متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
4 - مضاعفات وفاة رسول الله (ص)
الكتاب : أهل البیت تنوع أدوار و وحدة هدف    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

4 - مضاعفات وفاة رسول الله (ص)

 

اليوم نجتمع بمناسبة أعظم فاجعة مرت علي تاريخ البشرية على الطلاق.

بمناسبة الفاجعة المزدوجة التي يمثل الجزء الأول منها انقطاع الوحي في تاريخ البشرية.

هذه الظاهرة التي لم يعرف الانسان في تاريخه الطويل الطويل ظاهرة يمكن أن تماثلها وأن تناظرها في القدسية والجلال والأثر في حياة الانسان وتفكيره ويمثل الجزء الآخر من الفاجعة الانحراف داخل المجتمع الاسلامي، على يد المؤامرة التي قام بها جناح من المسلمين بعد وفاة رسول الله ( ص) فانحرف بذلك الخط عما كان مقرراً له من قبل النبي (ص) ومن قبل الله تعالى.

كان هذا اليوم المشؤوم بداية انحراف طويل ونهاية عهد سعيد بالوحي، تمثل في مائة وأربعة وعشرين ألف نبي كما في بعض الروايات وكان بداية ظلام ومحن ومآس وفواجع وكوارث من ناحية اُخرى تمثل في ما عقب وفاة رسول الله (ص) من أحداث في تاريخ العالم الاسلامي هذه الأحداث المرتبطة ارتباطاً شديداً وقوياً بما تم في هذا اليوم من الفاجعة على ما في زيارة الجامعة التي نقرؤها (بيعتهم التي عمت شؤمها الاسلام، وزرعت في قلوب الأمة الآثار وعنفت سلمانها، وضربت مقدادها، ونفت جندبها، وفتحت بطن عمارها، وأباحت الخمس للطلقاء اولاد الطلقاء وسلطت اللعناء على المصطفين الاخيار، وأبرزت بنات المهجرين والانصار الى الذلة والمهانة وهدمت الكعبة واباحت المدينة وخلطت الحلال بالحرام الى غير ذلك من الاوصاف.


{ 46 }

والجزء الثاني من الفاجعة الذي تم في هذا اليوم تحدثنا عنه خلال الكلام عن حياة الائمة (ع) وسوف نتحدث عنه أيضاً خلال كلامنا عن مناسبات اخرى في حياة الائمة (ع).

وأود الآن ان أقتصر على الجزء الاول من هذه الفاجعة يعني ان انظر الى الحدث الذي وقع في هذا اليوم بوصفه حدثا قد وضع حداً لتلك الظاهرة العظيمة التي اقترنت مع هبوط الانسان على وجه الارض، ظاهرة الوحي ظاهرة ارتفاع الانسان وتفانيه للإتصال المباشر مع الله سبحانه وتعالى.

ففي مثل هذا اليوم وضع حد نهائي لهذه الظاهرة المباركة الميمونة وفي بعض الروايات ان جبرائيل (ع) حينما ارتفع ملائكة السماء بروح محمد (ص) الى ربها راضية مرضية، التفت الى الارض مودعاً ثم طار الى سماواته.

هذا اليوم كان يوم انقطاع الانسانية عن الاتصال المباشر باللّه سبحانه بانتهاء حياة خاتم الانبياء والمرسلين.

بهذه المناسبة اريد ان اعطي فكرة موجزة على مستوى بحث اليوم عن الوحي، الوحي الذي يتمثل في اتصال خاص بين الانسان وبين الله.

فالوحي هو ضرورة من ضرورات تخليد الانسان على وجه الارض وبهذا خلق الله الانسان واودعه الاستعداد الكامل والارضية الصالحة بافاضة هذه الموهبة منه سبحانه لأن ضرورة الوحي يمكن ان توضع في قبال جانبين في الانسان الآن اقتصر على أحد الجانبين:

الانسان خلق حسياً أكثر منه عقلياً خلق يتفاعل مع حسه أكثر مما يتفاعل مع عقله، يعني ان النظريات والمفاهيم العقلية العامة في اطارها النظري هذه المفاهيم حتى لو آمن بها الانسان إيماناً عقلياً حتى لو دخلت الى ذهنه دخولاً نظرياً مع هذا لا تهزه ولا تحركه ولا تبنيه ولا تزعزع ما كان فيه ولا تنشئه من جديد إلا في حدود ضيقة جداً. على عكس الحس فان الانسان الذي يواجه حساً، ينفعل بهذا الحس و ينجذب إليه، وينعكس هذا الحس على روحه


{ 47 }

ومشاعره وانفعالاته وعواطفه بدرجة لا يمكن أن يقاس بها انعكاس النظرية والمفهوم المجرد عن أي تطبيق حسي.

وليس من الصدفة ان كان الانسان على طول الخط في تاريخ المعرفة البشرية أكثر ارتباطاً بمحسوساته من معقولاته وأكثر تمسكاً بمسموعاته ومنظوراته من نظرياته.

فإن هذا هو طبيعة التسليم الفكري والمعرفي عند الانسان وليس من الصدفة ان قرن إثبات أي دين بالمعجرة وكانت أكثر معاجز الانبياء معاجز على مستوى الحس لأن الانسان يتأثر بهذا المستوى أكثر مما يتأثر بأي مستوى آخر إذن: ( فالإنسان بحسب طبيعة جهازه المعرفي وتكوينه النظري خلق حسياً أكثر منه عقلياً) خلق متفاعلاً مع هذا المستوى من الانخفاض من المعرفة أكثر مما هو متفاعل مع المستوى النظري المجرد عن المعرفة وهذا يعني ان الحس أقدر على تربية الانسان من النظر العقلي المجرد ويحتل من جوانب وجوده وشخصيته وابعاد مشاعره وعواطفه وانفعالاته أكثر مما يحتل العقل: المفهوم النظري المجرد.

بناء على هذا كان لا بد للانسانية من حس مربي، زائد على العقل والمدركات العقلية الغائمة الغامضة التي تدخل الى ذهن الانسان بقوالب غير محدودة وغير واضحة.

إضافة الى هذه القوالب كان لا بد لكي يربى الانسان على أهداف السماء على مجموعة من القيم والمثل والاعتبارات كان لا بد من ان يربى على أساس الحس وهذا هو السبب في ان كل الحضارات التي يعرفها تاريخ النوع البشري الى يومنا هذا الى حضارة الانسان الاوروبي التي تحكم العالم ظلماً وعدواناً كل هذه الحضارات التي انقطعت عن السماء رباهاً الحس ولم يربها العقل، لأن الحس هو المربي الاول دائماً فكان لا بد لكي يمكن تربية الانسان على اساس حس يبعث في هذا الانسان انسانيته الكاملة الممثلة لكل جوانب وجوده الحقيقية كان لا بد من خلق حس في الانسان يدرك تلك القيم والمثل والمفاهيم ويدرك التضحية في سبيل تلك القيم والمثل إدراكاً حسياً لا إدراكاً عقلانياً بقانون الحسن والقبح العقليين فقد وهذا يعني ما قلناه من ان ضرورة الانسان في خط التربية تفرض أن يودع في طبيعة تكوينه وخلقه أرضية تكون صالحة، لأن


{ 48 }

تكون فيه حسيا بحسن العدل بقبح الظلم بآلام المظلومين، أن تكون فيه حسا بكل ما يمكن للعقل إدراكه وما لا يمكن إدراكه من قيم ومثل واعتبارات.

وهذه الأرضية او هذا الاستعداد الكامل الذي كان الارتباط المباشر مع الله سبحانه وتعالى لكي تنكشف كل الصحف كل الستائر عن كل القيم وكل المثل وكل هذه الاعتبارات والاهداف العظيمة لكي ترى رؤية العين وتسمع سماع الاذن لكي يلمسها بيده يراها بعينه.

كان لا بد من ان توجد بذرة مثل هذا الحس في النوع البشري الا ان وجدان هذه البذرة في النوع البشري لا يعني ان كل انسان سوف يصبح له مثل هذا الحس وينفتق إدراكه عنه وانما يعني ان الامكانية الذاتية موجودة فيه الا ان هذه الامكانية لن تخرج الى مرحلة الفعلية الا ضمن شروطها وظروفها وملابساتها الخاصة كأي إمكانية اخرى في الانسان.

هناك شهوات وغرائز موجودة في الانسان منذ يخلق وهو طفل ولكنه لا يعيش تلك الشهوات ولا يعيش تلك الغرائز الى مراحل متعاقبة من حياته فإذا مر بمراحل متعاقبة من حياته تفتحت تلك البذور حينئذ اصبح يعيش فعلية تلك الشهوات والغرائز كذلك على مستوى هذا الحس الذي هو أشرف واعظم واروع ما اودع في طبيعة الانسان.

هذا قد لا يعيشه مئات الملايين من البشر في عشرات الآلاف من السنين، قد لا يتفتح يبقى مجرد استعداد خام و ارضية ذاتية تمثل الامكان الذاتي لهذه الصيغة فقط دون ان تتفتح عن وجود مثل هذا الحس لان تفتحه يخضع لما قلناه من الملابسات والشروط التي لها بحث آخر اوسع من كلامنا اليوم.

أرضية ان يحس الانسان بتلك القيم والمثل تصبح امراً واقعياً في اشخاص مميزنين يختصهم الله تعالى بعنايته ولطفه واختياره وهؤلاء هم الانبياء والمرسلون الذين يرتفعون الى مستوى ان تصبح كل المعقولات الكاملة محسوسات لديهم يصبح كل ما نفهمه وما لا نفهمه من القيم والمثل أمراً حسياً لديهم يحسونه ويسمعونه ويبصرونه.

ذلك ان الافكار التي ترد الى ذهن الانسان تارة ترد الى ذهنه وهو لا يدرك


{ 49 }

إدراكاً حسياً مصدر هذه الافكار، الافكار التي ترد الى الانسان كلنا نؤمن بأنها أفكار بقدرة الله وعنايته وردت الى ذهن الانسان و إلى فكره لكن إيماننا بذلك ايمان عقلي نظري لا حسيّ لأن اللّه سبحانه وتعالى هو مصدر العلم والمعرفة والأفكار الخيرة في ذهن الانسان ولهذا أي فكرة من هذا القبيل تطرأ في ذهن الانسان نؤمن عقلياً بأنها من اللّه سبحانه وتعالى.

لكن هناك فارق كبير بين حالتين: بين حالة ان ترد فكرة الى ذهن الانسان فيحس بان هذه الفكرة القيت اليه من أعلى بحيث يدرك إلقاءها من أعلى كما تدرك أنت الآن أن الحجر وقع من أعلى يدرك هذا بكل حسه وبصره يدرك ان هذه القطرة هذا الفيض هذا الاشعاع قد وقع من اعلى ألقي عليه من اللّه سبحانه وتعالى.

واخرى لا يدرك هذا على مستوى الحس يدركه عقلياً يدرك ان هناك فكرة تعيش في ذهنه نيرة خيرة لكنه لم ير بعينه ان هناك يداً قذفت بهذه الفكرة الى ذهنه.

وهذه الافكار التي تقذف في ذهن الانسان فيتوفر لدى ذاك الانسان حس بها بأنها قذفت اليه من الله سبحانه وتعالى وافيضت عليه من واجب الوجود واهب الوجود وواهب المعرفة فهي ايضاً على اقسام.

لأن هذا الانسان تارة قد بلغ حسه الى القمة فاستطاع ان يحس بالعطاء الالهي من كل وجوهه وجوانبه يسمعه ويبصره يراه في جميع جهاته يتعامل معه ويتفاعل معه بكل ما يمكن للحس ان يتفاعل مع الحقيقة هذا هو الذي يعبر عنه بمصطلح الروايات على ما يظهر من بعضها بمقام عال من الانبياء مقام الرسول الذي يسمع الصوت ويرى الشخص ايضاً.

ويمكن ان نفترض ان هناك الواناً اخرى من الحس تدعم هذا الحس السمعي والبصري عند هذا الانسان العظيم فهو يحس بالحقيقة المعطاة من الله تعالى من جميع جوانبها يحس بها بكل ما اوتي من ادوات الحس بالنسبة اليه هذه هي الدرجة العالية من الحس وقابلية الاتصال مع العمل الإلهي.

واخرى يفترض انه يحس بها من بعض جوانبها وهو الذي عبر عنه بانه


{ 50 }

يسمع الصوت ولا يرى الشخص هذا احساس الا انه احساس ناقص وقد يفترض انه اقل من ذلك وهو الذي عبر عنه في بعض الروايات بانه يرى الرؤيا في المنام هنا يرى هذه الرؤيا المنامية وهي طبعاً تختلف عن الرؤيات في اليقظة من حيث درجة الوضوح.

فهنا فارق كيفي بين الحس والرؤيا المنامية والرؤيا في عالم اليقظة والانتباه الكامل.

هناك درجات من الحس وعلى وفق هذه الدرجات وضعت مصطلحات الرسول والنبي والمحدّث والامام، ونحو ذلك من المصطلحات، انه الذي يمثل اعلى هذه الدرجات هو الوحي المتمثل في ملك يتفاعل معه النبي تفاعلاً حسياً من جميع جوانبه كما كان يعيش سيد المرسلين (ص) مع جبرائيل (ع) هنا رسول الله (ص) يعيش الحقيقة الالهية عيشاً حسياً من جميع جوانبها. يعيشها كما نعيش نحن على مستوى حسناً ووجود رفيقنا وصديقنا، لكن مع فارق بين هذين الحسين بدرجة الفارق بين المحسوسين.

هذا الحس هو الذي استطاع ان يربي شخص النبي (ص) وأعد لكي يكون المثل الاول والرائد الاول لخط هذه القيم والمثل والاهداف الكبيرة.

يعني هذا الحس قام بدور التربية للنبي (ص) لانه استنزل القيم والمثل والاهداف والاعتبارات العظيمة من مستواها الغائم المبهم من مستواها الغامض العقلي من مستوى النظريات العمومية فأعطاها معالم الحس التي لا ينفعل الانسان كما قلنا بقدر ما ينفعل بها بهذا تصبح الصورة المحسوسة التي هبطت على النبي (ص) على أي نبي من الانبياء ملء وجوده ملء روحه ملء كيانه.

تصبح همه الشاغل في ليله ونهاره لأنها امامه يراها يحسها... يلمسها ويشمها بأروع مما نلمس ونشم ونسمع ونبصر.

ثم هذا الشخص الذي استطاع ان يربيه الحس القائم على الوحي يصبح هو حساً مربياً للآخرين. فالآخرون من ابناء البشرية الذين لم تتح لهم الظروف، ظروفهم وملابساتهم وعناية الله ان يرتفعوا هم الى مستوى هذا الحس الذين لم يتح لهم هذا الشرف العظيم سوف يتاح لهم الحس لكن بالشكل


{ 51 }

غير المباشر حس بالحس لا حس بالحقيقة الالهية مباشرة، حس بالمرآة الحقيقية الالهية انعكست على هذه الحقيقة الالهية يعني المعطى الالهي - الثقافة الالهية - انعكست على هذه المرآة والآخرون يحسون بهذه المرآة بينما النبي (ص) نفسه كان يحس مباشرة بتلك الثقافة الالهية بما هي امر حسي لا بما هي امر نظري اما نحن نحس محمداً (ص) بما هو رجل عظيم بما هو رجل استطاع ان يثبت للبشرية ان هناك اعتباراً وهدفاً فوق كل المصالح والاعتبارات فوق كل الانانيات فوق كل الامجاد المزيفة والكرامات المحدودة ان هناك انساناً لاينقطع نفسه اذا كان دائماً بيسير على خط رسالة الله سبحانه وتعالى هذا المضمون الذي للإنسان ان يدركه عقلياً هذا المضمون الذي حشد ارسطو وافلاطون مئات الكتب بالبرهنة العقلية عليه على امكانية الاستمرار اللامتناهي من اللامتناهي هذا المعنى اصبح لدى البشرية امراً محسوساً خرج من نطاق اوراق ارسطو وافلاطون التي لم تستطع ان تصنع شيئاً والتي لم تستطع ان تفتح قلب انسان على الصلة بهذا اللامتناهي واصبحت امراً حسياً يعيش مع تاريخ الناس لكي يكون هذا الامر المحسوس هو التعبير القوي دائماً عن تلك القيم والمثل وهو المربي للبشرية على اساس تلك القيم والمثل.

فالوحي بحسب الحقيقة اذن هو المربي الاول للبشرية الذي لم يكن بالامكان للبشرية ان تربى بدونه لان البشرية بدون الوحي ليس لديها الا حس بالمادة وما على المادة من ماديات، والا ادراك عقلي غائم قد يصل الى مستوى الايمان بالقيم والمثل وباللّه الا انه ايمان عقلي على أي حال لا يهز قلب هذا الانسان ولا يدخل الي ضميره ولا يسمع كل وجوده ولا يتفاعل مع كل مشاعره وعواطفه.

فكان لا بد أن يستنزل ذلك العقل على مستوى الحس لا بد ان تستنزل تلك المعقولات على مستوى الحس وحيث ان هذا ليس بالامكان ان يعمل مع كل الناس لأن كل انسان مهيأ لهذا ولهذا استصفي لهذه العملية اناس معينون اوجد الله تبارك وتعالى فيهم الحس القائد الرائد هذا الحس رباهم هم اولا وبالذات ثم خلق وجوداً حسياً ثانوياً هذا الوجود الحسي الثانوي كان هو المربي للبشرية.


{ 52 }

والخلاصة لئن بقيت القيم والمثل والاهداف والاعتبارات عقلية محضة فهي سوف تكون قليلة الفهم ضعيفة الجذب بالنسبة الى الانسان وكلما امكن تمثيلها حسياً اصبحت اقوى واصبحت اكثر قدرة على الجذب والدفع.

اذا كان هذا حقاً فيجب أن نخطط لانفسنا ونخطط في علاقاتنا مع الآخرين على هذا الاساس.

يجب أن نخطط في انفسنا على هذا المستوى ومعنى ان نخطط في انفسنا على هذا يعني ان لا نكتفي بأفكار عقلية نؤمن بها نضعها في زاوية عقلنا كايمان الفلاسفة بآرائهم الفلسفية لا يكفي ان نؤمن بهذه القيم والمثل ايماناً عقلياً صرفاً بل يجب ان نحاول... ان نستنزلها الى اقصى درجة ممكنة من الوضوح الحسي طبعاً نحن لا نطمع ان نكون انبياء ولانطمع ان نحظى بهذا الشرف العظيم الذي انغلق على البشرية بعد وفاة النبي (ص) ولكن مع هذا الوضوح مقول بالتشكيك على حسب اصطلاح المناطق ليس كل درجة من الوضوح معناها النبوة هناك ملايين من درجات الوضوح قبل ان تصبح نبياً. يمكن ان تكسب ملايين من درجات الوضوح، وهذه المراتب المتصاعدة قبل ان تبلغ الى الدرجة التي اصبح فيها موسى (ع) في لحظة استحق فيها ان يخاطبه اللّه سبحانه وتعالى او قبل ان يصل الانسان الى الدرجة التي بلغ اليها محمد (ص) حينما هبط عليه اشرف كتب السماء هناك ملايين من الدرجات هذه الملايين بابها مفتوح امامنا ولا بد ان لا نقتصر ان لا نزهد في هذا التطوير العقلي للقيم والمثل الموجود عندنا لا بد لنا ان لا نقتصر وان نطمع في اكثر من هذا الوضوح وفي اكثر من هذا من التحدد ومن الحسية لا بد لنا ان نفكر في ان يعبأ كل وجودنا بهذا القيم والمثل لكي تكون على مستوى المحسوسات بالنسبة الينا.

من اساليب استنزال هذه القيم والمثل الى مستوى المحسوسات هو التأثير الذهني عليها باستمرار حينما توحي الى نفسك باستمرار بهذه الافكار الرفيعة حينما توحي الى نفسك باستمرار بانك عبد مملوك للّه سبحانه وتعالى وان الله تبارك وتعالى هو المالك المطلق لامرك وسلوكك ووجودك وهو المخطط لوضعك ومستقبلك وحاضرك وانه هو الذي يرعاك بعين لا تنام في دنياك


{ 53 }

وآخرتك حينما توحي الى نفسك باستمرار بمستلزمات هذه العبودية من انك مسؤول امام هذا المولى العظيم مسؤول ان تطيعه ان تطبق خطه، أن تلتزم رسالته، ان تدافع عن رايته ان تلزم شعاراته حينما تسر الى نفسك وتؤكد على نفسك باستمرار ان هذا المعنى للعبودية لانك دائماً وابداً يجب ان تعيش مع الله.

حينما توحي الى نفسك بانك يجب ان تعيش للّه سوف تتعمق دقة العيش للّه في ذهنك سوف تتسع سوف تصبح بالتدريج شبحاً يكاد ان يكون حسياً بعد ان كان نظرياً عقلياً صرفاً.

أليس هناك اشخاص من الاولياء والعلماء والصديقين قد استطاعوا ان يبصروا محتوى هذه القيم والمثل بام اعينهم ولم يستطيعوا ان يبصروها بام اعينهم الا بعد ان عاشوها عيشا تفصيلياً مع الالتفات التفصيلي الكائن وهذه عملية شاقة جداً لان الانسان كما قلنا ينفعل بالحس وما اكثر المحسوسات من امامه ومن خلفه الدنيا كلها بين يديه تمتع بحسه في مختلف الاشياء وهو يجب عليه دائماً وهو يعيش في هذه الدنيا التي تنقل الى عينه مئات المبصرات، وتنقل مئات المسموعات، يجب عليه ان يلقن نفسه دائماً بهذه الافكار ويؤكد هذه الافكار خاصة في لحظات ارتفاعه وفي لحظات تساميه لان اكثر الناس الا من عصم الله تحصل له لحظات التسامي، وتحصل له لحظات الانخفاض.

ليس كل انسان يعيش محمداً (ص) مئة بالمئة والا لكان كل الناس من طلابه الحقيقيين كل انسان لا يعيش محمداً الا لحظات معينة تتسع وتضيق بقدر تفاعل هذا الانسان برسالة محمد (ص).

اذن ففي تلك اللحظات التي تمر على أي واحد منا ويحس بان قلبه منفتح لمحمد (ص) وان عواطفه ومشاعره كلها متأججة بنور رسالة هذا النبي العظيم (ص). في تلك اللحظات يغتنم تلك الفرصة ليخترن وانا اؤمن بعملية الاختران يعني أؤمن بان الانسان في هذه اللحظة اذا استوعب افكاره وأكد على مضمون معين وخزنه في نفسه سوف يفتح له هذا الاختران في لحظات الضعف بعد هذا حينما يفارق هذه الجلوة العظيمة حينما يعود الى حياته الاعتيادية سوف يتعمق بالتدريج هذا الرصيد هذه البذرة التي وضعها في


{ 54 }

لحظة الجلوة في لحظة الانفتاح المطلق على اشرف رسالات السماء تلك البذرة سوف تشعره وسوف تقول له في تلك اللحظة اياك من المعصية اياك من ان تنحرف قيد انملة عن خط محمد (ص).

كلما ربط الانسان نفسه في لحظات الجلوة والانفتاح بقيود محمد (ص) واستطاع ان يعاهد نبيه العظيم (ص) على ان لا ينحرف عن رسالته على ان لا يتململ عن خطه على ان يعيشه ويعيش اهدافه ورسالته واحكامه حينئذ بعد هذا حينما تفارقه هذه الجلوة وكثيراً ما تفارقه اذا أراد ان ينحرف يتذكر عهده يتذكر صلته بمحمد (ص) تصبح العلاقة حينئذ ليست مجرد نظرية عقلية بل هناك اتفاق هناك معاهدة هناك بيعة اعطاها لهذا النبي (ص) في لحظة حس في لحظة قريبة من الحس.

كان كأنه يرى النبي امامه فبايعه.

لو ان أي واحد منا استطاع ان يرى النبي (ص) بأم عينه. أو رأى امامه امام زمانه عجل اللّه تعالى فرجه رأى قائده بأم عينه وعاهده وجهاً لوجه على ان لا يعصي على ان لا ينحرف على ان لا يخون الرسالة هل بالامكان لهذا الانسان بعد هذا لو فارقته تلك الجلوة ولو ذهب الى ما ذهب ولو عاش أي مكان واي زمان هل بإمكانه ان يعصي؟ هل يمكنه ان ينحرف او يتذكر دائماً صورة ولي الامر عجل اللّه تعالى فرجه وهو يأخذ منه هذه البيعة وهذا العهد على نفسه.

نفس هذه العملية يمكن ان يعملها أي واحد منا لكن في لحظة الجلوة في لحظة الانفتاح.

كل انسان من عندنا يعيش لحظة لقاء الامام عجل اللّه تعالى فرجه من دون ان يلقى الامام عجل اللّه تعالى فرجه ولو مرة واحدة في حياته هذه المرة الواحدة او المرتين والثلاثة يجب ان نعمل لكي تتكرر لأن بالامكان أن نعيش هذه اللحظة دائماً هذا ليس امراً مستحيلاً بل هو امر ممكن والقصة قصة اعداد وتهيئة لأن نعيش هذه اللحظة حتى في حالة وجود لحظات أكثر بكثير تعيش


{ 55 }

فيها الدنيا تعيش فيها أهواء الدنيا ورغبات الدنيا وشهوات الدنيا مع هذا يجب أن تخلف فينا هذه اللحظة رصيداً يجب ان تخلق فينا بذرة منعة عصمة قوة قادرة على ان تقول: لا، حينما يقول الاسلام: لا، ونعم حينما يقول الاسلام ذلك.

هذه اللحظة يجب ان نغتنمها ويجب ان نختزن لكي تتحول بالتدريج هذه المفاهيم الى حقائق وهذه الحقائق الى محسوسات وهذه المحسوسات الى جهاد نعيشه بكل عواطفنا ومشاعرنا وانفعالاتنا آناء الليل واطراف النهار ونحن ما احوجنا الى ذلك لان المفروض أننا نحن الذين يجب أن نبلغ للناس نحن الذين يجب اننشع بنور الرسالة على الناس. نحن الذين يجب أن نحدد معالم الطريق للأمة والمسلمين اذن فما احوجنا الى ان يتبين لنا الطريق تبيناً حسياً تبيناً اقرب ما يكون الى تبين الانبياء وطرقهم.

ليس عبثاً وليس صدفة ان رائد الطريق دائماً كان انساناً يعيش الوحي لانه كان لا بد له ان يعيش طريقه بأعلى درجة ممكنة للحس حتى لا ينحرف حتى لا يتململ حتى لا يضيع حتى لايكون سبباً في ضلال الآخرين. ونحن يجب ان ندعو ان نتضرع الى اللّه دائماً لان يفتح امام اعيننا معالم الطريق ان يرينا الطريق رؤية عين لا رؤية عقل فقط ان يجعل هذه القيم وهذه المثل والطريق الى تجسيد هذه القيم وهذه المثل شيئاً محسوساً بكل منعطفات هذا الطريق وبكل صعوبات هذا الطريق وما يمكن ان يصادفه في اثناء هذا الطريق.

لا بد لنا ان نفكر في ان نحصل اكبر درجة ممكنة من الوضوح في هذا الطريق هذا بيننا وبين انفسنا..

واما العبرة التي نأخذها بالنسبة الينا مع الآخرين نحن ايضاً يجب ان نفكر في اننا سوف لن نطمع في هداية الآخرين عن طريق اعطاء المفاهيم فقط عن طريق اعطاء النظريات المجردة فقط وتصنيف الكتب العميقة كل هذا لا يكفي القاء المحاضرات النظرية لا يكفي.

لا بد لنا ان نبني تأثيرنا في الآخرين ايضاً على مستوى الحس يجب ان نجعل الآخرين يحسون منا بما ينفعلون به انفعالاً طيباً طاهراً مثالياً فان الآخرين مثلنا، الآخرون هم بشر والبشر ينفعلون بالحس أكثر مما ينفعلون


{ 56 }

بالعقل فلا بد اذن ان نعتمد على هذا الرصيد أكثر مما نعتمد على ذلك الرصيد.

كتاب مئة كتاب نظري لا يساوي ان تعيش الحياة التي تمثل خط الانبياء حينما تعيش الحياة التي تمثل خط الانبياء بوجودك بوضعك باخلاقك بايمانك بالنار والجنة ايمانك بالنار والجنة حينما ينزل الى المستوى الحس الى مستوى الرقابة الشديدة الى مستوى العصمة حينما ينزل الى هذا المستوى يصبح امراً محسوساً يصبح هذا الايمان امراً حسياً حينئذ سوف يكهرب الآخرين ولا نطمع بالتأثير عليهم على مستوى النظريات فحسب فان هذا وحده لا يكفي وان كان ضرورياً ايضاً ولكن يجب ان نضيف الى التأثير على مستوى النظريات تطهير انفسنا وتكميل ارواحنا وتقريب سلوكنا من سلوك الانبياء (ص) وأوصياء هؤلاء الانبياء لنستطيع ان نجسد تلك القيم والمثل بوجودنا امام حس الآخرين قبل ان نعطيها بعقول الآخرين او توأماً مع اعطائها لعقول الآخرين...

اللهم وفقنا للسير في خط اشرف انبيائك والالتزام بتعالميه غفر اللّه لنا ولكم جميعاً.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net