متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الجهة الأولى : العموم وأقسامه
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
المقصد الرابع في العموم والخصوص
وفيه جهات من البحث :
الجهة الأولى

    لايخفى عليك ان العموم والخصوص كالاطلاق والتقييد انما كان من صفات المعنى ومن العوارض الطارية عليه وان اتصاف اللفظ بهما انما كان بتبع المعنى ، من جهة ما كان بينهما من العلاقة والارتباط الخاص. ثم إن حقيقة العموم عبارة عن الإحاطة والاستيعاب للافراد بنحو العرضية أو البدلية ، لكن لا مفهوم الإحاطة بل ما هو واقع الإحاطة ومصداقها الذي هو منشأ انتزاع هذا المفهوم الذي هو في الحقيقة معنى حرفي. واما الاشكال عليه حينئذ بلزوم عدم جواز اجراء احكام الاسم على الألفاظ الموضوعة للعموم كلفظ كل وجميع ومجموع ونحوها ، من الاخبار عنها وبها ونحوهما من الاحكام المختصة بالأسماء ، مع أنه لايكون الامر كك قطعا ، حيث نرى صحة اجراء الاحكام المزبورة عليها بالاخبار عنها وبها وجعلها فاعلا ومفعولا ونحو ذلك فمدفوع ، فإنه انما يتجه الاشكال المزبور فيما لو كان المدلول المطابقي للفظ كل وتمام وجميع هو نفس الإحاطة والاستيعاب ، ولكنه ليس كك ، بل نقول بان مدلولها المطابقي عبارة عن معنى اسمى يلزمها الإحاطة والاستيعاب والشمول ، وهو مقدار كم المدخول وتحدده بأعلى المراتب الذي لازمه الاستيعاب. فالمدلول في لفظ كل وتمام وجميع من قبيل مداليل الأسامي الموضوعة للكميات والمقادير ، نظير باقي الكسور كالنصف والربع والثلث ، فكان لفظ الكل مثلا يبين مقدار كم المدخول بكونه أعلى المراتب في قبال البعض المحدد لدائرته بالبعض ، ولازم ذلك ، كما عرفت ، عقلا هو الإحاطة والاستيعاب لجميع الافراد المندرجة


(505)

تحته. وحينئذ فصحة اجراء احكام الأسماء عليها انما هو من جهة ما ذكرنا ، لا من جهة ان المدلول فيها هو مفهوم الإحاطة والشمول أو مصداقها ، كي يتوجه عليه على الأول بلزوم الترادف بين لفظ الكل ولفظ الإحاطة ، وعلى الثاني بلزوم عدم جواز اجراء احكام الأسماء عليها ، كما هو واضح.
    وعلى كل حال فلاينبغي الارتياب في أن حقيقة العموم ـ وهو الإحاطة والاستيعاب للافراد بنفسها من المعاني الواقعية التي لا تحتاج في تصورها إلى تحقق شيء آخر من الجهات الخارجة عن هذا المعنى من حكم أو مصلحة أو غير ذلك ، بل لو لم تكن تلك الجهات الخارجية أيضا كان المجال لتصور هذا المعنى وهو الإحاطة والشمول للافراد ، ومن هذه الجهة نقول أيضا بعدم اقتضاء مجرد الاستيعاب للافراد والإحاطة والشمول لشيء من الاستغراقية والمجموعية ، وان مثل هذين الامرين انما هو من الاعتباريات الطارية على العموم بنحو العرضية المقابل للبدلية بملاحظة امر خارجي في البين من مثل الحكم والمصلحة ، وان الاستغراقية انما هي بملاحظة كون الملحوظ بنحو الاستيعاب متعلقا لاحكام متعددة ومصالح كك حسب تعدد الافراد ، في قبال المجموعية التي هي أيضا بملاحظة كون الملحوظ بنحو الاستيعاب متعلقا لحكم واحد شخصي غير قابل للانحلال ومصلحة كك ، ففي الحقيقة اعتبار المجموعية والاستغراقية انما هو بلحاظ كيفية تعلق الحكم بالعموم ، والا فمع قطع النظر عن ذلك لايكاد يكون الفرق بينهما في عالم المفهوم ومقام تصوره أصلا ولقد أجاد في الكفاية (1) حيث فرق بين نحوي العموم من جهة كيفية تعلق الحكم بالعموم ، وجعل التقسيم بالاستغراقي والمجموعي بلحاظ كيفية تعلق الحكم بالعموم من كونه تارة بنحو يكون كل فرد موضوعا على حدة للحكم ، وأخرى بنحو يكون الجميع موضوعا لحكم واحد مع كون العموم فيهما بمعنى واحد وهو إحاطة المفهوم بجميع ما يصلح لان ينطبق عليه.
    نعم ما افاده ( قدس سره ) من الحاق العام البدلي أيضا بهما في كونه أيضا من جهة كيفية تعلق الحكم بالعموم ، غير وجيه ، فان الظاهر هو ان الفرق بين البدلي وبين الاستغراقي والمجموعي من جهة كيفية العموم ولحاظه تارة بنحو الاستيعاب للافراد


1 ـ ج 1 ص 232.


(506)

بنحو العرضية وأخرى بنحو البدلية ، لا من جهة كيفية الحكم كما في الاستغراقي والمجموعي ، كما أفيد ، حيث إنه فيهما انما يلاحظ سير الطبيعي وشموله للافراد بنحو العرضية في مقام التطبيق ، بحيث لو عبر عنها تفصيلا لكان يعطف بعضها على بعض بقوله هذا وذاك وذاك الآخر. بخلافه في العام البدلي ، فإنه فيه أيضا وان كان يرى في مقام اللحاظ سريان الطبيعي وشموله للافراد ، الا انه لا بنحو العرضية بل على نحو البدلية ، كقولك : رجل أي رجل ، في قبال قولك : كل الرجال وجميع الرجال ، ومن ذلك لو عبر عنه تفصيلا لكان ذلك بمثل قوله : هذا أو ذاك ، وعلى ذلك فنفس العام البدلي أيضا قبال الاستيعاب بنحو العرضية من المعاني الواقعية الغير المحتاجة إلى تحقق امر خارجي من حكم أو مصلحة ، بل لو لم يكن حكم أيضا كان له الواقعية. وعليه فتقابل العموم البدلي مع ذين العمومين وهما الاستغراقي والمجموعي انما هو بلحاظ تقابل مقسمها معه ، لا بلحاظ تقابل كل واحد منهما ، حتى يكون ما به الامتياز فيه أيضا من سنخ ما به الامتياز فيهما ، كما لايخفى.
    ومما ذكرنا انقدح أيضا فساد ما أفيد كما عن بعض الاعلام فيما حكى عنه من أن اطلاق العموم على العام البدلي انما هو باب المسامحة ، والا فلايكون ذلك بعام حقيقة ، حيث لايكون متعلق الحكم فيه الا واحدا وان العمومية فيه انما هي في البدلية ، وتوضيح الفساد هو ان البدلية في مثل هذا العام انما كان في مقام التطبيق ، والا ففي عالم العموم والشمول كانت الافراد بأجمعها تحت اللحاظ في عرض واحد ، كما هو مفاد قولك : جئني برجل أي رجل ، حيث إن لفظة أي تدل على استيعاب جميع الافراد عرضا ، غايته على نحو يكون التطبيق فيه تبادليا لا عرضيا ، كما في العام الاستغراقي والمجموعي ، ومن المعلوم ان مجرد كون التطبيق فيه تبادليا لا عرضيا لايقتضي خروجه عن العمومية والاستيعاب لجميع الافراد. كما لايخفى.
    وعلى كل حال فلا ريب في عدم ارتباط أسامي العدد من مثل العشرة ونحوها بالعموم والشمول ، بل مثل هذه المعاني انما هي من الاعتباريات الطارية على مداليل الاعداد وان أسامي العدد من هذه الجهة نظير الطبايع الصرفة في كونها مركز طرو هذه الاعتبارات ومورد هذه الأطوار ، غير أن الفرق بينها وبين الطبايع هو ان نسبة الطبايع إلى الآحاد المعروضة للعموم في دائرتها في نحو قوله : أكرم كل عالم من قبيل نسبة الكلي إلى الفرد ، بخلافه في أسامي الاعداد فإنها لكونها عبارة عن مراتب الكم المنفصل للشيء يكون


(507)

نسبتها إلى الآحاد المندرجة فيها المعروضة لهذه الطواري في مثل قولك : كل العشرة ، من قبيل نسبة الكل إلى الجزء دون الكلي والفرد نعم انما يكون فيما لو كان نظر العموم فيها إلى مصاديق العشرة الراجع إلى إفادة كل عشرة عشرة ، حيث إن نسبتها حينئذ إلى المصاديق كانت من قبيل نسبة الكلي إلى الفرد ، من جهة انها بهذا الاعتبار كأحد الطبايع الصادقة على القليل والكثير ، فكان طروا لعموم عليها حينئذ بعين طروه على الطبايع.
    ومن ذلك البيان ظهر الكلام في التثنية والجمع أيضا ، حيث إن مدلوليهما عبارة عن مرتبة خاصة من الكم القائم بالطبيعي اما بتحديد حديها كما في التثنية وجمع القلة ، أو بتحديد حدها الأقل كما في جمع الكثرة ، فكانت كأسامي الاعداد في نسبتها إلى الآحاد المندرجة فيها المعروضة للعموم والخصوص ، وفي مركزيتها لطرو هذه الطواري ، حيث كانت قابلة لطرو الخصوص والعموم عليها بنحو المجموعية والاستغراقية والبدلية ، من غير فرق في ذلك بين التثنية والجمع.
    نعم الفرق بينهما انما هو من جهة أخرى وهي ان التثنية لما كان لا ابهام فيها في مرتبة كمها ففي طرو العموم عليها في مثل أكرم كلا من الرجلين أو جميع الرجلين لايحتاج إلى تعين آخر في مدلولهما. بخلافه في طروه على الجمع فإنه بملاحظة ما فيه من الابهام بين مراتب الجمع المختلفة آحادها لابد من اعتبار تعين بين هذه المراتب حتى يقتضي العموم الاستيعاب في الآحاد المندرجة تحتها ، ومن ذلك نحتاج في فرض كون نظر العموم إلى الآحاد المندرجة تحت مصاديق الجمع لا إلى نفس مصاديق الجمع إلى الحمل ولو بقرينة الحكمة على الفرد الاعلى من افراد الجمع والمرتبة القصوى من مراتبه ، من جهة ان هذه المرتبة مما لها نحو تعين بالذات بخلاف بقية المراتب الاخر ، ولازم ذلك اقتضاء العموم الاستيعاب في الآحاد المندرجة تحت أقصى الافراد وأعلى المراتب لا الآحاد المندرجة تحت بقية المراتب ، من جهة ان قرينة الحكمة انما تقتضي الحمل على ما لاحد فيها من مراتب الكم ، ولايكون ذلك الا على المصاديق وأقصى المراتب ، من دون ان يكون ذلك أيضا من باب انسلاخ الجمع عن مدلوله ومعناه ، بل من باب إرادة العموم بالنسبة إلى الآحاد المندرجة تحت الفرد الاعلى من افراد الجمع وأقصى مراتبه ، هذا كله إذا كان العموم ناظرا إلى الآحاد المندرجة تحت مصاديق الجمع ، واما لو كان العموم ناظرا إلى نفس مصاديق الجمع لا إلى الآحاد المندرجة تحتها ، كما في قوله : أكرم كل جماعة ، الناظر


(508)

إلى كل جماعة جماعة ، فان أريد من المصاديق ما هو القابل للتكرر بنحو لا يلزم التداخل في الحكم يؤخذ بأقل الافراد القابل للتكرر في جميع الدوائر ، فيحمل قوله : أكرم كل جماعة ، على كل ثلاثة ثلاثة منها من جهة ان هذا المعنى مما له نحو تعين بالذات ، بخلاف بقية المصاديق كالأربعة والخمسة والستة وما فوقها ، فإنها أيضا وان كانت قابلة للتكرر الا انه لا تعين في واحد منها حتى يحمل عليها ، بخلاف أقل الافراد من الجمع وهو الثلاثة فان له نحو تعين بالذات ، واما ان أريد من المصاديق ما هو القابل للتداخل في الحكم أيضا ففي مثله يؤخذ بجميع المراتب من الثلاثة والأربعة والخمسة وما فوقها ، ويحكم بالتداخل في الحكم.
    ومن هذه الجهة ظهر جهة فرق آخر بين التثنية والجمع ، حيث إنه في التثنية لايتصور العموم باعتبار الوجه الأخير ، بل العموم المتصور فيها كما في أسامي الاعداد يتصور بأحد الوجهين الأولين من الوجوه الثلاثة المتصورة في الجمع ، بخلاف الجمع ، فان العموم فيه باعتبار كون مفهومه معنى تشكيكيا محفوظا بين جميع المراتب من الأقل والأكثر يتصور على وجوه ثلاثة : من حيث كون العموم تارة ناظرا إلى الآحاد المندرجة تحت مصاديق الجمع ، وأخرى إلى نفس مصاديق الجمع ، مع كونه على الثاني تارة بإرادته من المصداق ما هو القابل للتكرر كي لا يلزم التداخل ، وأخرى بإرادته من المصداق ما هو القابل للتداخل والتأكد في الحكم ، وان كان مثل هذا الفرض بعيدا في نفسه بل غير واقع من جهة بعده عن أذهان العرف وأهل اللسان.
    ثم إن هذا كله فيما لو أحرز كون نظر العموم إلى الآحاد المندرجة تحت المصاديق ، أو إلى نفس مصاديق الجمع ، واما ان لم يحرز كون العموم بلحاظ المصاديق ، فيحمل على إرادة العموم بلحاظ الآحاد المندرجة تحتها ، ويدفع احتمال كونه بلحاظ نفس المصاديق ، بشمول اطلاق الجمع لصورة انحصار افراده بأقلها وهو الثلاثة ، من جهة ان شمول اطلاقه لصورة انحصار الافراد والآحاد بالثلاثة ينافي لا محالة مع احتمال كون العموم بلحاظ نفس المصاديق ، حيث إنه لايبقى مجال للعموم الا بلحاظ المندرجة تحت المصاديق ، غاية الامر بما ذكرنا يحمل على أقصى الافراد وأعلى المراتب أقل كانت أم أكثر من جهة تعينه بالذات ، كما هو واضح.


(509)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net