متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المبحث الرابع : معطيات الحكم والموضوع ونتائج البحث وأهدافه وفرضيّة المركزيّة
الكتاب : دراسات في الفكر الإقتصادي الإسلامي    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

البحث الرابع

مُعطَيات الحُكم والموضوع

ونتائج البحث وأهدافه وفرضيّته المركزيّة

ظهر من ثنايا البحث أنّ العقيدة الإسلاميّة المتمثّلة بفلسفة الاستخلاف ، وفقاً لقوانينه المركزيّة الثلاثة ذات أثر على أحكام السلوك الإنساني عامّة ، ونمَط الإنفاق خاصّة ، والقوانين هي :

1 ـ المُلك كلّه لله ، والعلاقة بين الخالق والكون علاقة ربوبيّة تفيد الخلْق والقيّومة ( اللّهُ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ ) [البقرة : 255] ، الأمر الذي ترتّب عليه اختصاصه عزّ وجلّ بالمُلك التامّ والمطلق للكون ، دلّ على ذلك قوله تعالى : ( للّهِ‏ِ مُلْكُ السّموَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنّ وَهُوَ عَلَى‏ كُلّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ) [المائدة : 120] ، ويدخل في مطلق المُلك الموارد والطاقات كافّة .

2 ـ إنّ الله خلَق الكون مهيّأً ومسخّراً لمنفعة الإنسان ؛ دلّ على ذلك قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَوْا أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُم مَا فِي السّموَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) [لقمان : 20] .

3 ـ إنّ الله تعالى أعطى للإنسان الحقّ في استثمار الموارد ( إنتاجاً واستهلاكاً ) ، بنيابةٍ مشروطةٍ تفويضـاً واختبـاراً ؛ دلّ على ذلك قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) [البقرة : 30] .

ولمّا كان شكل استخلاف الله للإنسان بوكالةٍ مشروطة بضوابط الاستخلاف ، فإنّ السفَه ، والسرَف ، وسوء استخدام الموارد ، وانعدام ترشيد الاستثمارات ، وترشيد الاستهلاك ممّا يخلّ بالضوابط ، بما يترتّب على هذا الإخلال إيقاف حقّ التصرّف ، بما سمّاه الفقهاء الحَجْر ( 57 ) ، وقد ترتّب على ذلك أنّ الإسلام يرى مفهوم الحاجة الاقتصاديّة التي يسوغ الإنفاق لأجلها :


الصفحة 129

( ما يؤدّي تحقيقها وتلبيَتها إلى الإنماء العامّ للطاقات اللازمة لعمارة الأرض ) ( 58 ) ، ويكون المفهوم الإسلامي للسلعة : المنتجات النافعة الخيّرة للإنسان فقط ، أو ما يؤدّي استهلاكها إلى المنفعة الشاملة للمُستهلِك .

وإنّ أهمّ نتيجة يصل إليها الباحث ( أنّ ما يكفي لتحقيق هدف الإنماء هو المطلوب شرعاً : الإنفاق لأجله على مستوى الدخل الفرديّ أو القوميّ ، وما زاد عنه يكتسب حكم الزيادة على المطلوب ، كراهةً أو تحريماً ) ( 59 ) ، على وفق المحدّدات الكميّة والنوعيّة في نمط الاستهلاك القائم على الكتاب والسنّة ، وما لذلك مِن آثار على نمط العلاقة بين الاستهلاك والتراكم ؛ لأنّ ترشيد الاستهلاك بمعيار كهذا يؤيّد الادّخار الفرديّ الذي يُعدّ أحد روافد التراكم العامّ ، ذلك الشرط الأساسيّ في التنمية الاقتصاديّة .

يميل الباحث إلى تفسير الرشد بعلاماته ، ابتداءً بالبلوغ ( نُضج العُمر الزمنيّ والعُمر العقليّ معاً ) ، وهي أن يبلغ القاصر عاقلاً ، فإن بلَغ مجنوناً فلا يرتفع عنه الحَجْر ، وأن يُراعى فيه بعد تمامية هذه الشرائط الرُشد الذي هو إصلاح المال وتثميره المنضبط بالعدالة ابتداءً ، أو أقلّ درجة من درجات الالتزام بأوامر الله ونواهيه ؛ لأنّ المفسّر قتادة ( * ) الموافق لبعض ما روي عن آل البيت ( عليهم السلام ) والسدي هو الأشمل ؛ ذلك أنّه يرى الرشد : العقل ، صلاح الدين ، صلاح المال ، وفي رأيه يجتمع الأثر العقلاني على السلوك والأثر العقائدي ، والتفكير التنموي في الإنتاج والاستهلاك .

وهذا الرأي يمثّل مكوّنات الشخصيّة السويّة ، التي تُنتج عن محصلة للأجهزة الإدراكيّة والمعرفيّة والانفعاليّة الإيجابيّـة ، التي تحدّد استجابات الفرد لبيئته ، الأمر الذي يمكننا أن نقول :

إنّ إسهام المفسّرين والفقهاء المستند إلى القرآن الكريم ، في مناقشتهم لموضوع الرشد قد حدّد أركان الشخصيّة السويّة ومكوّناتها ، وقد تجاهل


الصفحة 130

الباحثون في العالَم ، أو غفلوا عن آراء فقهاء المسلمين ، فنُسب إلى العُلماء الأوروبيّين فضل ابتكار ( اكتشاف مكوّنات الشخصيّة ) ، كما ورد في فرضيّة البحث عن ( stagner ـ 1974م ) ( * ) . وأنّهم رتّبوا على اختلاف أحد أركانها تروكاً قانونيّة سُمّيت في مباحثهم بكتاب الحَجْر .

إنّ حُكم الحَجْر يُلقي على مُنظّري فلسفة التربية في المجتمعات الإسلاميّة وظيفةَ وضْع الأهداف العامّة للتربية ؛ لكي تسهم في تكوينٍ سليمٍ لشخصيّة المتعلّمين ، فيكون الهدف العقلانيّ ، والهدف الاعتقادي ، والهدف الاقتصاديّ التنمويّ في كلّ مراحل التربية ( الأُسريّة ، المدرسيّة ) ( ** ) ، الأمر الذي يُحسّن ويُعمّق المهارات البشريّة ، التي تُعدّ أُولى مستلزمات التنمية الاقتصاديّة كما تراها فلسفة الاستخلاف ، وما توصّلت إليه ـ بعد معاناة العقل البشريّ ـ الدراسات التنمويّة المعاصرة ، وتسهُم أحكام الحَجْر في دفع الإنسان إلى تفضيل أحد الاستعمالات للموارد على الاستعمالات الأُخـرى ، في سبيل الحصول على منفعة اقتصاديّة ، بما ينتج عن موازنة بين منافع الموارد ومنافع الاستعمالات المُختلفة ( 60 ) .

ولمّا كانت الدراسات الاقتصاديّة قد استقرّت على أنّ الموازنة ذات صبغة شخصيّة ، فإنّ العناصر الموضوعيّة التي تحدّد نمط الموازنة تكمن في مقولة ( الإسراف والتبذير والإقتار والسفَه ) ، وهي مقولات يقف مفهوم الرشد مانعاً لها من أن تُداخل الموازنة ؛ لكي يتوصّل بها إلى غاية تحقيق المنفعة الشاملة ، إذ ستشكّل ما يسمّونه بأثَر الوسط الاجتماعي ، وستشكّل أيضاً غايات التخطيط ( Economic plan ) ، ذلك أنّ النُظم المعاصرة لا تستطيع أن توقِف شخصاً له قوّة شرائيّة غير محدودة عند سقفٍ إنفاقيٍّ معيّن إلاّ بقوّة


الصفحة 131

القانون غير المبرّر ، بينما تستثمر الشريعة ضوابط الاستخلاف لإيقافه وتربطه بالجزاء الأُخْروي ؛ وبذلك تكون الشريعة أقدر مِن النُظم المعاصرة على تحقيق مقولتَي ترشيد استخدام الموارد ، وترشيد الاستهلاك .

ظهر من حُكم الحَجْر على غير الراشد أنّ الشخصية غير السويّة لا يحقّ لها أن تتصرّف بالمال تصرّفاً مطلقاً ، إلاّ أن تضمّ إليها شخصيّة سويّة ممثّلة بوليّ القاصر ، أو وليّ المحجور عليه ، وبالتالي فإنّ الحَجْر يُعَدّ :

1 ـ قيداً شرعيّاً على التصرّف المطلق بالملكيّة الخاصّة لصالح ملكيّة المجتمع ؛ لأنّه أَولى بالمِلك المطلق التامّ ( ملكيّة الله للموارد ) من الفرد .

2 ـ إنّ انضمام شخصيّة الوليّ تعني ثبات حالة الترشيد بشِقّيها .

3 ـ إنّ مضمون قول الله تعالى : ( وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً  مَعْرُوفاً ) [النساء : 5] ، كما فسّرها الطبرسي : تعني درّبوهم على التعامل اليوميّ السويّ لتعميق المهارات ، وبها تتجاوز التنمية في العالم الثالث الحلَقات المفرغة ، خاصّة في مجتمع يطبّق قوانين الشريعة الإسلاميّة .

ظهر لنا أنّ العقل الإنساني حين ينطلق من الفرضيّات ، مروراً بالحلول المناسبة إلى التَقْنين ، وصولاً إلى تقرير الحقائق بالاستقراء ، سيجد نفسه منسجماً مع ما يختزله القرآن الكريم من جُهد للإنسان لو أعمَل آياته وتدبّرها ؛ ليصل إلى فكرٍ متوازن شامل يلبّي سعادة الدارَين .

 

ــــــــــــــ

( * ) قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي ، أبو الخطّاب البصري الحافظ العلاّمة المفسّر ، مات بواسط سنة ( 118 هـ ) .

( 57 ) الحسب ( فاضل ) ، في الفكر الاقتصادي العربي الإسلامي ، ص : 28 .

( 58 ) عابد ( عبد العزيز ) ، مفهوم الحاجات وأثره على الإنماء الاقتصادي .

( 59 ) كاظم ( عبد الأمير ) ، التنمية في الاقتصاد الإسلامي ، ص : 329 ـ 332 .

( 60 ) المحجوب ( رفعت ) ، الاقتصاد السياسي : 1/92 .


الصفحة 134


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net