متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
وفاته ، مَن كان وراء ذلك ؟
الكتاب : شخصيات ومواقف    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

عودة :

والآن .. نعود إلى مروان بن الحكم ـ مَرَّةً أُخرى ـ ونسائلُه عن طلبه مِن معاوية الثاني أنْ يجعل الخلافة على نهج السُّنَّة العُمريَّة ، أو عن توبيخه لماذا لم يجعلها سُنَّة عُمريَّة ؟ أو عن حَثِّه ـ إنْ كان هناك فُسحة مِن الوقت والحال ـ أنْ يجعلها سُنَّة عُمريَّة .. ماذا يقصد مروان بالسُّنَّة العُمريَّة ؟

ولَنِعْمَ ما أجابه معاوية الثاني : أُغدُ عنِّي ، أعن ديني تخدعني ؟! ( 1 ) وقد قيل له ـ كما يُروى  : اعْهَدْ إلى مَن أحببتَ ، فإنَّا له سامعون مُطيعون . فقال : أتزوَّد مرارتَها وأتركها لبني أُميَّة حلاوتَها ؟!.

فقال له مروان بن الحكم : سُنَّها فينا عُمريَّة ! قال ( معاوية الثاني ) : ما كنت أتقلَّدُكم حيَّاً وميِّتاً .. ( 2 ) .

فتبرَّأ مِن الوضع الفاسد الظالم ، الذي كان عليه آل أبي سفيان ، وتنزَّه عن أنْ يُدخل نفسه في أمرٍ يُسأل عنه غداً ، ويتحمَّل مسؤوليَّتَه أمام الله تعالى وأمامَ الناس .

قال ما قال ، ثمَّ عمِل بما قال .. فقد ذهب إلى بيته ولم يخرج ، وسدَّ الباب في وجه مَن يُريد أنْ يُعاتبه أو يُقنعه بالعودة إلى الخلافة ، ولم يخرج مِن منزله ذلك حتَّى أُخرج ميِّتاً .

ـــــــــــــــــــــ

1 ـ حياة الحيوان 1 : 88 .

2 ـ كما جاء في تاريخ اليعقوبي 2 : 254 .


الصفحة 202

* قال ابن حجر : ولم يخرج ( معاوية الثاني ) إلى الناس ، ولا صلَّى بهم ، ولا أدخل نفسَه في شيءٍ مِن الأُمور .. ( 1 ) . بعدها قال : ثمَّ تغيَّب في منزله حتَّى مات بعد أربعين يوماً ـ كما مرَّ  ـ فرحمه الله .. ( 2 ) .

 

وفاته :

اتَّفقت أكثرُ المصادر على أنَّ ( معاوية الثاني ) مات بعد خلع الخلافة ودخوله منزله بأربعين يوماً ، أو أربعين ليلة . هذا ما أكَّده ابن حجر ، فقال : ثمَّ تغيَّب في منزله حتَّى مات بعد أربعين يوماً ( ـ كما أسلفنا قبل قليل )  .

* يذكر البلاذريّ أكثر مِن رأي ، فيقول : حُدِّثتُ عن ابن الكلبيّ أنَّه قال : وليَ أبو ليلى معاوية بن يزيد أربعين يوماً ، وتُوفِّي وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وثمانية عشر يوماً . وقبلها قال البلاذريّ : وكان موته سنة أربعٍ وستِّين وهو ابن تسع عشرة سنة . ويُقال : ابن عشرين . ويُقال : ابن ثماني عشرة سنة . ويُقال : ابن إحدى وعشرين سنة ، ودُفِن بدمشق ( 3 ) .

الدميريّ هو الآخر ينقل أكثر من رأي في هذا الأمر ، فيقول :

ـــــــــــــ  

1 ـ الصواعق المُحرقة : 134 .

2 ـ الصواعق المُحرقة : 134 .

3 ـ أنساب الأشراف 5 : 380 ( طبعة دار الفكر ـ بيروت).


الصفحة 203

وتُوفِّي معاوية بن يزيد ( رحمه الله ) بعد خلعه نفسَه بأربعين ليلة ، وقيل : بسبعين . وكان عمره ثلاثاً وعشرين سنة . وقيل : إحدى وعشرين سنة . وقيل : ثماني عشرة .. ولم يُعقِّب ( 1 ) .

فيما رأى الشيخ المُفيد أنَّ عمره يوم وفاته كان إحدى وعشرين سنة ( 2 ) ، ويرى اليعقوبيُّ غيرَ ذلك ، فيقول : وتُوفِّي وهو ابن ثلاث وعشرين سنة ( 3 ) .. ثمَّ يقول : ودُفِن بدمشق ، وكان بها ينزل ( 4 ) .

بينما رأى المُحدِّث القُمِّيّ أنَّ ( معاوية الثاني ) قد ودَّع الدنيا وعمره اثنتان وعشرون سنة ( 5 ) .

إذاً .. لا يتعدَّى عمرُه أنْ يكون ما بين الثمانية عشر عاماً والثالثة والعشرين عاماً ، وهو عمر ـ كما نعلم ـ قصيرٌ جدَّاً ، يُشَكُّ أنَّه لم ينتهِ بالقتل . لا سِيَّما وأنَّ معاوية الثاني كان مُعارضاً ـ بشدِّةٍ ـ للبيت الأُمويّ وهو منه ، وكان جريئاً ـ كما بيَّنا  ، فهو لا يخشى أنْ يذكر مثالبَ ومخازي هذه الأُسرة الحاكمة بشكل دقيق ، لا سِيَّما ما كان في سيرة جَدِّه معاوية وأبيه يزيد بن معاوية .

ـــــــــــــــــــــ

1 ـ حياة الحيوان 1 : 89 . ولم يُعقِّب : أيْ لم يكن له نسل وذريَّة .

2 ـ الاختصاص : 131.. قال : هلك معاوية بن يزيد وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وولي الأمر أربعين ليلة .

3 ـ تاريخ اليعقوبي 2 : 254 .

4 ـ تاريخ اليعقوبيّ 2 : 254 .

5 ـ تتمَّة مُنتهى الآمال : 48 .


الصفحة 204

فهو رجلٌ مُعارض .. فإذا كان قد ختم الأمر بأنْ خلع نفسه وانزوى في داره ، وربَّما في غرفته ، حيث لا يرغب في مُعاشرة أُسرته كما لا ترغب هي في مُعاشرته ، فإنَّ فضيحة آل أبي سفيان لم تنتهِ بعد . فقد شرخ فيها ( معاوية الثاني ) شرخاً كبيراً بعد أنْ كشف عن جرائمها ، ومنها سرقتها للخلافة وليست هي بجديرةٍ بها .

ثمَّ إنَّ القلوب لا تزال عليه ناقمة حاقدة ، ولا يُشفي غليلَها إلاَّ الانتقام . وما الضمان إذا كبُر ( معاوية الثاني ) قليلاً ، وتهيَّأت بعضُ الفرص أنْ يُشارَ إليه فيُحتجَّ به أنَّه رمز المُعارضة للبيت الأُموي ، وقد يكون ذريعةً للبعض أنْ ينتفض باسمه ويجعله شعاراً يضرب به آل أُميَّة مِن داخلهم .

ثمَّ أين نحن مِن مروان بن الحَكَم ومكائده ، وهو الماكر الذي لا تُرى أفعاله حتَّى لُقِّب بـ ( خيط الباطل ) ؟! أفلا يُظَنُّ أنَّه قد مَدَّ إليه أصابع الخنق أو أظفار السمِّ ، فقضى عليه ؟! وإلاَّ .. فشابٌّ في العشرين مِن عمره ، يموت ولا يُعلم سببٌ لموته ، وهو الماكث في بيت قد كشف القناعَ عن وجهه الإجراميِّ الآثم ، كيف يُترك ويُخلَّى عنه ؟!

ولهذا وذاك .. يرى البعض أنَّ معاوية الثاني قد اغتيل وقُتِل سِرَّاً داخل منزله ، ثمَّ دُفن وقُبِر ذِكْرُه . هكذا أراد له أهلُه وذووه ـ كما يُظنُّ ـ .. لا سِيَّما وأنَّ بعض المصادر تذكر أنَّ ( معاوية الثاني ) قد مات مسموماً .


الصفحة 205

منها : كتاب ( مروج الذهب ) ( 1 ) ، في الجزء الثالث ، على الصفحة 82 ما نصُّه : وقد تُنوزع في سبب وفاته ، فمنهم مَن رأى أنَّه سُقي شربة ، ومنهم مَن رأى أنَّه مات حتف أنفه ، ومنهم مَن رأى أنَّه طُعِن ، وقُبض وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ، ودُفِن بدمشق ، وصلَّى عليه الوليد بن عُتْبة بن أبي سفيان ؛ ليكون الأمر له مِن بعده ، فلمَّا كبَّر الثانية طُعِن فسقط ميِّتاً قبل تمام الصلاة ..

ومنها : كتاب ( مجالس المؤمنين ) ( 2 ) ، في الجزء الثاني ، على الصفحة 252 ، ما ترجمته : ( وأخيراً قتلوه بالسمّ ...

ومنها : كتاب ( مُنتهى الآمال ) ( 3 ) ، التتمَّة / على الصفحة 49 ، ما ترجمته : ( وقال البعض : إنَّه سمّوه بشربةِ زهر ، بعد ذلك أراد ( الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ) أنْ يُصلِّيَ على جنازته ـ وكان الوليد هذا طامعاً بالخلافة  ـ فلمَّا كان في التكبيرة الثانية طُعن فأُلحق بمعاوية ، فصلَّى عليه غيره ، ودُفِن بدمشق .. وبدفنه انقرضت سلطة أل أبي سفيان ، وانتقلت إلى آل مروان .

وليس غريباً على بني أُميَّة أنْ يقتلوا ولدَهم ( معاوية الثاني ) وهُمْ

ــــــــــــــــــ

1 ـ للمسعوديّ أبي الحسن عليّ بن الحسين .

2 ـ للقاضي الشهيد السيِّد نور الله التستريّ ( رحمه الله ) .

3 ـ للمُحدَّث الشيخ عبّاس القُمِّيّ ( رحمه الله ) .


الصفحة 206

يَرون أنَّه خانهم وفضحهم ، وقضى على مُلكهم ( 1 ) . وكان مِن انفعالهم أنْ عمدوا إلى مؤدِّبه فقتلوه .

* يقول الّدَميريّ : .. ثمَّ إنَّ بني أُميَّة قالوا لمؤدِّبه ( عمر المقصوص ) : أنت علَّمته هذا ولقَّنتَه إيَّاه ، وصددتَه عن الخلافة ، وزيَّنتَ له حُبَّ عليٍّ وأولاده ، وحملتَه على ما وسمَنا به مِن الظلم ، وحسَّنتَ له البِدعَ حتَّى نطق بما نطق ، وقال ما قال ؟!! فقال : واللهِ ، ما فعلتُه .. ولكنَّه مجبول ومطبوعٌ على حُبِّ عليٍّ . فلم يقبلوا منه ذلك ، وأخذوه ودفنوه حيَّاً حتَّى مات ( 2 ) . ولا يخفى أنَّ للتربية أثرَها البالغ .

ورُويَ بما يقرب مِن ذلك : .. وكان له مودِّبٌ يميل إلى عليٍّ ، فظنَّ به آلُ أبي سفيان أنَّه دعاه إلى هذه الخُطبة ، فأخذوه بعد موته ( أيْ بعد موت معاوية الثاني ) فدفنوه حيَّاً ( 3 ) .

كما رُوي أنَّه بعد خلع معاوية بن يزيد نفسَه مِن الخلافة .. جاء جماعة مِن بني أُميَّة إلى ( عمر بن المقصوص ) ( 4 ) مؤدِّبِه ، فقالوا له : أنت الذي علَّمتَه حُبَّ عليٍّ وبُغض أُميَّة ؟! فقال : ليس هكذا ، لكنَّه

ــــــــــــــــــ

1 ـ وإنْ كنَّا نحتمل أنَّ مروان هو الذي دبَّر قتله ، لا سِيَّما وقد لاحت له الخلافة ، ولم يبقَ أحد يُزاحمه عليها ، فوثب ومكر .

2 ـ حياة الحيوان 1 : 89 .

3 ـ أدب الطفِّ 3 : 13 ـ 14 .

4 ـ وفي نسخة أُخرى : عمر القوصيّ .


الصفحة 207

جُبل على ذلك . فلم يسمعوا قوله ، فأخذوه ودفنوه حيَّاً ( 1 ) .

 

مَن كان وراء ذلك ؟

يرى البعض أنَّ هداية ( معاوية الثاني ) واستبصاره كان على يد مؤدِّبه ومُعلِّمه ( عمر المقصوص ) ، الذي يُظَنُّ أنَّه كان شيعيَّاً موالياً للإمام عليٍّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ( 2 ) . فقد أنفذ الولاءَ والولاية إلى قلب ( معاوية الثاني ) ، وبيَّن له فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ومثالب أعدائهم م\ن آل بني أُميَّة وغيرهم .

على أنَّ ابن فهد الحِلِّيّ رأى أنَّ الذي كان وراء خلع ( معاوية الثاني ) نفسَه هو ما طرق سمعه مِن حديث جرى بين جَوارٍ له في قصره .. يقول ( رضي الله عنه ) : وقيل : إنَّ السبب المُوجِبَ لنزول معاوية بن يزيد بن معاوية عن الخلافة أنَّه سمع جاريتينِ له تتباحثان ، وكانت إحداهما بارعة الجمال ، فقالت الأُخرى لها : قد أكسبكِ جمالُك كِبْرَ الملوك . فقالت الحسناء : وأيُّ مُلْكٍ يُضاهي مُلْكَ الحُسْن ؟! وهو قاضٍ على الملوك فهو الملْكُ حَقَّاً . فقالت لها الأُخرى : وأيُّ خيرٍ في المُلك .. وصاحبُه إمَّا قائمٌ بحقوقه ، وعامل بشكرٍ فيه ، فذاك مسلوب اللَّذَّة والقرار ، مُنغَّص العيش . وإمَّا مُنقاد لشهواته ، ومُؤْثِرٌ

ـــــــــــــــــ

(1) ـ كما يرى الشهيد السيِّد نور الله القاضي التستريّ ، حيث يعدُّه مِن علماء الشيعة ، يُراجع كتابه ( مجالس المؤمنين 2 : 252 ) .

(2) ـ عُدَّة الداعي ونجاح الساعي ، لابن فهد الحلِّيّ : 124 ـ 125 .


الصفحة 208

لِلذَّاته ، مُضيِّع للحقوق ومُضرِب عن الشكر ، فمصيره إلى النار .

فوقعت الكلمة في نفس معاوية موقعاً مؤثِّراً ، وحملته على الانخلاع مِن الأمر ، فقال له أهله : اعهدْ إلى أحدٍ يقوم بها مكانك ، فقال : كيف أتجرَّع مرارة فقْدِها ، وأتقلَّد تبِعةَ عهدها ؟! ولو كنتُ مُؤْثراً أحداً لآثرتُ بها نفسي . ثمَّ انصرف وأغلق بابه ولم يأذن لأحدٍ ، فلبث بعد ذلك خمساً وعشرين ليلةً ثمَّ قُبِض .

ورُوي أنَّ أُمَّه قالت له ـ عندما سمعت منه ذلك ـ : ليتك كنتَ حِيضة ! فقال : ليتني كنتُ كما تقولين ، ولا أعلم أنَّ للناس جنَّةً ولا ناراً ( 1 ) .

وأنْ كنَّا نرى أنَّ هذا هذا كان هو العاملَ الوحيد أو الأهمَّ في دفع ( معاوية الثاني ) إلى خلع نفسه عن الخلافة . ودليلُنا ما جاء في خُطبته مِن بيانٍ لأسباب ترك الأمر .. وقد تضمَّن الخشيةَ مِن الله تعالى ، والورعَ في مُنازعة الإمامةِ أهلَها والتنزُّه عن استلام إمرةٍ ورثها عن الظالمين والمُفسدين ، والإشارة إلى مَن هُمْ أَولى بالأمر مِن غيرهم ، وهُمْ أهل البيت ( عليهم السلام ) .

مع أنَّ هذا الحادث لا يتعارض مع سابقه مِن تأثير مُعلِّمه ومؤدِّبه ( عمر المقصوص ) في عقيدته ، وإقناعه بأنَّ بني أُميَّة غاضبون للخلافة التي هي مِن حقِّ آل الرسول ( صلَّى الله عليه وآله ) . كما لا تُعارض رواية ابن

ــــــــــــــــــــ

1 ـ تتمَّة مُنتهى الآمال : 49 .


الصفحة 209

فهد الحلِّيّ ( رضي الله عنه ) مع مَن يرى أنَّ فطرةَ ( معاوية الثاني ) كانت مُستعدَّة لتلقِّي العقيدةِ الحقَّة والآراء السليمة . فكانت روحه مُستعدَّة لمَحبَّة الإمام عليٍّ وأولاده ( عليهم السلام ) ؛ لأنَّهم أهل لذلك ، لأنَّهم أهلُ الفضائل والمكارم والمناقب لا يُنازَعون عليها .. كما كانت روحه مُبغضةً لآل أبي سفيان ـ وإنْ كانوا أجدادَه وأهلَه وذويه وبني رحِمه ـ ؛ لأنَّهم أهلُ الرذائل والمثالب والمآثم والمخازي .

فجِبلَّتُه كانت لا تُحبُّ الظلم وإنْ كان في أُسرته ، بلْ كانت تُحبُّ العدل وإنْ كان في أعداء عائلته ، كانت تُحبُّ الحقَّ وأهله .. كان مَن كانوا ! وتُبغض الباطل وأهلَه .. كان مَن كانوا ! وكانت فطرتُه تكره الظالمين إلى حدٍّ تنتفضُ عليهم وإنْ رأى أنَّهم سيقتلونه ، وتُحبُّ المظلومين إلى حدٍّ تبوح بمدحهم وإنْ رأى أنَّه سيُقتل بسببهم .

وكأنَّ التقوى قد تمكَّنت مِن قلبه ، فرأى هولَ ما عليه أنْ يكون خليفةَ رسول الله ، ويُعزل عن الخلافة عليِّ بن الحسين .. ابنُ رسول الله . يتأمَّر على الناس وليس هو أعلَمهم ولا أتقاهم ، وبين ظهرانيهم عالِمُ آل محمّد ( صلَّى الله عليه وآله ) . ومَن يا تُرى يستطيع أنْ ينهض بأعباء هذه المُهمَّة الثقيلة ( الخلافة ) إلاَّ أهلُها ؟! ومَنِ اختارَهم اللهُ تعالى لها ! ( 1 ) ،

ـــــــــــــــــــ

1 ـ يُراجَع في الإمامة والإمام : أصول الكافي ، للشيخ الكليني 1 : 154 ـ باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته .


الصفحة 210

وأنَّ الذي يُنازعهم عليها لظَلوم جَهول ، فالله تعالى يقول ـ ولَنِعْمَ ما يقول  : ( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) ( 1 ) . تلك الأمانة هي الإمامة ، أو هي الولاية .. مَن ادَّعاها بغير حقٍّ فقد كفر .

وكأنَّ ( معاوية الثاني ) هالَه أنْ يدَّعي الإمامة ، وعظُم عليه أنْ يُنادى بأمير المؤمنين ، وخليفة المسلمين . فأين هو مِن هذا ؟! وما أهَّله لمثل هذا ؟! وماذا سيُجيب ربَّه إذا سأله عن كلِّ هذا ؟!

لذا نُقل عنه أنَّه عندما تذكَّر ما خلَّفه مِن الجرائم أبوه يزيد ، وما أورثه مِن الخلافة المغصوبة مِن أهلها جدُّه معاوية .. بكى بكاءً شديداً وهو على المنبر ، وبكى بكاءً حارَّاً بعد أنْ نزل عن المنبر ، وبكى بكاءً مُرَّاً بعد أنْ دخل منزله . وحين قالت له أُمُّه : ليتكَ كنتَ حِيضةً ولم أسمع بخبرك ! قال لها ـ بلهفة المُتمنِّي ـ : وددت ـ واللهِ ـ ذلك . ثمَّ قال : ويلي إنْ لم يرحمْني ربِّي ! ( 2 ) . وكان قد ذكَّر أُمَّه بالآخرة ، .. فأرشدها ، وبرَّر موقفه لها ، فقال لها :أماعلمت أنَّلله تعال ناراً يُعذِّب بها مَن عصاه وأخذ غير حقِّه ؟! ( 3 ) . ويعني الخلافة . فالحياة ليست مُلكاً يُستأثر به وحسب ، فهناك موت .. وهنالك بعث وقيامةٌ وحساب ، وهنالك أشدُّ العقاب ، وأمرُّ العذاب .

ـــــــــــــــــــــ

1 ـ الأحزاب : 72 .

2 ـ حياة الحيوان 1 : 89 .

3 ـ أدب الطفِّ 3 : 13 .


الصفحة 211


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net