متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الجهة الثانية
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
الجهة الثانية

    لا شبهة في أن للعام صيغة تخصه ، كلفظ كل وتمام وجميع وأي وما يرادفها في أي لغة ك‍ ( همه ) و ( هر ) بالفارسية. وذلك للتبادر حيث إن من الواضح تبادر العموم والاستيعاب منها. وكون التخصيص شايعا حتى قيل بأنه ما من عام الا وقد خص لا يستلزم الوضع للخصوص أو القدر المشترك بينهما كما لايخفى. بل ولئن تأملت ترى بان نفس الاحتياج إلى التخصيص في قولك : كل عالم ، قرينة وضعها للعموم وانها بحيث يستفاد منها الاستيعاب والشمول لولا التخصيص ، وعليه فلا يصغى إلى ما قيل من الوضع للخصوص في الألفاظ المدعى كونها موضوعة للعموم ، حيث إن في وضوح المسألة غنى وكفاية عن إقامة البرهان على العموم وابطال ما أقيم على كونها للخصوص ، وحينئذ فلا اشكال من هذه الجهة ولا كلام.
    وانما الكلام في أن قضية هذه الأداة المدعي دلالتها على العموم وضعا كلفظ كل وتمام وجميع هل هو الاستيعاب والشمول لجميع ما يصلح انطباق المدخول عليه من الافراد ، أم لا ، بل كان قضية عمومها تابعا لما يراد من المدخول فيها من حيث الاطلاق والتقييد ونحوهما ؟ قال في الكفاية ما محصله : ان دلالة لفظ كل ونحوه على العموم وان كانت بالوضع لكن دائرة شمول العام بالنسبة إلى قلة الافراد وكثرته تابعة لما يراد من المدخول من حيث الاطلاق والتقييد ، فإذا كان المدخول مأخوذا بنحو الاطلاق والسريان فالشمول والعموم كان بلحاظ افراد المطلق ، كما أنه لو كان المدخول مقيدا ببعض القيود كما لو أراد من العالم في قوله : أكرم كل عالم ، العالم العادل أو العالم النجفي فلا جرم يكون العموم بالنسبة إلى الافراد في دائرة المقيد لا المطلق ، فعلى كل حال ما هو المدلول للفظ كل ونحوه من الألفاظ العموم انما هو الاستيعاب والشمول في دائرة ما يراد من المدخول ، وعلى ذلك ففي مثل قوله : أكرم كل عالم ، فلابد في الحكم بالاستيعاب بالنسبة إلى جميع ما يصلح انطباق المدخول عليه من الافراد بناء على مسلك السلطان من الوضع للطبيعة المهملة القابلة للاطلاق والتقييد من احراز كون المراد من المدخول هو الطبيعة بنحو الاطلاق والارسال ، ولو كان ذلك من جهة قرينة الحكمة ، والا فمع عدم احراز هذه الجهة واحتمال كون المراد من المدخول وهو العالم الطبيعة المقيدة لايبقى مجال


(510)

الحكم بالاستيعاب بالنسبة إلى جميع ما ينطبق عليه المدخول من الافراد ، بل ربما كان اللازم حينئذ الاخذ بالقدر المتيقن وهو الاستيعاب بالنسبة إلى آحاد المقيد لا المطلق ، هذا.
    ولكن لايخفى عليك ان المدخول في مثل قوله : كل عالم ، وان لم يدل على مسلك السلطان الا على الطبيعة المهملة ، فيحتاج استفادة الارسال والاطلاق منه إلى قرينة الحكمة ، الا انه بعد دلالة الكل بالوضع حسب الفرض على الإحاطة والاستيعاب في الافراد ربما يستغنى به عن مقدمات الحكمة من جهة قيامه حينئذ مقامها ، حيث إنه بوروده على مفهوم العالم في قوله : أكرم كل عالم ، يثبت به ما يفي به مقدمات الحكمة من الاستيعاب لجميع ما يصلح انطباق المدخول عليه من الافراد ، من دون احتياج معه إلى جهة زائدة من قرينة الحكمة أو غيرها.
    نعم ما أفيد من الاحتياج إلى الحكمة انما يتم بالنسبة إلى النكرة الواقعة في حيز النهى أو النفي ، نظرا إلى عدم كون مفاد النفي في مثل قوله : لا رجل في الدار ، الا سلب النسبة ، وعدم كون مفاد المدخول أيضا على مسلك السلطان الا الطبيعة المهملة ، ولا مفاد الهيأة التركيبية الا ايقاع النسبة بين الموضوع والمحمول ، فيحتاج استفادة العموم حينئذ منه إلى قرينة الحكمة في المدخول لاثبات ان المدخول بنحو الارسال والاطلاق كان موردا للنفي.
    وهكذا الكلام في الجمع المحلى باللام كقوله : أكرم العلماء ، حيث إن استفادة العموم بالنسبة إلى جميع الافراد في مثله منوطة بقرينة الحكمة ، من جهة ان القدر المستفاد من الهيأة العارضة على المادة ، وهي هيأة الجمع ، انما هو تقييد الطبيعي بما فوق الاثنين ، واما انه أي مرتبة من مراتب الجمع وانه الأربعة أو الخمسة أو العشرة أو العشرون أو غير ذلك من مراتب الجمع فيحتاج تعينها إلى قرينة ، ولو كانت هي مقدمات الحكمة ، فيرفع بها ما فيه من الابهام بالنسبة إلى تلك المراتب المختلفة آحادها ، وتعينه بأعلى المراتب وأقصاها التي لا تكون فوقها مرتبة ، وهذا بخلافه عند ورود لفظ الكل على الجمع كقوله : أكرم كل العلماء أو جميع العلماء ، حيث إنه بلفظ الكل أو الجميع يستغنى عن مقدمات الحكمة من جهة وفائه بما تفي به مقدمات الحكمة.
    ومن ذلك البيان ظهر الحال في المفرد المحلي باللام حيث إن استفادة العموم منه لابد وأن تكون بقرينة تقتضي كون المدخول فيه بنحو السريان في ضمن الافراد ، والا فمع قطع النظر عن القرينة الخارجية لايكاد يصح استفادة العموم


(511)

والسريان منه ، من جهة ان اللام فيه لاتقتضي حسب وضعها الا الإشارة إلى المدخول ، واما كونه بنحو السريان في ضمن الافراد فلا ، كما هو واضح.
    ثم إن الظاهر هو اختلاف الألفاظ الحاكية وعدم كونها على وزان واحد من حيث حكاية بعضها عن نفس العموم والاستيعاب المحفوظ في رتبة الذات السابقة عن الحكم كما في لفظ العام بل ولفظ الكل بشهادة صحة استعمالها في مورد العموم الاستغراقي والمجموعي بلا عناية أصلا ، وحكاية بعضها عن الاستيعاب للافراد بملاحظة تعلق الحكم بها كما ( في الجميع ) الحاكي عن خصوصية الاستغراقية قبال ( المجموع ) الحاكي عن خصوصية المجموعية ، حيث إن مثل هذه الألفاظ كانت حاكية عن خصوصية الموضوعية المتأخرة رتبة عن الحكم وعن كيفية تعلق الحكم بالافراد ، نعم لايبعد دعوى ظهور لفظ الكل أيضا في الحكاية عن خصوصية الاستغراقية مضافا إلى حكايتها عن نفس العموم والاستيعاب المحفوظ في رتبة الذات السابقة عن الحكم ، حيث يستفاد من قوله : أكرم كل عالم ، استقلال كل واحد من الافراد في الموضوعية لحكم مستقل. واما أي فهو كما عرفت في قبال هذه الألفاظ يحكى عن العموم البدلي المحفوظ في مرتبة الذات السابقة عن الحكم.
    ثم إن الكل يدخل على الفرد والجمع المنكرين والمعرفين كما في قولك : كل رجل وكل الرجل وكل رجال وكل الرجال ، فيفيد الاستغراق بحسب الافراد عند دخوله على المفرد والجمع المنكرين ، والاستغراق بحسب المرتبة في دخوله على المفرد والجمع المعرفين كقوله : كل العالم وكل العلماء ، ففي الأول يتحدد دائرة المدخول وهو الطبيعي من بين المراتب ، ويخرجه عما كان له من الابهام في المراتب ، ويعينه بأعلى المراتب التي لازمها الشمول لجميع الآحاد المندرجة تحتها ، كما كان ذلك أيضا على الثاني ، حيث إنه على ما عرفت يخرجه عما له من الابهام في المراتب ويعينه بأعلى مراتب الجمع وأقصى المصاديق التي لها التعين بالذات وتفيدها قرينة الحكمة ، ولازمه هو الشمول لجميع الآحاد المندرجة تحت المرتبة العليا.
    واما الجميع والمجموع والتمام فهي انما تدخل على المفرد والجمع المحلى باللام ولا تدخل على غير المحلي باللام مفردا أو جمعا ، حيث لايقال : جميع رجل وجميع رجال ولا مجموع رجل ومجموع رجال ولا تمام رجل وتمام رجال ، بل وانما يقال ذلك في هذه الألفاظ


(512)

مع اللام وهو واضح.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net