعدم المانع ، ويكشف عنه أيضا التزامهم بترشح الحرمة الغيرية نحو المانع في مثل الصلاة في غير المأكول وبنائهم على جريان ( كل شيء لك حلال ) في مشكوك المانعية عند الشك في كون اللباس من المأكول أو غيره ، بتقريب اقتضاء القاعدة حلية المشكوك ولو غيريا والترخيص في ايجاد الصلاة فيه. مع أنه من المستحيل ان يكون دخل عدم المانع في تحقق المعلول بنحو المؤثرية كما في


(274)

المقتضى ، لضرورة انه لا سنخية بين الوجود والعدم ، فكيف يمكن دخل العدم المزبور في وجود المعلول بنحو المؤثرية فلا محيص حينئذ اما من اخراج عدم المانع من المقدمات ومن اجزاء العلة التامة واما من الالتزام بوجه آخر في مناط مقدمية عدم المانع غير مناط المؤثرية ، بدعوى مدخلية في قابلية المعلول والأثر بلحاظ اضافته إليه لتحقق والانوجاد من قبل موجده ومؤثره ، والأول كما ترى خلاف ما أطبقوا عليه من كون عدم المانع من اجزاء العلة ومن مقدمات وجود المعلول ، فتعين الثاني بعد بطلان المؤثرية فيه.
    واما توهم ان ذلك انما هو بالنسبة إلى العدم المطلق لا مطلقا حتى بالنسبة إلى العدم المضاف فان الثاني مما له شائبة من الوجود ومن ذلك يتميز أحدهما عن الآخر كعدم زيد في قبال عدم عمرو والا فلا ميز بين الاعدام فمدفوع بان مجرد إضافة العدم إلى المهية لايصير العدم المزبور وجودا كيف وان المضاف وهو العدم بنفسه نقيض الوجود واما المضاف إليه وهو المهية فايضا غير مقتض للوجود لان حيثيتها حيثية عدم الاقتضاء للوجود والعدم ، ولذا قيل : بان المهية من حيث هي ليس الا هي لا موجودة ولا معدومة ، وحينئذ لايبقى في البين الا نفس الإضافة التي هي من الأمور الاعتبارية وهي أيضا غير مقتضية للوجود. وبالجملة ان إضافة العدم إلى المهية ليس الا كإضافة ماهية إلى ماهية أخرى فكما ان إضافة ماهية إلى ماهية لاتقتضي وجودا كذلك في إضافة العدم إليها ، بل في إضافة المهية إلى المهية ربما يكون الامر أهون ، لكون الماهية بنفسها غير آبية عن الوجود بخلافه في العدم فإنه بنفسه نقيض الوجود وطارد له ، نعم الإضافة المزبورة كما ذكر موجبة لتميز الاعدام بعضها عن بعض كقولك : عدم زيد غير عدم عمرو ، ولكن مجرد ذلك لا يقتضى موجوديته ومؤثريته في الوجود ، كما هو واضح.
    ومن ذلك وقعوا في حيص وبيص في وجه دخل عدم المانع ، فأفاد بعضهم ان مناط الدخل فيه انما هو من جهة منافاة وجوده مع تأثير المقتضي وحيلولته بينه وبين اثره ، كما في رطوبة الخشب المانعة عن تأثير النار في الاحراق الفعلي. ولكن فيه ما لايخفى ، إذ نقول بان مرجع ذلك إلى جعل المانع من اضداد تأثير المقتضى الذي هو الأثر المترتب عليه ، من جهة ان تأثير الشيء عبارة عن عين اثره كالايجاد والوجود وانما الفرق بينهما بالاعتبار بلحاظ اضافته إلى الفاعل تارة والى القابل أخرى ، ومثل هذا المعنى كما ترى مناف مع مقدمية العدم المزبور ، لان لازم مضادة وجوده مع تأثير المقتضى واثره هو صيرورة وجوده في


(275)

رتبة تأثير المقتضي الذي هو اثره ، ولازمه بمقتضي انحفاظ الرتبة بين النقيضين هو صيرورة عدمه أيضا في تلك الرتبة وهو كما ترى مناف مع مقدمية العدم المزبور للأثر وكونه من اجزاء العلة التامة ، فلا بد حينئذ في حفظ المضادة المزبورة من اخراج عدم المانع عن المقدمات والا فمع حفظ المقدمية فيه يستحيل ان يكون وجه دخله بمناط المضادة والمنافاة المزبورة ، كما هو واضح.
    واضعف من ذلك جعل مناط دخل عدم المانع جهة منافاة وجوده مع مناط المطلوب ومصلحته ، إذ نقول : بان مرجع ذلك أيضا إلى جعل وجود المانع من اضداد المصلحة المترتبة على المطلوب ، ولازمه بمقتضى انحفاظ الرتبة بين النقيضين ان يكون عدمه في رتبة لا حقة عن المطلوب ، وهو كما ترى من المستحيل اجتماعه مع فرض مقدمية عدم المانع للمطلوب لان مقتضى مقدمية العدم المزبور هو كونه في رتبة سابقة على المطلوب بنحو يتخلل بينهما الفاء المزبور ، فكيف يمكن حينئذ جعله من اضداد مصلحة المطلوب نعم لهذا الكلام مجال بناء على عدم مقدمية عدم المانع ، ولكن الالتزام بذلك أيضا كما عرفت مناف لما تسالموا عليه من مقدميته وكونه من اجزاء العلة التامة بل ولاستدلالهم بدليل الحلية في مشكوك المانعية في مسألة غير المأكول لا ثبات الحلية الغيرية والترخيص في ايجاد الصلاة فيه حتى من القائل المزبور.
    وحينئذ نقول : بأنه بعد ما لايمكن ان يكون دخل عدم المانع في المطلوب بمناط المؤثرية والمتأثرية لاختصاص مثل هذا الدخل بخصوص السبب والمقتضى وعدم تصوره في الاعدام ، ولا بمناط المنافاة والمزاحمة مع المطلوب أو مصلحته ، فلا محيص وأن يكون مناط الدخل فيه وكذا الشرائط بوجه آخر ، وليس ذلك الا دعوى دخله في قابلية المعلول والأثر للتحقق والانوجاد من قبل موجده ومؤثره على معنى دخله في تحدد الطبيعة بحد خاص يكون بذلك الحد قابلا للتحقق ، بحيث لولا ذلك الحد الخاص الناشي من إضافة الطبيعة إلى العدم المزبور ككون الشيء في ظرف عدم كذا لما كان قابلا للتحقق من قبل موجده ومقتضيه ، ومرجع هذا الدخل في الحقيقة إلى دخل طرف الإضافة في الإضافة ودخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري ، ومن المعلوم أيضا كفاية هذا المقدار من الدخل في مقدمية عدم المانع بنظر العقل للمطلوب وتقدمه الرتبي عليه وصحة تخلل الفاء بينهما في قولك : وجد المانع فعدم المطلوب ، وذلك لما تقدم سابقا بأنه لا


(276)

يحتاج في صحة تخلل الفاء المزبور بين الشيئين اعتبار المؤثرية والمتأثرية بينهما ، ولذلك يصح هذا التخلل فيما بين العارض والمعروض أيضا مع أنه لايكون بينهما اعتبار المؤثرية والمتأثرية ، بل وفيما بين عدم العلة وعدم المعلول في قولك : عدم العلة فعدم المعلول بل يكفي فيه مجرد التقدم الرتبي لاحد الامرين على الآخر ولو كان ذلك بمناط انحفاظ الرتبة بين النقيضين كما في العلة والمعلول ، فان وجود العلة لما كان في رتبة سابقة على وجود المعلول يكون عدمها أيضا بمقتضي انحفاظ الرتبة بين النقيضين في رتبة سابقة على عدمه فصح تخلل الفاء بينهما مع أنه لا تأثير بين الاعدام.
    وحينئذ نقول في المقام أيضا : بان العدم المزبور من حيث وقوعه طرفا للإضافة ومنشئيته لتحدد الشيء بحد خاص ينال العقل جهة المقدمية منه ويرى كونه في رتبة سابقة على الحد المزبور بنحو يفصل الفاء المزبور بينهما الكاشف عن اختلاف الرتبة بينهما ، كما كان ذلك أيضا بالقياس إلى بعض الأمور الوجودية ككون الشيء مثلا في ظرف وجود كذا وفي مكان كذا فإنه قد يكون الشيء لايكون فيه القابلية للوجود والتحقق ولو مع وجود مقتضيه وتماميته في مرحلة اقتضائه الا إذا كان محدودا بحدود خاصة ناشئة تلك الحدود من اضافته إلى بعض الأمور الوجودية والعدمية ، واما دخل مثل هذا الحدود في القابلية المسطورة فهو لايكون إلا ذاتيا فلا يعلل بأنه لم وبم ، لان مرجع ذلك إلى أن ما هو القابل للتحقق من الأول هو الشيء المحدود.
    ومن ذلك أيضا يندفع بعض الاشكالات المتوهمة بالنسبة إلى تأخر وجود الممكنات مع سعة فيض الباري عز اسمه وقدرته على كل شيء ، إذ نقول : بان عمدة الوجه فيه انما هو من جهة عدم قابليته للوجود والتحقق باعتبار مدخلية بعض الأمور في قابليته للوجود كمرور الزمان ونحوه.
    ومن ذلك البيان أيضا ظهر وجه دخل الشرائط وانه لايكون دخلها الا كدخل عدم المانع في كونه من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري الراجع إلى دخلها في قابلية الأثر للتحقق باعتبار كونها مما تقوم به الحدود الخاصة التي بها يكون الأثر قابلا للتحقق لا بدونها ، لا ان دخلها كان من قبيل دخل المقتضى بنحو المؤثرية والمتأثرية ، ولذلك أيضا لم يعرفوا الشرائط بما عرفوا به المقتضي بل عرفوه بما يلزم من عدمه العدم ، قبال المقتضى الذي يلزم من وجوده الوجود ولو لذاته


(277)

    ثم انه لا يفرق فيما ذكرنا بين ان يكون الشرائط راجعة إلى مقام التأثير الفعلي وبين رجوعها إلى مقام أصل الاقتضاء ، فإنه على كل تقدير لا دخل لها الا في حدود الشيء غايته انه على الأول يرجع دخلها إلى قابلية الأثر والمقتضى ( بالفتح ) للتحقق ، وعلى الثاني يرجع دخلها إلى قابلية المقتضى في اقتضائه للتأثير باعتبار ان ما هو المؤثر من الأول هو الوجود المحدود بالحدود الخاصة ، واما دخل هذه الحدود في القابلية المزبورة في المقتضى فهو كما عرفت لايكون الا ذاتيا غير معلل بلم وبم.
    وعلى ذلك فدخل الشرائط وكذا الموانع لايكون الا كونها طرفا للإضافة ومحدده للشيء بحدود خاصة ، وهذا المقدار من الدخل أيضا كما عرفت يكفي في نيل العقل جهة المقدمية منها وكونها في رتبة سابقة على المحدود كما هو واضح ، ولئن شئت فاستوضح ذلك بمثل الصلاة التي ورد انها قربان كل تقى وتنهى عن الفحشاء وما اعتبر الشارع فيها من القيود الوجودية والعدمية ككونها عن طهور وكونها إلى القبلة وفي حال الستر وكونها في ظرف عدم امر كذائي ، إذ لا اشكال حينئذ في أن ما يترتب عليه النهى عن الفحشاء والكمال والقرب ليس الا ذات الصلاة التي هي موضوع الامر في خطاب أقيموا الصلاة وان دخل تلك القيود المعتبرة فيها من الطهور والقبلة والستر وعدم التكتف ونحوها لايكون الا في حدود تلك الطبيعة الناشئة تلك الحدود من إضافة الصلاة إلى الأمور المزبورة ولو من جهة ان ما هو المؤثر في كمال العبد من الأول هي الطبيعة المحدودة بالحدودات الخاصة والذات الواجدة للتقيد بالأمور الخاصة لا مطلق الطبيعة ولو فاقدة عن التقيدات والإضافات المزبورة ، إذ حينئذ يكون مرجع تلك القيود المعتبرة فيها إلى تضيق في دائرة الطبيعة المزبورة واخراجها عما لها من الاطلاق ثبوتا في عالم مؤثريتها في القرب والكمال باعتبار تلك التقيدات الحاصلة للطبيعة من اضافتها إليها ، ومن ذلك تكون التقيدات والإضافات طرا داخلة في المطلوب ، والقيود نفسها خارجة عنه ومقدمة للمطلوب باعتبار كونها مما تقوم به تلك التقيدات والإضافات كما اشتهر بان التقيد جزء والقيد خارج ، من دون فرق فيما ذكرنا بين الشرائط والموانع ، من جهة انه لا نعنى بالمانع الا ما اعتبر عدمه قيدا للمطلوب حسب ما عرفت آنفا.
    فعلى ذلك فجميع القيود من الشرائط والموانع سواء كانت راجعة إلى أصل اقتضاء الشيء أو إلى تأثيره الفعلي واثره يكون مناط دخلها من باب دخل منشأ الاعتبار في


(278)

الامر الاعتباري ودخل ما به الإضافة والتقيد في التقيد ، لا من باب المؤثرية والمتأثرية كما في المقتضى ، ولا من باب المنافاة والمزاحمة مع المطلوب أو مناطه.
    نعم في العلل الخارجية قد يشتبه الامر بين الملازمات والشرائط وبين الأضداد والموانع كما لعله هو العمدة في ذهاب من ذهب إلى كون دخل عدم المانع من باب منافاة وجوده مع المطلوب ولكنه بعد التأمل فيما ذكرنا في العلل والمعلولات الشرعية كالصلاة وما اعتبر فيها من القيود الوجودية والعدمية بالنسبة إلى حيث القرب والنهى عن الفحشاء لا مجال لهذه التجشمات إذ حينئذ يقطع بان دخل الشرائط والموانع لايكون الا في الحدود والتقيدات وان ما هو المؤثر لايكون الا المقتضى خاصة ، غايته بما انه محدود بحدود خاصة ، ولكن لا يلزم من ذلك أي من اخذ التقيدات جزء تأثيرها في المعلول وفى الصلاح والفساد ، كي يشكل بأنها من جهة كونها أمورا اعتبارية غير صالحة للمؤثرية في الوجود فلابد وأن يكون المؤثر هو منشأ اعتبارها ، إذ حينئذ نقول : بان ما هو المؤثر والمعطى للوجود انما هو عبارة عن وجود المحدود ، فمن قبل وجوده ينشأ وجود الأثر ومن قبل حده ينشأ حد الأثر ، فتدبر.
    وقد يقرب وجه دخل الشرائط بأنه اما متمم للفاعل في فاعليته أو متمم للقابل. ولكن نقول : بأنه على الأول من متمميته للفاعل ان أريد دخله في حدود الفاعل وفي أصل الاقتضاء والفاعلية ولو باعتبار انه لولا تلك الحدود الخاصة للشيء لايكون تاما في اقتضائه في التأثير فهو وان كان صحيحا ، ولكنه يرجع إلى ما ذكرناه في وجه دخل الشرائط ، فلايكون ذلك البيان تقريبا آخر في وجه دخل الشرائط. وان أريد من المتممية للفاعل دخلها في ترتب الأثر وبعبارة أخرى أريد من ذلك كونها من اجزاء المقتضى بحيث عند وجودها يترتب الأثر عليها وعلى المقتضى معا ، فعليه وان كان دخلها حينئذ بنحو المؤثرية الا انه يلزمه وقوعها في عرض المقتضي لا من مقدماته وفي رتبة سابقة عليه فيلزمه حينئذ نفى المقدمية عن مثل الطهور والستر والقبلة ونحوها بالنسبة إلى الصلاة التي هي مقتضيه للنهي عن الفحشاء ونفى الوجوب الغيري لها من جهة ان مقدمية الأمور المزبورة للصلاة تقتضي كونها في رتبة سابقة عن الصلاة ، وهو كما ترى مناف لما عليه عامة الأصحاب من مقدمية الأمور المزبورة للصلاة بل مناف أيضا لما يقتضيه لسان أدلة اعتبارها من نحو قوله عليه السلام : لا صلاة الا بطهور ، ولا صلاة الا إلى القبلة ونحو


(279)

ذلك ، فان مثل هذه الأدلة ينادى بان ما هو الواجب والمأمور به هو الصلاة المتقيدة بكونها عن طهور والى القبلة وفي حال الستر ونحو ذلك وان اعتبار الأمور المزبورة انما هو من جهة كونها مما تقوم به تلك التقيدات ، كما هو واضح.
    واما على الثاني من متممية الشرائط للقابل ، فنقول أيضا : بأنه ان أريد من القابل نفس ماهية الأثر فلا ريب في أنه يرجع حينئذ إلى ما ذكرنا ، من جهة ان قضية دخلها فيه حينئذ ليس الا في استعداده وقابليته للتحقق عند وجود علته ، فلايكون دخلها حينئذ دخلا تأثيرها بل انما هو من قبيل دخل طرف الإضافة في الإضافة كما حققناه ، وان أريد من القابل المحل الذي يوجد فيه الأثر كالخشب الذي هو محل الاحراق والنفس التي هي معروضة الكمال بدعوى ان اليبوسة مثلا موجبة لاستعداد الخشب وقابليته لورود الاحراق عليه وكذا الطهور مثلا موجب لاستعداد النفس وقابليتها لورود الكمال عليها من قبل الصلاة ، فعليه وان أمكن دعوى كون الشرائط مؤثرات في الاستعداد والقابلية المزبورة نظرا إلى كون القابلية حينئذ أمرا وجوديا لكونها مرتبة من كمال الشيء ، ولكنه حينئذ ينقل الكلام في دخل القابلية المزبورة في تحقق الأثر وانه هل هو بنحو المؤثرية أو بنحو الدخل في حدوده ، إذ حينئذ ما له دخل في الأثر لايكون الا القابلية المزبورة ، واما الشرائط الخارجية فإنما هي مقدمة للقابلية التي هي الشرط في الحقيقة في تحقق الأثر ، فلا محيص حينئذ بعد اللتيا والتي من المصير إلى كون دخل الشرائط في المعلول من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري ودخل ما تقوم به الحدود في المحدود لا من باب المؤثرية والمتأثرية ، كما لايخفى.
    ثم انه مما ذكرنا من المناط في مقدمية الشرائط والموانع يظهر لك اندفاع الاشكال المعروف في الشرائط المتأخرة وعدم لزوم انحزام قاعدة عقلية : من لزوم تحقق المعلول قبل وجود علته ، إذ نقول : بان ذلك يرد إذا كان دخل الشرائط أيضا كالمقتضي بنحو المؤثرية إذ حينئذ يتوجه الاشكال المزبور في شرطية الوجودات المتأخرة ، والا فبناء على ما قررناه من كون دخلها من باب دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري لايكاد مجال للاشكال المزبور ، حيث أمكن حينئذ تصوير الشرطية للوجودات المتأخرة بعين تصويرها للوجودات المقارنة والمتقدمة ، إذ حينئذ كما يمكن ان يكون الشيء بوجوده المقارن محددا للماهية بحد خاص تكون بذلك الحد قابلة للتحقق عند وجود مقتضيها كذلك يمكن ذلك في الوجود


(280)

السابق المعدوم حال وجود الأثر وفى الوجود المتأخر ، فيمكن ان يكون الشيء بوجوده السابق المعدوم حين الأثر دخيلا في قابلية الأثر للتحقق أو في تمامية المقتضى في اقتضائه في التأثير ، كامكان ان يكون الشيء بوجوده المتأخر دخيلا في القابلية المزبورة نظرا إلى مدخلية الحدود الخاصة للشيء الحاصلة من اضافته إلى الامر المتقدم أو المتأخر في قابليته لتحقق وترتب الغرض والمصلحة عليه. واما دخل تلك الحدود في القابلية المزبورة فهو كما عرفت لايكون الا ذاتيا ، لان مرجع ذلك إلى أن ما له القابلية للتحقق من الأزل هي الطبيعة المحدودة بالحدود الخاصة الناشئة من اضافتها إلى امر كذائي مقارن أو سابق أو لا حق.
    وحينئذ فلو ورد في لسان الدليل إناطة الشيء بأمر متأخر زمانا عن الشيء كإناطة صحة الصوم للمستحاضة بغسل الليلة المتأخرة وإناطة صحة العقد والملكية في عقد الفضولي بإجازة المالك في الأزمنة المتأخرة وإناطة الصحة في الصلاة بعدم العجب فيما بعد مثلا لما كان مجال للاشكال عليه ورفع اليد عما يقتضيه ظاهر القضية من مدخلية الأمور المتأخرة في صحة الامر السابق حين وجوده وترتب الغرض والمصلحة عليه ، مدعيا لاستحالة ذلك نظرا إلى تلك القاعدة العقلية الفطرية : من توقف المعلول على وجود علته التامة التي منها الشرائط وعدم الموانع واستحالة تحقق المعلول قبل وجود علته التامة من المقتضى والشرط وعدم المانع.
    فتمام المنشأ في الاشكال المزبور حينئذ انما هو من جهة تخيل كون الشرائط أيضا مؤثرات في عالم دخلها في الأثر وجعل مناط المقدمية فيها بعينه هو المناط المتحقق في طرف المقتضى ، ولقد عرفت انه على هذا التوهم يستحيل تصور الشرطية للوجودات المتأخرة بل المتقدمة المعدومة أيضا ، والا فبناء على ما عرفت من المناط في مقدمية الشرائط في مرحلة دخلها في المطلوب من كونه من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري كما في عدم المانع فلا باس بتصوير الشرطية للوجودات المتأخرة ، إذ حينئذ كما يمكن ان يكون الشيء بإضافته إلى امر مقارن محدودا بحد خاص قابلا للتحقق بذاك الحد كذلك في اضافته إلى امر سابق معدوم حين وجوده أو اضافته إلى امر لاحق موجود في موطنه والجامع هو مدخلية وجود الشيء في موطنه مقارنا كان أو سابقا أو لا حقا في حدود الأثر حسب اضافته إليه في قابليته للتحقق وترتب الغرض والمصلحة عليه ، ومن المعلوم انه على ذلك


(281)

لايكاد يلزم انخرام قاعدة عقلية أصلا من لزوم تحقق المعلول والأثر قبل وجود علته ومؤثره ، إذ لا مؤثرية ولا متأثرية حينئذ في البين حتى يتوجه المحذور المزبور وانما غايته هو تأخر ما به الحدود زمانا عن الحدود وهو مما لا ضير فيه بوجه أصلا ، كما لايخفى.
    ومن ذلك البيان يظهر لك ضعف ما أفيد أيضا على بطلان الشرط المتأخر كما عن بعض الاعلام ، من تقريب : ان تعلق التكاليف بمتعلقاتها في القضايا الطلبية انما هو على نحو القضايا الحقيقية التي يلزم في فعليتها فعلية متعلقاتها بما لها من الاجزاء والقيود التي لها دخل في تحققها ، وحينئذ فلابد أولا من تحقق تلك القيود التي لها دخل في الموضوع حتى يتحقق الموضوع بما له من الحدود والخصوصيات فيترتب عليه الوجوب والحرمة ومثل هذا المعنى مناف عقلا مع تأخر القيود المفروض دخلها فيه لضرورة اقتضائه لزوم مجيء الحكم قبل وجود موضوعه ومتعلقه ، لما ذكرنا من عدم تحقق الموضوع خارجا الا بعد تحقق القيود التي لها دخل فيه ، وهو كما ترى من المستحيل.
    إذ نقول : بان ما أفيد من لزوم تحقق الموضوع بما له من الاجزاء والتقييدات والحدود قبل مجيء الحكم وان كان صحيحا ، ولكن المدعي هو تحقق بجميع ما يعتبر فيه من الحدود والتقييدات فعلا بمحض تحقق القيود في مواطنها مقارنا أو سابقا أو لا حقا نظرا إلى كشف تحقق القيد في موطنه المتأخر في الواقع عن كون الامر السابق محدودا بالحدود التي بها يترتب عليه الأثر. واما دعوى لزوم تحقق تلك القيود وما به الحدود المزبورة أيضا في فعلية الحكم فلا دليل يساعد عليه من جهة ان الذي يقتضيه البرهان المزبور انما هو توقف الحكم في فعليته على فعلية وجود موضوعه بما له من الحدود والإضافات المأخوذة فيه. واما توقفه على فعلية الموضوع بماله من الحدودات وما به الإضافات والقيود فلا ، لان ما هو الداخل في الموضوع لايكون الا الحدود والتقيدات واما ما به الحدود والتقيد فهي خارجة عن الموضوع ومع خروجها عنه لايكاد يقتضي البرهان المزبور لزوم تحققها أيضا في فعلية الحكم ، كما هو واضح.
    وحينئذ نقول : بأنه بعد ما أمكن ثبوتا شرطية الامر المتأخر للسابق على ما ذكرنا من وقوعه طرفا للإضافة للامر المتقدم فلو ورد دليل يقتضي بظاهره إناطة شيء بأمر متأخر لا مجال للاستيحاش وصرف الدليل عن ظاهره إلى شرطية التعقب بالامر المتأخر بجعل التعقب نفسه الذي هو من الأمور المقارنة شرطا كما عن بعض الاعلام تبعا للفصول إذ


(282)

مثل هذا التكلف ليس منشأه الا تخيل انحصار ملاك المقدمية بما في المقتضي من المؤثرية والغفلة عن أن في البين ملاكا آخر متصورا في المقدمية وهو كون الشيء طرفا للإضافة والحدود ، كما كان ذلك قطعا في مثل عدم المانع الذي يستحيل دخله بملاك المؤثرية ، على أن في الالتزام بكون الشرط هو التعقب بالامر المتأخر لا نفس الامر المتأخر في موطنه ما لايخفى فإنه مضافا إلى منافاة ذلك لما عليه القائل المزبور من كون التقيدات باعتبار كونها أمورا اعتبارية غير قابلة للمؤثرية في الغرض ولتعلق الامر بها وان الامر والتكليف لابد من تعلقه بما هو منشأ اعتبارها وهو الامر المتأخر ، نسئل عنه بان دخل ذلك الامر المتأخر في موطنه في التقيد المزبور المعبر عنه بالتعقب هل هو بنحو المؤثرية أو على نحو دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري فعلى الأول يعود محذور انخرام القاعدة العقلية من لزوم تحقق الأثر قبل وجود المؤثر وعلى الثاني نقول بأنه لا داعي حينئذ إلى ارتكاب خلاف الظاهر في تلك القضايا ، بل بعد ما أمكن ان يكون الشيء بوجوده المتأخر في موطنه منشأ لتحقق الإضافة والتقيد المزبور فمن الأول لم لا تجعل الشرط نفس الامر المتأخر في موطنه وتجعل ظواهر الأدلة على حالها في اقتضائها لكون المنوط به للامر الفعلي هو الشيء بوجوده المتأخر وهل الالتزام بالتعقب المزبور حينئذ الا من قبيل الفرار من المطر إلى الميزاب ؟.
    وحينئذ فلا محيص في حل الأعضال المزبور عن الشرائط المتأخرة في الواجبات الشرعية من المصير إلى ما ذكرنا بجعل الشروط طرا طرفا للإضافات وجعل دخلها في المشروط من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري ، كما افاده في الكفاية بأحسن بيان في شرح شرائط الواجب وان خالف في شرائط الوضع والتكليف فجعل الشرط فيهما عبارة عن الشيء بوجوده علمي اللحاظي الذي هو امر مقارن دائما مع المشروط.
    ثم انه مما ذكرنا ظهر حال شرائط الوجوب والتكليف وقيوده أيضا ، فان قيود الوجوب بعد أن كانت راجعة إلى مقام الدخل في أصل الاحتياج إلى الشيء واتصاف الذات بوصفه العنواني بكونه صلاحا ومحتاجا إليه كما يأتي بيانه في المبحث الآتي في شرح الواجب المشروط في مثال قيود الواجب الراجعة إلى كون دخلها في تحقق المحتاج إليه ووجودها هو المتصف بالمصلحة والصلاح فارغا عن أصل الاتصاف بالوصف العنواني فلا جرم يكون قضية دخلها أيضا من باب دخل طرف الإضافة في الإضافة ودخل ما به التقيد في التقيد ومعه أمكن فيها أيضا تصوير الشرطية للامر المتأخر بالنسبة


(283)

إلى التكليف ، بداهة ان قضية كون الشيء شرطا له حينئذ ليس الا كونه بحيث يحصل للشيء بالإضافة إليه خصوصية يكون بتلك الخصوصية متصفا بكونه صلاحا ومصلحة وهذا كما أنه قد يكون بالنسبة إلى المقارن كذلك قد يكون بالنسبة إلى المتقدم والمتأخر فيمكن ان يكون الشيء بوجوده المتأخر منشأ لإضافة وخصوصية خاصة في الامر السابق توجب اتصافه بتلك الخصوصية بكونه مصلحة وصلاحا بحيث لولا حدوث المتأخر في موطنه لما كان للسابق تلك الإضافة الموجبة لتعنونه بالوصف العنواني المزبور ومع امكان ذلك فلا بأس في تصوير الشرطية في الامر المتأخر بالنسبة إلى الوجوب والتكليف غايته انه يحتاج حينئذ في فعلية الإرادة والتكليف من القطع بتحقق المنوط به في موطنه حيث إنه مع القطع المزبور يرى كون المتعلق متصفا فعلا بالصلاح ومحتاجا إليه فيتوجه إليه الإرادة فعلا من دون ان تخرج عن الإناطة أيضا إلى الاطلاق ، كما نظيره في العرفيات في مثال شراء اللحم اليوم للضيافة لمن يرد عليه الضيف في الغد حيث إنه ترى من نفسك مع العلم بورود الضيف عليك في الغد احتياجك فعلا إلى شراء اللحم واتصافه بكونه محتاجا إليه ، ومن ذلك تصير بصرافة طبعك بصدد شرائه وهكذا في اكرامك اليوم من يكرمك في الغد فيما لو كان اكرامه إياك في الغد منشأ لاتصاف اكرامك اليوم إياه بالمصلحة والصلاح حيث إنه مع العلم بصدور الاكرام منه في الغد ترى احتياجك اليوم إلى اكرامه لما ترى فيه حينئذ مع الصلاح والمصلحة فمن ذلك يتوجه منك الإرادة والاشتياق فعلا إلى اكرامه منوطا باكرامه الآتي الذي تعلم بتحققه في موطنه.
    وعلى ذلك فيمكن المصير في شرائط التكليف أيضا من المقارن والمتقدم والمتأخر إلى كون المنوط به هو نفس الشرط بوجوده في موطنه مقارنا أو متقدما أو متقدما أو متأخرا من دون احتياج إلى جعل الشرط عبارة عن الشيء بوجوده العلمي اللحاظي كما افاده في الكفاية في التفصي عن الاشكال المعروف حيث جعل الشرط في المتقدم والمتأخر مجرد لحاظه إذ نقول : بان ذلك انما يتم بالنسبة إلى مرحلة تعلق الإرادة وفعليتها حيث كان ما له الدخل فيها هو الشيء بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي ، كما هو الشأن أيضا في كلية الغايات. واما بالنسبة إلى مقتضيات الاحكام من المصالح والاغراض فلا شبهة في أن ماله الدخل فيها في اتصاف الشيء بالصلاح والمصلحة بنحو الشرطية أو غيرها انما كان هو الشيء بوجوده الخارجي لا بوجوده العلمي واللحاظي ، بل العلم واللحاظ في ذلك لايكون الا


(284)

طريقا محضا ولذلك قد يتخطى عن الواقع فيكشف عدم تحققه عن فقد العمل المشروط للمصالح ، ولذلك ترى المولى الذي يتصور في حقه الخطأ كالموالي العرفية قد يحصل له الندم على فعله وطلبه بأنه لم امر به مع كونه في الواقع غير ذي المصلحة ، فلو انه كان الدخيل فيها أيضا هو الشيء بوجوده العلمي كما في الإرادة والاشتياق لما كان وجه لانكشاف الخلاف وكشف فقد الشرط في موطنه المتأخر عن فقد العمل للمصلحة وحينئذ فكان ذلك برهانا تاما على أن ماله الدخل في مقام المصالح والاغراض هو الشيء بوجوده الخارجي وكون العلم واللحاظ فيه طريقا محضا ، ومعه لا محيص في حل الأعضال المزبور من المصير إلى ما ذكرناه بجعل الشرائط طرا طرفا للإضافات وجعل دخلها من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري.
    ولعله إلى ذلك أيضا يرجع ما أفاده في شرح شرائط الواجب والمأمور به في مقام التفصي عن الاشكال المزبور ، حيث إن كلامه ظاهر بل صريح في أن دخل الشروط انما هو باعتبار وقوعها طرفا للإضافات. ولكن الأستاذ دام ظله نسب إليه القول بشرطية اللحاظ في جميع القيود حتى الراجعة إلى الواجب والمأمور به ولعله من جهة ما سمعه مه مشافهة في درسه الشريف ، والا فكلامه في الكفاية ينادي بظاهره بالتفصيل بين شرائط الوجوب والوضع وبين شرائط الواجب فلاحظ كلامه تعرف ما ذكرناه.
    ثم إن هذا كله بناء على عدم ارجاع مثل هذه القيود أيضا إلى المتعلق كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى في مبحث الواجب المشروط واما بناء على رجوعها أيضا إلى المتعلق كما هو مبنى القول برجوع المشروطات إلى المطلقات فالامر أوضح ، من جهة رجوعه حينئذ إلى ما تقدم من دخل الامر المتأخر في حدود الموضوع وخصوصياته التي بها يكون منشأ للآثار ومتعلقا للغرض بنحو يكشف عدم وجوده في موطنه المتأخر عن عدم كون السابق محدودا بالحدود التي بها يكون منشأ للآثار. واما توهم استلزام ذلك لوجود الحكم وفعليته قبل وجود موضوعه بما له من الحدود فقد عرفت الجواب عنه بمنع الاستلزام المزبور نظرا إلى تحقق الموضوع حينئذ بماله من الحدود والإضافات والتقيدات فعلا بمحض تحقق ما به الحدود في موطنه المتأخر. وما افاده من كون التكاليف الشرعية بنحو القضايا الحقيقية أيضا لايقتضي أزيد من لزوم فعلية الموضوع بما له من الحدود والإضافات في فعلية الحكم وتحققه.


(285)

    واما لزوم تحقق ما به الحدود والإضافات أيضا في فعلية الحكم ، فلايقتضيه البرهان المزبور بعد فرض خروج القيود بنفسها عن الموضوع وكون الداخل فيه هو التقيد بها ، ولذلك لا شبهة في صحة التكليف الفعلي باكرام من يقوم في الغد أو يموت في العام البعد بنحو خروج القيد ودخول التقيد ولو بنحو القضية الحقيقية وانه يجب على المأمور والمكلف فعلا اكرامه إذا علم ولو باخبار المعصوم عليه السلام إياه بان زيدا يقوم في الغد أو يموت في العام البعد وليس ذلك الا من جهة فعلية الموضوع حينئذ بما له من الإضافة والتقيد الخاص بمحض تحقق القيد في الموطن المتأخر.
    وحينئذ فالذي يقتضيه التحقيق في حل الاعضال الوارد على الشرائط المتأخرة سواء في شرائط التكليف أو شرائط الواجب والمأمور به هو ما ذكرنا من اخراج الشرائط طرا عن كونها معطيات الوجود ومؤثرات وجعلها طرفا للإضافات والتقيدات والمصير إلى كون دخلها من قبيل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري ، فإنه على ما ذكرنا يندفع الاشكال المزبور من رأسه فيما ورد من الأدلة المقتضية لشرطية الامر المتأخر للتكليف أو الواجب والمأمور به ، فأمكن الاخذ حينئذ بظاهرها من الإناطة بالامر المتأخر من دون احتياج إلى صرف تلك الأدلة عن ظاهرها والتكلف فيها بارجاعها إلى الشرط المقارن تارة بالالتزام بان الشرط في الحقيقة عبارة عن تعقب الشيء الحالي بالامر المتأخر لا نفس الامر المتأخر بوجوده في موطنه المتأخر ، وأخرى بان الشرط عبارة عن امر واقعي مقارن مع المشروط حقيقة وكان الكاشف عنه الامر المتأخر ، وثالثة بان الشرط هو الامر المتأخر لكن لا بوجوده الخارجي المتأخر بل بوجوده العلمي اللحاظي ، ورابعة بان الشرط هو الامر المتأخر لكن بوجوده الدهري دون الزماني والالتزام بان تلك المتفرقات بحسب الزمان مجتمعات في وعاء الدهر ، كما هو المنسوب إلى العلامة الشيرازي ( قدس سره ) وان كان نفى هذه النسبة عنه بعض الاعلام مدعيا باني كنت سألته عن هذه النسبة شفاها فأنكرها وبالغ في الانكار ثم قال بأني انما ذكرت ذلك في أثناء البحث احتمالا لا مختارا. وعلى كل حال فهذا كله في شرائط التكليف والواجب ولقد عرفت بان تصوير شرط المتأخر فيها بمكان من الامكان.


(286)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net