متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
11 - بداية الانحراف
الكتاب : أهل البیت تنوع أدوار و وحدة هدف    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

11 - بداية الانحراف

 

كنا نريد أن نحدد دور الائمة (ع)، والمخلصين ممن يدور في فلكهم من اهل البيت (ع)، والواعين من المسلمين في عصرهم في حماية الاسلام، ورد الفعل على ما يقع من انحراف بعد وفاة النبي الاعظم (ص).

هناك دور مفروض للأئمة (ع) في نص الشريعة الاسلامية، في عالم التشريع، وهو دور صيانة تجربة الاسلام، تجربة المجتمع الاسلامي التي أنشأها النبي (ص)، وكان المفروض ان هذه القيادة تتسلسل في هؤلاء الأئمة (ع) الاثني عشر (ع) واحداً بعد الآخر.

الا اننا نريد ان نتحدث عن هذا الدور التشريعي وادلته ومبرراته، يعني لانريد ان ندرس مواطن العبرة من حياة الأئمة (ع) ونفهم ان الائمة (ع) بعد ان أقصوا عن مراكزهم القيادية في تزعم التجربة الاسلامية للمجتمع والدولة وللامة، ماذا كان وصفهم، فان معرفة وضع الائمة بعد الاقصاء مما يؤثر في حالنا ومما نحن فيه من خط في عملنا، وفي تصورنا وموقفنا الاسلامي تجاه قضايانا واهدافنا، الفكرة التي اريد ان أعرضها خلال ايام عديدة الخصها في البدء بعدة كلمات ثم بعد هذا ابدأ بتطبيقها.

ماذا جابه الاسلام

إن الاسلام جابه بعد وفاة النبي (ص)، انحرافاً خطيراً في صميم التجربة الاسلامية التي أنشأها النبي (ص) للمجتمع الاسلامي والامة الاسلامية، وهذا الانحراف في التجربة الاجتماعية للامة والتجربة السياسية للامة في الدولة الاسلامية، كان بحسب طبيعة الاشياء من المفروض ان يتسع ليتعمق بالتدريج على مر الزمن، الانحراف يبدأ بذرة، وتنمو هذه البذرة، وكلما تحقق مرحلة من الانحراف تمهد هذه المرحلة لمرحلة اوسع وارحب، فكان من المفروض ان يصل هذا الانحراف الى خط منحن، طوال عملية تاريخية زمنية طويلة المدى، يصل الى الهاوية فتمر التجربة الاسلامية للمجتمع


{ 128 }

والدولة، لتصبح مليئة بالتناقضات من كل جهة ومن كل صوب، وتصبح عاجزة عن مجاراة ومواكبة الحد الادنى من حاجات الامة ومصالحها حتى تعلن عن افلاسها نهائياً عن مواكبة الحد الادنى من حاجات هذه الامة وعن الحلول بالحد الادنى للقضايا التي تتبناها وللرسالة التي تعلن عنها، فحينما يتسلسل الانحراف في خط تصاعدي من هذه القبيل أو في خط تنازلي الى الهاوية من هذا القبيل، فمن المنطقي في فهم تسلسل الاحداث، ان هذا التجربة سوف تتعرض بعد مدى من الزمن لانهيار كامل، يعني ان الدولة والمجتمع الاسلامي والحضارة الاسلامية لقيادة المجتمع سوف تتعرض للانهيار الكامل لأن هذه التجربة حين تصبح ملأى بالتناقضات، وحين تصبح عاجزة عن مواجهة وظائفها الحقيقية، تصبح عاجزة عن حماية نفسها، لأن التجربة تكون قد استنفدت امكانية البقاء والاستمرار على مسرح التاريخ كما ان الامة ليست على مستوى حمايتها، لأن الامة لا تجني من هذه التجربة الخير الذي تفكر فيه، ولاتحقق عن طريق هذه التجربة الآمال التي تصبو اليها، فلا ترتبط بأي ارتباط حياتي حقيقي معها، فالمفروض ان تنهار هذه التجربة في مدى من الزمن، تنهار كنتيجة نهائية، وخاتمة حتمية لبذرة الانحراف التي غرست فيها.

معنى انهيار الدولة الاسلامية:

ومعنى انهيار الدولة الاسلامية ان تسقط الحضارة الاسلامية وتتخلى عن قيادة المجتمع، والمجتمع الاسلامي يتفكك، والاسلام يقصى عن مركزه كقائد للمجتمع وكقائد للامة، لكن الامة تبقى طبعاً المسلمون يبقون كأمة التجربة، تجربة المجتمع والدولة تفشل وتخطئ وتنهار امام اول غزو يغرها، كما انهارت التجربة امام الغزو التتري، الذي واجه الخلافة العباسية، وواجه الدولة الاسلامية في اواخر الخلافة العباسية.

هذا الانهيار يعني ان الدولة والتجربة سقطت ام ان الامة بقيت، لكن هذه الامة ايضاً بحسب تسلسل الاحداث من المحتوم ان تنهار فبعد ان تنهار التجربة، الامة كأمة تدين بالاسلام، وتؤمن بالاسلام، وتتفاعل مع الاسلام ايضاً تنهار، لماذا: لأن هذه الامة، عاشت الاسلام الصحيح الكامل زمناً قصيراً، وهو الزمن الذي مارس فيه التجربة شخص الرسول (ص) الاعظم


{ 129 }

وبعد هذا عاشت تجربة منحرفة، هذه التجربة المنحرفة ما استطاعت ان تعمق فيها الرسالة وتعمق فيها المسؤولية تجاه عقيدتها، وتثقفها وتحصنها وتزودها بالضمانات الكافية لعدم الانهيار امام حضارة جديدة، وغزو جديد، وافكار جديدة يحملها الغازي الى بلاد الاسلام، فهذا الغازي الذي يأتي يحطم التجربة، يحطم المجتمع الاسلامي، يحطم الدولة الاسلامية، يأتي معه بتقاليد ومفاهيم حضارية، سوف تؤثر على الامة الاسلامية التي لم تعرف الاسلام معرفة حقيقية كاملة طيلة هذه التجربة المنحرفة، فسوف لن تجد هذه الامة الاسلامية، في نهاية هذه التجربة المنحرفة، بعد ان اهينت كرامتها، وبعد ان حطمت ارادتها، وبعد ان غلت اياديها عن طريق الزعامات التي مارست تلك التجربة المنحرفة وبعد ان فقدت روحها الحقيقية سوف لن تقدر على تحصين نفسها ضد ما يطرأ بعد انهيار التجربة، وحينئذ ستنهار الامة ايضاً كما انهارت التجربة.

الامة ايضاً سوف تنهار بالاندماج مع العالم الكافر الذي غزاها سوف تذوب الامة، وتذوب الرسالة والعقيدة، وتصبح الامة خبراً بعد ان كانت امراً حقيقياً على مسرح التاريخ، وبهذا ينتهي دور الاسلام.

هذا هو التسلسل المنطقي بقطع النظر عن دور الائمة (ع)، تبدأ بذرة الانحراف بعد النبي (ص) بحكم طبيعة الاشياء، وينمو هذا الانحراف بالتدريج، يتعمق بالتدريج، تتردى التجربة بالتدريج حتى تصبح عاجزة عن حماية نفسها وتصبح الامة ايضاً عاجزة عن حماية هذه التجربة، فتتعرض لنكسة امام أي غزو يأتي من الخارج وسوف تصبح هذه الامة حينئذ مجموعة من البشر المتميعين الذائبين الخانعين، الغير الواعين والغير الملتفتين لرسالتهم، فبطبيعة الحال ان هذا الامة سوف تنهار، وسوف تتفتت كأمة، فتسقط بعد ان سقطت التجربة.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net