متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المبحث العاشر : في الواجب التخييري
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

المبحث العاشر

    إذا تعلق الامر بأحد الشيئين أو الأشياء على وجه التخيير فالمرجع فيه كما عرفت إلى وجوب كل واحد منها لكن بايجاب ناقص بنحو لايقتضي الا المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك البقية ، من غير فرق في ذلك بين ان يكون هناك غرض


(392)

واحد يقوم به كل واحد منهما ولو بملاحظة ما هو القدر الجامع بينهما أو اغراض متعددة بحيث كان كل واحد منهما تحت غرض مستقل وتكليف مستقل وكان التخيير بينهما من جهة عدم امكان الجمع بين الغرضين اما من جهة التضاد بين متعلقيهما كما في المتزاحمين ، أو من جهة التضاد بين نفس الغرضين في عالم الوجود بحيث مع استيفاء أحد الغرضين في الخارج لايبقى مجال لاستيفاء الآخر ، أو في مرحلة أصل الاتصاف بحيث مع تحقق واحد الوجودات واتصافه بالمصلحة لاتتصف البقية بالغرض والمصلحة ، حيث أن مرجع الجميع إلى تعلق وجوب ناقص بكل واحد من الوجودات بنحو لايقتضي الا المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك البقية ، لاتعلق الوجوب التام بكل واحد منها مشروطا بعدم الآخر ، ولا وجوب أحد الوجودات لا بعينه ، أو أحدها المعين عند الله
    نعم غاية ما هناك من الفرق بين الصور المزبورة انما هو من جهة وحدة العقوبة وتعددها عند ترك الجميع ، حيث إنه في بعضها كالصورة الأولى والأخيرة لايترتب على ترك الجميع الا عقوبة واحدة ، وفي بعضها الآخر كالصورة الثانية والثالثة تترتب عقوبات متعددة حسب وحدة الغرض وتعدده.
    لايقال بأنه مع المضادة المزبورة لايكاد يستند إلى المكلف عند تركه للجميع الأفوت أحد الاغراض ، من جهة فوات البقية عليه على كل تقدير ، ومعه كيف يمكن استحقاقه للعقوبات المتعددة ، وبعبارة أخرى ان استحقاق العقوبة لابد وأن يكون على ما هو تحت قدرة المكلف واختياره فإذا لم يكن للمكلف حينئذ بمقتضي المضادة المزبورة بين المتعلقين أو الغرضين في عالم الوجود الا القدرة على تحصيل أحد الغرضين لا جرم لايترتب على تركه للجميع أيضا الا عقوبة واحدة
    فإنه يقال نعم وان كان لا قدرة للمكلف على الجمع بين الغرضين ولكن مجرد ذلك لايمنع عن استحقاقه للعقوبات المتعددة عند ترك الجميع ، من جهة تمكنه حينئذ من الاتيان بأحد الوجودين واخراج البقية عن حيز الوجوب الفعلي ، فتأمل.
    لايقال على ذلك في الصورة الأخيرة أيضا لابد من الالتزام بتعدد العقوبة فما وجه التفرقة بينها وبين غيرها ؟.
    إذ يقال بان عدم الالتزام فيها بتعدد العقوبة انما هو من جهة عدم صدق ترك المتصف بالمصلحة الا على أحد التروك نظرا إلى ما كان بينها من المضادة في أصل


(393)

الاتصاف بالمصلحة ، وبالجملة ان ترتب العقوبة انما هو ترك الشيء في ظرف الفراغ عن اتصافه بكونه تركا لما فيه الغرض والمصلحة ، ومثل هذا المعنى انما يصدق في الصورة الثانية والثالثة ، واما في الصورة الأخيرة فلايكاد صدق ترك المتصف الاعلى أحد التروك فمن ذلك لايكاد يترتب على تركه للجميع الا عقوبة واحدة ، فتأمل.

بقى الكلام في التخيير بين الأقل والأكثر

   حيث إنه قد يقال بامتناعه واستحالته نظرا إلى أنه باتيان الأقل ووجوده ولو في ضمن الأكثر يتحقق الواجب لا محالة ويحصل الغرض ومع حصول الغرض وتحقق الواجب به يكون الزائد عليه لا محالة زائدا عن الواجب فيكون خارجا عن دائرة الوجوب فلايمكن حينئذ تعلق الوجوب به ، ولكن فيه انه كذلك إذا كان الأقل مأخوذا بنحو اللابشرط من جهة الزيادة وليس كذلك بل نقول بأنه مأخوذ على نحو بشرط لا بحيث كان لحده أيضا دخل في الواجب وفى حصول الغرض ، وعليه فيرتفع الاشكال المزبور حيث لايكون الآتي بالأكثر حينئذ آتيا بالأقل بحده في ضمنه حتى يتوجه الاشكال المزبور ، من غير فرق في ذلك بين ان يكون للأقل الكائن في ضمن الأكثر وجود مستقل بحيث كان هناك تخلل سكون في البين كما في التسبيحات أم لا كما في مثل الخط الطويل الذي رسم دفعة ، وذلك من جهة أنه بالتجاوز عن حد الأقل الذي فرض كونه تسبيحة واحدة أو نصف ذراع من الخط مثلا ينتفى الأقل ويكون المأتى به من أوله إلى آخره امتثالا للامر بالأكثر دون الأقل ، كما هو واضح.
    نعم قد يشكل على ما ذكرنا أيضا بأن الأكثر بعد أن أخذ لا بشرط من طرف الزيادة وقد وجب الاتيان بذات الأقل أيضا على كل تقدير فلا جرم لايبقى طرف التخيير الا نفس الحدين وهما الوقوف على الأقل أو التعدي والتجاوز عنه وحينئذ فحيث أنه مع الاتيان بذات الأقل لا محيص له من أحد الحدين ولايمكنه ترك كليهما يندرج لا محالة في التخيير العملي العقلي بمناط اللاحرجية نظير التخيير بين النقيضين أو الضدين اللذين ليس لهما ثالث لا في التخيير الشرعي من جهة عدم المجال حينئذ لأعمال المولوية بالامر التخييري نحو الحدين ، لما ذكرنا غير مرة بان مرجع الامر التخييري بأحد الامرين انما هو إلى النهى عن تركهما معا وهو انما يصح في مورد يتمكن المكلف من ترك كلا الامرين والا فمع عدم تمكنه من ذلك ولا بدية اتيانه بأحد الامرين عقلايكون الامر باتيان أحد


(394)

الفردين لغوا محضا ، فعلى ذلك حينئذ يتسجل الاشكال بأنه كيف المجال للتخيير الشرعي بين الأقل والأكثر مع كون ذات الأقل واجبة الاتيان على كل تقدير وكون التخيير بين الحدين أيضا عقليا محضا بمناط اللاحرجية ، هذا.
    ولكن يمكن التفصي عن هذا الاشكال أيضا بان ما هو طرف التخيير حينئذ انما كان هو الأقل بما هو متقيد بحد الأقلية ، فكان لحيث التقيد أيضا دخل في موضوع الوجوب وفي مثله معلوم بداهة كمال المجال لتعلق الامر المولوي التخييري بأحد الامرين اما الأقل أو الأكثر ، وحينئذ فتمام الخلط انما هو من جهة الغاء حيث التقيد بحد الأقلية عن موضوع الوجوب ولحاظ ذات الأقل عارية عن التقيد المزبور فمن ذلك استشكل بان ذات الأقل حينئذ بعد أن كانت واجبة الاتيان على كل تقدير لا على تقدير دون تقدير فلا جرم لايبقى في البين الا نفس الحدين الذين عرفت بأنه لايكون التخيير فيهما الا تخييرا عقليا بمناط اللاحرجية ، والا فبناء على ملاحظة مجموع الذات مع التقيد المزبور لايبقى مجال الاشكال المزبور أصلا ، من جهة وضوح ان الأقل حينئذ بوصفه لايكون واجب الاتيان على كل تقدير ، كما هو واضح. وعلى ذلك فمن اخذ الأقل بشرط لا محددا بحد الأقلية يرتفع تلك الاشكالات بأجمعها على التخيير بين الأقل والأكثر ، نعم على ذلك يكون مرجع التخيير المزبور إلى التخيير بين المتبائنين نظرا لأي مبائنة الأقل حينئذ ولو بحده مع الأكثر ، فتدبر.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net