متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المبحث السابع : في انه هل الامر والطلب متعلق بالوجود أو الطبيعي
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
المبحث السابع
( في أنه هل الامر والطلب متعلق بالوجود أو الطبيعي )

    وقبل الخوض في المرام ينبغي بيان ما هو مركز التشاجر والكلام بتمهيد مقدمتين : فنقول :
    المقدمة الأولى : لا اشكال في أنه على كلا القولين في المسألة لابد عند طلب شيء والامر به من لحاظ موضوع الطلب وتصوره واحضاره في الذهن ، كي بذلك يتمكن من طلبه والبعث إليه والا فبدونه يستحيل تحقق الطلب والبعث إليه وهو واضح.
    الثانية : ان من المعلوم ان لحاظ الطبيعة يتصور على وجوه : منها لحاظها بما هي في الذهن ومحلاة بالوجود الذهني ، ومنها لحاظها بما هي شيء في حد ذاتها ، ومنها لحاظها بما هي خارجية بحيث لايلتفت إلى مغايرتها واثنينيتها مع الخارج ولا يرى في هذا اللحاظ التصوري الا كونها عين الخارج ومتحدة معه بحيث لو سئل بأنه أي شيء ترى في هذا اللحاظ يقول بأنه ما أرى الا الخارج وان كان بالنظر التصديقي يقطع بخلافه فيرى كونها غير موجودة في الخارج.
    وفي ذلك نقول : بان من الواضح أيضا انه ليس المقصود من تعلق الامر بالطبيعي عند القائل به هو الطبيعي بما هو موجود في الذهن من جهة وضوح انه بهذا الاعتبار مع كونه كليا عقليا غير قابل للصدق على الخارج لايكون مما تقوم به المصلحة حتى يتعلق به الامر والطلب ، فلا يتوهم أحد حينئذ تعلق الطلب والامر به بهذا الاعتبار كما لايخفى ، كوضوح عدم كون المقصود أيضا هو الطبيعي بالاعتبار الثاني من جهة وضوح ان الطبيعة بهذا الاعتبار ليست الا هي فلا تكون هي أيضا مركب المصلحة حتى يتعلق بها الامر والطلب ، بل وانما المقصود من ذلك عند القائل به هو الطبيعي بالاعتبار الثالث الذي يرى كونها عين الخارج.
    وعليه فمركز النزاع بين الفريقين في أن معروض الطلب وموضوعه هو الطبيعة أو الوجود انما هو في الطبيعي بالاعتبار الثالث فالقائل بالطبيعي يدعي تعلق الطلب والامر بنفس الطبيعي والعناوين بما هي ملحوظة كونها خارجية لا بمنشأ انتزاعها وهو الوجود


(381)

لا بدوا ولا بالسراية ، والقائل بالوجود يدعي عدم تعلقه الا بالمعنون الخارجي الذي هو منشأ انتزاع العناوين والصور الذهنية.
    وإذ عرفت ذلك نقول : ان الذي يقتضيه التحقيق هو الأول من تعلق الامر والطلب بنفس الطبيعة لكن بما هي مرآة إلى الخارج وملحوظة بحسب اللحاظ التصوري عين الخارج لا بالوجود الخارجي كما كان ذلك هو الشأن في سائر الكيفيات النفسية من المحبة والاشتياق بل العلم والظن ونحوها أيضا ، كما يشهد لذلك ملاحظة الجاهل المركب الذي يعتقد بوجود شيء بالقطع المخالف للواقع فيطلبه ويريده أو يخبر بوجوده وتحققه في الخارج ، إذ نقول بأنه لولا ما ذكرنا من تعلق الصفات المزبورة بالعناوين والصور الذهنية بما هي ملحوظة خارجية يلزم خلو الصفات المزبورة عن المتعلق في مثل الفرض المزبور ، فإنه بعد مخالفة قطعه للواقع لايكون في البين شيء تعلق به تلك الصفات ، مع أن ذلك كما ترى من المستحيل جدا ، لوضوح أن هذه الصفات من العلم والظن والمحبة والاشتياق والإرادة كما كان لها إضافة إلى النفس من حيث قيامها بها كذلك لها إضافة أيضا إلى متعلقاتها بحيث يستحيل تحققها بدونها ، بل وقد يقطع الانسان ويذعن بعدم تحقق شيء كذائي في الخارج إلى الأبد ومع ذلك يشتاق إليه غاية الاشتياق ويتمنى وجوده كقولك « يا ليت الشباب لنا يعود » فان ذلك كله كاشف تام عن تعلق تلك الصفات المزبورة بنفس العناوين والصور الذهنية لا بمنشأ انتزاعها والمعنون الخارجي وهو الوجود ، غايته بما هي ملحوظة بحسب النظر التصوري عين الخارج لا بما انما شيء في حيال ذاتها بحيث يلتفت عند لحاظها إلى مغايرتها مع الخارج ، ولئن شئت فاستوضح ما ذكرنا بالرجوع إلى الأكاذيب المتعارفة بين الناس في ألسنتهم ليلا ونهارا فإنه لا شبهة في أن الذي يخبر كذبا بثبوت القيام لزيد في قوله زيد قائم مثلا لا يلاحظ ولا يري من زيد والقيام والنسبة بينهما في لحاظه ونظره الأزيد أو القيام الخارجيين والنسبة الخارجية بينهما ، لا المفهوم منها بما انه شيء في قبال الخارج ، ولا الوجود الحقيقي الخارجي ، لأنه حسب اذعانه وتصديقه مما يقطع بخلافه والا يخرج اخباره بقيامه عن كونه كذبا كما هو واضح.
    وعلى ذلك فلا محيص من المصير في كلية تلك الصفات من العلم والظن والحب والبغض والاشتياق والإرادة ونحوها إلى تعلقها بنفس العناوين والصور الذهنية ، غايته بما هي حاكية عن الخارج كما شرحناه ، لا بمنشأ انتزاعها والمعنون الخارجي لا بدوا ولا


(382)

بالسراية بتوسيط العناوين والصور ، كيف وان الخارج بعد كونه ظرفا لسقوط الإرادة والطلب يستحيل كونه ظرفا لثبوتها ، فيستحيل حينئذ تعلق الإرادة والطلب بالمعنون الخارجي ولو بالسراية بتوسيط العناوين والصور ، من جهة رجوعه حينئذ إلى طلب الحاصل المحال كما هو واضح. وارجاعه كما في الكفاية إلى إرادة صدور الوجود من المكلف وجعله بسيطا بنحو مفاد كان التامة الذي هو عبارة عن ايجاده وإفاضته لا إلى طلب ما هو صادر وثابت في الخارج حتى يكون من طلب الحاصل المحال ، كما ترى ، فإنه بعد أن كان الايجاد وجعل الشيء بسيطا معلولا للطلب وفي رتبة متأخرة عنه بنحو يتخلل بينهما الفاء الكاشف عن اختلافهما بحسب الرتبة كقولك أردت ايجاد الشيء فأوجدته يستحيل وقوعه موضوعا للطلب ومتعلقا له.
    فعلى ذلك لايبقى مجال جعل المتعلق للطلب في الأوامر عبارة عن الوجود أو صرف الايجاد وإفاضته بمعنى جعله بسيطا كما في الكفاية والفصول من اشراب الوجود في مدلول الهيئة مع جعلهم المادة عبارة عن نفس الطبيعة من حيث هي ، وذلك لما عرفت ما فيه من امتناع تعلق الطلب بالخارج وبالوجود ولو بمعنى جعله بسيطا لا بدوا ولا بالسراية بتوسيط العناوين والصور ، خصوصا مع ما يلزمه من لزوم تجريد الهيئة عن الوجود في نحو قوله أوجد الصلاة نظرا إلى ما هو الواضح من عدم انسباق الوجود في المثال مرتين في الذهن تارة من جهة المادة وأخرى من جهة الهيئة ، والالتزام فيه بالمجاز أيضا كما ترى.
    ولعمري ان عمدة ما دعاهم إلى مثل هذا الالتزام انما هو لحاظهم الطبيعي بما أنه شيء في حيال ذاته وفى الخارج وعدم تصورهم إياه مرآة إلى الخارج بنحو ما ذكرنا ، فمن ذلك أشكل عليهم بان الطبيعة من حيث هي ليست الا هي فلايمكن ان يتعلق بها الامر والطلب ولأن الطلب انما يتعلق بما يقوم به الأثر والمصلحة والأثر والمصلحة بعد أن لم تكن قائمة الا بالوجود والماهية الخارجية لايتعلق الطلب أيضا الا بالوجود والماهية الخارجية فالتجأوا من هذه الجهة إلى اشراب الوجود في مدلول الهيئة وجعلوه متعلقا للطلب فرارا عن الاشكال المزبور ، والا فعلى ما ذكرنا من الاعتبار الثالث للطبيعة وهو لحاظها خارجية لايكاد مجال لهذا الاشكال حتى يحتاج في التفصي عنه إلى اشراب الوجود في الهيئة ، إذ عليه نقول بأن المصلحة حسب كونها من الاعراض الخارجية وان لم تكن قائمة الا بالخارج الا ان الطبيعي بهذا الاعتبار بعد ما لم يكن مغايرا مع الخارج بل


(383)

كان بينهما الاتحاد والعينية بالاعتبار المزبور يلزمه قهرا صيرورة كل من الخارج والصور الذهنية متلونا بلون الآخر في مرحلة الاتصاف ، فمن ذلك تتصف الصور الذهنية بلحاظ الاتحاد المزبور بكونها ذات مصلحة ، كاتصاف الخارج أيضا بالمرادية والمطلوبية ، نظير باب الألفاظ بالنسبة إلى معانيها من حيث سراية صفات كل منهما إلى الآخر لأجل ما كان بينهما من الاتحاد ، ففي الحقيقة كان هذا الاتحاد موجبا لنحو توسعة في دائرة النسبة في مقام الاتصاف في صدق المطلوبية والمرادية على الخارج وصدق ذي الأثر والمصلحة على الصور الذهنية ، والا ففي مرحلة العروض لايكون المعروض للطلب الا العناوين والصور الذهنية كما أنه في طرف المصلحة أيضا لايكون المعروض لها الا الوجود والماهية الخارجية.
    بل وعلى هذا البيان أيضا أمكن المصالحة بين الفريقين بارجاع القول بالوجود إلى الطبيعة بالاعتبار الثالث الملحوظة خارجية في قبال الاعتبار الثاني لها وهو لحاظها بما هي شيء في حيال ذاتها ، إذ على هذا الاعتبار لما كان لايرى من الطبيعة في ذلك اللحاظ الا الوجود ولا يرى بينهما المغايرة صح ان يقال بان الامر متعلق بالوجود لا بالمهية من حيث هي بإرادة هذا الوجود الزعمي التخيلي لا الوجود الخارجي ولو بجعله بسيطا ، فيتحد القولان من جهة رجوعهما حينئذ إلى امر واحد ولكن ذلك أيضا بالنسبة إلى كلمات السابقين الذين لم يتعرضوا لتفصيل المسألة وأو كلوها إلى ما هو المرتكز في الأذهان ، والا ففي كلمات المتأخرين المتعرضين لتفصيل المسألة كصاحب الفصول والكفاية ( قدس سرهما ) على ما عرفت من مصيرهم إلى اشراب الوجود في مدلول الهيئة في الأوامر لا يجري هذا التوجيه ، ولكن قد عرفت أيضا سخافة أصل المبني في نفسه وعدم امكان المصير إلى تعلق الطلب بالوجود الخارجي الذي هو نتيجة الطلب ولو بمعنى جعله بسيطا بنحو مفاد كان التامة الذي هو عبارة عن ايجاده وإفاضته على حسب ما تقدم بيانه مفصلا.
    نعم لو كان المقصود من الوجود الذي جعلوه متعلقا للطلب في الأوامر هو مفهوم الوجود مرآة إلى الخارج على نحو ما قلناه في الطبيعي لا مصداقه وحقيقته الخارجية لكان يسلم عن هذه الاشكال ، إذ لايترتب عليه حينئذ محذور طلب الحاصل ولا محذور تعلق الطلب والامر بأمر متأخر عنه رتبة ، ولكن نقول بأنه مع بعد ذلك في نفسه لا داعي


(384)

حينئذ إلى مثل هذا الالتزام بل من الأول يصار إلى أن المتعلق هو الطبيعي غايته بما هو مرآة إلى الخارج ، كيف وانه ليس في البين ما يقتضي المصير إلى الالتزام المزبور لا من طرف المادة ، كما هو واضح ، ولا من طرف الهيئة أيضا لأنها على ما تقرر في محله لاتدل الا على نسبة ارسالية بين المبدء والفاعل أو طلب ما تدل عليه المادة فأين حينئذ مفهوم الوجود وأين الدال عليه ؟ خصوصا مع ما يرد عليه من لزوم تكرر الوجود وانسباقه مرتين في الذهن في مثل قوله أوجد الصلاة تارة من جهة المادة وأخرى من ناحية الهيئة ، مع أنه كما ترى ! والالتزام في مثل ذلك بالتجريد أوهن ، لوضوح انه لايكاد يرى فرق في مدلول الهيئة بين قوله صل وبين قوله أوجد الصلاة ، على أنه كثيرا ما يكون العنوان المأخوذ في حيز الطلب من العناوين العرفية الانتزاعية كما في المثال من قوله أوجد الصلاة وقوله أعدم الطبيعة ونحو ذلك مما لايمكن فيها اشراب حيث الوجود من الهيئة ، كما هو واضح.
    وعليه فلا محيص من الغاء الوجود عن البين بالمرة والمصير إلى أن المتعلق للطلب والامر هي نفس العناوين والصور الذهنية بما انها ملحوظة خارجية دون المعنونات الخارجية ، من غير فرق في ذلك بين كون العنوان من العناوين الانتزاعية أو من الطبايع المتأصلة كالصلاة والصوم ونحوهما.
    ومن ذلك نقول أيضا بأن حق تحرير عنوان البحث هو تحريره بأنه إذا تعلق الامر بعنوان هل يسري منه إلى منشأ انتزاعه الذي هو المعنون الخارجي أو انه يقف الطلب والامر على نفس العنوان ولا يتعدى عنه إلى المعنون الخارجي ، لا تحريره بما هو الشايع بان الطلب متعلق بالوجود أو الطبيعي من جهة ما عرفت بأنه كثيرا ما يكون المتعلق من العناوين الانتزاعية التي لايمكن فيها اشراب الوجود في الهيئة كما في الطبايع المتأصلة ، كما هو واضح.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net