متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
دلائل محبة الله
الكتاب : معرفة النفس    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة

    دلائل محبة الله :
    ان حب الله ليس شيئاً خفياً وانما له ظواهر وحقائق وانعاكاسات على جوارح الانسان وبها يعرف الانسان هل هو محب ام لا ؟ هل يحب الله ام يحب غيره ؟ فما هي هذه الدلالات التي تعرف بها اننا نحب الله دون سواه ؟

    1 ـ استقرار حب الله :
    في قلب الانسان دون غيره وابعاد جميع الميول والانشدادات الدنيوية عن قلبه واعطاء القيمة العليا لرضا الله سبحانه وتعالى ، وقد صرح القرآن


(103)

الكريم بذلك وقال : ( قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) (1).
    وفي الحديث عن الامام الصادق ( عليه السلام قال : « لا يمحض رجل الايمان بالله حتى يكون الله احب اليه من نفسه وابيه وامه وولده واهله ومن الناس كلهم » (2).
    اذن عندما نجد ان احد تلك الامور الدنيوية مسيطرة على نفوسنا بشكل يزاحم الشوق لرضا الله فلا بد ان نشك في حبنا لله لان « دليل الحب ، ايثار المحبوب على من سواه » (3) كما قال الامام الصادق ( عليه السلام ) ، وعنه ايضا « القلب حرم الله فلا تسكن حرم الله غير الله » (4).
    وعن الرسول ( صلى الله عليه وآله والائمة ( عليهم السلام ) الى ان حب الله وحب الدنيا لا يجتمعان في قلب واحد ابداً فعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « حب الدنيا وحب الله لا يجتمعان في قلب ابداً » (6).
    وعن الامام علي ( عليه السلام ) قال : « كيف يدعي حب الله من سكن قلبه حب الدنيا » (7).


1 ـ سورة براءة : ـ 25.
2 ـ ميزان الحكمة : ج 2 ص 212.
3 ـ نفس المصدر : ج 2 ص 209.
4 و 5 ـ نفس المصدر : ج 2 ص 213.
6 و 7 ـ نفس المصدر : ص 228.


(104)

    وعنه ايضاً ( عليه السلام ) « كما ان الشمس والليل لا يجتمعان كذلك حب الله وحب الدنيا لا يجتمعان ».
    وفي دعاء للامام زين العابدين ( عليه السلام : « اللهم اني اسئلك ان تملأ قلبي حباً لك » (1).
    وفي دعاء للرسول ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم اجعل حبك احب الاشياء الي ... » (2).
    وعنه ايضاً : « اللهم اني اسئلك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك ، اللهم اجعل حبك الي من نفسي واهلي ومن الماء البارد » (3).

    2 ـ مناجاة الله وذكره بخضوع :
    فمن يحب شخصاً فانه دعائماً يذكره الايام التي قضاها معه ، واذا ما كان ذلك الانسان شديد المساعدة له فانه يتذكره ايضا في المشاكل والملمات والحاجات ، كذلك من يحب الله سبحانه وتعالى فانه لابد ان يكون ذاكراً له دائماً ومعدداً نعمته عليه ومناجياً له حين الازمات والعقبات والنكبات مسبحا له ومقدساً وممجداً ومكبراً ولائذاً له دون سواه لان الاسباب بيده والخلائق عباده.
    لذلك ترى شغله الشاغل هو ذكر الله.

    وفي الحديث عن الامام علي ( عليه السلام ) : « من احب شيئاً لهج


1 و 2 و 3 ـ نفس المصدر : ص 214.


(105)

بذكره » (1).
    وعن الامام الصادق ( عليه السلام ) : « فيما اوحى الله تعالى الى موسى ( عليه السلام ) كذب من زعم انه يحبني فاذا جنه الليل نام عني ، اليس كل محب يحب خلوة حبيبه ؟! ، ها انا ذا عمران مطلع علي احبائي ، اذا جنهم الليل حولت ابصارهم من قلوبهم ، ومثلت عقوبتي بين اعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ويكلموني عن الحضور ، يابن عمران هب لي من قلبك الخشوع ومن بدنك الخضوع ومن عينك الدموع في ظلم الليل وادعني فانك تجدني قريباً مجيباً » (2).
    وعن الامام الصادق ايضاً : « حب الله اذا اضاء على سر عبد اخلاه عن كل شاغل وكل ذكر سوى الله عنده ظلمة والمحب اخلص سراً لله واصدقهم قولاً واوفاهم عهداً وازكاهم عملاً ، واصفاهم ذكراً واعبدهم نفساً تتباهى الملائكة عند مناجاته وتفتخر برؤيته ، وبه يعمر الله تعالى بلاده ، وبكرامته يكرم عباده ، يعطيهم اذا سألوا بحقه ويدفع عنهم البلايا ، برحمته فلوا علم الخلق ما محله عند الله ومنزلته لديه ما تقربوا الى الله الا بتراب قدميه » (3).
    وعن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : « علامة حب الله تعالى حب ذكر الله ، وعلامة بغض الله تعالى بغض ذكر الله عزوجل » (4).
    وعن الامام علي ( عليه السلام ) : « القلب المحب لله يحب كثيراً النصب لله ، والقلب اللاهي عن الله يحب الراحة ، فلا تظن يابن آدم! انك تدرك رفعة البر بغير مشقة فان الحق ثقيل مر ... » (5).
    وفي دعاء كميل فقرات تعلم الانسان كيف يطلب من ربه ان يوصله الى


1 ـ نفس المصدر : ص 209.
2 و 3 ـ بحار الانوار : ج 70 ص 15.
4 و 5 ـ ميزان الحكمة : ج 2 ص 226.


(106)

قمة الخشوع والتبتل .. « واجعل اوقاتي من اليل والنهار بذكرك معمورة » ، « واجعل لساني بذكرك لهجا وقلبي بحبك متيما ».

    3 ـ الانقياد لاوامر الله :
    ان الانسان المحب لله سبحانه وتعالى والقريب منه لايمكن ان يعصيه او يخالف احكامه ، وانما ينقاد لاوامره انقياد العارف بقدر الله سبحانه وتعالى.
    وفيما اوصى الله تعالى الى داود ( عليه السلام ) : « يا داود من احب حبيباً صدق قوله ومن رضى بحبيب رضى فعله ، ومن وثق بحبيب اعتمد عليه ومن اشتاق الى حبيب جد في السير اليه » (1). وفي الحديث « من آنس بحبيب قبل قوله ورضى فعله » (2).
    وعن الامام الصادق ( عليه السلام ) : « ما احب الله عزوجل من عصاه ثم تمثل فقال :

تعصي الاله وانت تظهر حبه لو كان حبك صادقاً لاطعتـه هذا محال في الفعال بديـع ان المحب لمن يحب مطيع

    4 ـ الشوق لله والتضحية في سبيله :
    كما ان الانسان المحب لاخر لابد وان يشتاق للقائه والاجتماع به ويستعد لذلك اللقاء ويعمل قصارى جهده من اجل انجاح ذلك اللقاء ولو كلفه الكثير من المصروفات والعناء ، كذلك من يحب الله فانه يشتاق الله ويرغب في ملاقاته ، ولذلك تجده يعد للآخرة ويزرع لما بعد الحياة ليلقي الله سعيداً ولذلك ايضاً هو يشتاق الى لقاء الله ولايخاف من الموت.


1 و 2 ـ المصدر السابق.


(107)

    ان احد الاولياء يوصي اصدقائه بان يهنؤه عن موته لقدومه على الله سبحانه فيقول :

اذا ما صار فرشي من تراب فهنوني اصحـابي وقولـوا وبت مجاور الرب الرحيـم لك البشرى قدمت على كريم

    وفي الدعاء للامام الصادق ( عليه السلام ) : « سيدي انا من حبك جائع لا اشبع ، ان من حبك ظمآن لا اروى ، واشوقاه الى من يراني ولا اراه ... » (1)
    وفيما اوصى الى داود ( عليه السلام ) : يا داود : ذكري للذاكرين وجنتي للمطيعين وحبي للمشتاقين وانا خاصة للمحبين » (2).
    وفي الدعاء للامام زين العابدين ( عليه السلام ) ؛ « اللهم اني اسئلك ان تملأ قلبي حباً وخشية منك وتصديقاَ لك وايماناَ وفرقاَ منك ، وشوقاً اليك » (3).
    وفي الدعاء ايضا للرسول ( صلى الله عليه وآله ) : « اللهم اجعل حبك احب الاشياء الي واجعل خشيتك اخوف الاشياء عندي واقطع عني حاجات الدنيا بالشوق الى لقائك » (4).
    ان الانسان المؤمن الذي يحب الله قد يلاقي اذى كثيراً في جنب الله ويكابد المشاق والمعاناة ولكنه مع ذلك يشعر ان ذلك الاذى له لذة كبيرة جداً تنسيه التعب اكثر لذة من ذلك الاب الذي يعمل من اجل ان يصرف على


1 و 2 و 3 و 4 ـ ميزان الحكمة : ج 2 ص 213.


(108)

عياله ويرتاح لذلك.
    والتاريخ ينقل لنا نماذج فذة احبت الله فامتلكها الشوق للقائه واستقبلت الآلام والاخطار بسرور وارتياح في سبيل الله ، فهذا عمار بن ياسر ( رضوان الله عليه ) في يوم صفين وهو يخوض غمرات الحرب كان يخاطب الله سبحانه وتعالى قائلاً : « اللهم انك تعلم اني لو اعمل رضاك في ان اقذف بنفسي في هذا النهر لفعلت ، اللهم انت تعلم اني لو اعلم ان رضاك في ان اضع ظبة سيفي في بطني ثم انحني عليه حتى يخرج من ظهري لفعلت ، اللهم اني اعلم مما علمتني اني لا اعمل عملا صالحا هذا اليوم هو ارضى من جهاد هؤلاء الفاسقين ، ولو اعلم اليوم عملاً هو ارضى لك منه لفعلته » (1).
    وآخر في معركة كربلاء وهو عابس بن ابي شبيب الشاكري قبل ان يلج المعركة كان يقول للامام الحسين ( عليه السلام ) : « يا ابا عبد الله اما والله ما امسى على ظهر الارض قريب ولا بعيد اعز علي ولا احب الي منك ، ولو قدرت على ان ادفع عنك الضيم والقتل بشيء اعز علي من نفسي ودمي لفعلته ، السلام عليكم يا ابا عبد الله ، اشهد الله اني على هديك هدي ابيك ».
    ثم مشى بالسيف مصلتاً نحوهم ـ نحو الاعداء ـ وبه ضربة على جبينه قال ابو مخنف : حدثني نمير بن وعلة عن رجل من بني عبد من همدان يقال له ربيع بن تميم شهد ذلك اليوم ، قال : لما رأيته مقبلاً عرفته ، وقد شاهدته في المغازي وكان اشجع الناس ، فقلت : ايها الناس هذا اسد الاسود ، هذا ابن ابي شبيب لايخرجن اليه احد منكم ، فاخذ ينادي الا رجل لرجل !. فقال عمر بن سعد ارضخوه بالحجارة قال : فرمي بالحجارة من كل جانب


1 ـ حليف مخزوم : ص 240.


(109)

فلما رأى ذلك القى درعه ومغفره ، ثم شد على الناس ، فوالله لرايته يكر اكثر من مائتين من الناس ، ثم انهم انعطفوا عليه من كل جانب فقتل » (1).
    وثالث في معركة بدر الكبرى وهو معاذ بن عمرو بن الجموح كان يبارز ابا جهل وعندما ضربه ضربة اطاح بها رجله من الساق اخذت ابنه عكرمه الحمية فضرب معاذ على عاتقه فطرح يده من العاتق وبقيت معلقة بجلده فذهب يسحبها بتلك الجلدة ولما آذته وضع عليها رجله ثم تمطى عليها فقطها. وواصل القتال ، فهل كان ذلك يؤلمه ؟ كلا انه كان يتلذذ بهذا الاذى بحبه لله.
    وهذا الامام الحسين ( عليه السلام ) الذي يتجسد فيه حب الله بكل ابعاده قد قدم في يوم عاشوراء كله اهله واصحابه في سبيل الله ، بل وقد اعز ابن له وهو علي الاكبر الذي كان يحبه حباً جماً الا ان حب الله كان هو الاكثر على شخصيته ، وحتى طفله الصغير قدمه قرباناً في سبيل الله ، فحينما اصابه سهم مشؤوم من قبل الاعداء وهو على صدره تلقى الحسين دم وليده بيده ورمى به نحو السماء وهو يقول : « هو علي ما نزل بي انه بعينك التي لا تنام »
    وهو القائل في آخر لحظة من حياته وهوعلى رمضاء كربلاء والدماء تنزف من جسمه الشريف :

تركت الخلق طراً في هواك فلو قطعتني في الحب أرباً وأيتمت العيال لكي اراك لما مال الفؤاد الى سواك


1 ـ عابس ابن ابي شبيب الشاكري : ص 22 ـ 23.


(110)

    5 ـ بغض الكافرين والمفسدين :
    ومن دلائل حب الانسان لربه انه يبغض من يبغضه الله سبحانه وتعالى ، فعن الامام الصادق ( عليه السلام ) : « طلبت حب الله عزوجل فوجدته في بغض اهل المعاصي » (1).
    وعن الامام الباقر ( عليه السلام ) : « ... اعلم رحمك الله انا لاننال محبة الله الا ببغض كثير من الناس ولا ولايته الا بمعاداتهم ... » (2).
    وقال تعالى في كتابه الكريم : ( لاتجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الاخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم وابناءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه ، ويدخلهم جنات تجري من تحتاها الانهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون ) (3)

    6 ـ مساعدة المؤمنين :
    الانسان الذي يحب الله سبحانه وتعالى فانه يحب عباده المؤمنين ، فكما اننا في حياتنا الاجتماعية نكرم ابناء واقرباء اصدقائنا واعزتنا فكذلك يجب ان نكرم المؤمنين من عباد الله اكراماً لله وتقديراً للايمان به.
    وقد وردت احاديث كثيرة توضح اهمية مساعدة الفقراء والمحتاجين من المؤمنين وقد اعتبر الله الانسان المعين للعباد من افضل عباده واحبهم واقربهم اليه ، فعن الامام الصادق ( عليه السلام ) : « الا وان احب المؤمنين الى الله من اعان المؤمن الفقير من الفقر في دنياه ومعاشه ، ومن اعان ونفع ودفع


1 ـ ميزان الحكمة : ج 2 ص 216.
2 ـ المصدر السابق : ج 2 ص 215.
3 ـ سورة المجادلة : ـ 22.


(111)

المكروه عن المؤمنين » (1).

 


1 ـ ميزان الحكمة : ج 2 ص 218.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net