متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مجمع المفاسد
الكتاب : شخصيات ومواقف    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

مجمع المفاسد

وهنا يحسن بنا أنْ نذكر ما كتب ابن عبّاس في جوابٍ له على رسالة أتته مِن يزيد.. حيث كتب اليعقوبي في تاريخه يقول:

وأخذ ابنُ الزبير عبد الله بن عباس بالبيعة له، فامتنع عليه، فبلغ يزيد بن معاوية أنَّ عبد الله بن عباس قد امتنع على ابن الزبير، فسرَّه ذلك، وكتب  إلى ابن عبّاس: أمَّا بعد، فقد بلغني أنَّ المُلحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته، وعرض عليك الدخول في طاعته؛ لتكون على الباطل ظهيراً وفي المأثم شريكاً، وأنَّك امتنعت عليه، واعتصمت ببيعتنا وفاءً منك لنا، وطاعةً لله فيما عرَّفك مِن حقِّنا، فجزاك الله مِن ذي رحم بأحسن ما يجزي به الواصلين لأرحامهم؛ فإنِّي ما أنسَ مِن الأشياء فلست بناسٍ برَّك، وحسن جزائك، وتعجيل صلتك بالذي أنْت منّي أهله في الشرف والطاعة والقرابة بالرسول. وانظر ـ رحمك الله ـ فيمَن قبلك مِن قومك، ومَن يَطرُؤ عليك مِن الآفاق ممَّن يسحره المُلحدُ بلسانه وزُخرف قوله، فأعلمهم حُسن رأيك في طاعتي، والتمسُّك ببيعتي؛ فإنَّهم لك أطوع، ومنك أسمع منهم للمُحلّ المُلحد، والسلام.

فكتب إليه عبد الله بن عباس: مِن عبد الله بن عباس إلى يزيد بن معاوية. أمَّا بعد، فقد بلغني كتابك بذكر دعاء ابن الزبير إيَّاي إلى نفسه وامتناعي عليه في الذي دعاني إليه مِن بيعته، فإنْ يكُ ذلك كما


الصفحة 130

بلغك، فلستُ حمدك أردت ولا ودَّك، ولكنَّ الله بالذي أنوي عليم. وزعمت أنَّك لست بناسٍ ودِّي، فلعمري ما تؤتينا ممَّا في يديك مِن حقِّنا إلاَّ القليل، وإنَّك تحبس عنَّا منه العريض الطويل. وسألتني أنْ أحثَّ الناس عليك وأخذَّلهم عن ابن الزبير، فلا، ولا سروراً، ولا حبوراً، وأنت قتلت الحسين بن عليّ، بفيك الكَثْكَثُ، ولك الأثْلَب، إنّك ـ إنْ تُمنِّك نفسُك ذلك ـ لعازب الرأي، وإنّك لأنت المُفنِد المهوّر. لا تحسبني ـ لا أباً لك ـ نسيت قتلك حسيناً وفتيان بني عبد المطّلب، مصابيح الدُّجى، ونجوم الأعلام، غادرهم جنودك مصرَّعين في صعيد مرمَّلين بالتراب، مسلوبين بالعراء لا مُكفَّنين، تسفي عليهم الرياح، وتعاورهم الذئاب، وتنشي بهم عرج الضباع، حتّى أتاح الله لهم أقواماً لم يشتركوا في دمائهم، فأجنُّوهم في أكفانهم، وبي ـ والله ـ وبهم عززت وجلست مجلسك الذي جلست، يا يزيد!

وما أنْسَ ـ مِن الأشياء ـ فلست بناسٍ تسليطك عليهم الدعيَّ العاهر، ابن العاهر، البعيد رحماً، اللّئيم أباً وأمّاً، الذي في ادّعاء أبيك إيّاه ما اكتسب أبوك به إلاّ العار والخزي والمذلّة في الآخرة والأُولى، وفي الممات والمَحْيا، إنّ نبيّ الله قال: الولدُ للفراش، وللعاهر الحجر. فألحقه بأبيه كما يُلحق بالعفيف النقيِّ ولده الرشيد، وقد أمات أبوك السنّة جهلاً، وأحيا البِدعَ والأحداث المضلّة عمداً.


الصفحة 131

وما أنْسَ ـ من الأشياء ـ فلست بناسٍ اطِّرادك الحسين بن عليّ مِن حرم رسول الله إلى حرم الله، ودسَّك إليه الرجال تغتاله، فأشخصته مِن حرم الله إلى الكوفة، فخرج منها خائفاً يترقَّب، وقد كان أعزَّ أهل البطحاء بالبطحاء قديماً، وأعزَّ أهلها بها حديثاً ، وأطوع أهل الحرمين بالحرمين لو تبوَّأ بها مقاماً واستحلَّ بها قتالاً، ولكنْ كره أنْ يكون هو الذي يستحلُّ حُرمة البيت وحرمة رسول الله، فأكبر مِن ذلك ما لم تكبر، حيث دسست إليه الرجال فيها ليقاتل في الحرم. وما لم يكبر ابن الزبير حيث ألحد بالبيت الحرام وعرضه للعائر وأراقل العالم، وأنت ! لأنت المستحلّ فيما أظنُّ !! بلْ لا شكُّ فيه أنَّك للمُحَرِّفُ العريف !! فإنّك حِلْفُ نسوة !! صاحب ملاهٍ !! فلمّ!ا رأى سوء رأيك شخص إلى العراق، ولم يبتغك ضراباً، وكان أمر الله قدراً مقدوراً.

ثمَّ إنَّك الكاتب إلى ابن مرجانة أنْ يستقبل حسيناً بالرجال، وأمرته بمُعاجلته، وترك مُطوالته، والإلحاح عليه، حتَّى يقتله ومَن معه مِن بني عبد المطّلب، أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، فنحن أولئك لسنا كآبائك الأجلاف الجفاة الأكباد الحمير.

ثمَّ طلب الحسين بن عليّ إليه الموادعة، وسألهم الرجعة، فاغتنمتم قلَّة أنصاره، واستئصال أهل بيته، فعدوتم عليهم، فقتلوهم


الصفحة 132

كأنَّما قتلوا أهل بيت مِن التُّرك والكفر، فلا شيء عندي أعجب مِن طلبك ودِّي ونصري، وقد قتلت بني أبي، وسيفُك يقطر مِن دمي، وأنت آخذٌ ثأري، فإنْ يشأ الله لا يطلْ لديك دمي ولا تسبقني بثأري، وإنْ سبقتني به في الدنيا، فقبلنا ما قُتل النبيُّون وآل النبيّين، وكان الله الموعد، وكفى به للمظلومين ناصراً، ومِن الظالمين مُنتقماً. فلا يعجبنّك أنْ ظفرت بنا اليوم ، فو الله ، لنظفرنَّ بك يوماً.

فأمَّا ما ذكرت مِن وفائي، وما زعمت مِن حقِّي؛ فإنْ يكُ ذلك كذلك، فقد ـ والله ـ بايعتُ أباك، وإنِّي لأعلم أنَّ ابني عمِّي وجميع بني أبي أحقُّ بهذا الأمر مِن أبيك، ولكنَّكم ـ معاشر قريش ـ كاثرْتمونا، فاستأثرتم علينا سلطاننا، ودفعتمونا عن حقِّنا، فبُعداً على مَن يجترئ على ظُلمِنا ! واستغوى السفهاء علينا، وتولَّى الأمر دوننا! فبُعداً لهم كما بَعُدت ثمود، وقوم لوط، وأصحاب مدين، ومُكذِّبو المرسلين!

ألا ومِن أعجب الأعاجيب وما عشت أراك الدهرُ العجيب، حملُك بنات عبد المطلب وغلمةً صغاراً مِن ولده إليك بالشام كالسبيّ المجلوب، تُري الناسُ أنَّك قهرتنا، وأنَّك تأمر علينا، ولعمري ، لئن كنت تُصبح وتُمسي آمناً لجرح يدي، إنِّي لأرجو أنْ يعظم جراحك بلساني ونقضي وإبرامي، فلا يستقرُّ بك الجدل، ولا يُمهلك الله بعد قتلك عترة رسول الله إلاَّ قليلاً، حتَّى يأخذك أخذاً


الصفحة 133

أليماً، فيُخرجك اله من الدنيا ذميماً أثيماً، فعِشْ لا أباً لك، فقد والله أرداك عند الله ما اقترفت. والسلام على من أطاع الله ( 1 )

ثمَّ ماذا نقول عن يزيد هذا ؟! وقد ولَّى على رقاب المسلمين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان على المدينة المنوَّرة ، وعمروَ بن سعيد بن العاص الأشدق على مكَّة ثمَّ على المدينة ، وعبيد الله بن زياد على البصرة ثمَّ على الكوفة( 2 ) .. وجملةً مِن السفَّاحين والمُفسدين والسُرَّاق ! ففعل ما فعل ، وفعلوا ما فعلوا في حُكم ثلاث سنوات وتسعة أشهر فقط .. في الأُولى كانت فاجعة كربلاء ، وفي الثانية كانت إباحة المدينة ، وفي الثالثة إحراق الكعبة .

ولِمَ لا يفعل ذلك ؟! ويزيد مُستشارُه رجل مسيحيٌّ مشبوه مِن نصارى الرومان ، اسمه ( سرجون ) ، وكان مشاورَ أبيه معاوية وموضع أسراره وشريك مُخطَّطاته . فما يُنتظَر غير الفتك بالمسلمين ، وهتك الحُرمات والمُقدَّسات ، وملء السجون بالأبرياء والبريئات ؟!

ثمَّ ماذا يُنتظَر مِن أهل البيت ( عليهم السلام ) إلاَّ إنقاذ الإسلام مِن المُحرّفين ، وإنهاض المسلمين مِن الذِّلَّة والمهانة ؟!

ــــــــــــــــــــ

(1)- تاريخ اليعقوبي247:2_250

(2)- يراجع: كربلاء بين الحقائق, والأوهام, تأليف إبراهيم إشكاني:70-78


الصفحة 134

وهنا نترك القلم للسيّد عبد الرزّاق الموسويّ المقرّم ؛ ليضع يزيد في ميزان الاعتدال، ويجول بنا في آراء علماء أهل السنَّة حوله.. حيث كتب يقول:

لقد كان بين الله سبحانه وتعالى وبين أوليائه المُخلصين أسرار غامضة ، تنبو عنها بصائر غيرهم وتنحسر أفكار القاصرين، حتّى أمَّتهم العصبيّة فتجرَّأوا على قُدْس المنقذ الأكبر، وأبوا إلاَّ الركون إلى تعصُّب الشائن، فقالوا: إنَّ الحسين قُتل بسيف جدِّه ؛ لأنّه خرج على إمام زمانه (يزيد) بعد أنْ تمَّت البيعة له وكملت شروط الخلافة بإجماع أهل الحلِّ والعقد، ولم يظهر منه ما يُشينه ويُزري به!(1)

وقد غفل هذا القائل عن أنَّ ابن ميسون (يزيد) لم يكن له يوم صلاحٍ حتَّى يُشينه ما يبدو منه، وليس لطامَّاته ومخازيه قبلُ وبعد،

ــــــــــــــــ

(1) العجب مِن التزام القائل بصحَّة خلافة يزيد ، وهو يقرأ حديث النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ( لا يزال أمرُ أُمّتي قائماً بالقسط حتّى يكون أوّل مَن يثلمه رجل من بني أُميّة يقال له : يزيد ) . رواه ابن حجر في (مجمع الزوائد 5: 241) عن مسند أبي يعلى والبزّاز، وفي (الصواعق المحرقة: 132) عن مسند الرويانيّ عن أبي الدرداء عنه (صلى الله عليه وآله): ( أوّل مَن يبدِّل سُنّتي رجل مِن بني أميَّة يقال له : يزيد ) . وفي كتاب الفتن مِن (صحيح البخاري) باب قول النبيّ (صلى الله عليه وآله): ( هلاك أُمّتي على يدي أُغليمة مِن أُمّتي ) . وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ( هلكة أُمتي على يدي غلمةٍ مِن قريش ) ، قال ابن حجر في شرح الحديث مِن (فتح الباري 3: 7): كان أبو هريرة يمشي في السوق ويقول: اللّهمّ ، لا تُدركني سنة ستِّين ولا إمارة الصبيان . قال ابن حجر: أشار بذلك إلى خلافة يزيد؛ فإنَّه في سنة ستِّين ولم يتعقَّبه.  


الصفحة 135

وقد ارتضع درَّ ثَدْي (الحلبيّة) المزي بالشهوات، وتربَّى في حِجْر مَن لُعِن على لسان الرسول الأقدس (1) وأمر الأمَّة بقتله متى شاهدته متسنِّماً صهوة منبره (2)، ولو امتثلت الأُمَّة الأمر الواجب لأمنت العذاب الواصب المُطلَّ عليها مِن نافذة بدع الطاغية ومِن جرَّاء قسوته المُبيدة لها، لكنَّها كفرت بأنعُم الله فطفقت تستمرئ ذلك المورد الوبيء ذعافاً مُمقِراً، فألبسها الله لباس الخوف وتركها ترزخ تحت نير الاضطهاد، وترسف في قيود الذلِّ والاستعباد، ونصب عينها استهتار الماجنين وتهتُّك المُنهمكين بالشهوات، وكلُّ ما تنضح به الآنية الأُمويَّة الممقوتة.. شبَّ (يزيد الأهواء) بين هاتيك

ــــــــــــــــ

(1) في (تاريخ الطبريّ 11: 357 ـ حوادث سنة 284) و(تاريخ أبي الفداء 2: 57 ـ حوادث سنة 238هـ) وكتاب (صفّين لنصر: 247) ـ طبعة مصر، و(تذكرة الخواصّ) لسبط ابن الجوزيّ: 115 ـ: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى أبا سفيان على جمل وابنه يزيد يقوده ومعاوية يسوقه، فقال: ( لعن الله الراكب والقائد والسائق ) .

(2) في (تاريخ بغداد للخطيب البغداديّ 12: 181) و(تهذيب التهذيب لابن حجر 2: 428 و 5: 110) و( تاريخ الطبريّ 11: 357) وكتاب (صفّين: 243 و 248) و(شرح النهج الحديديّ 1: 348) و(كنوز الدقائق) للمناوي على هامش (الجامع الصغير 1: 18) و(اللآلئ المصنوعة للسيوطي 1: 320 ـ كتاب المناقب) وفي (ميزان الاعتدال للذهبيّ 1: 268 ـ مصر في ترجمة الحم بن ظهير و2: 129 ترجمة عبد الرزّاق بن همّام) وفي (سير أعلام النبلاء 3: 99 ترجمة معاوية) و(مقتل الحسين للخوارزمي 1: 185 ـ الفصل 9) و(تاريخ أبي الفداء 2: 57 ـ حوادث سنة 283 هـ).. قال رسول الله (صلى اله عليه وآله): ( إذا رأيتم معاوية على مِنْبري فاقتلوه ) .


الصفحة 136

النواجم مِن مظاهر الخلاعة.

ولقد أعرب عن كلِّ ما أضمره مِن النوايا السيِّئة على الإسلام ، والصادع به جذلاً بخلاء الجوِّ له، فيقول الآلوسيّ:

مَن يقول : إنَّ يزيد لم يعصِ بذلك ولا يجوز لعنه فيبتغي أنْ ينتظم في لسلسلة أنصار يزيد، وأنا أقول: إنّ الخبيث لم يكن مصدِّقاً بالرسالة للنبيّ (صلى الله عليه وآله)، وإنّ مجموع ما فعله مع أهل حرم الله وأهل حرم نبيّه (صلى الله عليه وآله) وعترته الطيّبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه مِن المصحف الشريف في قذر. ولا أظنُّ أنّ أمره كان خافياً على أجلّة المسلمين إذ ذاك، ولو سُلِّم أنّ الخبيث كان مسلماً فهو مسلم جمع مِن الكبائر ما لا يُحيط به نطاق البيان. وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لم يُتصوّر أنْ يكون له مثلٌ مِن الفاسقين! والظاهر أنّه لم يتب، واحتمال توبته أضعف مِن إيمانه.

ويُلحق به ابنُ زياد وابن سعد وجماعة، فلعنة الله عليهم وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومَن مال إليهم إلى يوم الدين، ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). ويُعجبني قول شاعر العصر ذي الفضِّ الجليّ عبد الباقي أفندي العريّ الموصليّ، وقد سُئل عن لعن يزيد فقال:

يزيد على لعني عريضٌ جنابُه        فأغدو به طولَ المدى ألعنُ اللَّعنا


الصفحة 137

ومَن يخشى القيل والقال مِن التصريح بلعن ذلك الضِّلِّيل فليقلْ: لعن الله عزَّ وجلَّ مَن رضي بقتل الحسين (عليه السلام) ومَن آذى عترة النبي (صلى الله عليه وآله) بغير حقٍّ ومَن غصبهم حقَّهم ؛ فإنَّه يكون لاعناً ليزيد؛ لدخوله تحت العموم دخولاً أوَّليَّاً في نفس الأمر، ولا يُخالف أحد في جواز اللّعن بهذه الألفاظ ونحوها سوى ابن العربيّ المارِّ ذِكره وموافقيه، فإنَّهم على ظاهر ما نُقل عنهم لا يُجوِّزون لعن مَن رضي بقتل الحسين، وذلك ـ لعمري ـ هو الضلال البعيد، الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد!

ثمَّ قال الآلوسيّ: نقل البرزنجيّ في (الإشاعة) والهيثميّ (في الصواعق) أنَّ أحمد بن حنبل لمَّا سأله ابنه عبد الله عن لعن يزيد قال: كيف لا يُلعَن مَن لعنه الله في كتابه؟! فقال أحمد: إنَّ الله يقول:

(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ... ) (1)، أيُّ فساد وقطيعة أشدُّ ممّا فعله (يزيد)؟!

وقد جزم بكفره وصرّح بلعنه جماعة مِن العلماء، منهم: القاضي أبو يعلى والحافظ ابن الجوزيّ (2)، وقال التفتازانيّ: لا نتوقَّف في شأنه بلْ في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه. وصرَّح

ــــــــــــــــــ

(1) سورة محمّد (صلى الله عليه وآله): 22، 23.

(2) يُراجع كتابه: الردّ على المتعصِّب العنيد المانع عن لعن يزيد.


الصفحة 138

بلعنه جلال الدين السيوطيّ.

وفي (تاريخ ابن الورديّ) وكتاب (الوافي بالوفيات): لمّا ورد على يزيد نساء الحسين وأطفاله والرؤوس على الرماح، وقد أشرف على ثنيَّة (جيرون) ونعب الغراب قال:

لما بَدَتْ تلك الحمولُ وأشرقت       تلك الشموسُ على رُبى جيرونِ

نَعِب الغرابُ فقلت: قلْ أو لا تقلْ      فلــقَدْ قضيتُ مِن النبيِّ دُيوني

يعني أنَّه قتل بمَن قتله رسول الله يوم بدر، كجدِّه عُتبة وخاله ولد عتبة وغيرهما، وهذا كفر صريح، فإذا صحَّ عنه فقد كفر به، ومثله تمثُّله بقول عبد الله بن الزِّبعْرى قبل إسلامه (ليتَ أشياخي..) الأبيات، انتهى (1).

إلى كثيرٍ مِن موبقاته وإلحاده، فاستحقّ بذلك اللّعنَ مِن الله وملائكته وأنبيائه، ومَن دان بهم مِن المؤمنين إلى يوم الدين، ولم يتوقّف في ذلك إلاَّ مَن حُرم ريح الإيمان وأعمته العصبيّة عن السلوك في جادَّة الحقِّ ، فأخذ يتردّد في سيره، حيران لا يهتدي إلى طريق، ولا يخرج مِن مضيق.

ولم يتوقّف المحقّقون مِن العلماء في كفر يزيد وزندقته، فيقول

ـــــــــــــــ

(1) تفسير روح المعاني للآلوسي 26: 73 ـ آية (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ..).  


الصفحة 139

ابن خلدون: غلط القاضي أبو بكر ابن العربيّ المالكيّ ؛ إذ قال في كتابه (العواصم والقواصم):

إنّ الحسين قُتل بسيف شرعه! غفلةً مِن اشتراط الإمام العادل في الخلافة الإسلاميّة، ومَن أعدل مِن الحسين في زمانه وإمامته وعدالته في قتال أهل الآراء؟! وفي ص254 ذكر ابن خلدون الإجماع على فسق يزيد، ومعه لا يكون صالحاً للإمامة، ومِن أجله كان الحسين (عليه السلام) يرى مِن المُتعيّن الخروج عليه وقعود الصحابة والتابعين عن نصرة الحسين لا لعدم تصويب فعله.. فلا يجوز نصرة يزيد بقتال الحسين بل قتله مِن فعلات يزيد المؤكِّدة لفسقه، والحسين فيها شهيد(1).

ويقول ابن مفلح الحنبليّ: جوَّز ابن عقيل وابن الجوزيّ الخروج على الإمام غير العادل، بدليل خروج الحسين على يزيد لإقامة الحقّ. وذكره ابن الجوزيّ في كتابه (السرّ المصون) مِن الاعتقادات العاميّة التي غلبت على جماعة مِن المنتسبين إلى السنَّة، فقال: ولو نظروا في السِّيَّر لعلموا كيف عُقدت البيعة ليزيد، وأُلزم الناس بها، ولقد فعل مع الناس في ذلك كلَّ قبيح. ثمّ لو قدَّرنا صحّة خلافة يزيد، فقد بدرت منه بوادر، وظهرتْ منه أُمور كلٌّ منها يُوجب فسْخَ ذلك العقد: مِن نهبِ المدينة، ورمي الكعبة بالمنجنيق، وقتلِ

ــــــــــــــــ

(1) مقدّمة ابن خلدون ص254 و 255 ـ عند ذِكر ولاية العهد.


الصفحة 140

الحسين وأهل بيته وضربه على ثناياه بالقضيب وحمل رأسه على خشبة، وإنّما يميل إلى هذا جاهلٌ بالسيرة عامّيُّ المذهب يظنُّ أنَّه يغيظ بذلك الرافضة! (1)

وقال التفتازانيّ: الحقّ أنَّ رضى يزيد بقتل الحسين واستبشاره به ، وإهانته أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ممّا تواتر معناه، وإنْ كان تفاصيله آحاد فنحن لا نتوقَّف في شانه بلْ في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه (2).

وقال ابن حزم: قيام يزيد بن معاوية لغرض دنيا فقط، فلا تأويل له وهو بغيّ مجرّد (3). ويقول الشوكانيّ: لقد أفرط بعض أهل العلم فحكموا بأنَّ الحسين السبط (رضي الله عنه) وأرضاه باغٍ على الخمِّير السكّير الهاتك لحرمة الشريعة المطهّرة يزيد بن معاوية، لعنهم الله. فيا للعجب !! مِن مقالات تقشعرّ منها الجلود، ويتصدَّع مِن سماعها كلُّ جلمود !(4).

وقال الجاحظ: المنكرات التي اقترفها يزيد، مِن: قتل الحسين وحمله بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبايا، وقرعه ثنايا الحسين بالعود،

ــــــــــــــــ

(1) الفروع في تصحيح الفروع، لابن مفلح المقدسيّ 6: 153 ـ باب قتال أهل البغي.

(2) شرح العقائد النسفيّة: 181 ـ طبع الآستانة سنة 1313 هـ.

(3) المُحلّى 11: 98.

(4) نيل الأوطار 7: 147.


الصفحة 141

وإخافته أهل المدينة، وهدم الكعبة.. تدلُّ على القسوة والغلظة والنصب وسوء الرأي والحقد والبغضاء والنفاق والخروج عن الإيمان، فالفاسق ملعون، ومَن نهى عن شتم الملعون فملعون! (1)

ويحدّث البرهان الحلبيّ أنَّ الشيخ محمّد البكريّ تبعاً لوالده كان يلعن يزيد ويقول: زاده الله خزياً وضعة، وفي أسفل سجّين وضعه (2). كما عنه أبو الحسن عليُّ بن محمد الكياهراسيّ وقال: لو مددتُ ببياض لمددت العنان في مخازي الرجل (3). وحكى ابن العماد عنه أنّه سُئل عن يزيد بن معاوية فقال: لم يكن مِن الصحابة؛ ولأحمد فيه قولان تلويح وتصريح، ولمالك قولان تلويح وتصريح، ولأبي حنيفة قولان تلويح وتصريح، ولنا قول واحد تصريح دون تلويح! وكيف لا يكون كذلك وهو اللاّعب بالنرد ومدمن الخمر وشِعره في الخمر معلوم (4). ويقول الدكتور علي إبراهيم حسن: كان يزيد مِن المتَّصفين بشرب الخمر واللّهو والصيد (5).

وقال الذهبيّ في (سير أعلام النبلاء): كان يزيد بن معاوية ناصبيّاً

ـــــــــــــــ

(1) رسائل الجاحظ: 298 ـ الرسالة الحادية عشرة في بني أُميّة.

(2) السيرة الحلبيّة، للحلبيّ.

(3) وفيات الأعيان لابن خلّكان ـ ترجمة عليّ بن محمّد بن عليّ الكياهراسيّ. ومرآة الجنان لليافعيّ 3: 179 ـ طبعة سنة 504 هـ.

(4) شذرات الذهب لابن العماد الحنبليّ 3: ص179 ـ طبعة سنة 504 هـ.

(5) تاريخ الإسلام العام: 270 ـ الطبعة الثالثة.


الصفحة 142

فظّاً غليظاً جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين وختمها بوقعة الحرّة، فمقته الناس ولم يُبارك في عمره (1).

وقال الشيخ محمّد عبده : إذا وُجد في الدنيا حكومة عادلةٌ تُقيم الشرع ، وحكومةٌ جائرةٌ تُعطِّله .. وجب على كلِّ مسلم نصرُ الأُولى وخذل الثانية .

ومِن هذا الباب .. كان خروج الإمام الحسين سبط الرسول ( صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم ) على إمام الجور والبغي ـ الذي وُلِّيَ أمرَ المسلمين بالقوَّة والمُنكر ـ يزيد بن معاوية  ، خذله الله وخذل مَن انتصر له  .. ( 2 ) .

وقال ابن تغري بردى الحنفيّ: كان يزيد فاسقاً مدمن الخمر(3).

وقال سبط ابن الجوزيّ: سُئل ابن الجوزيّ عن لعن يزيد فقال: أجاز أحمد لعنه، ونحن نقول: لا نحبّه؛ لِما فعل بابن بنت نبيّنا وحمله آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبايا إلى الشام على أقتاب الجمال، وتجرّيه على آل رسول الله، فإن رضيتم بهذه المصالحة بقولنا لا نحبّه، وإلاّ رجعنا إلى أصل الدعوى وهو جواز لعنته (4)(5).

فلم يَسلم مِن يزيد .. لا الإسلام ، ولا المسلمون . وذاك ما حذَّر

ـــــــــــــــــــــ

1 ـ نقله عنه في الروض الباسم للوزير اليماني 2 : 36 .

2 ـ تفسير المنار ، لمحمّد رشيد رضا 1: 367و 12: 183 .

3 ـ النجوم الزاهرة 1 : 163 .

4 ـ مرآة الزمان 8 : 496 ـ طبعة حيدر آباد .

5 ـ مقتل الحسين ( عليه السلام ) للسيد عبد الرزَّاق الموسوي المقرَّم 28 ـ 33 .


الصفحة 143

منه الرسول المُكرَّم ( صلَّى الله عليه وآله ) ونبَّه إلى خطر أبي سفيان ومعاوية ، ثمَّ خطر يزيد .

* روى ابن حجر : أخرج الروياني في مُسنده عن أبي الدرداء ، قال : سمعتُ رسول الله ( صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم ) يقول : ( أوَّل مَن يُبدِّل سُنَّتي رجلٌ مِن بني أُميَّةَ يُقال له : يزيد ) ( 1 ) .

فلم يحكم بالقرآن ، بل حكم بخلافه .. وقد قال تعالى : ( ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) ( 2 ) ، ( ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ( 3 ) ، ( ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ( 4 ) .

وأمَّا كُفر يزيد فلْيقرّره أهل السُّنَّة بإنصاف ، دون إجحاف :

روى المؤرِّخون : أنَّ يزيد بن معاوية كان جالساً في منظرة على ( جيرون ) ، فلمَّا رأى السبايا والرؤوس على أطراف الرماح ـ جيء بهم مِن كربلاء  ـ وقد أشرفوا على جيرون نعب غراب ، فأنشأ يزيد يقول :

ــــــــــــــــــــ

1 ـ الصواعق المُحرِقة: 132 .

2 ـ المائدة : 44 .

3 ـ المائدة : 45 .

4 ـ المائدة : 47 .


الصفحة 144

لمَّا بدتْ تلك الحمولُ وأشرقتْ      تلك الرؤوس على شَفا جيرونِ

نعِبَ الغرابُ فقلتُ قلْ أو لا تقلْ    فقدِ اقتضيتُ مِن الرسولِ دُيوني

قال السيِّد عبد الرزَّاق المُقرَّم ( رحمه الله ) : ومِن هنا حكم ابن الجوزيّ والقاضي أبو يعلى والتفتازانيّ والجلال السيوطيّ بكُفره ولعنه .. ( 1 ) .

كيف ؟!

* قال الآلوسي : أراد يزيد بقوله : ( فقد اقتضيتُ مِن الرسول دُيوني ) ، أنَّه قتلَ بما قتله رسولُ الله ( صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم ) يوم بدر ، كجدِّه عتبة وخاله وغيرهما ، وهذا كُفرٌ صريح . ومثلـُه تمثُّلُه بقول ابن الزّبعرى قبل إسلامه ( ليت أشياخي .. ) الأبيات ( 2 ) .

ولكن .. ما هي أبيات ابن الزبعرى تلك ياتُرى ؟!

لمَّا جيء بالسبايا إلى الشام ـ بعد قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) ـ وأُدخلت إلى قصر يزيد ، أخذ هذا يتمثَّل بأبيات عبد الله الزّبعرى :

ليت أشياخـي ببـدرٍ شهدوا      جزَعَ الخزرج مِن وقْع الأسَلْ

ــــــــــــــــــــــ

1 ـ مقتل الحسين ( عليه السلام ) : 348 ، للسيِّد عبد الرزَّاق المُقرَّم ـ فصل في الشام .

2 ـ تفسير روح المعاني 26: 73 ، في ظل الآية : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ... ) 22: مِن سورة محمّد ( صلَّى الله عليه وآله ) .


الصفحة 145

لأهلُّـوا واستهلُّـوا فرَحــاً    ثـمَّ قالـوا يا يـزيدُ لا تُشَلْ

قد قـتلنا القِـرْم مِن ساداتهم    وعـدلناه ببـدرٍ فـاعتــدلْ

لعِبـتْ هاشـمُ بالمُـلكِ فلا     خبَـرٌ جـاء ولا وحـيٌ نزلْ

لستُ مِن خِندفَ إنْ لم أنتقـمْ    مِن بني أحمدَ ما كـان فعـَلْ

فسمعتْه زينب بنتُ عليّ ( عليهما السلام ) فقامت ، وقالت : الحمد لله ربِّ العالمين ، وصلَّى الله على رسوله وآله أجمعين . صدق الله سبحانه حيث يقول : ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) ( 1 ) .

أظننتَ ـ يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأُسارى .. أنَّ بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة ، وأنَّ ذلك لعِظم خطرِك عنده ؟! فشمخت بأنفك ، ونظرت في عِطفك جذلانَ مسروراً ، حيث رأيتَ الدنيا لك مُستوسقة ، والأُمور مُتَّسقة ، وحين صفا لك مُلكُنا وسلطاننا ، فمهلاً مهلاً ، أنسيتَ قول الله تعالى : ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) ( 2 ) .

أمِن العدل ـ يا بنَ الطُلقاء ـ ! تخديرُك حرائرَك وإماءك ، وسوقُك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكتَ ستورَهنّ ، وأبديت وجوهَهنّ ؟!

ـــــــــــــــــــ

1 ـ الروم : 10 .

2 ـ آل عمران : 178 .


الصفحة 146

تحدو بهنَّ الأعداءَ مِن بلدٍ إلى بلد ، ويستشرفهنَّ أهلُ المناهل والمعاقل ، ويتصفَّح وجوهَنَّ القريب والبعيد ، والدنيُّ والشريف ، ليس معهنَّ مِن حُماتهنَّ حميٌّ ، ولا مِن رجالهنَّ وليٌّ ؟!

وكيف يُرتجى مُراقبة مَن لفظَ فُوهُ أكبادَ الأزكياء ، ونبت لحمُه مِن دماء الشهداء ؟! وكيف يُستبطأ في بُغضنا ـ أهل البيت ـ مَن نظر إلينا بالشنف و الشنآن ، والإحن والأضغان ؟! ثمَّ تقول ـ غيرَ مُتأثِّم ، ولا مُستعظِم ـ :

لأهلُّوا واستهلُّوا فرحاً     ثمَّ قالوا يا يزيدُ لا تُشلْ

مُنحنياً على ثنايا أبي عبد الله ، سيِّد شباب أهل الجنَّة ، تنكتها بمِخصرتك !! ( 1 ) . وكيف لا تقول ذلك وقد نكأتَ القرحة ، واستأصلت الشأفة بإراقتك دماءَ ذُرِّيَّة محمّد ( صلَّى الله عليه وآله ) ، ونجومِ الأرض مِن آل عبد المُطَّلب ؟! وتهتف بأشياخك زعمتَ أنَّك تُناديهم ، فلَتَرِدَنَّ وشيكاً مَوردَهم ، ولَتودَّنَّ أنَّك شُللتَ وبُكمت ، ولم تكن قلتَ ما قلت ، وفعلتَ ما فعلت !

فواللهِ ، ما فريتَ إلاَّ جِلْدَك !! ولا حززتَ إلاَّ لحمَك !! ولَتَرِدَنَّ على رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) بما تحمَّلتَ مِن سفك دماء ذُرِّيَّته ، وانتهكتَ مِن

ــــــــــــــــــــــ

1 ـ المِخصرة كالسوط وشِبهه .


الصفحة 147

حُرمته في عِترته ولُحْمَته ، حيث يجمع الله شملَهم ، ويلمُّ شعثَهم ، ويأخذ بحقّهم ، ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ( 1 ) .

وحسبُك باللهِ حاكماً ! وبمحمّدٍ ( صلَّى الله عليه وآله ) خصيماً ! وبجبرائيل ظهيراً ! وسيعلم مَن سوَّل لك ومكَّنك مِن رقاب المسلمين .. بئس للظالمينَ بدَلاً ، وأيُّكم شرٌّ مكاناً وأضعفُ جُنْداً .

ولئن جرَّت علَيَّ الدواهي مُخاطبتَك .. إنِّي لأستصغر قَدْرَك ، وأستعظم تقريعَك ، وأستكثر توبيخك . لكنَّ العيون عبرى ، والصدور حَرَّى .

ألا فالعجبُ كلُّ العجب ! لقتل حزبِ اللهِ النجباء ، بحزب الشيطانِ الطلقاء . فهذه الأيدي تَنطِف مِن دمائنا ، والأفواه تتحلَّب مِن لحومنا ، وتلك الجُثث الطواهر الزواكي تنتابُها العواسل ، وتعفِّرها أُمَّهات الفراعل .

ولَئنِ اتَّخذتَنا مَغْنماً ، لَتجدنُا وشيكاً مَغرَماً .. حين لا تجد إلاَّ ما قدَّمت يداك ! وما ربُّكَ بظَلّامٍ للعبيد ! وإلى الله المُشتكى وعليه المُعوَّل !

فكِدْ كيدَك ، واسْعَ سعيَك ، وناصِبْ جهدَك ! فواللهِ ، لا تمحو ذِكْرَنا ! ولا تُميت وحيَنا ! ولا يُدحض عنك عارُها ! وهل رأيُك إلاَّ فَنَد ؟!

ــــــــــــــــــــ

1 ـ آل عمران : 169 .  


الصفحة 148

وأيَّامُك إلاَّ عَدَد ؟! وجمعُك إلاَّ بَدَد ، يوم يُنادي المُنادي : ألا لعنةُ اللهِ على الظالمين !!

والحمد لله ربِّ العالمين ، الذي ختم لأوَّلنا بالسعادة والمَغفرة ، ولآخرِنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أنْ يُكمل لهمُ الثواب ، ويُوجِبَ لهمُ المزيد ، ويُحسن علينا الخلافة إنَّه رحيمٌ ودود ، وحسبُنا الله ونعم الوكيل !

فقال يزيد :

يا صيحةً تُحــمَدُ مِن صوائح     ما أهونَ النوحَ على النوائح ( 1 )

نعود إلى أبيات ابن الزّبعرى ، وقد أنشدها يزيد بن معاوية مُنتشياً ، فنقرأ ما كُتب في محتواها :

قال الأُستاذ أحمد المكَّي :

1ـ تمنَّى يزيد حضور أجداده وكبار المُشركين ، الذين قُتلوا في وقعة ( بدر الكبرى ) حين سلُّوا سيوفهم في وجه رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ، وقصدوا قتله وإبادة كلِّ المسلمين ومحو الإسلام .. هؤلاءِ الذين قال القرآن عنهم : ( ... أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ... ) يتمنَّى يزيد لو كانوا أحياءً ولم يُقتلوا ، حتَّى يشهدوا وينظروا جزعَ أهل بيت رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) في مُصيبتهم

ــــــــــــــــــــــ

1 ـ البداية والنهاية ، لابن الأثير 8 : 192 . والملهوف : 102 . ومقتل الحسين ( عليه السلام ) ، للخوارزميّ 2 : 66 . وشرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 3 : 383 . وأعلام النساء ، لعمر رضا كحالة 1 : 504 .


الصفحة 149

بابن رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) .. الحسين ( عليه السلام ) .

2ـ إبداء فرحة بقتل القِرم مِن سادات أهل البيت ، الذين أذهب الله عنهمُ الرجسَ وطهَّرهم تطهيراً .

3ـ انتقامه مِن الرسول ( صلَّى الله عليه وآله ) بقتل أهل بيته إزاء قتل الرسول ( صلَّى الله عليه وآله ) للمُشركين في ( وقعة بدر ) ، وأنَّ هذه بتلك .

4ـ تسمية النبوَّة والسفارة الإلهيَّة بـ ( المُلْك ) ، إنكاراً للرسالة والرسول .

5ـ توصيف أتعاب النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله ) ، وما لاقاه في سبيل الدعوة إلى الله مِن العَنَت والمصائب .. ( اللّعِب ) .

6ـ إنكار الوحي المُعجِز ( القرآن الكريم ) .

7ـ تكذيب إخبار الله تعالى نبيَّه بما أخبره به .

8ـ افتخار ( يزيد ) بانتسابه إلى ( خِندف ) ، وما خندف إلاَّ امرأة جاهليَّة ، إيغالاً منه في إحياء آثار الجاهليَّة .

9ـ إظهار ( يزيد ) حقدَه الدفين على رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ، وانتقامَه مِن أولادِ أشرف الأوَّلين والآخرين ، لما فعله رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) بأشياخه يوم بدر وأُحد وحُنين والأحزاب ، حيث لم يُمكنه الانتقام مِن شخص رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ( 1 ) .

ـــــــــــــــــــــ

1 ـ يزيد بن معاوية فرع الشجرة الملعونة : 77 ـ 78 .


الصفحة 150


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net