متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مفهوم الشرط
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

مفهوم الشرط

    فنقول ان من المفاهيم مفهوم الشرط في نحو قوله ان جاء زيد يجب اكرامه حيث إنهم اختلفوا في دلالة إن وأخواتها من أدوات الشرط على الانتفاء عند الانتفاء وعدم دلالتها عليه ونقول في تنقيح المرام انه لاينبغي الارتياب في أن القضية الحملية في مثل قوله : أكرم زيدا ، مع قطع النظر عن ورود أداة الشرط عليها بطبعها لاتقتضي أزيد من كون المتكلم في مقام اثبات حكم وجوب الاكرام لزيد بنحو الطبيعة المهملة ، واما اقتضائها لكونه بصدد اثبات سنخ الحكم والطبيعة المطلقة وفي مقام حصر الطبيعي في هذا الفرد في تلك القضية فلا ، لان ذلك مما يحتاج إلى عناية زائدة عما يقتضيه طبع القضية ، ومن ذلك يحتاج إلى قيام قرينة عليه بالخصوص ، والا فمع عدم القرينة عليه فلايقتضي طبع القضية الحملية الا مجرد ثبوت المحمول مهملا للموضوع.
    ولذلك أيضا ترى بنائهم على عدم المفهوم في القضايا اللقبية وعدم اقتضائها انتفاء


(479)

سنخ الحكم المحمول على الاطلاق عن غير الموضوع المذكور في القضية ، كي لو ورد دليل آخر على ثبوت شخص حكم آخر لعمرو لوقع بينهما المعارضة ، ومن المعلوم انه لايكون ذلك الا من جهة ما ذكرناه من عدم اقتضاء القضية الحملية بطبعها في نحو قوله : أكرم زيدا مع قطع النظر عن القرائن الخارجية الا مجرد ثبوت الحكم والمحمول لزيد بنحو الطبيعة المهملة الغير المنافي مع ثبوت شخص حكم آخر من هذا السنخ للعمر والبكر.
    نعم لما كان مقتضاه حينئذ هو ثبوت هذا الحكم والمحمول على الاطلاق لزيد ، فلا جرم يلزمه اطلاق الحكم المزبور من جهة حالات الموضوع من القيام والعقود ونحو ذلك ، فكان مقتضي اطلاقه هو ثبوته له على الاطلاق وفي جميع الحالات الطارية عليه من القيام والقعود والمجيء ونحوه ، ولئن شئت قلت إنه لما كان لموضوعه اطلاق بحسب الحالات من المجيء وغيره يلزمه قهرا اطلاق في طرف الحكم المترتب عليه أيضا بحسب تلك الحالات بحيث يلزمه عدم جواز ثبوت وجوب آخر أيضا لذلك الموضوع في حال القيام أو القعود من جهة ما يلزمه حينئذ بعد هذا الاطلاق من لزوم محذور اجتماع المثلين ، من غير أن ينافي اطلاق الحكم والمحمول من تلك الجهة مع اهماله المفروض من الجهة المزبورة ، إذ مثل هذا النحو من الاطلاق في الحكم يجتمع مع اهماله من جهة الافراد بل ومع شخصيته أيضا ، كما هو واضح.
    وحينئذ فإذا كان ذلك مقتضي طبع القضية الحملية فكان قضية اطلاقها في ثبوت الحكم المحدود الشخصي لموضوعه على الاطلاق وفي جميع الحالات هو حصر الطبيعي بهذا الفرد المحمول في القضية ، بلحاظ ما عرفت من استلزام اطلاق هذا الحكم الشخصي لجميع الحالات عدم ثبوت فرد آخر منه لموضوعه في بعض الحالات نقول : بان طبع أداة الشرط الوارد عليها أيضا في نحو قوله : ان جاء زيد يجب اكرامه لايقتضي الا مجرد إناطة النسبة الحكمية بما لها من المعنى الاطلاقي بالشرط وهو المجيء لان ما هو شأن الأداة انما هو مجرد إناطة الجملة الجزائية بما لها من المعنى الذي يقتضيه طبع القضية الحملية بالشرط وحينئذ فإذا كان مقتضي طبع القضية الحملية أو الانشائية في مثل قوله أكرم زيدا ، هو ثبوت حكم شخصي محدود لزيد على الاطلاق الملازم لانحصاره وعدم فرد آخر منه في بعض الحالات وكان قضية الأداة على ما هو شأنها إناطة تلك الجملة بما لها من المعنى بالشرط وهو المجيء في وقوله : ان جاء زيد فأكرمه ، فلا جرم بعد ظهور الشرط في دخل الخصوصية بمقتضي ما بيناه يلزمه قهرا انتفاء وجوب الاكرام عن


(480)

زيد عند انتفاء المجيء وعدم ثبوت وجوب شخص آخر له في غير حال المجيء من جهة ان احتمال ذلك مما ينافي ما تقتضيه طبع الجملة من ثبوت ذلك الوجوب الشخصي لزيد على الاطلاق وفي جميع الحالات التي منها عدم المجيء من جهة ما يلزمه من محذور اجتماع المثلين. واما احتمال التأكد حينئذ فيدفعه أيضا ظهور القضية في محدودية الحكم بحد شخصي مستقل ، فإذا فرضنا حينئذ انحصار الوجوب بهذا الفرد من الحكم الشخصي الثابت في القضية المنطوقية فقهرا بمقتضي الإناطة يلزمه عقلا انتفاء سنخ وجوب الاكرام عن زيد عند انتفاء المجيء ، ولا نعنى من المفهوم الا ذلك. نعم لو كان قضية الأداة مضافا إلى إناطة الجزاء بالشرط هو اخراجه عما تقتضيه طبع الجملة الحملية من الاطلاق بحسب الحالات لكان للاشكال في الانتفاء عند الانتفاء كمال مجال ، ولكنه كما ترى بعيد جدا ، فان شأن الأداة على ما عرفت لايكون الا مجرد ربط إحدى الجملتين وإناطتها بما لها من المعنى والمدلول بجملة أخرى ، بلا اقتضائها لا همال القضية واخراجها عما يقتضيه طبعها من الظهور الاطلاقي الموجب لانحصار الطبيعي في الشخص ، كما لايخفى.
    ولايخفى عليك انه على هذا البيان لايحتاج في اثبات المفهوم في القضايا الشرطية إلى اتعاب النفس لاثبات العلية المنحصرة ، كي يمنع تارة بمنع اقتضاء الشرط العلية بل مجرد الثبوت عند الثبوت ، وأخرى بمنع العلية المنحصرة على فرض تسليم اقتضاء أصل العلية ، فان ذلك كله منهم ناش عن عدم التفطن بوجه استفادة المفهوم في القضايا الشرطية وعدم ملاحظة ما يقتضيه طبع القضايا الانشائية والحملية من الظهور الاطلاقي الموجب لحصر الطبيعي في قوله : أكرم زيدا في حكم شخصي محدود بحد خاص ، والا فنفس ذلك كاف في استفادة المفهوم ، من جهة ان لازم إناطة مثل هذا الحكم الشخصي حينئذ هو لزوم انتفاء ذلك عند الانتفاء ، وحيث إن فرض انحصار الطبيعي أيضا بهذا الشخص بمقتضي الظهور الاطلاقي ، فقهرا يلزمه انتفاء الحكم السنخي بانتفائه ، من دون احتياج إلى اثبات العلية المنحصرة ، وهو واضح.
    ثم انه لو أغمضنا عن ذلك البيان وبنينا على مقالة المشهور في استفادة المفهوم في القضايا الشرطية فهل للقضية الشرطية دلالة على التلازم بين المقدم والتالي أم لا ؟ وعلى تقدير الدلالة فهل تدل على الترتب بينهما بنحو العلية أو العلية المنحصرة أم لا ؟.
    فنقول : انه وان لم يتعرض الأستاذ لذكر هذا البحث بل اكتفى في اثبات المفهوم


(481)

بما حررناه من البيان المتقدم ولكنه لا باس بالتعرض لبيان هذه الجهة جريا على طبق ممشى القوم.
    فنقول : اما دلالة القضية الشرطية على التلازم بين المقدم والتالي ، بل وعلى كون اللزوم بينهما بنحو العلية والمعلولية ، فالظاهر هو كونها في غاية الوضوح ، كما يشهد به الوجدان ويوضحه المراجعة إلى العرف وأهل المحاورة واللسان في نحو هذه القضايا ، حيث ترى انهم يفهمون منها الترتب بين المقدم والتالي بنحو العلية فضلا عن اللزوم بينهما ، وعليه فدعوى المنع عن الدلالة على اللزوم أو الترتب بنحو العلية في غاية السقوط.
    نعم لدعوى المنع عن اقتضائها للترتب بنحو العلية المنحصرة كمال مجال ، من جهة احتمال فرد علة أخرى تقوم مقامها عند انتفائها ، وحينئذ فللقائل بالمفهوم اثبات هذه الجهة وسد باب الاحتمال المزبور كي يصح له الحكم بالانتفاء عند الانتفاء.
    فنقول : انه قد استدل للدلالة على ذلك بأمور : منها انصراف اطلاق العلاقة اللزومية إلى أكمل افرادها وهو اللزوم بين المقدم والتالي بنحو العلية المنحصرة ، وأورد عليه في الكفاية (1) تارة بمنع كون الأكملية منشأ للانصراف ، وأخرى بمنع كون اللزوم بينهما أكمل مما إذا لم يكن بانحصار ، من جهة ان الملازمة لا تكون الا عبارة عن إضافة خاصة بين الشيئين ، ومن المعلوم انه لايكاد يختلف تلك الإضافة بالشدة والضعف في صورة الانحصار وعدمه ، بل هي على ما هي عليها ، كان بينه وبين شيء آخر أيضا ملازمة أم لا. ولكن يمكن ان يقال بان أشدية الملازمة حينئذ مع الانحصار انما هي من جهة ما يلزمه أيضا من الانتفاء عند الانتفاء ، بخلافه مع عدم الانحصار ، فان الملازمة حينئذ كانت بينهما من طرف الوجود الخاصة ، ومعلوم حينئذ ان العرف يرون الملازمة بينهما على النحو الأول أشد من الملازمة على النحو الثاني ، وحينئذ لو فرضنا الاغماض عن عدم منشئية هذه الأكملية للانصراف فلا جرم يصح الاستدلال بهذا الوجه لاثبات الانحصار.
    بل ومن ذلك أيضا ظهر صحة التمسك باطلاق الملازمة بمقدمات الحكمة ، نظير التمسك باطلاق الطلب لاثبات الوجوب لكونه أكمل افراد الطلب ، بدعوى ان مقتضي الحكمة حينئذ هو الحمل على أكمل افراد اللزوم وهو اللزوم بين المعلول والعلة المنحصرة ، فتأمل.


1 ـ ج 1 ص 304.


(482)

    ومنها اطلاق الشرط بتقريب اقتضائه لانحصاره في مقام التأثير ، وانه تمام المؤثر في الجزاء ، سبقه أو قارنه امر آخر أم لا ، من جهة انه مع عدم الانحصار لايكون التأثير مستندا إليه خاصة فيما لو سبقه أو قارنه امر آخر ، بل التأثير على الأول كان مستندا إلى الامر السابق ، وعلى الثاني إلى المجموع لا إليه فقط أو الجامع بينهما ، فكان اللازم حينئذ تقييده بان لا يسبقه أو يقارنه آخر ، فاطلاقه حينئذ وعدم تقييده بذلك كاشف عن انحصاره في مقام التأثير وهو المطلوب. وقد أورد عليه أيضا في الكفاية (1) بمنع الاطلاق كك نظرا إلى دعوى ندرة تحققه بل عدم تحققه ، ولكن فيه تأمل واضح.
    ومنها : اطلاق الشرط أيضا بتقريب اقتضائه كونه بنحو التعين وانه لايكون له بديل يقوم مقامه عند انتفائه ، والا كان اللازم تقييده بمثل ( أو كذا ) فعدم تقييده كاشف عن اطلاقه من هذه الجهة ، ومقتضاه هو كونه بنحو التعين ، نظير اقتضاء اطلاق الوجوب كونه تعيينا لا تخييريا وبذلك يثبت المطلوب وهو الانحصار في العلية. وأورد عليه أيضا في الكفاية بان التعين في الشرط ليس يغاير نحو فيما لو كان متعددا ، كما كان في الوجوب حيث إنه يغاير نحوا فيما لو كان له عدل فيحتاج في الوجوب التخييري إلى العدل ، ومقتضي اطلاقه هو كونه بنحو لايكون له عدل ، وهذا بخلافه في الشرط واحدا كان أم متعددا حيث إن دخله في المشروط على نحو واحد لا يتفاوت الحال فيه ثبوتا كي يتفاوت عند الاطلاق اثباتا ، وكان الاطلاق مثبتا لنحو لايكون له عدل ، واما ما يرى من الاحتياج إلى ذكر العدل مع التعدد فإنما هو من جهة بيان التعدد لا من جهة نحو الشرطية وكونه مع الانحصار بنحو يغاير كونه مع التعدد وبينهما فرق واضح. ولكن فيه انه لا وجه لهذا الاشكال بعد تسليم أصل الاطلاق فان معنى تعين الشرط انما هو كونه مؤثرا بالاستقلال بخصوصيته الشخصية في المشروط ، ولازم ذلك هو ترتب الانتفاء عند انتفائه على الاطلاق ، كان هناك امر آخر لا ، فإذا أثبت ذلك حينئذ قضية الاطلاق وكان الحكم أيضا سنخيا ، فقهرا يلزمه الانتفاء عند الانتفاء ، نعم لو كان الحكم شخصيا أو ملحوظا بنحو الطبيعة المهملة لم يلزمه انتفاء الحكم بقول مطلق عند انتفائه ، من جهة امكان ان يكون هناك علة أخرى توجب شخص حكم آخر مثله عند انتفائه فتدبر.


1 ـ ج 1 ص 305.


(483)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net