متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المطلب الثالث : نطاق الصلح وأقسام القانون
الكتاب : دراسات في الفكر الإقتصادي الإسلامي    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

المطلب الثالث : نطاق الصُلح وأقسام القانون

هل الصلح مبحث فقهي خاص ، كالبيع والرهن والإجارة ؟

أمْ أنّه ضابط لبعض الحالات التي يعجز عن حسمها القضاء ؟

أمْ هو قاعدة تجري في أكثر من باب فقهيّ ؟

الذي يخرج به الباحث أنّ الصُلح نظريّة حقوقيّة لها شروطها ، وأركانها ، وفرضيّاتها ؛ لأنّ جوهر الصلح في الفقه : عقد يعقب علاقة بين متعاقدَين ، هدفه حلّ إشكال حقوقي لا يستطيع أحد الخصوم أو كلاهما التوصّل إليه .

والمُدقّق في مبحث الصلح لا يراه مجموعة قواعد فاعلة في قسمٍ من أقسام القانون فقط ، بل نجده في أكثر من مجال ، ففي مجال التعامل المالي بين الأفراد نجد ( صُلح المعاملات ) مجموعة قواعد فاعلة ، وهو ما يدخل في عموم الصلح في القانون المدني والتجاري .

وفي مجال الأحوال الشخصيّة نجد جوهر عقد الصلح ، ومعناه موجود في المخالعة والمباراة والصلح بين الزوجين ، ونجد معانيه موجودة في العقود والإيقاعات ، أي أنّ جوهر قواعده في عموم التصرّفات المنشئة للحقّ .

ليس هذا نطاقه فحسب ، بل نجد تلك القواعد موجودة في مجال القانون الدوَلي ، فإنّ في عقود الصلح بعد الحرب ، أو عند عقد الهدنة ممّا يطلق عليه اليوم بـ ( المعاهدات ) ، نجد تلك القواعد فاعلة ، ونجده في القانون الدستوري ؛ إذ إنّ قواعده فاعلة في نمط التعامل الحقوقي مع الأقليّات في الحكم في النُظم الإسلاميّة ، ففي أنماط العلاقة بين الدولة الإسلاميّة وأهل


الصفحة 200

الذمّة ، ومباحث الجزية وأراضي الصُلح نجد جميع تلك الأحكام قائمة على قواعد الصلح عامّة .

فالفقهاء يسمُّون العقود مع أهل الذمّة صُلحاً ، ويرون أنّ أرضهم تصنّف في أرض الصلح ، وهي أرض ذات أحكام خاصّة مقابل أحكام الأراضي المفتوحة عنوةً وما أسلم عليها أهلها ، يقول الشيخ الفياض : ( وبالجملة ، فإنّ الكفّار قد يُسلّمون الأرض إلى وليّ الأمّة تسليماً من دون شرط . وقد يسلّمونها مع شرط مُسبق ، وعقْد الصُلح سيكون مبنيّاً على تلك الشروط ) ، ويخلص الشيخ إلى القول : ( إنّ أرض الصلح تختلف باختلاف ما تمّ عليه عقد الصلح بشأنها ، فليس له ضابط كلّي في جميع الموارد ) ( 14 ) .

وكسبب من أسباب اختلاف الفقهاء في مقدار الجزية على أهل الذمّة ، نجد أنّ الإماميّة ( 15 ) وعطاء ( 16 ) ويحيى بن آدم ( 17 ) وسفيان ( 18 ) يرون أن لا حدّ لها ؛ لأنّها ممّا يقرّره المتعاقدان ( الإمام وأهل الذمّة ) .

وفي المعاهدات نجد أنّ الفقهاء قد عرّفوها بأنّها ( عقد مصالحة بين المسلمين والحربيّين في حالة ضعف المسلمين على الشروط المباحة شرعاً ) ( 19 ) .

ويراها الشربيني أنّها : ( مُصالحة أهل الحرب على ترْك القتال مدّة معيّنة بعوَض أو بغيره ) ( 20 ) .

ويراها الدردير أنّها : ( صُلح الحربي مدّة لمصلحة ) ( 21 ) .

والإماميّة ، وإن لم يعرّفوا المعاهدة بالصلح ، لكن مضمون تعريفهم يكاد ينطق بأنّها مصالحة ( 22 ) .

إنّ هذا العرض السريع يكشف لنا قواعد الصُلح ومعناه ، وهي لا تنحصر في بابٍ من أبواب الفقه ، فهي موجودة في أقسام المعاملات الماليّة الفرديّة ، والأحوال الشخصيّة ، وأحكام القانون الدستوري والدولي ، كما نجدها في أحكام القانون الجنائي ، حين يصحّح الفقهاء الصلح على الديّة بين وليّ الدم والجاني ..


الصفحة 201

ونجد قواعده في قوانين العمل ، والتعويض عن المتلف ... إلخ .

لهذا وذاك يعتقد الباحث أنّ الصلح يشكّل قاعدة عامّة من قواعد الفقه الإسلامي ؛ لأنّ قواعده كلّية تندرج تحتها موضوعات متشابهة في الأركان والشروط والأحكام العامّة ، وإن كان لكلّ موضوع أركان وشروط وأحكام خاصّة .

إنّ هذا التدخّل الواسع للصُلح في أكثر من مبحث فقهي يجعله أوسع من البيع ، والإجارة ، والهبة ، والإبراء ، والإسقاط ، والمخالعة ، والمباراة ، والمعاهدات ، وحقوق الذمّيين .

بل هو أعمّ من مصطلح ( العقد ) في الفقه الإسلاميّ ، وأقرب إلى الإحاطة بعموم مصطلح التصرّف المُنشئ للحقّ ؛ لذلك اشتهر بين العلماء بأنّه سيّد الأحكام ( 23 ) .

ولذلك فهو يحتاج إلى صياغة تبرزه بوصفه نظريّة قانونيّة متكاملة ، سيشرع الباحث في ترسيم الإطار النظري لها ، كحلقة أُولى يلزم أن تتْبعها حلقات لإيضاح هذا المُدّعى .

 

-----------------------

(14) إسحاق الفيّاض ، أحكام الأراضي ، ص 325 .

(15) المحقّق الحلّي ، شرائع الإسلام ، ص328 ، محمّد حسن النجفي ، جواهر الكلام : 26 / 212 .

(16) الطبرسي ، مجمع البيان : 3 ـ 4/519 .

(17) المصدر نفسه .

(18) المصدر نفسه .

(19) السرخسي ، المبسوط : 9/85 .

(20) الشربيني ، مغني المحتاج : 4/260 .

(21) الدردير ، الشرح الكبير : 2/205 .

(22) ظ : الشرائع ، الجواهر ، الروضة البهيّة ، في الأجزاء والصفحات المشار إليها ، وكنز العرفان للسيوري : 3/77 .

(23) السيوري ، كنز العرفان : 3/77 .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net