متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
في بيان ما هو الحق في المسألة
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
في بيان ما هو الحق في المسألة

    وحيث اتضح لك هذه الأمور فنقول : ان اختلاف العنوانين لو كان في صرف كيفية النظر لا في المنظور فلا ينبغي الاشكال فيه في عدم جواز الاجتماع ، وذلك لوضوح ان المنظور بعد ما كان فيهما واحدا ذاتا وجهة لايكاد يتحمل طرو الصفتين المتضادتين المحبوبية والمبغوضية ، من غير فرق في ذلك بين ان نقول بتعلق الاحكام بالخارجيات أو بالعناوين والصور الذهنية ، وذلك لان الصور وان كانت متغايرة ولكنها بعد ما كانت مأخوذة بنحو لا ترى الا خارجية وكان المنظور فيهما واحدا ذاتا وجهة فقهرا يرى المنظور فيهما غير قابل لطرو الصفتين المتضادتين عليه وهما المحبوبية والمبغوضية ، ومن ذلك أيضا نقول بامتناع اتصاف اجزاء المركب بالوجوب الغيري مع فرض كونها واجبة بوجوب الكل نفسيا ، وعدم اجداء مجرد الاختلاف في النظر فيها من حيث اللابشرطية والبشرط لائية في رفع محذور اجتماع المثلين بعد اتحاد الذات الملحوظة في ضمن الاعتبارين.
    ومثله في عدم الجواز ما لو كان العنوانان من العناوين الاعتبارية المحضة الغير القابلة لقيام المصالح بها فإنه في مثل ذلك أيضا يكون مركب المصالح والحب والبغض هي الذات المعروضة لها ، وانها في ظرف وجود منشأها كانت من الجهات التعليلية


(425)

لمصلحة الذات المعروضة لها وحينئذ فإذا كانت الذات المعروضة لها واحدة ذاتا وجهة فقهرا تأبى عن ورود الصفتين المتضادتين عليها من الحب والبغض والإرادة والكراهة.
    واما لو كان اختلاف العنوانين في المنظور لا في صرف كيفية النظر ، فان كان الاختلاف بينهما بتمام المنشأ على وجه يكون منشأ انتزاع كل بتمامه غير المنشأ في الآخر ففي مثل ذلك لا باس بالالتزام بجواز الاجتماع ، من غير فرق في ذلك بين كون العنوانين من مقولتين مختلفين أو من مقولة واحدة ، كما في الأجناس بالقياس إلى فصولها ، وكذا القراءة بالقياس إلى الجهر بها ، إذ حينئذ بعد تغاير الجهتين أمكن تعلق الحكمين المتضادين بوجود واحد على وجه يكون مركب كل حكم جهة غير الأخرى ، ومجرد وحدة الوجود في الخارج وعدم قابليته للتقسيم وللإشارة الحسية خارجا غير مانع عن ورود الحكمين المتضادين عليه ، بعد حل العقل إياه في مقام التحليل بجهة دون جهة ومرتبة دون أخرى ، إذ حينئذ من جهة هذا التحليل العقلي يتميز معروض الحكمين بنحو يرتفع التضاد من البين ، فكان معروض أحد الحكمين جهة ومرتبة غير معروض الحكم الآخر. ومن غير فرق أيضا بين كون التركيب في المجمع انضماميا أو اتحاديا ، ولا بين كون العنوانين من قبيل الجهة التعليلة أو التقييدية ، ولا بين القول بوقوف الطلب على الصور أو سرايته إلى الخارجيات ، ولا بين كون الامر متعلقا بصرف الطبيعة أو بالطبيعة السارية ، فإنه على جميع تلك التقادير مهما اختلف معروض الحكمين ذاتا أو جهة أو مرتبة كما لو كان معروض أحد الحكمين هو حدوث الشيء ومعروض الآخر بقائه يصار فيه بالجواز على جميع التقادير حتى على القول بتعلق الاحكام بالخارجيات ، من جهة انه باختلاف المعروضين يرتفع غائلة محذور التضاد من البين ، كما هو واضح. هذا كله فيما لو كان اختلاف العنوانين بتمام المنشأ.
    واما لو كان اختلافهما ببعض المنشأ بان كانا مشتركين في جهة أو مقولة وممتازين في جهة أو مقولة أخرى ففي مثله لابد من المصير إلى عدم الجواز بالنسبة إلى الجهة المشتركة بينهما ، من جهة عدم تحملها لطرو الصفتين المتضادتين عليها ، المحبوبية والمبغوضية ، فمن ذلك لابد وأن يكون الأثر لما هو الأقوى منهما مناطا مصلحة أو مفسدة ، من غير فرق بين ان يكون الامر كالنهي متعلقا بالطبيعة السارية أو بالجامع وبصرف وجودها.
    الا على مسلك من يقول بوقوف الطلب على نفس الطبيعي والجامع وعدم سرايته إلى


(426)

الافراد بوجه أصلا ولو من حيث حدودها الطبيعية ، بخيال ان الطبيعي والفرد صورتان مبتائنتان في الذهن والامر بعد تعلقه بالصور لا بالخارجيات لا يتعدى بوجه من الوجوه إلى الافراد ، وان الافراد حينئذ انما كانت واجبة بوجوب تخييري عقلي لا بوجوب تخييري شرعي ، وأيضا إن صرف الطبيعي والجامع بعد ما كان غير قابل للانطباق الا على أول وجود فلا جرم قبل الانطباق لايكون هناك أول وجود حتى يسرى إليه الحكم وكك بعد الانطباق ، نظرا إلى أن مثل هذا الظرف لسقوط الطلب عن الطبيعي فلايمكن كونه ظرفا لثبوته فمن ذلك يستحيل سراية الطلب إلى الفرد ، فإنه على هذا المسلك لا بأس بالالتزام بصحة العبادة باتيان هذا الفرد بداعي الامر بالطبيعي ، بل على هذا المسلك يخرج المسألة عن فرض اجتماع الأمر والنهي في وجود واحد من جهة ان الوجود والفرد على ذلك لايكون الا مبغوضا محضا ، كما هو واضح.
    ولكنك قد عرفت في المقدمة السابقة فساد المسلك المزبور وان التحقيق هو سراية الحكم من الطبيعي والجامع إلى الافراد بالتقريب المتقدم في شرح السراية ، وعليه فلابد من المصير إلى عدم جواز الاجتماع بالنسبة إلى الجهة المشتركة بينهما نظرا إلى عدم قابليتها لطرو الصفتين المتضادتين عليها سواء فيه بين ان يكون الامر أيضا كالنهي متعلقا بالطبيعة السارية أو كان متعلقا بصرف وجود المنتج لمحبوبية الافراد تخييرا إذ كما أن مبغوضية الشيء بجميع حدوده تنافى محبوبيته التعيينية كك تنافى أيضا محبوبيته التخييرية فان مرجع كون الشيء محبوبا تخييريا إلى كون تركه لا إلى بدل مبغوضا ومنهيا عنه وهو مما ينافي بداهة مبغوضية التعيينية الملازمة لمحبوبية تركه ولولا إلى بدل ، كما هو واضح.
    وحينئذ فبعد ما امتنع الاجتماع بالنسبة إلى الجهة المشتركة بين العنوانين ولم تتحمل لطرو الصفتين المتضادتين عليها من المحبوبية والمبغوضية ، فلا جرم في مقام التأثير كان الأثر لما هو الأقوى منهما ملاكا مصلحة أو مفسدة ، وحينئذ لو كان الأقوى هو النهى فقهرا تصير الجهة المشتركة بجميع حدودها بمقتضي المفسدة الغالبة مبغوضة محضا لا محبوبة.
    واما لو كان الأقوى هو الامر ، فان كان متعلقا بالطبيعة السارية فكذلك أيضا حيث إنه تصير الجهة المشتركة حينئذ بجميع حدودها بمقتضي المصلحة الغالبة محبوبة محضا لا مبغوضة عكس الصورة الأولى وان كان متعلقا بصرف الطبيعي والجامع ففي هذا الفرض يمكن الجمع بين الرجحان الفعلي والمرجوحية الفعلية بالنسبة إلى الجهة


(427)

المشتركة وذلك لما تقدم في المقدمة الثامنة من أن مقتضى المصلحة الأهم في الجامع المستتبع للسراية إلى الفرد حينئذ انما هو التأثير في رجحان الفرد ومحبوبيته بالقياس إلى بعض أنحاء حدوده وهو حدوده الجامعي لا مطلقا حتى بالقياس إلى حدوده المشخصة. وحينئذ فإذا فرض قيام المفسدة المغلوبة بالفرد بجميع حدوده حسب تعينها فلا جرم المقدار الذي تزاحمها المصلحة الأهم في الجامع في عالم التأثير انما هو بالقياس إلى حدوده الجامعي المقومة لعاليه. واما بالقياس إلى حدوده المشخصة المقومة لسافله فحيث انه لا تزاحمها المصلحة الأهم فقهرا تبقى المفسدة المهمة على حالها فتؤثر في مبغوضية الفرد من حيث حدوده المشخصة فيصير الفرد والجهة المشتركة حينئذ ببعض أنحاء حدوده وهو حده الجامعي المستتبع لحفظه في ظرف عدم بديله بمقتضى المصلحة الأهم في الجامع تحت الرجحان والمحبوبية الفعلية ، وببعض حدوده الاخر وهو حده المشخص له المقوم لسافله تحت المرجوحية والمبغوضية الفعلية ، بمقتضى خلو المفسدة المهمة عن المزاحم بالقياس إلى مثل هذه الحدود ويخرج عن كونه محبوبا فعليا على الاطلاق ومبغوضا فعليا كك ، كما هو واضح.
    ثم إن ذلك كما عرفت بالنسبة إلى مقام تزاحم الملاكين في عالم التأثير في الرجحان والمرجوحية.
    واما بالنسبة إلى مقام التزاحم في عالم الوجود فحيث انه أمكن استيفاء كلا الغرضين ولو بايجاد المأمور به في ضمن فرد آخر فلا جرم كان التأثير بحكم العقل للمفسدة المهمة المغلوبة ويقيد بحكم العقل دائرة فعلية إرادة الطبيعة بما عدا هذا الفرد وان لم يكن كك في عالم التأثير في الرجحان والمحبوبية ، فيصير الفرد المزبور حراما فعليا ويجب الاتيان بالطبيعي في ضمن فرد آخر ، جمعا بين الحقين وحفظا للغرضين ، وان كان لو اتى بالطبيعي في ضمن هذا الفرد بداعي رجحانه الفعلي من حيث حده الجامعي كان ممتثلا ومطيعا من تلك الجهة وعاصيا من جهة أخرى.
    وبالجملة فالمقصود هو عدم ملاحظة حيثية أهمية مصلحة الجامع في هذا المقام عند التمكن من استيفائها في ضمن فرد آخر وانه يقدم حينئذ تلك المفسدة المهمة المغلوبة القائمة بالخصوصية على المصلحة الأهم في الجامع ، ولو كانت في أدنى درجة الضعف حتى البالغة إلى درجة الكراهة وكانت المصلحة في أعلى درجة القوة. وعمدة النكتة في ذلك


(428)

انما هي عدم صدق المزاحمة والدوران حينئذ بين الغرضين في الوجود بلحاظ امكان الجمع بينهما باتيان الطبيعي والجامع في ضمن غير هذا الفرد والا فمع صدق المزاحمة في هذا المقام أيضا لا اشكال في أن التأثير للأقوى منهما كما في فرض انحصار الطبيعي بهذا الفرد وكذا في فرض قيام المصلحة أيضا كالمفسدة بالطبيعة السارية.
    ومن ذلك البيان ظهر أيضا حل الاشكال في الكراهة في العبادات فيما كان لها البدل ، حيث إنه بمقتضي البيان المزبور أمكن الالتزام بفعلية الكراهة المصطلحة في الفرد ولو من حيث حدوده المشخصة مع الالتزام أيضا بصحة العبادة بلحاظ رجحانها ذاتا بمقدار يقتضي رجحان حفظ الفرد المزبور من ناحية حدود الطبيعي. نعم فيما لا بدل لها من العبادات لا يجري البيان المزبور من جهة وقوع المزاحمة حينئذ بين الأمر والنهي في الفرد بجميع حدوده ، فلابد فيها اما من الحمل على أقلية الثواب والرجحان ، أو صرف النهى عن ظاهره إلى ايقاع العبادة في الأوقات المخصوصة ، نظير النهى عن ايقاع جوهر نفيس في مكان قذر ، بجعل المبغوض كينونة العبادة في وقت كذا لا نفسها ، حتى لاينافي المبغوضية مع محبوبية العمل ورجحانه المقوم لعباديته.
    وعلى ذلك فكم فرق بين الجواز بهذا المعنى وبين الجواز بالمعنى المتقدم بمسلك مكثرية الجهات ، حيث إنه على الأول يكفي في جواز الاجتماع مجرد تغاير العنوانين بتمام المنشأ على نحو يكون منشأ انتزاع كل عنوان بتمامه مغايرا مع منشأ انتزاع الآخر من غير فرق بين ان يكون الامر متعلقا بالطبيعة السارية أو بصرف وجودها ولا بين اقوائية ملاك الامر في نفسه أو اقوائية ملاك النهى ، بخلافه على مسلك اختلاف أنحاء حدود الشيء فان الجواز بهذا المعنى يحتاج أولا إلى عدم كون الامر متعلقا بالطبيعة السارية بل بصرف الطبيعي والجامع المنتج للوجوب التخييري في الافراد بالتقريب المتقدم في المقدمة السابعة. وثانيا إلى أهمية مصلحة الجامع من المفسدة التعيينية في الفرد.
    ثم انه مما ذكرنا ظهر الحال في المفاهيم الاشتقاقية المأخوذة في حيز الحكم بنفسها أو بعنوان ايجادها ، حيث إنه يختلف مصب الحكم حسب الاختلاف في مفهوم المشتق ، فعلى القول بأخذ الذات فيه وتركبه من المبدء والذات فلا جرم يكون العنوانان في المجمع من قبيل العنوانين المختلفين في بعض المنشأ والمشتركين في البعض الآخر ، من جهة اشتراك عنوان العالم والفاسق حينئذ في جهة الذات الحاكية عن جهة واحدة وحيثية


(429)

فاردة ، وفي مثله لابد من المصير إلى الامتناع بمقتضي ما تقدم ، لا الجواز ، الا في فرض تعلق الامر بصرف الطبيعي والجامع مع فرض أهمية المصلحة الجامعية أيضا من المفسدة التعيينية في الفرد ، فيصار حينئذ إلى الجواز بمقتضي البيان المتقدم.
    واما على القول ببساطة المشتق وعدم اخذ الذات فيه فان قلنا بالفرق بين المشتق ومبدئه باعتبار اللابشرطية والبشرط لائية وجعلنا مصب الحكم بهذا الاعتبار نفس المبدئين فالعنوانان من قبيل العنوانين المختلفين بتمام المنشأ وفي مثله كان الحكم هو الجواز من جهة اختلاف المتعلقين بتمام الحقيقة ، واما ان قلنا بعدم كفاية مجرد اعتبار اللابشرطية في كون مصب الحكم هو المبدء بشهادة عدم صحة جعله مصب الحكم في مثل أطعم العالم وقبل يد العالم وأكرم العالم ، ولو مع اعتبار اللابشرطية الف مرة وان مصب الحكم ومحطه انما كان عبارة عن نفس الذات غايته بما هي متجلية بجلوة العلم والقيام والقعود ونحو ذلك على نحو كان المبدء ملحوظا في مقام الحكم تبعا للذات وان كان بحسب اللب من الجهات التعليلية لمصلحة الذات فلا جرم يكون العنوانان في مقام الحكاية عن محط الحكم من قبيل حكاية المفهومين عن جهة واحدة وحيثية فاردة وفي مثله لابد من المصير إلى الامتناع من جهة استحالة طرو الصفتين المتضادتين على جهة واحدة وحيثية فاردة ، كما هو واضح.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net