متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
أحداث كانت وراءها قريش
الكتاب : آيات الغدير    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

الفصـل الخامـس
آية: سأل سائـل بعذاب واقـع

قال الله تعالى في مطلع سورة المعارج:

سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع، من الله ذي المعارج... الى آخر السورة الكريمة التي تبلغ 44 آية.

أحداث كانت وراءها قريش

نمهد لتفسير الآية بذكر فهرس عددٍ من الأحداث الخطيرة في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله.. ثبت أن قريشاً كانت وراء بعضها، وتوجد مؤشرات توجب الظن بأنها كانت وراء الباقي.

الأولى:

محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وآله في حنين.. وقد تقدم في البحث الخامس اعتراف بعض زعماء قريش بها!

الثانية:

محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وآله في العقبة في طريق رجوعه من تبوك، وقد كانت محاولة متقنةً، نفذتها مجموعةٌ منافقة بلغت نحو عشرين شخصاً، وقد عرفوا أن النبي صلى الله عليه وآله سيمر ليلاً من طريق الجبل بينما يمر الجيش من طريقٍ حول الجبل، وكانت خطتهم أن يكمنوا فوق الطريق الذي سيمر فيه الرسول صلى الله عليه وآله، حتى إذا وصل


الصفحة 286

الى المضيق ألقوا عليه ما استطاعوا من صخورٍ لتنحدر بقوةٍ وتقتله، ثم يفرون ويضيعون أنفسهم في جيش المسلمين، ويبكون على الرسول، ويأخذون خلافته!

وقد تركهم الله تعالى ينفذون خطتهم، حتى إذا بدؤوا بدحرجة الصخور، جاء جبرئيل وأضاء الجبل عليهم، فرآهم الرسول صلى الله عليه وآله وناداهم بأسمائهم، وأراهم لمرافقيْه المؤمنيْن: حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، وأشهدهما عليهم، فسارع المنافقون ونزلوا من الجهة الثانية من الجبل، وضيعوا أنفسهم في المسلمين! !

أما لماذا لم يعلن الرسول أسماءهم؟!

فلا جواب إلا أنهم من قريش، ومن المعروفين فيها.. وإعلان أسمائهم يعني معاقبتهم، ومعاقبتهم تعني خطر ارتداد قريش عن الإسلام، وإمكان إقناعها بعض قبائل العرب بالإرتداد، بحجة أن محمداً أعطى كل شيء من بعده لبني هاشم، ولم يعط لقريشٍ والعرب شيئاً!

وهذا يعني السمعة السيئة للإسلام، وأن نبيه صلى الله عليه وآله بعد أن آمن به أصحابه اختلف معهم، وقاتلهم وقاتلوه!

ويعني الحاجة من جديد الى بدرٍ وأحدٍ والخندق وفتح مكة!

ولن تكون نتائج هذه الدورة للإسلام أفضل من الدورة الأولى!

فالحل الإلَهي هو: السكوت عنهم ما داموا يعلنون قبول الإسلام، ونبوة الرسول صلى الله عليه وآله، وينكرون فعلتهم.

ومن الملاحظ أن روايات مؤامرة العقبة ذكرت أسماء قرشية معروفة، وقد ضعَّفها رواة قريش طبعاً، لكن أكثرهم وثقوا ابن جميْع وغيره من الرواة الذين نقلوا عن حذيفة بن اليمان أسماء هؤلاء الزعماء المشاركين فيها!

كما أنهم رووا عن حذيفة وعمار رواياتٍ فاضحةٍ لبعض الصحابة الذين كانوا يسألونهما عن أنفسهم: هل رأياهم في الجبل ليلة العقبة؟! ويحاولون أن يأخذوا منهما براءةً من النفاق والمشاركة في المؤامرة!


الصفحة 287

ورووا أنهم كانوا يعرفون الشخص أنه من المنافقين أم لا، عندما يموت.. فإن صلى حذيفة على جنازته فهو مؤمن، وإن لم يصل على جنازته فهو منافق.

ورووا أن حذيفة لم يصل على جنازة أي زعيمٍ من قريشٍ مات في حياته! !

الثالثة:

قصة سورة التحريم، التي تنص على أن النبي صلى الله عليه وآله أسرَّ بحديثٍ خطيرٍ الى بعض أزواجه، وأكد عليها أن لا تقوله لأحد، ولا بد أن الله تعالى أمره بذلك لحِكَمٍ ومصالح يعلمها سبحانه.. فخالفت (أم المؤمنين) حكم الله تعالى، وأفشت سر زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله، وعملت مع صاحبتها لمصلحة (قريش) ضد مصلحة زوجها الرسول.. فأطْلع الله تعالى نبيه على مؤامرتهما، فأخبرهما بما فعلتا، ونزل القرآن بكشف سرهما وسر من ورائهما، وهددهما وضرب لهما مثلاً بامرأتي نوح ولوط، اللتين خانتاهما، فدخلتا النار! !

أما رواة الخلافة القرشية فيقولون إن المسألة كانت عائلية، تتعلق بغيرة النساء من بعضهن، وببعض الأخطاء الفنية الخفيفة لهن مع النبي صلى الله عليه وآله !

إنهم يريدونك أن تغمض عينيك عن آيات الله تعالى في سورة التحريم، التي تتحدث عن خطرٍ عظيمٍ على الرسول صلى الله عليه وآله والرسالة، وتحشد أعظم جيشٍ جرارٍ لمواجهة الموقف فتقول (إن تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما، وإن تظاهرا عليه، فإن الله هو مولاه، وجبريل، وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير)

فلمن صغت قلوبهما، ولمصلحة من تعاونتا على الرسول صلى الله عليه وآله ؟!

وما هي القضية الشخصية التي تحتاج معالجتها الى هذا الجيش الإلَهي الجرار، الذي لا يستنفره الله تعالى إلا لحالات الطوارىَ القصوى؟!

أما ابن عباس الذي يصفونه بحبر الأمة، فكان يقرأ الآية (زاغت قلوبكما) وبذلك تكون اثنتان من أمهات المؤمنين احتاجتا الى تجديد إسلامهما!

الرابعة:

حادثة هجر النبي صلى الله عليه وآله لنسائه شهراً، وشيوع خبر طلاقه لهن.. وذهابه بعيداً عنهن وعن المسجد، الى بيت مارية القبطية الذي كان في طرف المدينة أو خارجها..


الصفحة 288

فقد صورت الروايات القرشية هذه الحادثة على أنها حادثةٌ شخصية.. شخصيةٌ بزعمهم وشغلت النبي صلى الله عليه وآله والوحي والمسلمين!

وادعوا أن سببها كثرة طلبات نسائه المعيشية منه صلى الله عليه وآله، وأكدوا أنه لا ربط للحادثة بقضايا الإسلام المالئة للساحة السياسية آنذاك، والشاغلة لزعماء قريش خاصة..

الخامسة:

تصعيد عمل قريشٍ ضد علي بن أبي طالب عليه السلام لإسقاط شخصيته، وغضب النبي صلى الله عليه وآله وشدته عليهم في دفاعه عن علي، وتركيزه لشخصيته.. ولهذا الموضوع مفرداتٌ عديدة في حروب النبي وسلمه وسفره وحضره صلى الله عليه وآله، ونلاحظ أنها كثرت في السنة الأخيرة من حياته صلى الله عليه وآله، وغضب بسببها مراراً، وخطب أكثر من مرة، مبيناً فضل علي عليه السلام وفسق أو كفر من يؤذيه!

ولو لم يكن من ذلك إلا قصة بريدة الأسلمي الكاسحة، التي روتها مصادر السنيين بطرقٍ عديدة، وأسانيد صحيحة عالية، وكشفت عن وجود شبكة عملٍ منظم ترسل الرسائل وتضع الخطط ضد علي عليه السلام، وسجلت إدانة النبي صلى الله عليه وآله الغاضبة لهم، وتصريحه بأن علياً وليكم من بعدي، وحُكمه بالنفاق على كل من ينتقد علياًوكل من لا يحب علياً، ولا يطيعه.. !

وهي حادثةٌ تكفي دليلاً على ظلم زعماء قريش وحسدهم لعلي عليه السلام... الخ. !

السادسة:

منع تدوين سنة النبي صلى الله عليه وآله في حياته.. أما القرآن فقد كان عامة الناس يكتبونه من حين نزوله، وكان النبي صلى الله عليه وآله يأمر بوضع ما ينزل منه جديداً بين منبره والحائط، وكان يوجد هناك ورقٌ ودواةٌ، لمن يريد أن يكتبه.

وكان علي عليه السلام يكتب القرآن، وحديث النبي صلى الله عليه وآله الذي يأمره بكتابته.

وكان آخرون يكتبون حديث النبي صلى الله عليه وآله، ومنهم شبانٌ قرشيون يعرفون الكتابة مثل عبد الله بن عمرو بن العاص..

وقد أحست قريش بأن ذلك يعني تدوين مقولات النبي صلى الله عليه وآله العظيمة في حق عترته وبني هاشم، ومقولاته في ذم عددٍ كبيرٍ من فراعنة قريش وشخصياتها..


الصفحة 289

فعملت على منع كتابة سنة النبي صلى الله عليه وآله في حياته، في حين أن بعض زعمائها كان يكتب أحاديث اليهود، ويحضر درسهم في كل سبت! ! وقد وثقنا ذلك في كتاب تدوين القرآن.

وقد روت مصادر السنيين أن عبد الله بن عمرو شكى الى النبي صلى الله عليه وآله أن (قريشاً) نهته عن كتابة حديثه، لأن أحاديثه التي فيها غضبٌ عليها ليست حجة شرعا!

قال أبو داود في سننه: 2|176:

عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيءٍ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه، فنهتني قريش (؟) وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه؟! ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يتكلم في الغضب والرضا؟! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه الى فيه فقال: أكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق!. انتهى. ورواه أحمد في مسنده: 2| 192، و215، والحاكم في المستدرك: 1|105 و: 3|528، وصححه.

السابعة:

محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وآله في طريق عودته من حجة الوداع عند عقبة هرشى، وقد كشف الوحي المؤامرة، وكانت شبيهةً الى حد كبيرٍ بمؤامرة اغتياله صلى الله عليه وآله في العقبة، في طريق رجوعه من مؤتة!

الثامنة:

تصعيد قريش انتقادها لأعمال النبي صلى الله عليه وآله لتركيز مكانة عترته عليهم السلام وأسرته بني هاشم في الأمة، واعتراض عددٍ منهم عليه بصراحةٍ ووقاحةٍ، ومطالبتهم بأن يجعل الخلافة لقريش تدور في قبائلها، أو يشرك مع علي غيره من قبائل قريش، وقد رفض النبي صلى الله عليه وآله كل مطالبهم، لأنه لا يملك شيئاً مع الله تعالى، ولم يعط شيئاً من عنده حتى يمنعه، وإنما هو عبدٌ ورسولٌ مبلغ! ! صلى الله عليه وآله.

وقد تقدم نص تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى|167، وفيه (جاءه قوم من قريش فقالوا له: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن الناس قريبو عهد بالإسلام، لا يرضون أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمك علي بن أبي طالب. فلو عدلت به الى غيره لكان أولى.


الصفحة 290

فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله: ما فعلت ذلك برأيي فأتخير فيه، لكن الله تعالى أمرني به وفرضه علي.

فقالوا له: فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك، فأشرك معه في الخلافة رجلاً من قريش تركن الناس اليه، ليتم لك أمرك، ولا يخالف الناس عليك.

التاسعة:

أن النبي صلى الله عليه وآله عندما كان مريضاً شكل جيشاً بقيادة أسامة بن زيد، وجعل تحت إمرته كل زعماء قريش غير بني هاشم، وعقد اللواء لأسامة بن زيد، وأمره أن يسير الى مؤتة في الأردن لمحاربة الروم.. أراد بذلك أن يرسخ قدرة الدولة الإسلامية ويأخذ بثار شهداء مؤتة، وأراد أن يفرغ المدينة من المعارضين لعلي عليه السلام قبيل وفاته صلى الله عليه وآله !

فخرج أسامة بمن معه وعسكر خارج المدينة، ولكن زعماء قريش أحبطوا خطة النبي صلى الله عليه وآله بتتثاقلهم عن الإنضمام الى جيش أسامة، وتأخيرهم من استطاعوا عنه، ثم طعنوا في تأمير النبي صلى الله عليه وآله لأسامة الأفريقي الشاب، بحجة صغر سنه، وواصلوا تسويفهم الوقت، والذهاب الى معسكر أسامة ثم الرجوع الى المدينة.. حتى صعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر وشدد على إنفاذ جيش أسامة، وأبلغ المسلمين صدور اللعنة من ربه عز وجل ومنه صلى الله عليه وآله على كل من تخلف عن جيش أسامة! !

العاشرة:

تصعيد قريش فعاليتها في مواجهة النبي صلى الله عليه وآله، وقرارها الخطير بمواجهته صلى الله عليه وآله مباشرةً إذا أراد أن يستخلف علياً وأهل بيته من بعده رسمياً!

وبالفعل فقد قام بمهمة المواجهة زعيم قريش الجديد عمر بن الخطاب، وذلك عندما جمع النبي صلى الله عليه وآله زعماء قريش والأنصار في مرض وفاته، وأخبرهم أنه قرر أن يكتب لأمته كتاباً لن تضل بعده أبداً، فعرفوا أنه يريد أن يثبت ولاية علي وأهل بيته عليهم السلام على الأمة بصورة مكتوبة، فواجهه عمر بصراحة: لا نريد كتابك وأمانك من الضلال، ولا سنتك ولا عترتك، وحسبنا كتاب الله! وحتى تفسيره من حقنا نحن لا من حقك، وحق عترتك! !


الصفحة 291

وأيده القرشيون الحاضرون ومن أثَّروا عليه من الأنصار، وصاحوا في محضر نبيهم صلى الله عليه وآله: القول ما قاله عمر! !

وانقسم المودعون لنبيهم في آخر أيامه، وتشادوا بالكلام فوق رأسه صلى الله عليه وآله! ! منهم من يقول قربوا له قلماً وقرطاساً يكتب لكم أماناً من الضلال. وأكثرهم يصيح: القول ما قاله عمر، لا تقربوا له شيئاً، ولا تدَعُوهُ يكتب! !

ولعل جبرئيل حينذاك كان عند النبي صلى الله عليه وآله فقد كثر نزوله عليه في الأيام الأخيرة، فتشاور معه وأخبره أن الحجة قد تمت، والإصرار على الكتاب يعني دفع قريش نحو الردة، والحل هو الإعراض عنهم، وإكمال تبليغهم بطردهم! !

فطردهم النبي صلى الله عليه وآله وقال لهم: قوموا فما ينبغي عند نبي تنازع! قوموا، فما أنا فيه خير مما تدعوني اليه.. ! !

وحديث إيتوني بدواةٍ وقرطاسٍ حديث معروفٌ، وقد سمى ابن عباس تلك الحادثة (رزية يوم الخميس)، وقد رواها البخاري في ست مواضع من صحيحه!

الحادية عشرة:

كان النبي صلى الله عليه وآله مصاباً بحمى شديدة في مرضه، وكان يغشى عليه لدقائق من شدة الحمى ويفيق.. فأحس بأن بعض من حوله أرادوا أن يسقوه دواء عندما أغمي عليه، فأفاق ونهاهم، وشدد عليهم النهي بأن لا يسقوه أي دواء إذا أغمي عليه.. ولكنهم اغتنموا فرصة الإغماء عليه بعد ذلك، وصبوا في فمه دواء فرفضه، ولكنهم سقوه إياه بالقوة! !

فأفاق النبي صلى الله عليه وآله، ووبخهم على عملهم! وأمر كل من كان حاضراً أن يشرب من ذلك الدواء، ماعدا بني هاشم! !

ورووا أن الجميع شربوا من (ذلك) الدواء! !

هذه الحادثة المعروفة في السيرة بحادثة (لَدّ النبي) صلى الله عليه وآله ينبغي أن تعطى حقها من البحث والتحقيق، فربما كانت محاولةً لقتل النبي صلى الله عليه وآله بالسم! !


الصفحة 292

إن وكل واحدة من هذه الحوادث تصلح أن تكون موضوعاً لرسالة دكتوراه.. ولكنا أردنا منها التمهيد لتفسير آية (سأل سائل) في مطلع سورة المعارج.

وإذا أردت أن تعرف الأبطال الحقيقيين لهذه الحوادث، والأدمغة المخططة لها.. فابحث عن قريش! !

وإذا أردت أن تفهم أكثر وتتعمق أكثر، فابحث.. عن علاقة قريش باليهود! ! فاعجب من ذلك، وافهم كيف عصم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله من أن ترتد قريش في حياته، وتعلن كفرها بنبوته!

ولكنه لم يعصمه من أذاها ومؤامراتها.. فذلك هو طريق الأنبياء عليهم السلام وتكاليفه.. لا تغيير فيها!

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net