متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الخاتمة
الكتاب : شخصيات ومواقف    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

الخاتمة

وها نحن على مشارف نهاية هذا الحديث .. رأينا أنْ نقف وقفة وجيزة . حيث أحببنا أنْ نقول : إنَّ هنالك قُدرتين مصدرهما واحد :

القُدرة الإلهيَّة : وهي ذاتيَّة .. فالله تعالى هو القادر على كلِّ شيء ، وهو سبحانه يقضي ويحكم بما يشاء كيف يشاء ، وله في كلِّ ذلك غاية وحكمة وإرادة .

والقُدرة الثانية : هي القُدرة البشريَّة ( أو قدرة الاختيار ) .. وهي مِن الله الخالق البارئ جلَّت عظمتـُه ، وتتحرَّك هذه القدرة ضمن دائرة المشيئة الربَّانيَّة ، لا تخرج عنه . فالإنسان .. لا يحكمه الجبرُ في كلِّ حالاته ، ولا يُرخِّصه التفويضُ في جميع شؤونه . إنَّما هو في شأن ( لا جبرَ ولا تفويض ، ولكنْ أمرٌ بين الأمرين ) .

فصحيح .. أنَّ الإنسان لا اختيار له في مَن يكون أبوه أو مَن تكون أُمُّه ، كما لا اختلاف في خلقته ومُحيطه وبيئته . وما لا اختيارَ له فيه لا يُحاسَبُ عليه . ولكنْ .. للإنسان اختياراتُه الكثيرة ، وهي تعتمد على قدرة الله تعالى ، وعلى إخلاص العبد وسعيه .


الصفحة 236

فيستطيع المرء أنْ يختار العقيدة الحقَّة والمذهبَ الصحيح ، إذا أراد ، وإذا توكَّل على القدرة الإلهيَّة اللا مُتناهية ، وتوسَّل إلى الله عزَّ شأنُه بالوسائل الشريفة ، واتَّجه إلى ربِّه لا يميل إلى أحدٍ سواه ، وتوجَّه بقلبٍ مُخلص مُتجرِّدٍ عن التعصُّبات العمياء . فحاشا لله ـ وهو الرؤوف الرحيم ـ أنْ يُسْلِمه إلى أعاصير الشيطان ، ووساوسه وأضاليله . وسبحان الله ـ هو القادر القدير ـ أنْ يعجز عن انتشاله مِن مزالق الهلاك والغواية .

يقول الله عزَّ مِن قائل ـ في مُحكم كتابه المجيد ـ : ( بسم الله الرحمنِ الرحيم * ... * قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ( ۱ ) .. قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( يعني المؤمنَ مِن الكافر ، والكافرَ مِن المؤمن ) ( ٢ ) .

وفي تفسير القُمِّيّ .. في ظِلِّ قوله تعالى : ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ) ( 3 ) . عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ( .. يُخرج المؤمنَ مِن الكافر ،

ـــــــــــــــــــــ

۱ ـ آل عمران : 26 ، 27 .

٢ ـ تفسير نور الثقلين 1 : 325ح 80 .

3 ـ الروم : 19 .


الصفحة 237

ويُخرج الكافرَ مِن المؤمن .. ) ( 1 ) .

أجل .. فما عذرُ الكافر وقد تجلَّت أمامَه حقائق الإيمان ، وما عذرُنا وقد رأينا أنَّ كثيراً وكثيراً جِدَّاً مِن المؤمنين .. قد وُلدوا أو نشأوا أو عاشوا في مُحيطات الكفر والضلالة والانحراف ، فصانوا أنفسهم وتثبَّتوا على التوحيد وآمنوا بالله ورسوله ، وصدعوا بالحقِّ ورفعوا الحقائق ، وحاججوا بالخير والصواب والفضيلة والهداية . حتَّى أُوذوا في الله ، وعانَوا ما عانوا في سبيل الله ، فمنهم مَن قضى نحبَه صابراً شهيد ، ومنهم مَنِ انتظر صابر ، حتَّى وفَّاه اللهُ أجلَه فانقلب إلى ربِّه مسروراً .

وهنا نتساءل .. إذاً ، أين القهرُ الاجتماعيّ والمُحيطيّ الذي يتذرَّع الجبريَّة بأنَّه حاكمٌ على الجميع ؟! وأين هُمْ مِن مؤمن آل فرعون وزوجته .. ومِن آسية امرأةِ فرعون .. ومِن فِتْية الكهف .. ومِن سلمان الفارسي المحمدي وبلال الحبشي ، والسيِّد الحِمْيريّ .. ومِن معاوية الثاني ، وغيرهم ؟!

إنَّ هؤلاءِ أمسَوا شواهدَ وحُججاً على مَن يقول بالقهر الاجتماعيّ والحَتْم الوراثيّ والقاهر المُحيطيّ . وأصبح هؤلاءِ حُجَّةً علينا جميعاً أنَّ الإنسان يستطيع ـ بلُطفِ الله ورحمته وجميل عنايته ـ أنْ يكسر أطواق الضَلال ويعيش حُرَّاً في داخله لا يخضع لأصنام

ـــــــــــــــــــ

1 ـ تفسير القُمِّيّ ج2 ، في ظِلِّ الآية الكريمة .


الصفحة 238

الشرك والإلحاد ، ولا يميل مع عواصف الأهواء والمفاسد .

إنَّ الحياة ذات ابتلاءات وامتحانات .. واللهُ تبارك وتعالى ـ وقد أقام علينا حُجَجَه البالغة ـ يختبرنا ويبتلينا ليُميِّزن ، وهو القائل جَلَّ وعلا : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) ( 1 ) . فإنَّما هو امتحان ، يُراد له : الثبات على الإيمان ، والتقوى ، والصبر والإحسان .. حينذاك يكون العبد في حِصن الله تعالى ، ومَنْ كان في حصن الله عزَّ وجلّ أمِنَ ونجا ، وكيف إذا كان الله معنا على أنْ نكونَ نحن معه ؟! وهو القائل جلَّت آلاؤه : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) ( 2 ) .

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) ( 3 ) .

فالأمر يتطلَّب الجهاد ، والصبرُ مِن الجهاد ، والإيمانُ يُعطي ذلك كلَّه . ومِن الإيمان أنْ نُسلِّمَ لله تعالى تسليماً ، فنرضى بقِسَمِه ، ولا نعترضُ على قضائه ، ولا نتبرَّمُ مِن بلائه أو ابتلائه ، بلْ نُحسن الظنَّ بما يقضي ويشاء ، فهو الحكيم .. وكان مِن حكمته جلَّت عظمتُه أنْ

ـــــــــــــــــــ

1 ـ العنكبوت : 2 ، 3 .

2 ـ النحل : 128 .

3 ـ العنكبوت : 69 .


الصفحة 239

يُخرج الحيَّ مِن الميّت ، فكان معاوية الثاني مِن صُلب يزيد ، كما كان السيّد الحميريّ مِن أبوينِ ناصبيّين ، وسلمان الفارسيّ المحمّديّ مِن أبوَينِ مجوسيّينِ ضالّين ، كما كان فتيةُ الكهف يعيشون في جوِّ الإلحاد ، وكذا مؤمن آل فرعون ( حزقيل ) وزوجته ، وامرأة فرعون .. وكثيرٌ ممَّن انتفض على الضلال وهو في أجوائه ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )( 1 ) .

فلم يُجبرِ الله تعالى أحداً على الهداية ، فيتعذَّرَ أهلُ الضلال أنَّ الله أجبرهم على الغواية . وإنَّما هو الامتحان . . يفوزُ به المُحسنون إلى أنفسهم ، المُختارون لها أسبابَ السعادة الدائمة والنعيم المُقيم . كتب رجلٌ إلى أبي ذَرٍّ ( رحمه الله ) : يا أبا ذرّ ، أطْرِفْني بشيءٍ من العلم . فكتب إليه : إنَّ العلم كثير ، ولكنْ إنْ قدرت أنْ لا تُسيء إلى مَن تُحبُّه ، فافعلْ . فقال له الرجل : وهل رأيتَ أحداً يُسيء إلى مَن يُحبُّه ؟! فقال له : نعم ، نفسُك أحبُّ الأنفس إليك ، فإذا أنت عصيتَ اللهَ فقد أسأتَ إليها ( 2 ) .

فهنيئاً للذين مزَّقوا شِباك الكفر وحطَّموا قيودَ العصبيَّة الجاهليَّة ، وأزاحوا عن عيونهم غشاوة الجهل .. فمضوا مؤمنين مُطمئنين !

ــــــــــــــــــ

1 ـ الأنعام : 149 .

2 ـ أصول الكافي 2 : 332 ـ باب مُحاسبة العمل ح20 ، والرواية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) .


الصفحة 240

وهنيئاً للّذين قتلوا في نفوسهم حُبَّ الدنيا مِن الجاه والأموال والتكاثر والتفاخر .. فمضَوا أعزَّاء مُختارين ، سُعداء مرضيِّين .

* روي أنَّ عيسى ( عليه السلام ) كان مع بعض الحواريِّين في بعض سياحته ، فمرُّوا على بلد .. فلمَّا قربوا منه وجدوا كنزاً على الطريق ، فقال مَن معه : ائذنْ لنا ـ يا روح الله ـ أنْ نُقيم ها هنا ونحوز هذا الكنز ؛ لئلا يضيع . فقال ( عليه السلام ) لهم : ( أقيموا ها هنا ، وأنا أدخل البلد ، ولي فيه كنز أطلبه ) .

فلمَّا دخل البلدَ وجال فيه .. رأى داراً خَرِبةً فدخلها ، فوجد فيها عجوزة ، فقال له : ( أنا ضيفُكِ في هذه الليلة ، ، وهل في هذه الدار أحد غيركِ ؟ ) ، قالت : نعم ، لي ابنٌ مات أبوه وبقي يتيماً في حِجري ، وهو يذهب إلى الصحاري ويجمع الشوك ويأتي البلد فيبيعه ، ويأتي بثمنها نتعيَّش به .

فهيَّأتْ لعيسى ( عليه السلام ) بيت .. فلمَّا جاء ولدها قالت له : بعث الله لنا في هذه الليلة ضيفاً صالحاً يسطع مِن جبينه أنوارُ الزهد والصلاح ، فاغتنمْ خدمتَه وصُحبتَه . فدخل الابن على عيسى ( عليه السلام ) وخدمَه وأكرمه ، فلمَّا كان في بعض الليل .. سأل عيسى ( عليه السلام ) الغُلامَ عن حاله ومعيشته وغيرها ، فتفرَّس ( عليه السلام ) فيه آثار العقل والفطانة والاستعداد للترقِّي على مدارج الكمال ، لكنْ وجد فيه أنَّ قلبه مشغول بهمٍّ عظيم ، فقال له : ( يا غلام ، أرى قلبك مشغولاً بهمٍّ لا


الصفحة241

يبرح ، فأخبرْني به ، لعلَّه يكون عندي دواء دائك ) . فلمَّا بالغ عيسى ( عليه السلام ) قال : نعم ، في قلبي همٌّ وداء لا يقْدر على دوائه أحد إلاَّ الله تعالى . فقال : ( أخبرني به ، لعلَّ الله يُلهمني ما يُزيله عنك ) . فقال الغلام : إنِّي كنت يوماً أحمل الشوك إلى البلد .. فمررتُ بقصرِ ابنة الملك ، فنظرتُ إلى القصر فوقع نظري عليها ، فدخل حبُّها شغاف قلبي ، هو يزداد كلَّ يوم ، ولا أرى لذلك دواءً إلاَّ الموت . فقال عيسى ( عليه السلام ) : ( إنْ كنت تريدها .. أنا أحتال لك حتَّى تتزوَّجها ) .

فجاء الغلام إلى أُمِّه ، وأخبرها بقوله . فقالت أُمُّه : يا ولدي ، إنِّي لا أظنُّ هذا الرجلَ يعِد بشيءٍ لا يُمكنه الوفاء به ، فاسمعْ له وأطعْه في كلِّ ما يقول . فلمَّا أصبحوا قال عيسى ( عليه السلام ) للغلام : ( اذهب إلى باب الملِك .. فإذا أتى خواصُّ الملِك ووزراؤه ليدخلوا عليه قل لهم : أبلغوا الملِكَ عنِّي أنَّي جئتُه خاطباً كريمته . ثمَّ ائتِني وأخبرني بما جرى بينك وبين الملك ) .

فأتى الغلامُ باب الملك .. فلمّا قال ذلك لخاصَّة الملك ضحكوا وتعجَّبوا مِن قوله ، ودخلوا على الملك وأخبروه بما قال الغلام ، مُستهزئين به . فاستحضره الملك .. فلمَّا دخل على الملك وخطب ابنته ، قال الملك ـ مُستهزئاً به  ـ : أنا لا أُعطيك ابنتي إلاَّ أنْ تأتيَني مِن اللآلي والياقوت والجواهر الكبار .. كذا وكذا . ووصف له ما لا يوجد


الصفحة 242

في خزانة ملكٍ مِن ملوك الدنيا . فقال الغلام : أنا أذهب وآتيك بجواب هذا الكلام .

فرجع إلى عيسى ( عليه السلام ) ، فأخبره بما جرى . فذهب به عيسى ( عليه السلام ) إلى خرِبَةٍ كانت فيها أحجار ومدَر كبار ، فدعا الله تعالى فصيَّرها كلَّها مِن جنس ما طلب الملك وأحسن منه . فقال : ( يا غلام ، خُذْ منها ما تُريد ، واذهب به إلى الملك ) .

فلمَّا أتى الملكَ به .. تحيَّر الملكُ وأهلُ مجلسه في أمره ، وقالوا : لا يكفينا هذا . فرجع إلى عيسى ( عليه السلام ) فأخبره ، فقال : ( اذهب إلى الخَرِبَة وخُذْ منها ما تُريد ، واذهب بها إليهم ) . فلمَّا رجع بأضعاف ما أتى به أوَّلاً زادت حيرتُهم ، وقال الملك : إنَّ لهذا شأناً غريباً ! فخلا بالغلام واستخبره عن الحال ، فأخبره بكلِّ ما جرى بينه وبين عيسى ( عليه السلام ) وما كان مِن عشقه لابنته ، فعلم الملك أنَّ الضيف عيسى ، فقال : قُلْ لضيفك يأتيني ويزوِّجك ابنتي .

فحضر عيسى ( عليه السلام ) وزوَّجها منه ، وبعث الملك ثياباً فاخرة إلى الغلام فألبسها إيَّاه ، وجمع بينه وبين ابنته تلك الليلة . فلمَّا أصبحا طلب الغلامَ وكلَّمه ، فوجده عاقلاً فهِماً ذكيَّاً ، ولم يكن للملك ولد غير هذه الابنة .. فجعل الغلامَ وليَّ عهده ووارث مُلكه ، وأمر خواصَّه وأعيان مملكته ببيعته وطاعته .

فلمَّا كانت الليلة الثانية مات الملك فجأةً ، وأجلسوا الغلامَ على


الصفحة 243

سرير الملك وأطاعوه ، وسلَّموا إليه خزائنه . فأتاه عيسى ( عليه السلام ) في اليوم الثالث ليودِّعه ، فقال الغلام : أيُّها الحكيم ، إنَّ لك عَلَيّ حقوقاً لا أقوم بشكر واحدٍ منها لو بقيت أبدَ الدهر .. ولكنْ عرض في قلبي البارحة أمر لو لم تُجبني عنه لا أنتفع بشيءٍ ممَّا حصَّلتها لي . فقال : ( وما هو ؟ ) ، قال الغلام : إنَّك إذا قدرت على أنْ تنقلني مِن تلك الحالة الخسيسة إلى تلك الدرجة الرفيعة في يومين .. فلِمَ لا تفعل هذا بنفسك ؟! وأراك في تلك الثياب وفي هذه الحالة ! فلمَّا أحفى في السؤال قال له عيسى ( عليه السلام ) : ( إنّ العالِمَ بالله وبدار كرامته وثوابه ، والبصير بفَناء الدنيا وخِسَّتها ودناءتها .. لا يرغب إلى هذا المُلك الزائل وهذه الأُمور الفانية . وإنَّ لنا في قُربه تعالى ، ومعرفته ومحبَّته ، لذَّاتٍ روحانيَّةً ، لا نعدُّ تلك اللَّذاتِ الفانية عندها شيئاً ) .

فلمَّا أخبره بعيوب الدنيا وآفاتها ، ونعيم الآخرةِ ودرجاتها .. قال له الغلام : فلي عليك حُجَّةٌ أُخرى : لِمَ اخترت لنفسك ما هو أولى وأحرى ، وأوقعتَني في هذهِ البليَّة الكُبرى ؟ فقال له عيسى : ( إنّما اخترتُ لك ذلك ؛ لأمتحنك في عقلك وذكائك ، وليكون لك الثواب في ترك هذه الأُمور المُيسَّرة لك أكثر وأوفى ، وتكون حُجَّةً على غيرك ) .

فترك الغلامُ المُلك ، ولبس أثوابه البالية ، وتبع عيسى ( عليه السلام ) . فلمَّا رجع عيسى إلى الحواريِّين قال : ( هذا كنزي الذي كنتُ أظنُّه في هذا


الصفحة 244

البلد .. فوجدتُه ، والحمد لله ) ( 1 ) .

هنيئاً لمَن اختار طريق الله ، وفاز بمرضاة الله .

نسأله تعالى ذلك ، وآخِر دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، وأفضلُ الصلاة وأزكاها على المُصطفى الهادي الأمين ، وعلى آله الهُداة الميامين ، الطاهرين المعصومين .

ــــــــــــــــــــ

1 ـ بحار الأنوار 14 : 280 ـ 282 ، وذكر الثعالبيّ في ( قصص الأنبياء : 220 ـ 221 ) نحواً مِن ذلك باختصار .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net